على الرغم من رحيل المحتل الأجنبي عن إفريقيا فإن الآثار التي خلّفها ما زالت تطفو على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسائر مناحي الحياة.
فمشكلات القارة الإفريقية أكثر من أن تُحصى، والمعاناة دائماً ما تكون هي سيدة الموقف على الرغم من الثروات العظيمة التي تملكها القارة، ففي هذه المنطقة من العالم تكثر الصراعات القَبَلية، وتنتشر الأمراض، ويكثر الفقر، وترتفع معدّلات الأميّة، وتهاجر العقول المثقفة من أبنائها إلى أوروبا وأمريكا وغيرها، وتكثر الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلّحة والمجاعات المدمِّرة.
والمرأة الإفريقية ليست معزولة عن مأساة القارة، فهي تمثّل مشكلة كبيرة في حدّ ذاتها؛ حيث تعاني أوضاعاً إنسانية قاسية، وتشهد تدنياً في مجالات التعليم والصحة والاقتصاد.. وغيرها، فهي تفتقد الكثير من مقوّمات الحياة السلوكية والمعرفية، فضلاً عن تعرّضها إلى العنف بأشكال متعددة.
أبرز مشكلات المرأة الإفريقية:
تشكّل المرأة الإفريقية ما نسبته أكثر من النصف في تعداد السكان في القارة الإفريقية، إلا أن الأرقام تشير إلى تدني المستوى التعليمي والصحي والاقتصادي للمرأة الإفريقية، وكونها أكثر امرأة في العالم في تحمّل الأعباء القاسية، وخصوصاً في إعالة الأطفال، في ظلّ غياب الزوج والمعيل بسبب الموت أو الطلاق أو الهجر، أو غير ذلك من الأسباب.
والمرأة الإفريقية تتزوج أكثر من مرة، وتلد كثيراً من الأبناء، فالمرأة الإفريقية تلد ما متوسطه 5,3 أطفال في حياتها مقابل 2,6 أطفال في المعدّل العالمي، وتعدّ المرأة في النيجر صاحبة أعلى معدّل ولادة في العالم وهو 7,4 أطفال.
والمرأة الإفريقية العاملة هي أساس الاقتصاد ومفتاح النمو، حيث تشكّل 60% من العاملين بالقطاعات الحكومية والرسمية، و 70% من العاملين في الزراعة، وتُنتج 90% من الغذاء، وأبرز التجار نساء، ويدير 50% منهنّ مصانع صغيرة ومتوسطة الحجم.
ومع ذلك ما زالت المرأة الإفريقية مستعبدة إلى اليوم في معظم البلدان الإفريقية، كما تشكّل المرأة أغلبية المشرّدين واللاجئين من الحروب، وهي أعلى نسبة عالمياً.
وبعد وقوع الكوارث دائماً ما يُتوقع من النساء أن يقمن بواجباتهن التقليدية من العناية بالأطفال وتمريض الجرحى؛ لكنهنّ غالباً ما يضطررن أيضاً إلى تحمّل عبء توفير الدعم المالي، خصوصاً إذا كان شركاؤهنّ الذكور قد ماتوا أو أصيبوا، وبما أنهنّ غالباً ما يفتقدن حرية الانتقال للإقامة في مكان آخر من أجل العثور على عمل؛ فإنهن يكنّ معرّضات للفقر، والجوع، والزواج الإجباري، وعمالة السّخرة، والإجبار على التجارة الجنسية.. وغيرها.
وقد أكدت ميفيس ماتيلادي، رئيسة تجمّع النساء في جنوب إفريقيا، أنه «من الأكثر خطورة أن تكوني امرأة من أن تكوني جندية خلال نزاع مسلح»، وقالت: «غالباً ما لا توجد امرأة إفريقية واحدة لم تشهد ممارسة العنف ضد امرأة أخرى، الرجال يقاتلون في الحروب والنساء هنّ الضحايا، سواء بسبب انهيار البنية التحتية، أو إجبارهنّ على الوقوع ضحية الاستغلال الجنسي للبقاء على قيد الحياة، أو معاناة آثار ما بعد الحمل، ناهيك عن الوصم القسري، والأمراض المنقولة جنسياً»[1]، وأصيبت 56% من الإفريقيات في الدول الواقعة جنوب الصحراء بالإيدز، وهو ما يعادل 75% من المصابات بالمرض القاتل على مستوى العالم، وفي بلد مثل ليبيريا أوضحت دراسة أن 93% من نسائها تعرضن لأشكال متعددة من العنف[2].
