أظهرت استطلاعات مختلفة في نيجيريا وخارجها أن “بيتر أوبي” – المرشح الرئاسي لـ “حزب العمال” (Labour Party) والذي لم يكن مشهورا في السياسية الوطنية النيجيرية قبل عام 2018 – يتقدم على المرشحين الرئاسيين الآخرين, بمن فيهم السياسي المخضرم الحاج الدكتور “رابيو كوانكواسو” من “حزب الشعب النيجيري الجديد” (New Nigeria People’s Party) والذي لا يزال مؤيدوه يؤمنون بإمكانية فوزه في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 25 فبراير 2023.
ولأن ما سبق ينذر بتغيير محتمل في السياسة النيجيرية ونهاية ممكنة لعقود من هيمنة الحزبين الرئيسيين “مؤتمر الجميع التقدميين” (All Progressives Congress) الحاكم و”حزب الشعب الديمقراطي” (Peoples Democratic Party) المعارض الرئيسي؛ فإن هذا المقال الذي هو بمثابة الجزء الثالث من ثلاث مقالات([1]) حول الانتخابات الرئاسية في نيجيريا-؛ سيتنَاول حياة المرشحَين “بيتر أوبي” و “رابيو كوانكواسو” ومسيرتهما المهنية والسياسية، ومواطن قوتهما وضعفهما.
من هو “رابيو كوانكواسو”؟
“رابيو موسى كوانكواسو” (Rabi’u Musa Kwankwaso) من أسرة فلانية مسلمة مرموقة؛ وُلِد في 21 أكتوبر من عام 1956 في قرية “كوانكواسو” الواقعة في منطقة “مادوبي” للحكم المحلي بولاية كانو شمال غرب نيجيريا. وكان والده زعيم قرية “كوانكواسو” وترقى إلى رئيس منطقة “مادوبي” مع منحه زعامة محلية من قبل مجلس إمارة كانو تحت حكم الأمير “أدو بايرو” (أمير كانو من 1963 حتى 2014)([2]).
وقد درَس “رابيو” من مدرسة “كوانكواسو” الابتدائية، ومدرسة “غوارزو” الداخلية العليا الابتدائية، ومدرسة “وديل” الحرفية, وكلية كانو التقنية. وحصل من كلية كادونا للفنون التطبيقية على الدبلومين الوطني والوطني العالي. وفيما بين عامي 1982 و1983 حضر دراسات عليا في المملكة المتحدة في “ميدلسكس” للفنون التطبيقية (جامعة “ميدلسكس” الآن), كما حصل في عام 1985 من جامعة “لوبورو” للتكنولوجيا على درجة الماجستير في هندسة المياه([3]).
وفي عام 1975 انضم “رابيو” إلى وكالة ولاية كانو للموارد المائية والهندسة الإنشائية, وخدم فيها لمدة سبعة عشر عامًا حيث تولّى مناصب مختلفة وترقى ليصبح مهندس المياه الرئيسي في الوكالة تاركا بصمات إيجابية واضحة([4]).
وقد انخرط “رابيو” في السياسة في عام 1992, حيث كان ضمن فصيل “الجبهة الشعبية النيجيرية” (People’s Front of Nigeria) بقيادة الجنرال “شيهو يرأدوا” تحت منصة “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” الذي جمع سياسيين مرموقين آخرين, بمن فيهم “أتيكو أبو بكر” (أحد المرشحين لرئاسيات 2023) و “بولا أحمد تينوبو” (مرشح الحزب الحاكم لرئاسيات 2023). وفي عام 1992 انتخب “رابيو” عضوا في مجلس النواب ممثلا دائرة “مادوبي” الاتحادية, وأصبح أحد السياسيين المعروفين على المستوى الوطني النيجيري بعدما انتُخِب نائبا لرئيس مجلس النواب. وكان أيضا مندوب كانو في المؤتمر الدستوري لعام 1995 كعضو في “الحركة الديمقراطية الشعبية” (People’s Democratic Movement) الذي قاده الجنرال “يرأدوا”([5]).
