نهر النيل هو أطول أنهار الدنيا؛ حيث يقطع النهر من منابعه عند بحيرة فيكتوريا حتى مدينة رشيد على البحر المتوسط مسافة تبلغ 6700 كم, يعبر خلالها عشر دول تُعرف باسم «دول حوض النيل», وهي: إريتريا، إثيوبيا, كينيا, أوغندا, تنزانيا, رواندا, بوروندي, الكونغو الديموقراطية، السودان, مصر. ويغطي النيل مساحة قدرها 2,96 مليون كم2, أي ما يعادل 10% من مساحة القارة الإفريقية.
ويستجمع النيل مياهه من منبعين رئيسين؛ هما: الهضبة الإثيوبية, وهضبة البحيرات الاستوائية، وتُعد الهضبة الإثيوبية هي الأهم، حيث تمد النيل عند مدينة أسوان فى مصر بنحو 85% من إيراده السنوي, أما هضبة البحيرات الاستوائية فيبلغ متوسط إيرادها السنوي 13 مليار م3, وهي أكبر المصادر انتظاماً في إمداد النيل بمياهه على مدار العام، وإن كانت لا تمد النيل عند مصبه إلا بنسبة 15% تقريباً من إيراده المائي السنوي.
أولاً: تنظيم الانتفاع بموارد نهر النيل:
سعت دول حوض النيل إلى تنظيم الانتفاع بموارد النهر وفق نظرية «الملكية المشتركة»، والتي تذهب إلى أن النهر الدولي من منبعه إلى مصبه؛ يُعد مملوكاً ملكية مشتركة بين جميع الدول التي يجري النهر في أقاليمها؛ بحيث تكون حقوقها متساوية ومتكاملة، فلا تنفرد إحداها دون موافقة الدول الأخرى بإقامة مشروع للانتفاع بمياه النهر في الجزء الذي يجري في إقليمها؛ ما دام هذا الانتفاع يؤدي إلي إحداث أي تأثير في جريان مياه النهر سواء بالزيادة أو النقص([1]).
البداية كانت في عهد محمد علي والي مصر، وذلك مع حملات سليم قبطان الثلاث خلال المدة من 1839م إلى 1842م لاستكشاف المنابع الاستوائية للنيل، فيما واصل الخديوي إسماعيل بن براهيم بن محمد علي المسيرة؛ بالاستعانة بالمكتشفين الأوروبيين، وإنشاء الجمعية الجغرافية عام 1875م، فتمكنت مصر في عهده من الوصول إلى منابع النيل الاستوائية حتى بحيرة فيكتوريا، وسُميت مدينة «غندكرو» في الجنوب السوداني باسم «الإسماعيلية»، وأُطلق على «بحيرة كيوجا» اسم «بحيرة إبراهيم», كما بسطت مصر سيطرتها على سواكن ومصوع عام 1865م، وزيلع عام 1875م، وتوغلت بعثاتها الكشفية في شمال الحبشة وشرقها، وهو ما أدى في النهاية إلى نشوب الحرب المصرية الحبشية (1875 – 1876م).
تلا ذلك توقيع عدد من الاتفاقات والمعاهدات لإقامة أطر تعاونية ومشروعات مشتركة بين دول حوض النيل، وتأمين انتفاع دول حوض النيل بموارد النهر، ولا سيما مصر والسودان (دولتي المصب)، وقد خلصت هذه الاتفاقيات والمعاهدات إلى عدم إقامة أي مشروعات على المجرى الرئيس لنهر النيل أو روافده؛ من شأنها التأثير سلباً في التصريف المائي للنهر، أو في نوعية مياهه.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أكثر من عشر وثائق دولية جرى توقيع بعضها في خلال العهد الاستعماري، حيث وقعتها الدول المستعمرة نيابة عن مستعمراتها في ذلك الوقت, وهذه الاتفاقيات هي بروتوكول روما 1891م، وتلاه اتفاق أديس أبابا 1902م، ثم اتفاق لندن 1906م، فاتفاق روما 1925م، واتفاق 1929م.