كما نجدها مثلاً في مملكة «ليسوتو» ما زالت في حكم «الجواري»، حيث يضيف الملك «مسواتي الثالث» واحدة منهنّ إلى حريمه كلّ عام في مهرجان تحضره 20 ألف فتاة، حتى أصبح له أكثر من عشر زوجات و 3 خطيبات وعمره لا يتجاوز 36 سنة! كما توفي والده تاركاً 60 زوجة، وهذا دليل صارخ على استمرار امتهان كرامة المرأة!
وفيما يأتي نلقي الضوء على أهم المشكلات التي تواجه المرأة الإفريقية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه القارة الإفريقية:
أولاً: المرأة الإفريقية والتنصير:
بدأت مخططات التنصير في إفريقيا في وقت مبكر، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستعمار ومواكبة له، بل إنها استمدت منه كلّ عون وتأييد، وسعت لتثبيت نفوذها وانتشارها من خلاله، فدخل المبشّرون الكاثوليك ربوع إفريقيا منذ القرن الخامس عشر، أي في أثناء الاكتشافات البرتغالية، وفي أواخر القرن السابع عشر وفي خلال القرن الثامن عشر أخذت الجمعيات البروتستانتية تظهر للوجود[3].
أما بالنسبة للمرأة؛ فقد ركّز المنصّرون عليها أيما تركيز، واستغلوا جهلها ومرضها وحاجتها لإخراجها من دينها، ليس هي فقط بل هي وأبناؤها، وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس.
يقول رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في كينيا: «إن المنظمات التنصيرية تنفق بسخاء وسفه في كينيا، وتعمل على الوصول إلى المناطق النائية في البلاد، وانطلاقاً من أن الذئب يأكل من الغنم القاصية، لدرجة أنها تختار أوقات الضحى والظهيرة وغياب الرجال عن المنازل لمحاولة تشويه وإفساد عقيدة النساء في المناطق الإسلامية، وتقديم مساعدات لهنّ بشرط إحضار أبنائهنّ للكنائس لإبعادهم عن الإسلام، وخلق أجيال علمانية لا ترتبط بدينها الحنيف».
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل استغلوا أنوثتها في تنصير المجتمعات الإفريقية، وحاولوا اجتثاث الأخلاق الحميدة، ونشر الانحلال والتفسخ والاختلاط والزنا، هذا ما أكدته دراسة ميدانية عن التنصير في دولة كينيا في الفترة من (1411هـ – 1420هـ)، حيث كشفت ما تقوم به كثير من الكنائس من تنصير الشباب الإفريقي عن طريق الجنس.
فقد أصبح التنصير عن طريق المرأة أسلوباً رائجاً عند كثير من الكنائس، وبخاصة في إفريقيا، وفي كينيا يعدّ أمراً مشاهداً ومحسوساً؛ فكم من شاب تنصّر بسبب إغراء الفتيات المنصّرات له، إما بالصداقة والحب، أو طمعاً بالزواج من إحداهنّ، وخصوصاً أن معظم النساء اللاتي يعملن في الكنيسة من الجميلات المتعلمات.. ولا سيما منصّرات الكنائس البروتستانتية، وليس هذا فحسب؛ فقد فتحت بعض الكنائس نواديَ للشباب للهو والرقص والغناء[4].
ومن الجمعيات التنصيرية التي أفرطت في استخدام النساء في التنصير (جمعية أبناء الربّ وأسرة الحب)، وقد جاء في أقوالها: «إنَّ الخوف من الزنا لم يعد له مكان، وإنَّ عمليتي اللواط والسحاق مباحتان ما دامتا تتمان في جوٍّ من الحب»! وقال ديفيد جاكس المتحدث باسم الجمعية: «إنَّ تقديم العون الجنسي واجب على كلّ فرد، وإن أفراد المجموعة من النساء مطالبات بتقديم كلّ ما يمكن أن يغري أعضاء جدداً، وإنَّه لا بد من تغطية نفقات المجموعة من بيع الجنس إذا اقتضى الأمر».
