د. محمد فؤاد رشوان*
اختتمت أعمال القمة الإفريقية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والتي استمرت خلال يومي 18-19 فبراير 2023، والتي جاءت تحت عنوان “نحو تسريع مسار تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية”، والتي ناقشت سبل تفعيل وتسريع اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية وإزالة المعوقات التي تعترى عملها، خاصة وأن تلك المنطقة تضم 1.3مليار شخص لتصبح أكبر سوق في العالم من حيث عدد السكان، وتهدف إلى تعزيز التجارة داخل القارة وجذب المستثمرين، لاسيما وأن حجم التجارة الداخلية بين الدول الإفريقية لا يتجاوز 15% من حجم التجارة الإفريقية.
ويسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على أبرز ما جاء بتلك القمة من أحداث ومواقف بين الدول الإفريقية المتباينة خلال انعقاد تلك القمة والتي يمكن وصفها بأنها أحداث استثنائية في قمة عادية للاتحاد.
أولًا: تحديات عديدة تواجه القارة الإفريقية
عقدت القمة الإفريقية العادية وسط أجواء تهيمن عليها العديد من الأزمات والتحديات التي تؤثر على واقع القارة؛ ومنها التحديات الأمنية والنزاعات المسلحة وخاصة في منطقة الساحل غرب القارة ومنطقة القرن الإفريقية، وكذلك تنامى الانقلابات العسكرية بصورة تؤثر على استقرار دول القارة وتوفير سبل التنمية المستدامة لشعوبها، بالإضافة إلى آثار موجات الجفاف والفيضانات نتيجة للتغيرات المناخية والتي أدت إلى تنامى ظاهرة النزوح؛ حيث ارتفع عدد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة أكثر من 15% خلال العام الماضي ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة فإن عدد النازحين قد تزايد من 38.3 مليون إلى 44مليون نازح خلال عام 2022[1].
وفى ذات السياق، تواجه القارة تحديات أخرى مثل تنامى ظاهرة الإرهاب، حيث شهد العام المنصرم تصاعد نفوذ الجماعات الارهابية في شرق إفريقيا، في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي وصولًا إلى شمال موزمبيق رغم الجهود الدولية والاقليمية لمواجهته، كما زادت هجمات الجماعات الموالية لـ “داعش” على منطقة غرب إفريقيا وعلى الساحل وصولًا لدول حوض بحيرة تشاد[2].
هذا فضلًا عن تصاعد أزمة الغذاء التي تواجه القارة نتيجة لتداعيات جائحة كورونا والتغيرات المناخية والحرب الروسية -الأوكرانية، وهو ما يهدد حياة أكثر من 15مليون شخص في منطقة القرن الإفريقي، وتقدر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 346 مليون شخص في إفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يعني أن ربع سكان القارة ليس لديهم ما يكفى من الطعام، ويعاني قرابة 38مليون شخص من الجوع، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 40% و50% في بعض الدول الإفريقية وتراجع القوة الشرائية بنسبة 40% مما أثر على القطاعات الاكثر فقرًا ووضعهم في أوضاع صحية حرجة[3].
ثانيًا: صفعة جديدة لـ”إسرائيل”
شهدت أعمال القمة الإفريقية، في يومها الأخير، صفعة جديدة لـ”إسرائيل”، حيث تم طرد دبلوماسية إسرائيلية من القمة؛ لأنها ليست الشخص المعتمد للتمثيل، ومن ثم ألقت “إسرائيل” باللائمة في هذا الموقف على دولتي جنوب إفريقيا والجزائر اللتان كانتا قد اعترضتا على حضور ممثلة “إسرائيل” لأعمال القمة، خاصة وأن الموقف النهائي للاتحاد الإفريقي من قبول عضوية “إسرائيل” كعضو ذات صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي لم يتم حسمه بعد، وأن الموقف لازال تحت الدراسة من قبل اللجنة المشكلة من قبل الاتحاد الإفريقي، وهو ما يمثل صفعة جديدة لـ”إسرائيل” خاصة وأنها تسعى بقوة خلال العقود الماضية لتوثيق صلاتها وعلاقاتها بدول القارة، وجاءت هذه الصفعة في الوقت الذى شهد قيام الرئيس التشادي محمد إدريس ديبى بزيارة إلى “إسرائيل” وافتتاح سفارة بلاده في تل أبيب[4].
وظهرت صورة منتشرة على الانترنت لأحد أفراد الأمن من الاتحاد الإفريقي يواجهون الدبلوماسية الاسرائيلية لإخراجها من الجلسة الافتتاحية للقمة وهو ما أثار استياء الخارجية الاسرائيلية خاصة وانها زعمت ان الدبلوماسية لديها شارة الدخول لحضور للقمة، فيما أكدت إيبا كالوندو المتحدثة باسم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أن هذه الدبلوماسية تم إخراجها من القاعة لنها ليست السفيرة الإسرائيلية المعتمدة لدى إثيوبيا[5].