وقد كان “رابيو” كغيره من السياسيين النيجيريين الذين تنقّلوا بين الأحزاب المختلفة لتحقيق طموحاتهم؛ حتى وإن كان أقلّ تنقّلا مقارنة بالكثيرين منهم؛ إذ انضم إلى “الحزب الديمقراطي النيجيري” (Democratic Party of Nigeria) إبان المبادرة الانتقالية التي أطلقها رئيس الدولة العسكري الجنرال “ساني أباتشا”, وانضم في عام 1998 إلى “حزب الشعب الديمقراطي”, وانتُخب في عام 1999 حاكمًا لولاية كانو([6]).
وفي حين فشل “رابيو” في محاولة إعادة انتخابه في عام 2003 كحاكم ولاية كانو؛ إلا أنه عُيِّن وزيرًا للدفاع تحت الإدارة المدنية الديمقراطية للرئيس السابق “أولوسيغون أوباسانجو” (الذي حكم نيجيريا بين 1999 و 2007). وفي عام 2011 انتُخِب حاكما لولاية كانو لفترة ثانية وأخيرة ولمدة أربع سنوات.
وفي نوفمبر من عام 2013 انشق “رابيو” عن “حزب الشعب الديمقراطي” منضمّا إلى حزب المعارضة الجديد وقتذاك (والحاكم اليوم) – حزب “مؤتمر الجميع التقدميين”. وفي عام 2015 انتُخِب تحت راية الحزب الجديد عضوًا في مجلس الشيوخ ممثلا منطقة وسط كانو. وفي أكتوبر من عام 2015 خاض الانتخابات التمهيدية الرئاسية مُحاوِلا تأمين تذكرة حزب “مؤتمر الجميع التقدميين”، ولكنه خسر أمام الرئيس الحالي “محمد بخاري”([7]).
وعاد “رابيو” في يوليو عام 2018 إلى حزبه السابق – “حزب الشعب الديمقراطي” – حيث حاول فيه في أكتوبر من العام نفسه تأمين تذكرة الحزب للانتخابات التمهيدية الرئاسية, ولكنه خسر أمام “أتيكو أبو بكر”([8]). وظل في الحزب حتى فبراير 2022 عندما أسّس حركته الوطنية لمواجهة الحزبين السياسيين الرئيسيين في نيجيريا اللذين كان عضوا فيهما سابقا، وهما حزب “مؤتمر جميع التقدميين” الحاكم و “حزب الشعب الديمقراطي”. واختار لاحقا “حزب الشعب النيجيري الجديد” كفرع حركته السياسي([9]).
جدير بالذكر أن “رابيو” حصل على درجة الدكتوراه في هندسة المياه من جامعة “شاردا” بالهند في عام 2022. وكانت سجلاته أثناء حكمه لولاية كانو حافلة بإنجازات كثيرة في قطاعات مختلفة, وخاصة التعليم حيث قدم مئات المنح الدراسية لمواطني كانو كي يتابعوا دراستهم داخل نيجيريا وخارجها. وأسّس خلال حكمه الأول لحاكم كانو “جامعة كانو للعلوم والتكنولوجيا” (تغير اسمها إلى جامعة “أليكو دانغوتي” للعلوم والتكنولوجيا)([10]). وأسس أيضا خلال فترة ولايته الثانية (2011 إلى 2015) “جامعة الشمال الغربي كانو” (تغير اسمها إلى جامعة “يوسف ميتاما سولي”، كانو)، ثاني جامعة مملوكة لولاية كانو([11]).
واهتم “رابيو” أيضا خلال حكمه لولاية كانو بقطاعات الرعاية الصحية والزراعة والتنمية الشاملة للبنية التحتية الحيوية, مثل إنشاء الطرق الحضرية والبلدية وإعادة تصميم وبناء مجمعات سكنية وثلاث مدن جديدة في كانو. وهناك مشاريع إمدادات المياه والكهرباء لمعالجة المشاكل المزمنة([12]).
من هو “بيتر أوبي”؟
وُلد “بيتر غريغوري أوبي” (Peter Gregory Obi) في 19 يوليو عام 1961 في منطقة “أغولو” الحكومية المحلية في مدينة “أونِتْشا” بولاية أنامبرا التي تقطنها النسبة الكبرى من إثنية الإيبو – جنوب شرق نيجيريا. وفي حين تشح المعلومات عن والديه؛ إلا أن عائلته مشهورة بالتجارة. أما “بيتر”؛ فهو نصراني كاثوليكي مشهور بلقب “Okwute” الذي يعني “الجبل” بسبب ما واجهه من الاضطرابات والصعوبات في مسيرته السياسية والتي تغلب على معظمها لاحقا.