هكذا تكون المرأة الإفريقية هي وقود العملية التنصيرية؛ إما بكونها مادة للتنصير المباشر، أو تكون الوسيلة التي يستغلها المنصّرون لتحقيق أهدافهم بنشر الرذيلة، وإغواء الشباب ليتم تنصيرهم.
يقول الشيخ سيد عثمان – الأمين العام لمجلس علماء جزر القمر -: إن أهم النجاحات العديدة التي حققتها المنظمات التنصيرية التي تعمل في الأراضي القمرية؛ أنها نجحت في ربط الشباب القمري بفرنسا وأوروبا أكثر من ارتباطهم بجزر القمر ومحيطها العربي والإسلامي، عبر توسّع الفرنسيين بالزواج من قمريات بشكل يدفعهنّ – في أغلب الأحيان – للابتعاد عن الإسلام إن لم يكن اعتناق النصرانية، هنّ وأبناءهنّ.
ويرى الأمين العام لمجلس علماء جزر القمر أن «المركز الفرنسي القمري للثقافة» من أهم مراكز التنصير في جزر القمر؛ حيث يُستخدم هذا المركز للترويج للنصرانية، فضلاً عن نشر الخلاعة والمجون والفكر الفرانكفوني؛ مشدداً على أن أنشطة هذا المركز تحظى بدعم من عشرات المنظمات التنصيرية التي منها الفرع الفرنسي لـ «جمعية كاراتياس» المتخصّصة في مجال تنصير الأطفال.
وأضاف الأمين العام لمجلس علماء جزر القمر أن نشاط المنظمات التنصيرية لا يتوقف عند الشباب والرجال، حيث تمارس جمعية تحرير المرأة ذات الطابع والهوى الفرانكفوني أساليب خبيثة لإبعاد المرأة عن عقيدتها الصحيحة وهدمها، وإبعادها عن العادات والتقاليد الحميدة، ونزع الحياء من وجهها[5].
ومع كلّ ما سبق ذكره؛ فهناك منظمات غربيّة تنادي بضرورة تحرّر المرأة المسلمة وانعتاقها من سلطة أبيها وأخيها وزوجها، وتشنّع بحجاب المرأة المسلمة، وتدّعي أن هناك من يجبرها على ارتدائه، وفي الوقت نفسه تغض الطرف عن استغلال تلك المنظمات التنصيرية والمنصّرين للمرأة الإفريقية وفقرها وحاجتها وجهلها ومرضها في إخراجها من دينها الإسلامي الذي ارتضاه الله لها، حتى استغلال جسدها في التنصير، أليست هذه هي العبودية بعينها، والانعتاق الحقيقي هو التحرر من قبضة تلك المنظمات التنصيرية؟!
كيفية التصدي لهذه المشكلة:
من أهم وسائل التصدي لمشكلة تنصير النساء واستخدامهنّ في التنصير ما يأتي:
1 – التعليم: فهو سلاح بيد المرأة يمكن أن تتصدى به للمشكلات التي تواجهها من المنصّرين، فلا بد من توجيه اهتمام خاص بتعليم المرأة الإفريقية، ولا بد أن يكون تعليماً متكاملاً ومترابطاً، يستوعب جميع الفئات والشرائح، وفي مقدمتها النساء الريفيات، والنساء اللواتي يعشن في الأحياء الفقيرة والمهمّشة في المدن الإفريقية؛ لأنهن أكثر عرضة للتنصير استغلالاً لجهلهنّ وسذاجتهنّ، مع ضرورة النظر إلى التعليم باعتباره أولوية مطلقة لتفادي مشكلة التنصير خاصة، ولحل جميع المشكلات على وجه العموم.
2 – تنمية وعي المرأة الإفريقية: حتى تكون عضواً مؤثراً إيجابياً في المجتمع وليس عضواً سالباً، وتستطيع أن تعي حجم المخاطر من وراء التنصير.
