لم يكن العالم يعرف الكثير عن “تنظيم الدولة الإسلامية ” (داعش) قبل أن يستولى على الموصل – ثاني أكبر مدن العراق، في يونيو 2014، رافعا شعار “الخلافة ” التي تغطي مساحات واسعة من العراق وسوريا. لكن الحقيقة أن هذه الجماعة كانت تقوم ببناء وجودها في كلا البلدين لسنوات، لينتشر تأثيرها منذ ذلك الحين في أنحاء كثيرة من العالم.
لكن النقطة التي تثير انتباه المحللين والمراقبين وخاصة في أفريقيا, هي عندما أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي, في نهاية عام 2016، أن الجماعة “توسعت وحولت بعض قيادتها ووسائط إعلامها وثروتها إلى أفريقيا”.
وكما جاء في ملف أعدّه “جوزيف سيغل” من المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية: فقد”أشارت مجلة دابق التابعة لتنظيم داعش إلى أن مناطق أفريقيا التي كانت جزءا من “الخلافة”: “المنطقة التي تضم السودان وتشاد ومصر كولاية الكنانة؛ والمنطقة التي تشمل إريتريا وإثيوبيا والصومال وكينيا وأوغندا كأرض الحبشة؛ ومنطقة شمال أفريقيا التي تضم ليبيا وتونس والمغرب والجزائر ونيجيريا والنيجر وموريتانيا كالمغرب الكبير، ولاية الخلافة”. وبغض النظر عن التجمعات الإثنية واللغوية غير المتطابقة المدرجة في كل من هذه “الولايات”، فإن رغبة داعش في تأسيس وجودها في أفريقيا منذ فترة طويلة كانت جزءا من رؤيته لخلافة عالمية.”
ومع ذلك، فإنه بالنظر إلى عدد الخسائر التي يتكبدها داعش في معاقله بالعراق وسوريا منذ عام 2015وإنحسارسيطرته عن كثير من المناطق ، تثار عدة تساؤلات حول تأثير هذه التطورات للجماعة الأم على حركات العنف الأفريقية التابعة لها؟.
في البداية لابد من الإشارة إلى أن التهديد الذي تشكله جماعات العنف في أفريقيا ليس متجانسا. إذ تتركز معظم هذه المجموعات الأفريقية جغرافيا على الأهداف الإقليمية أو السياسية المحلية.
وعليه, “تختلف علاقات داعش ونفوذه مع كل من هذه المجموعات (الأفريقية) اختلافا كبيرا,” يقول جوزيف سيغل, “وبالتالي، فإن التوقعات المستقبلية لتنظيم داعش في سوريا والعراق يمكن أن تكون لها آثار متباينة على الجماعات في أفريقيا “.
جماعة بوكو حرام في نيجيريا
ما زال هناك اختلاف حول حقيقة معنى “بوكو”, الكلمة الأولى من اسم الجماعة, حيث نرى من يدّعي أنها مستمدة من كلمة “Book” للكتاب. لكن الحقيقة أن ذلك الرأي منافٍ للواقع واستخدامات أهل اللغة الهوساوية وسكان المنطقة التي نشأت فيها الجماعة. ولذلك أوضح خبير اللغة الأفريقية “بول نيومان” أن لا علاقة بين الكلمتين “Book” و “Boko” عندما يتعلق الأمر بالمعنى, ولكنهما فقط ضمن ما يطلق عليه اللغويون ” أشباه النظائر”.
بعد أن أعلن أبو بكر شيكاو، زعيم جماعة بوكو حرام، عن ولاء جماعته لتنظيم داعش في عام 2015، كان المراقبون يرون أن ذلك قد يعني تقديم الدعم اللازم لتقويتها ومساندتها, غير أن دعم داعش لبوكو حرام منذ ذلك الوقت لا يزال هامشيّا, حتى وإن كان هناك بعض الأدلة على أن مواد العلاقات العامة التي أنتجتها بوكو حرام بعد ولائها للتنظيم شهد شيئا من التحسن.
