استلمت النُّخب الإفريقية إرثاً ثقيلاً من المستعمر الغربيَّ ، حيث ترك لهم دولاً مقسَّمة دون مراعاة الفروق الطبيعية من الناحية العرقية والجغرافية، فتوزَّعتْ الدول على نحوٍ غير طبيعيٍّ، وفي حدودٍ مُفتعلةٍ، ما أدّى إلى وجود شروخٍ في بنية الدولة الإفريقية، فأفرزت مجتمعاتٍ هشّةٍ تولَّدُ التوتُّرات، وتغذِّي الصراعات والحروب الأهلية بشكل مستمرّ، فالموروث التاريخي والتغيُّرات الديموغرافية غير المتوازنة، وسياسات الإقصاء والتمييز والصراع على السلطة، هي أهمّ المولَّدات الرئيسية للأزمات التي تحصل بين الفينة والأخرى في أفريقيا عامة، وعلى نحو متدرجٍ تتحوَّل هذه الصراعات من إطار المفاهيم إلى شعورٍ ثم تصبح سلوكاً جماعياً وممارساتٍ جعلت الدول الإفريقية في مؤخرة التصنيفات العالمية في المؤشّرات الاقتصادية والتنموية؛ رغم ما تتمتَّع بها من مؤهّلاتٍ أساسيةٍ نحو التطوّر والنموّ الاقتصادي؛ حيث أن نيجريا فقط تحتلُّ المركز الثامن [1] في العالم من الدول المنتجة للنفط، فيما تملك هي وحدها مع أنغولا 72% من احتياطي النفط الأفريقي، [2] أضف إلى ذلك تميُّز القارة في مواردها البشرية وكثافتها السكانية الغنيّة بالقوى العاملة من فئة الشباب، ومع ذلك نجد أن هذه النسبة لا تعكس مستوى تقدم هذه الدول، والسبب الرئيسيّ في هذه المعضلة هو تكرار الأزمات والصراعات وعدم الاستقرار في الدولة الإفريقية.
أمام هذا الوضع الذي عانت منه الدول الافريقية منذ خروج المستعمر، اقتضت الضرورة من مسؤولي القارة، البحث عن السُّبل الناجعة لوضع حدٍّ لوتيرة هذه الأزمات، سواء بالقضاء عليها كلِّياً أو جزئياً، تَمثَّلت هذه الجهود في تفعيل دور المؤسسات الإقليمية للوصول إلى نموذجٍ فعَّال، يُترجِم الجهود الجماعية على الساحة الأفريقية لضمان الأمن والاستقرار، ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات الاتحاد الافريقي والمؤسسات الفرعية التابعة لها، ومنذ انطلاقة هذه المؤسسات ثارت أسئلةٌ عديدةٌ حول مدى فاعليّة هذه المؤسسات الاقليمية في القيام بالدور المنوط عليها حيال هذه الأزمات؟ والعقبات التي ظلَّت تُعيق عملها؟ والاصلاحات الضرورية والعاجلة التي يجب القيام بها لضمان فاعليتها؟
ونجد في كلِّ السوابق التي تعاملت معها هذه المؤسسات المختلفة منذ نشأتها في القارة، ما يقتضي منّا التوقف للتقويم والتطوير، وما قامت به “إيكواس” في غامبيا مؤخَّرا يعدّ سابقةً فريدةً يجب دراستها لمعرفة مدى كونه نموذجاً يمكن الاحتذاء به.
مقتضيات نشأة إيكواس:
بعد القرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 سنة 1960 المتضمن إعلان ومنح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة [3] استقلَّت أغلب الدول في الغرب الأفريقي، وكان توجُّه دول العالم الثالث آنذاك إنشاء تكتُّلات إقليمية لتقوية مواقفهم في الانخراط لحركة عدم الانحياز، تجنُّباً لويلات الحروب الباردة بين المعسكرين الأمريكي والسوفياتي، وفي خضمّ هذه الزوبعات نشأت الاتحاد الإفريقي أمام تحدِّي أزماتٍ متنوّعةٍ، أزماتٌ في الحدود: -المغرب والجزائر، بوركنا فاسو ومالي، إيثيوبيا إريتيريا، نيجريا وكاميرون- وأزماتٌ في الانفصال: -بيافرا في نيجيريا، وكاتانغا في زائير، وكازامانس في السنغال- وأزماتٌ في تقاسم السلطة والموارد الطبيعية – ليبيريا، سيراليون، كونغو برازافيل، جمهورية أفريقيا الوسطى، ساحل العاج- وأزمات في الهوية – بوروندي ورواندا، تمرُّد الطوارق في مالي والنيجر والتمرُّد في جنوب السودان- كانت هذه الأزمات ومازالت تحدّياتٍ ضخمة أثقلت كاهل المنظمة.