وأهم مجالات الوعي التي يجب الاهتمام بتنميتها الوعي الديني لدى المرأة الإفريقية، ومن أهم ما يعينها على الاستفادة من التوعية الدينية تعلّم اللغة العربية، وإدراك أهمية التوجّه إلى المدارس الخيرية الإسلامية لتعلّم الدين الإسلامي والعقيدة الصحيحة، حتى تتمكن من إقامة دين الله في نفسها، وفيمن استطاعت من أهلها، وفيمن حولها من النساء، ولكي تكتسب خبرات علمية تتمكن بها من نشر الدين الإسلامي، والقيام بواجبها التربوي والدعوي مع بنات جنسها، وانتشال من وقع منهنّ في براثن التنصير، والتصدي للبدع والخرافات.
تتنوع معاناة المرأة المدنية بين القتل والإصابة من جراء الهجمات العسكرية العشوائية وانتشار الألغام
ويشمل الوعي أيضاً الانتباه لنشاط المنصّرين، واليقظة التامة لهم، وفضح أساليبهم ونشاطاتهم.
3 – تحمّل المحيطين بالمرأة للمسؤولية نحوها: ومدّها بكل ما يمكن من أجل تنميتها علمياً ودينياً، حتى المتطلبات الحياتية، وتحسين ظروفها المعيشية، حتى لا تكون ضحية تلك الظروف.
ثانياً: فقدان المرأة الإفريقية للأمن الاقتصادي:
الأمن الاقتصادي هو التدابير والحماية والضمان التي تؤهّل الإنسان للحصول على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج، خصوصاً في الظروف التي يواجه فيها كارثة طبيعية أو ضائقة اقتصادية، وضمان الحدّ الأدنى لمستوى المعيشة، والتي تمكّنه من أن يحيا حياة كريمة مستقرة، ويتمثّل الأمن الاقتصادي بالنسبة للكثيرين في امتلاك المال اللازم لإشباع حاجاتهم الأساسية، وهي: الغذاء، والملبس، والمأوى اللائق، والرعاية الصحية الأساسية، والتعليم، ويرتبط الأمن الاقتصادي بإمكانية الحصول على أجر كافٍ وعمل مستقر يضمن الأمن[6] .
ومن هذا المنطلق؛ فإن المرأة الإفريقية تعاني فقدان الأمن الاقتصادي بشكل كبير، ويتجلى ذلك في الفقر (عدم مصادر العيش)، فبالرغم مما تنعم به إفريقيا من ثروات ضخمة نجد أن 59% من الأفارقة يعيشون تحت خط الفقر، وتُصنّف21 دولة إفريقية تحت بند الدول التي تفتقر إلى الأمن الغذائي من بين 37 دولة في العالم، وبما أن المرأة تمثّل نصف سكان إفريقيا، وبما أنها تتأثر دائماً بما حولها، وإذا كان 59% من سكان القارة يعيشون تحت خط الفقر، فإن أكثر من نصف نساء القارة فقيرات[7].
وتعيش المرأة الإفريقية تحت ضغوط نفسية واقتصادية قاهرة نتيجة لتحمّلها العبء الأكبر لشؤون الأسرة، مع غياب شبه كامل لدور الرجل في تحسين مستوى المعيشة لعائلته، كما تعاني المرأة الحرمان من أبسط متطلبات الحياة؛ بسبب الظروف المعيشية القاسية في بيئة تندر فيها سبل العيش الكريم.
فإذا أخذنا الصومال مثالاً سنجد النساء يواجهن معاناة بالغة في تحمّل مسؤولية البيت في غياب الزوج؛ إما بسبب الحرب، وإما بسبب الحجز والسجن، ما يجعلها تتحمل مسؤولية مزدوجة: القيادة، وإدارة العائلة، من حيث إدارة الموارد الاقتصادية، والحفاظ على تماسك العائلة، ومتابعة أبنائها دراسياً، والمحافظة على التوازن النفسي لأبنائها، حتى مع وجود الزوج؛ حيث يكون بلا عمل ويفتقد مصادر العيش[8].
حلول للنهوض بالواقع الاقتصادي للمرأة الإفريقية:
– تحسين مستويات المعيشة وزيادتها، والارتقاء بنوعية حياة المرأة الإفريقية.
– توفير فرص العمل للرجل والمرأة، وضمان المساواة في الحصول على الوظائف.