بل إن بعض المؤشرات تفيد بأن داعش لم يتبن توجها استراتيجيا ملموسا، أو رقابة تنظيمية، أو تمويلا، أو إرسال مقاتلين لدعم عمليات بوكو حرام. وبدلا من ذلك – كما يقول جوزيف سيغل – يواصل مقاتلو بوكو حرام تحركاتهم بشمال شرق نيجيريا مع تركيز عملياتهم في نيجيريا والمناطق الحدودية في الكاميرون والنيجر.
وبالتالي حسب الدكتور سيغل: “من غير المرجح أن يكون للتراجع المستمر في قدرات داعش في سوريا والعراق أثر كبير في قدرة “بوكو حرام” التشغيلية أو التركيز. وبالمثل، إذا كان داعش سيستعيد الأراضي والموارد في الشرق الأوسط، فمن غير المتوقع أن يترجم ذلك إلى دعم إضافي كبير لبوكو حرام في المستقبل القريب,” .
وينبغي ألا يغيب عن أذهاننا في هذا الإطار أن نشأة بوكو حرام كانت سابقة على نشأة داعش ، ومن ثم فعلى المستوى الميداني ستظل بوكو حرام بنفس الطريقة التي عملت بها خلال السنوات الماضية.
إذن, ما هو تأثير داعش الرئيسي على بوكو حرام؟
يجيب الدكتور سيغل بشكل بسيط: “السمعة”.
لأن داعش في ذروته يمثل قوة ديناميكية ناجحة “تحاكي رؤية الدولة العالمية. وكانت هذه الصورة جذابة للغاية للمسلحين الشباب الذين توجهوا إلى الجهاد. وبهذه الطريقة، اُعتُبر التزام بوكو حرام بالولاء لتنظيم داعش في مارس 2015 م فرصة لربط ثروات بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا لقضية أوسع. ونتيجة لذلك فإنه على المستوى الأيديولوجي فيعتقد أن مستقبل داعش في سوريا والعراق من المرجح أن يؤثر بشكل كبير على بوكو حرام. وإذا تمت هزيمة داعش مع آمالها القيادية لدولة عالمية، فإنه من المرجح أن تتبدد الجاذبية الأيديولوجية والدوافع لمقاتلي بوكو حرام والمجندين.”.
حركة الشباب في الصومال
ظهرت جماعة “حركة الشباب” كجناح الشباب المتطرف لاتحاد المحاكم الإسلامية الصومالي الذي لم يعد موجودا، والذي كان يسيطر على مقديشو في عام 2006 م.
ومنذ وقت طويل, تحتفظ حركة الشباب بعلاقات مع القاعدة, ولذلك كانت هي معادية لأنشطة داعش, بالرغم من أن عناصر انفصالية من حركة الشباب بذلت جهودا لإنشاء فروع تابعة لتنظيم داعش في الصومال .
حيث تناقلت وسائل الإعلام الدولية والمحلية نبأ تمدد تنظيم داعش إلى الصومال منتصف شهر اكتوبر 2015م و أخذ هذا الخبر حيزا كبيرا في وسائل الإعلام، وفي الحقيقة فإن تحركات العناصر المسلحة الموالية لداعش لا تستحق كل هذا الضجيج والإثارة والاهتمام ..
وأعلنت العناصر المسلحة المنشقة عن حركة الشباب بيعتها في المنشط والمكره لأمير تنظيم داعش العراقي أبوبكر البغدادي وذلك في شريط فيدو تم نشره في اليوتوب بداية شهر نوفمبر 2015م.
إلا أن حركة الشباب التي تعلن ولاءها الفكري والأيديولوجي لتنظيم القاعدة رفضت الانضمام إلى داعش وأطلقت حملة عسكرية في وقت مبكر للقضاء على أنصار داعش ، خاصة في الجنوب .
وقامت حركة الشباب باغتيال عدد من القيادات التي أعلنت مبايعتها لتنظيم داعش من بينهم حسين عبدي غيلي (من قبيلة أوغادين) والذي كان من أبرز القيادات العسكرية والفكرية للتنظيم، والشيخ بشير المعروف بأبي النعمان من قبيلة الرحنوين في نوفمبر 2015م وعدد آخرون.
لذلك لم يتمكن الأفراد الذين انشقوا عن حركة الشباب وانضموا لداعش في التمدد بشكل كبير كما وقع في بلدان أخرى.