وقد حصل “بيتر أوبي” على شهادة الثانوية من مدرسة “كرايست دي كنغ”, والتحق لاحقًا بجامعة نيجيريا (University of Nigeria) حاصلا في عام 1984على بكالوريوس في الفلسفة. وحضر برامج تنفيذية في مجالات الأعمال والتسويق والإدارة في مؤسسات ومعاهد دولية متخصصة, بما في ذلك كلية لاغوس للأعمال في نيجيريا (Lagos Business School), وكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد في بوسطن الأمريكية، وكلية لندن للاقتصاد, وكلية كولومبيا للأعمال في نيويورك الأمريكية([13]).
ويلاحظ من معظم تصريحات “بيتر أوبي” أنه رجل أعمال أكثر من كونه سياسيا تقليديا. وهذا يعود إلى حياته المهنية التي بدأها كتاجر, وشغله مناصبَ قيادية في شركات وبنوك خاصة مرموقة, مثل رئاسته لمجلس إدارة بنك “فيدلتي بي إل سي”, والرئيس السابق لبنك “غوارديان اكسبريس”, والمدير السابق لـ “شامس نيجيريا بي ال سي” وغيرها من المؤسسات([14]).
وفيما يتعلق بمسيرة “بيتر” السياسية؛ فقد تنافس في عام 2003 على منصب حاكم ولاية أنامبرا كمرشح عن حزب “التحالف الكبير لجميع التقدميين” (All Progressives Grand Alliance), حيث أعلنت “المفوضية القومية المستقلة للانتخابات” فوز خصمه “كريس انغيغي” (وزير العمل الحالي تحت إدارة الرئيس “بخاري”) من “حزب الشعب الديمقراطي” (PDP). ولكن “بيتر” طعن في هذه النتيجة أمام المحكمة التي أعلنت في 15 مارس 2006 أن “بيتر” هو الفائز الفعلي في تلك الانتخابات. وفي 17 مارس 2006 استأنف “بيتر” منصبه كحاكم ولاية أنامبرا, ولكنه عُزِل من قبل مجلس نواب الولاية بعد سبعة أشهر فقط في المنصب وحلّت محله نائبته “فيرجينيا إتيابا” مما جعلتها أول امرأة شغلت منصب حاكم ولاية في تاريخ نيجيريا([15]).
على أن “بيتر” عاد إلى المحكمة وطعن في الاتهام الموجّه إليه وقرار عزله من قبل مجلس نواب أنامبرا. وحكمت محكمة الاستئناف في 9 فبراير 2007 بإعادته إلى منصبه وتسلّم سلطة الولاية مرة أخرى. وفي سابقة قانونية جديدة في السياسة النيجيرية أُجْرِيت الانتخابات العامة وفاز “آندي أوبا” بحكم ولاية أنامبرا رغم أن مدة حكم “بيتر” لم تكتمل المدة المنصوص عليها في الدستور النيجيري (أي أربع السنوات التي فاز بها في عام 2003). وفي 29 مايو 2007 ترك “بيتر” مكتب حاكم الولاية وتوجّه إلى المحكمة لمحاربة انتخاب الفائز “آندي أوبا” مدعيا أن عَدَّ فترة ولايته بدأ عندما تولى المنصب في مارس 2006 (وليس في 2003 عندما فاز بها), وبالتالي ينبغي عليه إكمال فترة ولايته حتى أربع سنوات([16]).
وقد حكمت المحكمة العليا النيجيرية في 14 يونيو لصالح “أوبي” حيث أمرت “آندي أوبا” – الفائز في تلك الانتخابات – بترك المنصب لـ “بيتر” الذي شغل المنصب للفترة الأولى حتى مارس 2010. وسعى “بيتر” وراء فترة حكم ثانية كحاكم أنامبرا في عام 2010 فائزا في الانتخابات في 7 فبراير 2010 وهازما البروفيسور “تشارلز سولودو” (المحافظ السابق للبنك المركزي النيجيري وحاكم ولاية أنامبرا الحالي). وخدم “بيتر” فترة ولايته الثانية كحاكم الولاية حتى 17 مارس 2014.