– إيجاد نُظُم وشبكات فاعلة للضمان الاقتصادي والتكافل الاجتماعي.
– تنمية مهارات قوة العمل للمرأة بالتدريب والتأهيل المستمر، وذلك من أجل زيادة الإنتاجية.
– تشجيع مشاريع التشغيل الذاتي للمرأة من خلال صناديق تستهدف تحقيق التنمية والتكافل.
– تقديم الحكومات قروضاً ميسّرة وغير ربوية للمرأة للقيام بالمشاريع الصغيرة.
– دعم مشاركة القطاع الخاص بفعالية في تنشيط عمليات الإنتاج، وإيجاد فرص عمل جديدة للرجال والنساء.
– مساهمة الهيئات التطوعية والخيرية، والمنظمات غير الحكومية، وصناديق الإقراض الصغيرة في تشجيع المشاريع الفردية الصغيرة وتقديم الحوافز.
– وللأفراد أيضاً دور رئيس في توفير الأمن الاقتصادي للمرأة، فإذا نظرنا إلى الإسلام، بوصفه ديناً شاملاً لمناحي الحياة المختلفة، نجد هناك نظاماً اقتصادياً فريداً يجمع بين الأمن الاقتصادي والضمان الاجتماعي في سياق مؤتلف، حيث يمكن أن تتعدد الوسائل لتحقيق هذا النظام، وتأخذ صوراً متنوعة، منها على سبيل المثال الزكاة التي يدفعها الأفراد، المساعدات الإنسانية (الصدقة)، الميراث، عون المحتاجين كالأيتام والأرامل والضعفاء وكفالتهم[9].
ثالثاً: فقدان الأمن الغذائي:
الأمن الغذائي هو كلّ ما يتعلق بالحق في الغذاء الذي يجب أن يكون كافياً، وصحياً، ومستمراً، أي الحق لكلّ فرد في أن يأخذ في كلّ وقت غذاءه المناسب.
والمرأة الإفريقية تعاني نقص الغذاء من ناحية، ومن ناحية أخرى تقع على عاتقها في أحوال كثيرة مسؤولية توفير الغذاء لأسرتها، لذا فإن مشكلتها مضاعفة.
فالمرأة هي المسؤولة في أغلب الأحيان عن توفير الغذاء لأسرتها, ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تشكّل النساء الغالبية العظمى من المنتجين الزراعيين في العالم، حيث يوفّرن ما يزيد على 50% من الغذاء الذي يُزرع على الصعيد العالمي، وفي إفريقيا (جنوب الصحراء بالتحديد) تزيد هذه النسبة عن المتوسط العالمي، حيث تزرع النساء ما بين 80 و 90% من المواد الغذائية في المنطقة.[10]
والنساء الحوامل وأطفالهنّ في إفريقيا أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية، ففي مسح أجراه مختصو التغذية في اليونيسيف للمجتمعات النائية في مويالي ومرسابيت وسامبورو في كينيا؛ أظهرت نتائج مسحهم وجود حاجة ماسّة إلى تقديم مزيد من المساعدات لإنقاذ أشد النساء والأطفال ضعفاً، الأمر الذي أصبح حالة طوارئ مزمنة.
وقد تبيّن من نتائج المسح أن أكثر من 60% من النساء الحوامل في سامبورو يعانين سوء التغذية، وهو ما يُعرِّض حياتهنّ وحياة أطفالهنّ الذين لم يولدوا بعد لخطر شديد، وأطفال المنطقة أفضل حالاً نسبياً، حيث تبلغ نسبة المصابين بينهم بسوء تغذية حاد 19%.
إلا أننا نجد في منطقة مرسابيت أن معدلات سوء تغذية الأطفال أعلى (31%)، ومعدلات سوء تغذية النساء الحوامل أقل (37%) بالمقارنة مع المعدلات الموجودة في سامبورو، وفي مويالي تبيّن أن نسبة سوء التغذية بين الأطفال تبلغ 18%، بينما هي 29% بين النساء الحوامل، وتوضّح السيدة تيشوم، مشيرة إلى سامبورو، بقولها: في هذه القرية تختار أغلبية الأمهات التنازل عن وجباتهنّ لأطفالهن الأصغر سناً[11].