ومن الجدير بالذكر، أن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي التشادي موسى فقي قد أصدر قرارًا منفردًا بمنح إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد الإفريقي في يوليو 2021 في موقف أثار في حينها العديد من التساؤلات حول المواقف المتباينة لرئيس مفوضية الاتحاد وهو القرار الذى تم رفضه في قمة الاتحاد الإفريقي الــ35 في أديس أبابا في 6 فبراير 2022، وعلى إثر ذلك قامت القمة بتشكيل لجنة تضم 7 من رؤساء الدول لإعداد توصية تقدم إلى قمة الاتحاد الإفريقي للنظر في القرار محل الجدل والذى أدى إلى حالة من الانقسام الكبير داخل الاجتماعات، وتضم اللجنة: الرئيس السنغالي ماكي سال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، ورئيس الكونغو الديمقراطية فيلكس تشيسكيدي الرئيس السابق للاتحاد، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس الرواندي بول كاجامي والرئيس النيجيري محمود بخاري، ورئيس الكاميرون بول بيا[6].
ثالثاً: تنافس مغربي صحراوي
شهدت القمة الإفريقية إعلان محمد سيداتى عضو الأمانة الوطنية لـ”جبهة البوليساريو” ووزير الشئون الخارجية أن تقدم “بلاده” لتولى منصب النائب الأول للرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي عن شمال أفريقيا، وذلك ايمانًا منهم بالاندماج الإفريقي، مؤكدًا أن قرار الترشيح جاء لتكريس ممارسة حق ما وصفه بـ”الجمهورية الصحراوية” باعتبارها عضوًا في الاتحاد الإفريقي في تولى المناصب وحيازة شرف التمثيل والمساهمة في عملية بناء مؤسسات الاتحاد وتطوير أدائه، وهو ذات المنصب الذى ترشحت له دولة المغرب[7].
ومن الجدير بالذكر أن قرار الترشيح قد يكون له أبعاد أخرى، خاصة وأن المغرب قد قامت بنشاط دبلوسي حيوي وقوى منذ عودتها إلى الاتحاد الإفريقي مرة أخرى عام 2017 بعد قطيعة دامت لنحو 32عامًا، وهو ما شهد معارضة مندوب ما يسمى بـ “الجمهورية الصحراوية”، ورفضه التصويت لصالح عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في حينها، الأمر الذى ردت عليه المغرب خلال تلك القمة من خلال ما يعرف بــ “بيان طنجة”[8].
وكان المغرب قد أعلن في 27 من يناير الماضي موافقة مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي الموافقة على اعتماد مؤتمر الاتحاد الإفريقي حول تعزيز الارتباط بين السلام والأمن والتنمية في إفريقيا أو ما أيطلق عليه “إعلان طنجة” وعرضة على القمة الإفريقية الــ36 المنعقدة في أديس أبابا خلال فبراير الحالي.
وختامًا، على الرغم مما يحيط القارة الإفريقية من تحديات كبيرة وفي مقدمتها الارهاب وتغلغله في القارة وسيطرته على مناطق عديدة منها رغم الجهود الاقليمية والدولية لمواجهته، بالإضافة الى ما يضرب القارة من أزمة في الغذاء تهدد ملايين الأشخاص في كافة أرجائها، إلا أن العديد من الآمال تنعقد على ما قد تسفر عنه تلك القمة من وسائل فاعلة لمواجهة تلك العقبات التي تحول دون إحداث تنمية حقيقة للقارة وتعظيم التبادل التجاري الداخلي بين دولها واستغلال موارد القارة أفضل استغلال يعود بالنفع على أبنائها ومواجهة محاولات السيطرة على مقدرات القارة الغنية بمواردها والتي تتكالب عليها القوى الدولية والإقليمية لتعظيم منافعهم من مواردها دون سكانها الذين هم في أمس الحاجة لتجاوز ما يعانون منه من صعاب.
* باحث متخصص في الشئون الإفريقية
[1] انطلاق أعمال القمة الإفريقية ال36 في أديس أبابا، سكاي نيوز عربية على الرابط:
[2] https://www.albawabhnews.com/4497279
[3] محمد صالح عمر، يوم الغذاء العالمي .. لماذا إفريقيا قارة غنية وأهلها جائعون ؟ في 16 /10/2022 عل الرابط :
[4] طرد سفيرة اسرائيلية من قمة الاتحاد الإفريقي واتهام الجزائر وجنوب إفريقيا بالوقوف وراء الواقعة على الرابط :
[6] د. محمد فؤاد رشوان ، لماذا رفضت قمة الاتحاد الإفريقي قرار منح اسرائيل صفة مراقب ؟
[7] الصحراء الغربية تنافس المغرب على منصب هام في الاتحاد الإفريقي في 19 فبراير 2023 على الرابط :