ويضاف إلى ما سبق أن “بيتر أوبي” تنّقل أيضا بين الأحزاب السياسية المختلفة لتحقيق مصالحه؛ إذ غادر حزبه “التحالف الكبير لجميع التقدميين” في أكتوبر 2014 وانضمّ إلى “حزب الشعب الديمقراطي”, وعُيِّن في عام 2015 من قبل الرئيس “غودلاك جوناثان” رئيسًا للجنة الأمن والتبادل النيجيرية. وفي 12 أكتوبر 2018 اختاره “أتيكو أبو بكر” – المرشح الرئاسي لـ “حزب الشعب الديمقراطي” – نائبًا له في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2019([17]).
وقد أعلن “بيتر أوبي” في 24 مارس 2022 عن نيته للتنافس في رئاسيات 2023 تحت “حزب الشعب الديمقراطي”, ولكنه أدرك أن الحزب كان يفضل أن يكون مرشحه قويّا في جميع الأقاليم النيجيرية وثريّا من حيث تحمّل تكاليف الحملة الانتخابية إلى جانب عوامل داخلية أخرى للحزب, بما في ذلك هيمنة التكتل الشمالي. وفي 25 مايو استقال “بيتر أوبي” من “حزب الشعب الديمقراطي” وانسحب أيضًا من خوض الانتخابات التمهيدية الرئاسية (لاختيار مرشح الحزب الرسمي) بعدما اتضحت له هيمنة “أتيكو أبو بكر” وأعوانه رغم الاتفاق السابق بين قادة الحزب على أن يكون مرشحه من الجنوب. وفي 27 مايو 2022 أعلن “أوبي” أنه انضم إلى “حزب العمال” ساعيا وراء طموحه الرئاسي فيه([18]).
وقد تزوج “بيتر أوبي” من “مارغريت براونسون أوسين” في عام 1992. وفي أكتوبر 2021 تعرض لاتهامات فساد بعدما ورد اسمه في وثائق “باندورا” ضمن المتهمين بالتهرب الضريبي([19]). وقد نفى “بيتر” جميع التهم الموجهة إليه, بينما الوكالات الحكومية النيجيرية المعنية بمكافحة الجرائم المالية لم توجه إليه حتى الآن تهمة رسمية. وكرر “بيتر” نزاهة مصادر أمواله وحرية التحقق فيها، مشيرا إلى أنه غادر تلك الشركات المتهمة وتوقف تعامله معها مما يجعله غير مسؤول عنها.
“بيتر” و “رابيو”: ترشحهما للرئاسيات وفشل التحالف بينهما:
في 8 يونيو من عام 2022 نظم “حزب الشعب النيجيري الجديد” مؤتمره العام في أبوجا وأعلن تبنّي الدكتور “رابيو كوانكواسو” كمرشحه الرئاسي لخوض انتخابات عام 2023. واختار الحزب في يوليو 2022 القس النيجيري “إسحاق إيداهوسا” (Isaac Idahosa) – من ولاية “إيدو” (Edo) الواقعة جنوب-جنوب نيجيريا – نائبا لـ “رابيو”, وذلك في خطوة لجذب أصوات الناخبين من الجنوب ومن غير المسلمين([20]).
أما “بيتر أوبي”؛ فقد ظهر في 30 مايو 2022 كمرشح “حزب العمال” للرئاسة بعد أن تنازل مرشحون آخرون له([21]). واختار الحزب لاحقًا الدكتور “يوسف داتي بابا أحمد” نائبا له, وذلك لجذب أصوات الناخبين المسلمين وتأييد الشمال, حيث كان “يوسف” أكاديميا ورجل أعمال وسياسي نيجيري من عائلة “بابا أحمد” المرموقة في زاريا شمال نيجيريا([22]).