عانت المنظمة نقصاً في التشريع و ضعفاً في الآليات وبطئاً في مواكبة التطوّرات السريعة في القارة، ومما يدل على ذلك أن أهم الأجهزة التي لا يتصور نجاح الاتحاد إلا به، لم تنشأ إلا أخيراً، وبعضها لم يتم تفعلها حتى هذه اللحظة، فاللجنة الأفريقية لحقوة الإنسان والشعوب أنشات أخيراً في سنة 1986 وظلَّ الاتحاد خالياً من آلية لإدارة النزعات منذ نشأته حتى سنة 1993 حيث فيها تم إدراج آليةٍ لمنع وإرادة وتسوية الصرعات، كما تم أخيراً إنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي سنة 2002 ومحكمة العدل الأفريقي سنة 2009 ولجنة الاتحاد الإفريقي للقانون الدولي سنة 2009 وذلك تنفيذاً لتعهداتٍ تم أخذها في قمة الرؤساء التي انعقدت في “دوربان” في جنوب أفريقيا والتي كانت في مقدمتها تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة [4] هذا النقص وهذا التقصير في الأداء فرض في الساحة الأفريقية ظهور منظماتٍ إقليميةٍ فرعيةٍ لسدِّ النقص الذي يعتري المنظمة [5] فأنشأت دول دول الجنوب الأفريقي مؤتمر التنسيق لتنمية أفريقيا، وأنشأت دول الشرق مجموعة شرق أفريقيا، فيما أنشأت دول الوسط الأفريقي المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا.[6]
وعلى غرار هذه المنظمات تم تأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) وكان الغرض الأساسي من إنشائها إيجاد أرضيةٍ مشتركةٍ نحو التكامل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا، وبما أن الاستقرار والأمن يعتبران حجرا الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة، وسَّعت المنظمة من اختصاصاتها التشريعية، وطوَّرت في آلياتها التنفيذية؛ لتكون مسألة الأمن الإقليمي والأمن الجماعي للدول الأعضاء داخلاً ضمن أجندتها الرئيسية، فبعدما نصّت المادة 58 من الميثاق المنشئ، على أن دول المجموعة (ECOWAS) تعمل للحفاظ على استقرار وأمن المنطقة، وأنَّ عليها التعاون من أجل إنشاء وتعزيز الآليات المناسبة لمنع نشوب النزاعات بين الدول وداخلها، خُصَّت لهذه المادة بروتكولٌ خاصٌ هو ” البروتوكول المتعلق بآلية تدبير وإدارة وحلَّ النزاعات وحفظ السلام والأمن ” وقعت عليها دول أعضاء المجموعة في 1999 وأصبحت بعد ذلك السند الأساسي لـ “إيكواس” في تعاطيها مع أزمات المنطقة.
آليات إيكواس التنفيذية لإدارة الأزمات
الأزمة كما يُعرِّفه روبيرت: “هو التصوُّر أو الاعتقاد باختلاف المصالح، وأن تطلعات كل أطراف النزاع لا يمكن تحقيقها تزامنيّاً معاً” [7] ويقترب مفهوم الأزمة من مفهوم النزاع الذي يجسَّدُ تصارعَ إرادتين وتضادَّ مصالحهما، إلاَّ أن تأثيرالنزاع لا يبلغ مستوى تأثير الأزمة الذي يصل إلى درجة التدمير كما أن النزاع يمكن تحديد أبعاده واتجاهاته وأطرافه وأهدافه، بينما يستحيل تحديدها في الأزمة، وتتصف العلاقة النزاعية بالاستمرارية بخلاف الأزمة، التي تنتهي بعد تحقيق نتائجها السلبية أو التمكن من مواجهته، وتكاد الكلمتان يتفقان في المعنى في بعض الاطلاقات، إلا أن مكمن الفرق هو أن الأزمات هي غالباً نهايةُ النزاعات، وإدارتها والمنع من وقوعها تحتاج إلى قوة في التشريع ودقة في الآليات التنفيذية.
