مقدمة:
العمامة زيٌّ كلاسيكيٌّ عربيٌّ إسلاميٌّ، وظاهرة من الظواهر الاجتماعية الدَّالة على تأثير العرب في غيرهم من أهل أفريقيا غربها وشمالها. ونيجيريا من تلك البلاد التي تأثَّر بالعرب، وذلك في لباس العمامة. وزمرة المؤمنين في نيجيريا تمثل جماعةً دعويّةً مسلمةً, ورابطةً علميّةً إسلاميّةً, وجمعيّةً أدبيّةً كـلاسكيّةً. نشأتْ هذه الزمرة في العقد الأول من القرن العشرين(1907) في مدينة إلورن، ثم انتشرت في أرجاء نيجيريا، وهم خير دليل في في التأثير الاجتماعي العربي في غيرهم من الأمم. ولتحقيق ذلك، فقد قسمت البحث إلى ثلاثة مباحث: فالأول في العمامة ومكانتها لدى الأمم المتقدمة، والثاني في العمامة ومكانتها في نيجيريا، والثالث في العمامة ومكانتها لدى زمرة المؤمنين في نيجيريا.
المبحث الأول: العمامة ومكانتها لدى الأمم القديمة
تفيدنا القواميس اللغوية العربية بمعاني العمامة، فهي واحدة العمائم بكسر العين. وفتحها سهو القلم من بعض الأعلام كما قال القاري(1) وتقول العرب: عممته أي ألبسته العمامة، وعمم الرجل: سوّده لأن العمائم تيجان العرب كما قيل للعجم توج. واعتم بالعمامة وتعمم بها معنى واحد(2) وهي ما يلف على الرأس أو زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس ويلبس تحت القلنسوة(3) ويقال: لاث العمامة على رأسه أي عصبها ولفها وأدارها. وهي ما توضع على الرأس وتستره لذلك تقول العرب اعتم النبت أي ستره الأرض(4).ومن مترادفاتها في اللسان العربي , السب الذي يعنى العمامة الطويلة في مثل قول شاعر:
لأشهد من عوف حلولا كثيرة ** يحجون سب الزبرقان المزعفرا(5)
كما ترادفها في المعنى العمارة، والمدماجة لأن الرأس يدمج فيها والمشمذ جمعه مشامذ والمشوذ جمعه مشامذ(6) والعصابة(7) والمقطعة(8) والمكور(9). والاقتعاط في العمامة هو عدم جعل العمامة تحت الحنك(10) والاعتجار هو لف العمامة على استدارة الرأس من غير إدارة الحنك وإدارتها تحت الحنك هو التحلي. والذؤابة طرف العمامة والعذبة ما بين الكتفين من العمامة(11).
وكانت المادة من الكلمات التي جرت عليها أقلام الأدباء عبر العصور الأدبية، ومنها قول ذي الرمة:
إذا نحز الإدلاج ثغرة نحره ** به أن مسترخى العمامة ناعس(12)
وقال أيضا:
يكاد من التصوير ينسل كلما ** ترنم أو مس العمامة راكبه
رأيتك هرّيت العمامة بعد ما ** مكثت زمانا قاصعا لا تعصب(13)
ومثل قول سحيم بن وثيل الرياحي الذى جعله الحجاج الثقفي مطلع كلامه عند دخوله العراق لما رأى عيون الناس إليه، حسر اللثام الذي غطى به أكثر وجهه متقلداً سيفاً، متوكئا قوسا، فصعد المنبر ونهص قائماً وقال(14).
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني(15)
وقال ابن عبد ربه الأندلسى صاحب العقد الفريد:
شريت سواد ذا ببياض هذا ** فبدلت العمامة بالخمار(16)
والعمامة عند العرب عادة أصيلة، وزي مميز لهم بين الأجناس الباقية. ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذالك فما رواه الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما في الجامع الصغير. قال: “العمائم تيجان العرب وإذا وضعوها وضعوا عزهم”. ومثل ما رواه بن عدى والبيهقي عن أمامة بن عمير قال: “اعتموا تزدادوا حلما والعمائم تيجان العرب”(17). وروي عن عبيد بن يعلى أن ذا القرنين كان في رأسه قرنان كالظلفين وهو أول من لبس العمامة يوارى بها القرنين (18). وكانت سادات العرب يصبغون عمائمهم بالزعفران، وسمي حصين بن بدر بالزبرقان لصفرة عمامته وسيادته كما سمي أبو أحيحة سعيد بن العاصي بن أمية بذي العمامة لأنه إذا لبس عمامته لم يلبس قرشي عمامته حتى ينزعها(19). وتقول العرب في المثل السائر للتناهي والمبالغة: أجمل من ذي العمامة(20) ومن عادات العرب في الجاهلية أنهم يلبسون العمامة الواحدة لمدة أربعين سنة لذلك يقول أبو الشماخ بن الشمواخ الطائي لأبي الحفاد الذي عاش مائة وعشرين سنة:
ما بال شيخ قد تخدد لحمه ** أبلى ثلاث عمائم ألوانا
سوداء داجية وسحق مفوف ** وأجد لونا بعد هجانا(21)
وفي بلوغ الأرب للألوسي ما يوضح وظيفة العمامة وقيمتها عند العرب حين قيل لأعرابي: تكثر لبس العمامة؟ فقال: “إن شيئاً فيه السمع والبصر لجدير أن يوقي من القر أي البرد”. وقال فيها أبو الأسود الدؤلى: “العمامة خيمة في الحر ومكنة من البرد ومدفأة من القر ووقار في الندى وواقية من الأحداث وزيادة في القامة وهي عادات العرب”(22) ولقد أثبت محمد بن عباد ما في العمامة من الكرامة حين دخل على المأمون وجعل المأمون يعممه بيده وجارية على رأسه تتبسم، فقال لها المأمون مم تضحكين؟ فقال ابن عباد:” أنا أخبرك يا أمير المؤمنين، تتعجب الجارية من قبحي وإكرامك إياي” فقال: “لا تعجبي فإن تحت هذه العمامة كرماً ومجداً “(23).