وقد كان ضعف شعبية “رابيو كوانكواسو” في الجنوب وقلة المتابعة الشعبية لـ “بيتر أوبي” في الشمال رغم قوتهما في إقليميهما (شمال الغرب لـ “رابيو” وجنوب الشرق لـ “بيتر”)؛ أدّى إلى حثّ بعض مؤيديهما وأعضاء حزبيهما في تشكيل تحالف لمواجهة الحزبين المهيمنين – الحاكم والمعارض الرئيسي, وخاصة أنّ مثل هذا التحالف سيقربهما من الفوز بالرئاسة, مقارنة بوضعهما الحالي أمام منافسَيهما ومرشحَي الحزبين المهيمنين – “بولا تينوبو” من الحزب الحاكم و “أتيكو أبو بكر” من الحزب المعارض الرئيسي – اللذين يتمتعان بجميع الهياكل الحزبية والسياسية والإدارية المطلوبة للفوز.
وقد حاول “رابيو” و “بيتر” في عام 2022 مناقشة إمكانية هذا التحالف بينهما([23]), ولكن المناقشة انهارت بسبب معضلة من سيكون المرشح الرئاسي في حال هذا التحالف حيث رفض كل منهما أن يكون نائبا للآخر؛ فـ “رابيو” ومؤيدوه يرون أنه يملك قاعدة الدعم اللازمة للفوز بأصوات الناخبين الشماليين الذين يشكلون النسبة الكبرى من الأصوات المطلوبة, وأن خبراته السياسية والإدارية تفوق بكثير خبرات “بيتر” الذي كان معظم خبراته في مجال الأعمال. ويزعم أعوان “رابيو” أيضا أنه هو السياسي الوحيد في شمال نيجيريا الذي يحظى بأتباع ضخم مثل الرئيس “بخاري”، وأن مقترحهم (بأن يكون “بيتر” نائب “رابيو”) سيقرب الرئاسة إلى الإيبو([24]).
على أن أنصار “بيتر” رفضوا المقترح([25]) قائلين: إن الدور الرئاسي للجنوب مما يجعله الأجدر بأن يكون المرشح الرئاسي بينما يكون “رابيو” نائبه. وأشاروا إلى أن لـ “بيتر” خبرات سياسية بموجب كونه حاكما سابقا لولاية أنامبرا, وأن أي مرشح رئاسي متطلع للفوز سيحتاج بلا شك أصوات الناخبين من جنوب الشرق التي ينتمي إليه “بيتر”([26]).
وفي وقت لاحق أرجع “رابيو” سبب فشل التحالف المقترح إلى “الضجة الإعلامية” التي تمتع بها “بيتر” في ذلك الوقت, والتي منعت حزب “بيتر” وأنصاره من قبول المقترح([27]). ومع ذلك, يمكن القول – من خلال الواقع السياسي النيجيري – أنه حتى في نجاح المقترح؛ فإن التحالف بين “بيتر” و “رابيو” وحده لن يكفي للفوز برئاسيات 2023, ليس فقط بسبب حزبيهما اللذين لا يملكان الهيكلة الحقيقية والممثلين النواب الذين يحتاجانهم في استراتيجيات الفوز. وهناك مثال واقعي في “أتيكو أبو بكر” الذي يعتبر من السياسيين القلائل الذين لديهم أتباع عبر المناطق الجيوسياسية الست؛ إذ لم يتمكن من الفوز في السباق الرئاسي لعام 2019 رغم كون “بيتر” نائبًا له في تلك الانتخابات. ورغم اقترابهما من الفوز وقتذاك إلا أنهما خسرا أمام الرئيس “بخاري” ونائبه “أوسنبانجو” من جنوب الغرب. هذا بالرغم من أن “أتيكو” خاض تلك الانتخابات تحت راية حزب سياسي كبير حكم نيجيريا لمدة 16 عامًا ويملك نوابا وممثلين كثّر على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية([28]).