فمن الناحية التشريعية تم إلحاق عدة بروتكولات إلى الميثاق المنشئ لـ “لإيكواس” منها البروتكول المتعلِّق بعدم الاعتداء الصادر سنة 1978 [8] والغرض التشريعي لهذا البروتكول هو منع كلُّ أشكال الاعتداء بين الدول، كما نصّت عليه المادّة الأولى من البروتكول “يجب على الدول الأعضاء في علاقاتها مع بعضها البعض، الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة أو العدوان أو أي وسيلة أخرى تتعارض مع مواثيق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية، ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول الأعضاء” ومنها أيضا البروتوكول المتعلِّق بالدفاع المشترك الصادر سنة 1981 [9] ولقد تعرض للتعاون الدفاعي الذي يجب أن يكون بين دول الأعضاء؛ حيث تنص المادة الأولى منها على أن “الدول الأعضاء يعلنُ وتقبلُ أن أيَّ تهديدٍ مسلحٍ أو عدوانٍ تُوجَّه ضدّ أي دولة من الدول الأعضاء تُشكِّل تهديداً أو عدواناً على المجموعة بأكملها” أما البروتوكول الأخير المتعلِّق بآلية إدارة وتدبير وحلِّ النزاعات وحفظ السلام والأمن والصادر سنة 1999 [10] هو الذي تعرض بالتفصيل للآليات التنفيذية لإدارة النزاعات، ويشير هذا على أن إيكواس تبنَّت منذ الوهلة الأولى مفهوم الأمن الجماعي بجانب الدفاع الجماعي.
الأزمة الغامبية والحلُّ الإقليمي
في الأول من شهر ديسمبر الماضي خرج الشعب الغامبي إلى صناديق الاقتراع ليحسم أمره بنفسه، لم يَيْأس “جامي” للفوز بولايةِ أخرى بعد حكم دام 22 سنة، إلا أن المعارضة استطاعت أن تجتمع على “آدم بارو” الأمين المالي لحزب التجمع الديموقراطي، رغم أن الرجل ليس سياسيًّا محترفاً، لقد فرضته إرادة الشعب الغامبي ليكون الرئيس الثالث لغامبيا منذ إعلان الجمهورية، وجاء إعلان هذه النتيجة مرحباً به وغير مفاجئٍ، إلا أن قبول “جامي” الصريح لهذه النتائج رغم كونها خطوةً طبيعيةً، جاء مفاجئاً لكثيرين، ووصل الأمر عند البعض إلى حد عدم تصديقه، وتأويل الأمر على أنه خدعةٌ أو خطّةٌ يحيكها “جامي” للتمسّك بالسّلطة من جديد، مضى من هذا الاعتراف الصريح بالنتائج عشر أيام، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ويرجع “جامي” عن اعترافه، رافضاً نتائج الانتخابات.