وقد أدّت النساء دوراً يفوق الرجل في مواجهة مواسم الجفاف، وكانت معدلات نجاة المرأة أعلى، كما أثبتت قدرتها على التأقلم بشكل أفضل، حيث استطعن العثور على بدائل للطعام ساهمت في المحافظة على حياة الأطفال خلال مواسم الجفاف، ولأن هذه المواسم تحدث مرة واحدة خلال ما يقرب من عقد من الزمن؛ فقد أمكن لأولئك النسوة – ممن شهدن تجارب سابقة – من تمرير تقنيات النجاة السابقة إلى اللواتي يصغرنهنّ سناً[12].
كيفية التغلب على فقدان الأمن الغذائي:
توفير الغذاء المناسب والصحّي للمرأة الإفريقية هو التحدي الأكبر الذي يواجه المهتمين بشأن المرأة الإفريقية، والطريق الأساسي لتوفير الغذاء هو الاهتمام بالزراعة، وتوفير المواد الأولية والإمكانات التي تساهم في بناء مشروعات زراعية وحيوانية صغيرة توفّر الغذاء للأفارقة رجالاً ونساءً.
وتقترح جين كاروكو – أول رئيسة للتحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا – عدداً من الحلول، وهي:
– صغار المزارعين هم الذين يملكون مفتاح تحقيق الأمن الغذائي في إفريقيا.
– تحويل الزراعة إلى الإنتاجية العالية، والكفاءة، والتنافسية، والنظام المستدام، لضمان الأمن الغذائي، وانتشال الملايين من الفقر.
– تقديم المساعدة للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة لمواجهة تأثير تغيّر المناخ على الأمن الغذائي، وتوفير الضمانات البيئية التي يحتاج إليها المزارعون لزيادة الغلة وتحسين أحوالهم المعيشية.
– من خلال التركيز على ممارسات التنمية المستدامة يمكن التقليل من تدهور البيئة، والحفاظ على التنوّع البيولوجي.
– تمكين المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة في إفريقيا من زراعة المزيد من المزروعات على أراضٍ أقل مساحة؛ لأن ذلك يقللّ الضغط على إزالة الغابات والسافانا وزراعتها، وهو ما يساعد في الحفاظ على البيئة والتنوّع البيولوجي.
– تحسين صحة التربة من خلال الإدارة المتكاملة لخصوبة التربة، ويتم ذلك من خلال استخدام مزيج من الأسمدة، والمدخلات العضوية، والتقنيات المناسبة للظروف والموارد المحلية.
– القيام بعمل الأبحاث أمر بالغ الأهمية لتحقيق أقصى استفادة من سلسلة القيمة الزراعية الكاملة من البذور إلى الحصاد[13].
رابعاً: عدم توفر الماء النظيف:
مع كثرة مياه الأنهار والأمطار والمياه الجوفية والعيون في إفريقيا فإن عدم توفّر الماء النظيف والكافي من أكبر المشكلات التي تواجه المرأة الإفريقية، بل قدّر أن هناك ما يقرب من 300 مليون إفريقي لا يجدون المياه النظيفة أو الآمنة، هذا بخلاف 313 مليون إفريقي مصابين بأمراض سببها الأساسي تلوث المياه[14]، وتمثّل نسبة مَن لا يحصلون على المياه النظيفة، ومَن لا تتوافر لديهم الحمّامات اللازمة لقضاء حاجاتهم في إفريقيا، حوالي 40% من سكان العالم.
وفي هذا الجانب خاصة تعاني النساء والفتيات الريفيات معاناة شديدة، حيث يتعيّن عليهنّ في كثير من الأحيان المشي على الأقدام لمسافات طويلة للحصول على الماء، وهو ما قد يتسبّب في أضرار للمرأة، وفي صرف الفتيات عن دراستهنّ، ويقلّص من قدرة المرأة على مشاركتها في المجتمع، ويصيبها بالإنهاك.
وتقف المياه القذرة، وعدم وجود حمّامات، والأحوال الصحية السيئة، وراء الأزمة الصحية التي تتكرر مشاهدها يومياً في الأحياء والقرى الفقيرة، فالشوارع، والبيوت، والأطعمة، وأيادي الناس مليئة بالجراثيم التي تصيبهم