مواطن قوتهما وضعفهما:
يتمتع الدكتور “رابيو” بدعم واسع في كانو ومدن أخرى في شمال غرب نيجيريا. ويعتبره بعض المحللين شعبويا ذا شخصية كاريزمية. وقد تمكن من خلال أنشطته وتحركاته السياسية التي يطلق عليها “كوانكواسيّة” (Kwankwasiyya) حشد دعم في ولايات كانو و جيغاوا و كتسينا و زمفارا و كبّي وجزء من كادونا. ولكن هذا الدعم ليس على المستوى الوطني النيجيري, حيث لا يملك متابعة قوية خارج منطقته؛ مثل مناطق الشمال الأوسط والشمال الشرقي, إلى جانب الأقاليم الجنوبية التي لا تعرف الكثير عن “رابيو”. كما أن اختياره “إسحاق إيداهوسا” نائبا له – لا يجدي نفعا ملموسا لكونه شخصية غير معروفة في السياسة النيجيرية الوطنية.
ومن الواضح أن “بيتر” منذ فوزه بتذكرة “حزب العمال” قد أتقن سياسة استمالة الشباب والفقراء من خلال خطاباته ووعوده التي تتمحور حول الحكم الوطني الشامل والاعتذار لضحايا وحشية الشرطة التي أصبحت منذ عام 2020 قضية تعبئة رئيسية للشباب النيجيري, وهو ما زاد قاعد دعمه وأعاد تنشيط حملته الانتخابية الباهتة في عام 2022. وعزز موقف “بيتر” على المستوى الوطني سلسلة التأييد التي حظي بها في الشهور الأخيرة من قبل الشخصيات النيجيرية المحترمة والأسماء المؤثرة في المؤسسة السياسية، بما في ذلك الرئيس السابق “أولوسيغون أوباسانجو”, والأديبة “شيماماندا انغوزي أديتشي” وغيرها.
وتشمل وعود “بيتر أوبي” للنيجيريين([29])، من بين أمور أخرى، وقف تدهور حالة انعدام الأمن, وإعادة بناء القوة العسكرية، وتعزيز النمو الاقتصادي وتقويته بالتكنولوجيا, ومعالجة ارتفاع معدل البطالة بين الشباب, بالإضافة إلى تحسين النفوذ الدبلوماسي لنيجيريا في الشؤون الإقليمية والقارية والعالمية. وشدّد على أنه لم يتسامح بالفساد، وأن البلاد بحاجة إلى خفض تكلفة ممارسة الحوكمة مع الالتزام بالشفافية في الأعمال الحكومية, وإعطاء الأولوية للنمو المرتكز على الإنتاج من أجل الأمن الغذائي والتصدير وتأمين وحدة نيجيريا الوطنية واحترام مبادئ الطابع الاتحادي للبلاد، مع توسيع البنية التحتية المادية من خلال الإصلاحات التي يحركها السوق, بالإضافة إلى الشروع في تنمية رأس المال البشري.
على أنه بالرغم من أن “حزب العمل” قد منح “بيتر أوبي” منصته لتحقيق حلمه؛ إلا أن الحزب المستفيدُ الأول من تصاعد شعبية “بيتر” التي تعزز صورة الحزب كقوة ثالثة بعد الحزبين الحاكم والمعارض الرئيسي. ومن الملاحظ في خطابات “بيتر” في حملاته الانتخابية أنه يكون أحيانًا غير دقيق في وعوده وادعاته. وقد اتُّهم أنه يقول فقط ما يريد أنصاره، ومعظمهم من الشباب، سماعه بسبب إحباطهم من الحكومة الحالية والحزبين الرئيسين. هذا إلى جانب المبالغة في الترويج لـ”بيتر” من قبل بعض أنصاره المتحمسين, وعدوانيتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ضد أنصار الأحزاب السياسية الأخرى أو ضد المنتقدين لسياساته والذين يثيرون أسئلة حول نزاهته وكفاءته([30]).
ويضاف إلى ما سبق أنه ينظر إلى “بيتر” في بعض أجزاء من نيجيريا كمتعاطف مع حركة “السكان الأصليون في بيافرا” (Indigenous People of Biafra) الانفصالية التي ترعب بعض أجزاء جنوب الشرق من البلاد. بينما هناك مجموعة من مؤيديه من يركّزون على دّينه مقترحين استخدام هيكل الكنيسة الكاثوليكية في نيجيريا، التي ينتمي إليها “بيتر أوبي”، كآلية سياسية للترويج له, وخاصة أنه المرشح الرئاسي غير المسلم الوحيد بين كبار المرشحين الأربعة، وبالتالي يرون أنه يجب على المسيحيين الالتفاف حوله.