شكَّل هذا الرفض أزمةً سياسيةً يمكن اعتبارها حلْقةً جديدةً من سلسلة الأزمات التي واجهت إيكواس منذ نشأتها، وتُعتبر “إيكواس” سابقةً لكلِّ المنظمات الاقليمية الفرعية على المستوى الإفريقي في إدارة النزاعات، فهي أوّلُ منظمةٍ أدخلت مسألة تسوية النزاعات في تشريعاتها وخصَّصت لها آليات، حتى يمكن القول أنّها سبقت الاتحاد الإفريقي المنظمة الأم للقارّةِ في ذلك، وبما أن غامبيا تقع في الغرب الإفريقي وهي عضوٌ في المنظمة اضطرت “إيكواس” بالقيام بمسؤوليتها تجاه الأزمة، علماً بأن أغلب الأزمات التي عانت منها المنطقة، كان سببه صراعات في السلطة، كتلك التي حصلت في ليبريا وسيراليون وغيينيا بيساوو، ولذا كانت الحكمة تقتضي التحرك سريعاً قبل تفاقم الأزمة، وتكرار الصراعات المسلّحة في الإقليم، فرجوع “يحيى جامي” عن الاعتراف بالنتائج الانتخابية التي فاز فيها “آدم بارو” أدخلت غامبيا في أزمة سياسية سبقت لإيكواس أن أظهرت حسمها في التعامل مع مثيلاتها، خاصةً بعد موقفها من الأزمة السياسية في ساحل العاج بالوقوف مع الرئيس المنتخب الحسن وترا، وإعداد قوةٍ عسكريةٍ من إيكواس جاهزةٍ للتدخل،[11] كذلك حصارُ الانقلابيين في بركنافاسو ومالي [12] كلُّ هذا مؤشراتٍ واضحةٍ على صرامة المنظمة للوقوف ضدّ أيّ تغييرٍ دستوريٍّ بهدف البقاء إلى السلطة واعتبار ذلك مثل القيام بعمليةٍ انقلابيةٍ والتعامل معها على هذا الأساس.
المسوّغات القانونية لتدخل “إيكواس”
من أوّل تعرّض له البروتوكول الخاص لآلية إدارة النّزاعات التابعة لـ “إيكواس”، تعريفُ الأزمة لدولةٍ عضوٍ في المنظمة، فعرَّفها كالتالي” أيُّ دولةٍ عضوٍ تعرَّضت لنزاعٍ مسلحٍ، أو أيُّ دولةٍ معرَّضةٍ لمشاكلَ خطيرةٍ ومستمرةٍ قد تُولِّد توتُّراتٍ حادَّةٍ مُفْضيةٍ إلى أزماتٍ عميقةٍ أو كارثةٍ إنسانيةٍ، أو تهديدٍ للسلم والأمن الإقليمي، أو أيُّ دولةٍ من دول الأعضاء تعرَّضت لتدخُّلٍ لمحاولة الإطاحة بنظامٍ منتخبٍ ” هذا التعريف وصف لحالةٍ إذا تحقَّق على أي دولة حسب تكييف مجلس الوساطة والأمن – وهو إحدى المؤسسات الفرعية التابعة للمنظمة- تكون “إيكواس” ملزماً ومختصاًّ للتدخل وفق الإجراء المنصوص عليه في البروتوكول، وهو أن يُبلِّغ الأمين التنفيذي بالتشاور مع الرئيس الدولَ الأعضاء في مجلس الوساطة والأمن، باتخاذ التدابير الطارئة، وتقوم المجلس بسلطته التقديرية الممنوحة من المنظمة بدراسة كل الخيارات من ضمن خيارات التسوية السياسة أوالقانونية أو العسكرية وجعلها قيد التنفيذ. [13]
ففي الأزمة الغامبية بدأت إيكواس جهودها بمفاوضاتٍ مكثّفةٍ مع “جامي” قبل نهاية ولايته معتمدةً على المبدأ السالف، ومرجِّحة التسوية السياسية، وكان على رأس المفاوضين الرئيسةُ الليبيرية والرئيسة الحالية لـ “إيكواس”، والرئيسُ النيجيري والرئيسُ الغانِي، خلال شهرٍ ونصف كانت جلساتُ المفاوضات تتم بين أعلى المسؤولين في “إيكواس” و”جامي” لكن دون تقدُّمٍ في النتيجة، مما أدى إلى وساطة الرئيس الموريتاني مع أنه ليس عضواً في المنظمة منذ 2001 إلا الوساطات وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ.