ولما جاء الإسلام كانت العمامة من المكارم التي أقرها الإسلام فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسها كما اعتاد قومه والعمامة النبوية قماش على رأسه كان يلفه على رأسه وكان يثبتها بالتحنيك(24).
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وإنه لم يلبس السواد لباسا راتباً ولا كان شعاره في الأعياد والجمع والمجامع العظام، وإنما اتفق له لبس العمامة السوداء يوم الفتح دون سائر الصحابة ولم يكن سائر لباسه يومئذ السواد بل كان لواؤه أبيض(25) وجاء في زاد المعاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عمامة تسمى السحاب كساها عليا. وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة وكان يلبس القلنسوة بغير العمامة ويلبس العمامة بغير القلنسوة، وكان إذ اعتم أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن حارث.(26) والعمامة عند الفقهاء، هي غطاء الرأس يترك لكل جماعة ما يناسبهم مراعين في ذلك الأجواء والظروف المختلفة ولا يلتزم لون ولا شكل معين”(27) وهي للرجل، وقدرها ما يؤدي هيئتها المطلوبة شرعاً، بأن تشتمل على حنك وذؤابتين من الجانبين تلقيان على صدره(28).
قال الجزري في تصحيح المصابيح: قد تتبعت الكتب وتطلبت من السير والتواريخ، لأقف على قدر عمامة النبي صلى الله عليه وسلم ولم أقف على شيء، حتى أخبرني من أثق به أنه وقف على شيء من الكلام النبوي، ذكر فيه أنه كان له عمامة قصيرة وعمامة طويلة وأن القصيرة كانت سبعة أذرع والطويلة اثني عشر ذراع(29)
وفي النيل قال ابن رسلان في شرح السنن عند ذكر حديث عبد الرحمن وهي التي صارت شعار الصالحين المتمسكين بالسنة، يعني إرسال العلامة على الصدر. ولقد وردت أحاديث كثيرة في فضلها، لكن لا تصلح الحجة بها في إثبات الأحكام إلا ما جاءت في باب المسح على العمامة في الوضوء، والسجود عليها في الصلاة(30)
ثم أصبحت العمامة بعد العهد النبوي والخلفاء الراشدين شعاراً للفرق الدينية وميزة يشاربها إليها. وقد اعتم العباسيون بالعمامة السوداء حداداً على داعيتهم إبراهيم الذي قتله مروان آخر ملوك بن أمية، وأول من لبس العمامة السوداء من العباسين هو عبد الله بن على بن عبد الله بن عباس كما ذكره السيوطي في أوائله. وذكر الشعراني في طبقات الكبري، إن إبراهيم بن المجد بن قريش شيخ الطائفة البرهامية، عاش من العمر ثلاثا وأربعين سنة ولم يتزوج حتى توفي سنة 676هـ وكان أتباعه يلبسون العمامة الخضراء، كما كان أتباع السيد أحمد الندوي يلبسون العمامة الحمراء، وأتباع الرفاعي يلبسون العمامة السوداء.(31) والعمامة جزء من لباس على رجل الدين الإسلامي الشيعي الذي يصل نسبه إلى الإمام الحسن بن على (المجتبى) أو إلى الإمام الحسين بن على (يد الشهداء) عليه السلام. أما العمامة البيضاء فيلبسها رجال الدين الذين ليسوا من السادة، ويقال لهم “شيخ”. ولبس العمامة عند علماء الشيعة تقليد يعبر عن أصالة هذا المظهر الذي يشابه لباس المسلمين الأوائل، لكن اللون الأسود للعمامة فيرجعه البعض إلى مستوى حزنهم على الإمام الحسين.(32) أما العمائم في العالم اليوم فإن الحضارات العديدة قد عرفت العمامة حيث كانت تلبس من قبل الرجل والمرأة على حد سواء، وكانت ترمز دائماً للجمال والقوة حتى قبل أن تتحو