هل يضمن تصاعد شعبية “بيتر أوبي” فوزه برئاسيات 2023؟
يصعب الجزم بنتائج الانتخابات الرئاسية بسبب تطورات الأسابيع الأخيرة وما يعانيه منافسَا “بيتر” (تينوبو و أتيكو) من انتقادات وتذبذب في شعبيتهما ودعمهما؛ إذ يحتاج أي مرشح للفوز تأمين أغلبية بسيطة من جميع الأصوات العامة ونسبة 25 في المئة من الأصوات فيما لا يقل عن ثلثي ولايات نيجيريا البالغ عددها 36 ولاية.
وبغض النظر عن النتائج ستكون هذه الانتخابات “نقطة تحول” رئيسية في تاريخ نيجيريا منذ عام 2019. ويستنتج من استطلاعات الرأي لمراكز الفكر المختلفة ومؤسسات البحث أن “بيتر أوبي” أصبح حركة مهيمنة على الساحة السياسية النيجيرية؛ إذ أشارت الاستطلاعات الأخيرة إلى أنه يتفوق على منافسيه الآخرين([31]), وخاصة بعد السياسات النقدية لحكومة الرئيس “بخاري” والتي تؤثر سلبا في حياة النيجيريين وتجعل الناس مستائين من كل ما له علاقة بالحزب الحاكم وأعضائه السابقين الموجودين الآن في الحزب المعارض الرئيسي.
وهناك استطلاعات أخرى ربطت فرصة فوز “بيتر أوبي” بشرط ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين، حيث سيعني ضعف المشاركة فوزًا محتملاً لمرشح الحزب الحاكم “بولا تينوبو”. بالإضافة إلى أن شعبية “بيتر” كانت قوية على المواقع الاجتماعية وبين الشباب, وهو ما يختلف عما يقوم به منافسَيه الآخرين, وخاصة “تينوبو و أتيكو”, من حيث حشد قاعدة محلية حقيقية في المجتمعات الريفية والحضرية.
وإلى جانب احتمالات فوز “تينوبو” أو “أتيكو”؛ هناك توقعات من حصول “بيتر” على أصوات كافية تمنع منافسَيْه من الفوز في الجولة الأولى([32]), مما تستدعي جولة الإعادة التي ستكون الأولى في تاريخ الانتخابات النيجيرية. ومع ذلك، سيكون أسوأ سيناريو لـ “بيتر أوبي”، في حال خسارته للرئاسيات، أن يقسّم أصوات الحزبين الرئيسيين في عدة مدن وبين الشباب، وخاصة في جنوب شرق نيجيريا التي تصرّ على أن الدور الرئاسي لإثنية الإيبو. ويمكن لـ “رابيو كوانكواسو” أيضا تقسيم أصوات الحزبين في معاقله في شمال غرب نيجيريا.
[1] – الجزءان الأول والثاني من السلسلة:
– رئاسيات 2023م النيجيرية (1): مَن هم المترشحون؟ وهل حان دور العرّاب السياسي “بولا تينوبو” للرئاسة؟. عبر الرابط
– رئاسيات 2023م النيجيرية (2): هل سيُحقّق “أتيكو أبو بكر” طُمُوحه في هذه المحاولة السادسة؟. عبر الرابط
[2] – Newswire NGR (2022). “Rabiu Musa Kwankwaso: Biography, Age, Wife, Children, Political Career, and More.”, retrieved from
[3] – المصدرنفسه.
[4] – “KWANKWASO, Dr. Rabiu Musa”. Biographical Legacy and Research Foundation, retrieved from
[5] – المصدر السابق.
[6] – المصدر سابق:
Newswire NGR (2022). “Rabiu Musa Kwankwaso: Biography, Age, Wife, Children, Political Career, and More.”