وعلى إثر ذلك بدأت المنظمة على لسان رئيس مفوضيتها، تلوِّح بالخيارالعسكري في حال فشل الخيارات السلمية، وبدأت المنظمة تفرض على “جامي” الأمر الواقع بتوجيه دعوةٍ إلى الرئيس المنتخب “آدم بارو” للحضور إلى القمة الإفريقية الفرنسية التي انعقدت في مالي بتاريخ 14 يناير 2017 بدل توجيهه إلى “يحيى جامي” الذي كان مازال رئيساً لغامبيا، ربما كان الهدف من ذلك توجيه رسالةٍ إليه لترك السلطة، وقبله أكَّد الاتحاد الأفريقي في بيان أصدره “أنه لا يعترف بجامي بوصفه رئيسًا شرعيًا بعد 19 يناير” [14] نهاية مدة ولايته.
كان تاريخ 19 يناير 2017 بمثابة إنذارٍ أخير لـ “إكواس” لتطبيق الخيار العسكري، وفي سباقٍ مع الحدث قدمت جامي طعنه في الانتخابات للمحكمة العليا، إلاَّ أنّ المحكمة صرّحت باستحالة صدور أي حكم في هذا الصدد إلا في شهر مايو، في حين أن المهلة للمحكمة لإصدار الحكم النهائي لايتجاوز 30 يوماً، فقام “جامي” بتكليف البرلمان بتمديد ولايته مع إعلان حالة الطورئ في 18 يناير[15] هذا التمديد غير الدستوري قد أضفت على الخيار العسكري لـ “إيكواس” شرعيةً جديدةً، أضف إلى ذلك تصويت مجلس الأمن بعد هذا التمديد بيومٍ على قرارٍ بالاجماع لصالح التدخل العسكري لإيكواس[16] بعد ما أدى آدم بارو يمينه الدستوري في سفارة بلده في السنغال.
في 19 من يناير فور التصويت تقدمت قوات إيكواس إلى الحدود الغامبية بـ 600 جنود من نيجيريا وبوركنا فاسو والسنغال وتوغو والنيجر[17] في تمهيدٍ لتدخلٍ بريٍ؛ّ بعدما فشل المساعي الحميدة من الرئيس الموريتاني، توغَّلت القوات البرية لـ “إيكواس” إلى غامبيا إعلاناً عن بداية عمليةٍ عسكريةٍ للإطاحة بجامي [18] وأعلن عثمان باجي قائد الجيش الغامبي أنه لا يقاوم قوات “إيكواس”، وفي مهلةٍ أخيرةٍ قُدّمت لـ “جامي” قبلَ خلالها “جامي” بعد التفاوض مع وفد “إيكواس” بوساطة الرئيس الغيني ألفا كوندي والموريتاني محمد ولد عبد العزيز، تركَ السلطة وضمان خروجه آمناً مع بعض مسؤولين عملوا تحت سلطته.
طريقة إدارة الأزمة بين الاخفاق والانجاز
عجزت منظمة الوحدة الأفريقية حتى بعد تأسيس آلية منع وإدارة وتسوية الصراعات لعام ١٩٩٣ من الوصول إلى معالجة ناجحةٍ للنزاعات في القارة، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل المنظمة في هذا الجانب، ومع نشوب صراعاتٍ مسلحةٍ في كل من ليبريا عام 1990 وسيرليون عام 1996 وغينيا بساوو 1999 شكلت “إيكواس” قوات “إيكوموج” للتدخل لحل هذه الصراعات، وبعد الخروج من هذه الأزمات وما صاحبها من إخفاقات ونجاحات لايستبعد أن “إيكواس” أخذت منها دروساً وعبراً جعلت طريق إدارتها للأزمة الغامبية مختلفاً عن سابقاتها.