ما هو تأثير داعش الرئيسي على حركة الشباب؟
يجيب جوزيف سيغل قائلا: “إن مصير تنظيم داعش في العراق وسوريا، ليس من المرجح أن يكون له تأثير مباشر أو قريب المدى على حركة الشباب. وبدلا من ذلك، فإن مسار جماعات العنف المسلحة في الصومال سيُشكّل بشكل أكبر من قبل قوى أخرى (مثل شرعية وفعالية الحكومة الصومالية الجديدة، وديناميات العشائر الصومالية، والتأثيرات الإيديولوجية..).”
القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي
توجد في منطقة الساحل مجموعات مسلحة منشقة تعهدت بالولاء لداعش وهي ما زالت تنتمي إلى تنظيم القاعدة. “وهذا يثير احتمال أن تؤدي عمليات الانتقال الإضافية لمقاتلي داعش من العراق وسوريا إلى تعزيز قدرة هذه الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش لضرب الأهداف في منطقة الساحل الشمالي” ,” ويضيف سيغل قائلا: “مع ذلك, فإن هذه الجماعات المنشقة قد وجهت بمقاومة قوية من قبل فصائل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.”
من الجدير بالذكر أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ليس مرتبطا بسياق أو جدول أعمال محلي معين, وهذا بخلاف غيره من الجماعات المسلحة في أفريقيا. كما أنه لا يستولي على الأراضي. وبدلا من ذلك، “كان لجماعاته التي تتسم بالمرونة في تحركاتها نطاق إقليمي يهدف لتصعيد الهجمات الدورية على الحكومة والأهداف التابعة للغرب في جميع أنحاء المنطقة. وبشكل عام، يبدو أن هذه الهجمات يتم تنفيذها بهدف الإعلام والبروز وإثبات الوجود فقط وليس لسبب استراتيجي. وقد أشار بعض المراقبين إلى أن استخدامهم للعنف يقصد منه إظهار أهميتهم المستمرة في مواجهة التغطية الإعلامية العالمية المتزايدة لهجمات تنظيم داعش. ومن المرجح أن ينظر إلى أي تدفق لمقاتلي داعش على أنه تهديد، مما قد يؤدي إلى زيادة نشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي،” على حد تعبير المحلل الأمني الدكتور جوزيف سيغل.
فما هي النتيجة؟
إن تنظيم داعش، بشكل عام، غير متجذر في المجتمعات التي تتواجد فيها الجماعات المسلحة الأكثر نشاطا في أفريقيا وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء.
وبحسب الاستنتاج الذي توصل إليه سيغل, يبدو أن “أقرب الروابط لداعش هي في تونس وسيناء، بالإضافة إلى كادر من المقاتلين النازحين من سرت في جنوب ليبيا ومنطقة الساحل.”
ومع ذلك، فإن جاذبية داعش الرئيسية داخل أفريقيا, قليلة من حيث الموارد وكبيرة من حيث قوة سمعته وأيديولوجيته. أو بعبارة الباحث في معهد لوي، دايفيل ويلز, الذي قال, إن رسالة “تنظيم الدولة الإسلامية” أصبحت تتردد مع جمهور ضيق ولكنه (أي الجمهور) عالمي.
لقد ولّدت سمعة داعش – القدرات التشغيلية، والسيطرة الإقليمية على مساحات واسعة من العراق وسوريا، والعنف المثير، ورفعها لشعار الخلافة – الحماسَ والزخم بين الشباب الأفارقة المنجذبين إلى الجهاد. غير أن تضاؤل نفوذ داعش وسيطرتها الإقليمية في العالم العربي، أدى إلى تزايد في فجوة المصداقية لنموذج إدعى المثالية والتفوق ، مما أدى إلى تراجع سمعته وشعبيته. وهذا سيقلل من تجنيده وتحالفه في أفريقيا.
ومع ذلك, يرى المحلل الأمني, جوزيف سيغل, أنه يجب أن يظل الاهتمام بتطورات الجماعات المسلحة والتي لها علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا في سياقه. “لأن الجماعات المسلحة الأكثر فتكا في أفريقيا (بوكو حرام وحركة الشباب) تسبق داعش في التأسيس والوجود، وترتكز على مجتمعاتها المحلية ومظالمها، ولا تعتمد على داعش في الموارد أو الدعم التشغيلي.”.