نظرة سريعة إلى الخريطة السكانية التي وضعها «مركز بيو للأبحاث الأمريكية» للمسلمين في العالم الصادر في أكتوبر 2009م؛ بوسعها أن تثير انتباه الباحثين لأكبر دولتين في القارة الإفريقية من حيث الكثـافة السكانية للمسلمين؛ فالدائرتان الإحصائيتان اللتان رسمهما المركز الأكبر في إفريقيا كانتا من نصيب مصر ونيجيريا لكونهما دولتين تضمان عشرات الملايين من المسلمين، ولا تكاد تنافسهما في ذلك دولة إفريقية أخرى بما فيها الدول العربية في إفريقيا.
وإذا كانت مصر بتاريخها الإسلامي العريق تعد إحدى حواضر الإسـلام التقليدية المعروفة؛ فإن نيجيريا تمثـل مخزوناً بشرياً إسلامياً كبيراً لا يمكن تجاهله في إفريقيا، يساوي في مجمله مجموع سكان المسلمين في ثلاث دول عربية بالشمال الإفريقي، أو كتلة سكانية مقاربة لتعداد المسلمين في القرن الإفريقي كله، بمجموع سكان – وفق بيـو – يتجاوز 78 مليون نسمة، يمثل نسبة مقاربة لتعداد «المسيحيين» في البلاد التي تحوي أكبر تعداد سكاني في إفريقيا برمتها.
لن نكون مضطرين لقبول الأرقام التي أعلنها المركز، والتي منها نسبة المسلمين في نيجيريا 50,4%, وهو رقم يقل عن معطيات إسلامية أخرى تقفز بتلك النسبة إلى حجمها الحقيقي، وهو ما لا يقل عن 60% وفقاً لما أكده لي رئيس مركز البحوث العربية النيجيري، حيث يميل إلى أن الأرقام التي تتراوح نسبتها بين 65% – 75% من تعداد السكان وتتردد في الداخل الإسلامي النيجيري؛ ربما كان مبالغاً فيها، غير أننا لا نعوّل كثيراً على هذه المعطيات، لأن المسلمين هناك بحاجة إلى بلورة استراتيجية تعتمد على جوهر التأثير ومضامينه دون الاقتصار على شكلية المعطيات.
وقد يكون من اللائق البحث في دلالات الأرقام الصادقة ونسبها الحقيقية حين تتوافر الإرادة الإسلامية الموحدة، وذلك لتحريك الراكد في معادلات القوة التي يوضع المسلمون في إفريقيا عادة في أطرافها, سواء أكانوا أكثرية أم أقلية، ولدينا بلا شك أكثريات متعددة في بلدان إفريقية كثيرة لكنهم يعانون – كالأقليات – تهميشاً ممنهجاً، وفي حال توفر تلك الإرادة فإن إنجاز مشروع إحصائي إسلامي عملاق يتمتع بمصداقية عالية سيكون أحد تجليات النهضة الإسلامية في إفريقيا, ولا سيما في تلك البلدان التي تضم داخل حدودها عشرات الملايين من المسلمين كنيجيريا، مع التسليم بأن الثقافة الإسلامية التي تقدّر كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية ترتكز على الفاعلية وتنبذ الغثائية التي تعود بالشعوب القهقرى.
الطريق شاق إذن، لكن سلوكه ليس أمراً مستحيلاً، وقد قطعت فيه بعض المؤسسات الإسلامية في نيجيريا خطوات طيبـة على الأصـعدة الإعلامية والتعليمية والسياسية، وعلى نحو يهدف إلى شيوع الفعالية، وربط نحو ثمانين مليوناً بثوابت دينها وأمتها العريضة، غير أن المأمول يبقى أكبر كثيراً من تلك الجهود المباركة، بما يتناسب مع قوة بشرية إسلامية كبيرة، ولا تبعد كثيراً عن المنطقة العربية مهد الحضارة الإسلامية وقاطرتها الأولى.
إن إقامة مشروع لنهضة المسلمين في نيجيريا لا بد أن يعتمد على معرفة نقاط الضعف التي سمحت للقوى التي «استعمرت» نيجيريا أن تغزوها، وساعدت خلفاءها على السير في طريق الاستغلال والهيمنة والإنهاك الحضاري، لكن الجهود المبذولة حتى الآن في إطار هذا المشروع غير مرضية، كما أن نقاط القوة التي يمتلكها الشعب النيجيري المسلم لم تُستغل قط، وهنا يبدو مكمن الخطر الأكبر عند أي مقاربة ترنو إلى معالجة الوضع المتراجع منذ الاحتلال البريطاني لنيجيريا 1903م وحتى هذه اللحظة، وما يستتبع ذلك سيظل في نطاق التشخيص المرحلي لمحاولة رؤية الواقع.
وبوسعنا أن نصف اللحظة الراهنة ونحللها، لكن سيبقى الأمر رهين التوصيف لا العلاج ما لم تحمل القوى الوطنية الإسلامية في نيجيريا مسؤوليتها إزاء هذه الدولة التي تبدو مرشحة لتدخل تحت «مشرط الاستعمار» الدقيق هذه المرة أيضاً، بما يسلب مسلميها بعض مكتسباتهم التي حققوها خلال العقود الماضية، وما لم يمد المسلمون خارج حدود نيجيريا يد المساعدة لمسلميها في جانب المعرفة والتوعية قبل كل مطلب آخر.
تبدو هذه الدولة ثرية بأحداثها التي تفتح شهية الباحثين عن الخبر المثير، ولا سيما إذا تعلق الأمر بمجازر تجذب أنظار العالم إليها لأيام، ثم تصرف الكاميرات الأبصار والألباب معاً إلى قضية أخرى، وهكذا حتى تغدو صورتها لدى العالم – و