في حين تم توقيع بعضها الآخر بعد حصول دول حوض النيل على استقلالها، مثل اتفاق 1959م بين مصر والسودان، واتفاق عام 1991م بين مصر وأوغندا، والاتفاق الإطاري بين مصر وإثيوبيا عام 1993م، بيد أن اتفاقيتي 1929م و 1959م كانتا أهم اتفاقين من بين الاتفاقات المذكورة.
جاء اتفاق 1929م في شكل خطابات متبادلة بين رئيس مجلس الوزراء المصرى آنذاك السيد/ محمد محمود، والمندوب السامي البريطاني بالقاهرة، حيث كانت بريطانيا راعية لمصالح السودان وأوغندا وكينيا وتنجانيقا, وتعود أهمية هذا الاتفاق إلى أنه تضمّن اعترافاً من بريطانيا بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل، واعتبار أن هذه الحقوق مبدأ أساسي من مبادئ السياسة البريطانية, كما أنه أعطى لمصر الحق في مراقبة مجرى نهر النيل من منبعه حتى مصبّه، وتضمن إلزاماً لدول الحوض بعدم القيام – بغير سابق اتفاق مع مصر – بأي أعمال للري أو توليد الطاقة الكهربائية على نهر النيل وفروعه والبحيرات التي ينبع منها يكون من شأنها التأثير في حقوق مصر المائية, كما حدد الاتفاق نصيب مصر من المياه بمقدار 48 مليار م3، بينما تحدد نصيب السودان بمقدار 4 مليار م3، أي بنسبة 12 إلى 1.
أما اتفاق 1959م؛ فقد كان أكثر شمولاً من اتفاق 1929م؛ حيث أكد مسألة «الانتفاع الكامل بالمياه», واستند إلى مبادئ الحقوق المكتسبة، وضبط النهر، وتوزيع فوائده، والتحكم في منع انسيابه إلى البحر، ومنح مصر والسودان حصة مائية إضافية؛ قدرها 4,5 مليار م3 بالنسبة لمصر، و 14,5 مليار بالنسبة للسودان.
ثانياً: أُطر التعاون الجماعي بين دول حوض النيل:
تمثّلت أطر التعاون الجماعي بين دول حوض النيل في أربعة أطر أساسية؛ هي: مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية لحوض البحيرات الاستوائية «هيدروميت»، وتجمع «اندوجو»، ولجنة التعاون الفني لتدعيم التنمية وحماية البيئة في حوض النيل «تكونايل»، ومبادرة حوض النيل.
1 – مشروع هيدروميت:
بدأ هذا المشروع عملياً عام 1967م، واستمر حتى عام 1992م، مستهدفاً دراسة الميزان المائي لهضبة البحيرات الاستوائية، وتجميع البيانات الهيدرومترولوجية الخاصة بالهضبة، وإعداد نماذج رياضية توضح استخدامات الدول في الحاضر والمستقبل. لكن المشروع لم يحقق أكثر من مجرد جمع بعض البيانات وتحليلها عن الميزان المائي لدول الحوض, كما أن المشروع جرى بمشاركة مصر والسودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا, ثم انضمت لهم لاحقاً كل من رواندا وبوروندي والكونغو, بينما ظلت إثيوبيا عضواً مراقباً.
2 – تجمّع اندوجو([2]):
أنشئ هذا التجمع عام 1983م، وعقد عدة اجتماعات قبل أن يتجمد نشاطه بعد الاجتماع السابع في فبراير1991م دون أن يحقق الهدف المنشود منه، وهو إنشاء سلطة مشتركة لضبط النهر، وتنظيم مشروعاته الكبرى وإدارتها، حيث قوبل هذا التجمع بقدر كبير من الشك والريبة، ومن ثمّ تأخر انضمام بعض دول حوض النيل إليه، بينما انضمت تنزانيا كعضو مراقب، فيما ظلت إثيوبيا وكينيا خارج نطاق التجمع.
3 – مشروع تكوناي