[7] – Festus Owete (2014). “Buhari wins APC presidential ticket.” Premium Times, retrieved from
[8] – The Cable (2018). “Atiku picks PDP presidential ticket in ‘one-horse’ race”. Retrieved from
[9] – Mohammed Babangida (2022). “ANALYSIS: Can Kwankwaso’s NNPP be Nigeria’s third force in 2023?”. Premium Times, retrieved from
[10] – Mustapha Usman (2022). “JUST IN: Kano govt renames university after Dangote”. Daily Nigerian, retrieved from
[11] – “Yusuf Maitama Sule University Founder and the First Visitor.” Retrieved from https://bit.ly/3XOMq3v
[12] – Blue Print Newspaper (2014). “Kwankwaso’s unparalleled performance.” Retrieved from https://bit.ly/3EqqtAL
[13] – Jackline Wangare (2023). “Peter Obi’s biography and career: his rise to fame revealed.” Legit Nigeria, retrieved from https://bit.ly/3Ibzsqw
[14] – “Biography of Peter Obi.” Financial Quest, retrieved from https://bit.ly/3IHcvNt
[15] – Sunday Adebayo (2018). “Peter Obi: The Business Man cum Politician with Incredible Triangulation and Reflective Sagacity.” The Octopus News, retrieved from https://bit.ly/3xDIzLM
[16] – المصدر السابق.
[17] – حكيم ألادي نجم الدين (2023م). رئاسيات 2023م النيجيرية (2): هل سيُحقّق “أتيكو أبو بكر” طُمُوحه في هذه المحاولة السادسة؟. قراءات إفريقية,
[18] – Samson Adenekan (2022). “UPDATED: Peter Obi emerges Labour Party presidential candidate.” Premium Times, retrieved from https://bit.ly/3lSBiFv
[19] – Taiwo-Hassan Adebayo (2021). “PANDORA PAPERS: Inside Peter Obi’s secret businesses — and how he broke the law.” Premium Times, retrieved from https://bit.ly/3Koyf1W
[20] – Sahara Reporters (2022). “Breaking: NNPP Presidential Candidate, Kwankwaso Picks Pastor As Running Mate”. Retrieved from https://bit.ly/3xLQt5P
[21] – المصدر سابق:
Samson Adenekan (2022). “UPDATED: Peter Obi emerges Labour Party presidential candidate.” Premium Times.
[22] – BBC (2022). “Peter Obi running mate Datti Baba-Ahmed profile.” Retrieved from https://bbc.in/3lJ8O0I
[23] – Sahara Reporters (2022). “Our Alliance Would Have Been Unbeatable But Peter Obi’s Committee Insisted On Power Shift To South-East –Kwankwaso.” Retrieved from https://bit.ly/41cMGfo
[24] – Emmanuel Egobiambu (2022). “Kwankwaso Cannot Be A Running Mate To Peter Obi – Jibrin”. Channels TV, retrieved from https://bit.ly/3Shw7ek
[25] – Joshua Odeyemi (2022). “‘Why Peter Obi Can’t Step Down For Kwankwaso’”. Daily Trust, retrieved from https://bit.ly/3Seuk9X
[26] – حكيم ألادي نجم الدين (2023). “المشهد السياسي في نيجيريا: الخارطة الحزبية والانتشار الجيو- إثني ورئاسات عام 2023م”. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الرياض – دراسة رقم 65, ص 21 (متوفرة للتحميل عبر https://www.kfcris.com/ar/view/post/406).
[27] – Chinelo Obogo (2023). “I’ll never step down, support Obi -Kwankwaso”. The Sun Nigeria, retrieved from https://bit.ly/3kbDasy
[28] – المصدر سابق:
حكيم ألادي نجم الدين. “المشهد السياسي في نيجيريا: الخارطة الحزبية والانتشار الجيو- إثني ورئاسات عام 2023م”. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الرياض.
[29] – Iwok Iniobong, & Kelvin Okojie (2022). “Peter Obi releases manifesto, to reshape security setup, harness youth strength”. Business Day, retrieved from https://bit.ly/41bINHH
[30] – Simon Kolawole (2022). “Understanding the Peter Obi Dilemma”. This Day, retrieved from https://bit.ly/3IbEumU
[31] – Kehinde Olatunji (2023). “Again, poll predicts Obi winner of 2023 presidential election”. The Guardian, retrieved from https://bit.ly/3IlY3Jx
[32] – Sodiq Omolaoye (2022). “2023: Rerun likely over emergence of Obi, Kwankwaso – US Institutes”. The Guardian, retrieved from https://bit.ly/3Sfa87V