أما عن طريق إدارة الأزمة الغامبية لاشكّ أن عدم نجاح “إيكواس” في إقناع “جامي” وهو رئيس دولة عضوِ في المنظمة، والاضطرار باللجوء إلى خيارٍ عسكريٍّ يعد إخفاقاً للمنظمة، إلاّ أنها في مقابل ذلك نجحت في تحقيق الهدف الذي أعلتنها منذ بداية الأزمة وهو أن يترك جامي السلطة، متجاهلةً كل العروض التي قدمها “جامي” كتقاسم السلطة مع “بارو”، كما أن الاجماع الذي حظيت به من جميع أعضائها في جعل استقرار وأمن الإقليم فوق كل اعتبار، وأن التمسك بالسلطة بشكل غير دستوري لايمكن قبوله بأي شكل من الأشكال، كان من أبرز النجاحات التي يمكن تسجيله لـ “إيكواس” والأهم من ذلك كلّه، كونها أدارت الأزمة دون تدويلها حتى وصلت إلى حلٍّ إقليميٍّ بحتٍ، حيث كان تدويل الأزمات الإفريقية أكبر عائقٍ حال دون احراز النجاح في بعض الملفّات، كان آخرها في الأزمة المالية حيث قام مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي برسم خطة لـ “لإيكواس” للتدخل في الشمال المالي، و في ظل هذه التحضيرات، جاء التدخل الفجائي من القوات الفرنسية بطلب من الحكومة المالية وبقبولٍ من بعض دول الاقليم كالجزائر والنيجر، [19] فغيَّر ذلك من مسار الأزمة وأثر فيها سلباً جعل الحل الإقليمي في مأزقٍ حتى الآن.
نجاح “إيكواس” في إدارة وحلّ الأزمة في غامبيا ليس إلا نجاحاً نسبياًّ، إذا وضعنا في الاعتبار الأزمات التي تعاني منها الإقليم بشكلٍ عام، وتنتظر حلاّ عاجلاً، خاصة بعد ظهور مشكلة الارهاب في أكثر من مكانٍ تكاد تقضي على بعض الدول في الإقليم، ومازال الضعف والنقص يعتري آليات المنظمة، فسبَّب في عدم الوصول إلى الاستقرار والأمن الاقليمي الذي تهدف إليه المنظمة.
الهواش والاحالات :
[1] Opec Annual Statistical Bulletin 20016.
[2] ibid., p.27.
[3] La résolution 1514 (session 15) adoptée par l’Assemblée générale Décembre 14 / Décembre 1960
[4] Gilles Olakounlé YABI Le Rôle de la CEDEAO dans la Gestion des Crises Politiques et des Conflit, series sur la paix et la securite, FES, p. 7
[5] Yabekpa Ngato NELLA le Role de L’union Africaine Face aux Resolution des Conflits Armes Faculte des Sciences Sociales Administratives et Politique DepartementT des Relation Internatıonales, Universite de Kinshasa, 2013, p. 25
[6] Cedeao, Cemac, SADC… Quels sont les points forts et les faiblesses des organisations africaines? www.jeuneafrique.com 10 mars 2014.
[7] زياد الصمادي، حل النزاعات، برنامج دراسات السلام الدولي جامعة السلام التابعة للأمم المتحدة 2010 -2009
[8] Thomas JAYE & Stella AMADİ ECOWAS & the Dynamics of Conflict and Peacebuilding, Dakar, CODESRIA, 2011, p. 4
[9] JAYE & AMADİ, p. 4
[10] محمد هيبة علي أحطيبة، دور مجلس السلم والأمن الأفريقي في حل النزاعات وتسويتها في أفريقية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية – المجلد 27 – العدد الثالث 2011 ص 630
[11] Mélanie CATHELİN, LA CôtE d’Ivoire entre divisions internes et stratégies international, Institut d’Etudes de Sécurité de l’Union européenne, mars. 2011
[12] الحافظ النويني، أزمة الدولة ما بعد الاستعمار في أفريقيا، ص 66
[13] انظر البروتوكول المتعلق بآلية منع وإدارة وحل النزاعات، وحفظ السلام والأمن الصادر سنة 1999 المادة 27
[14] Gambia dispute: African Union ‘will not recognise’ President Jammeh, http://www.bbc.com, 13 January 2017
[15] GAMBIE – Le parlement prolonge de 3 mois le mandat de Jammeh, http:// seneweb.com/news/ 18-01-2017
[16] Gambie: vote à l’ONU sur une intervention militaire de la Cédéao, http://www.lefigaro.fr 19/01/2017
[17] Gambie : la Cedeao a-t-elle les moyens d’une intervention militaire? http://afrique.latribune.fr 23/12/2016
[18] Mission de la dernière chance en Gambie, ://www.lefigaro.fr 20/01/2017
[19] النويني، ص 67.