بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – مؤسسة الأهرام – مصر
هناك حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي تشهدها بوركينا فاسو خلال الأشهر الماضية، في ضوء تنامي النشاط الإرهابي في البلاد، ووقوعها في مرمى خطط الجماعات الإرهابية للتمركز والتمدد فيها، ومنها إلى دول خليج غينيا، وهو ما ألقى بظلاله على الوضع السياسي في البلاد؛ حيث إنه أحد الأسباب الرئيسية لتنفيذ إبراهيم تراوري انقلابا عسكريًّا على الرئيس البوركيني السابق “بول هنري سانداوغو داميبا” في سبتمبر 2022م، بسبب ضعف أداء “داميبا” في التصدي للجماعات الإرهابية، وبالتالي تصدّر ملف مكافحة الإرهاب أولوية أجندة “تراوري” عقب توليه رئاسة البلاد. لكن على الرغم من ذلك، سار “تراوري” على ذات المقاربة العسكرية البوركينية لمكافحة الإرهاب لـ”داميبا”، وقبله الرئيس “روش مارك كريستيان كابوري” القائمة على تهجين المشهد الأمني عبر الاستعانة بالمدنيين ودمجهم في خطط مكافحة الإرهاب، وهو ما يدفع للتساؤل؛ حول ملامح المقاربة العسكرية البوركينية لمكافحة الإرهاب، وطبيعة مخاطرها؟
انطلاقًا مما سبق؛ يهدف المقال لمناقشة ملامح المقاربة العسكرية البوركينية لمكافحة الإرهاب، وما الدوافع التي تقف وراء اعتماد الحكومة البوركينية نهج تهجين المشهد الأمني في التصدي لهذه الظاهرة المتنامية؟، بالإضافة إلى مناقشة المخاطر الناجمة عن اعتماد هذه المقاربة على المستقبل السياسي والأمني للبلاد.
أولًا: تهجين المشهد الأمني… ملامح المقاربة البوركينية العسكرية لمكافحة الإرهاب
اتخذت وزارة الدفاع البوركينية في أكتوبر 2022م، قرارًا بتجنيد 50 ألف متطوع، وانضمامهم إلى منظمة المتطوعين للدفاع عن الوطن (VDP)، تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا، وذلك للمرة الثانية خلال العام 2022م عقب تجنيد نحو 3 آلاف شخص في أبريل 2022م([1])، وذلك في ضوء اتجاه الحكومة البوركينية إلى تعبئة السكان في إطار ما تُسمّيه “توحيد العمل في مكافحة الإرهاب”([2])، بعدما تصدَّر ملف مكافحة الإرهاب أجندة أولويات الرئيس الانتقالي الجديد “إبراهيم تراوري” في سبيل استعادة نحو 40% من أراضي البلاد الخاضعة تحت نفوذ وسيطرة الجماعات الإرهابية([3])؛ حيث يهدف “تراوري” لزيادة مشاركة القوات العسكرية مع الجهات الفاعلة الوطنية، بما في ذلك الأحزاب والمجتمع المدني، وذلك تزامنًا مع دعوة “تراوري” المواطنين للمشاركة في المجهود الحربي بتقديم مساهمات عينية أو نقدية([4]).
تأتي هذه الخطوة استكمالًا لخُطَط الاستعانة بالمدنيين لدعم قوات الأمن في محاربة الإرهاب منذ عام 2020م خلال فترة حكم الرئيس روش مارك كريستيان كابوري، والتي تَدَخَّل خلالها المدنيون بشكل رئيسي في كايا (شمال – وسط)، وواهيغويا (شمال) وفادا نغورما (شرق)([5]). وهو ما يُشير إلى ارتكان استراتيجية الرئيس” تراوري” لمكافحة الإرهاب على مفهوم وتكتيك الدفاع الشعبي، في إطار ما يُمكن تسميته بتهجين المشهد الأمني، بما يُعيد للأذهان تأسيس لجان الدفاع عن الثورة تحت قيادة توماس سانكارا في عام 1983م([6]).
شكل (1): خريطة بوركينا فاسو
وفي 18 نوفمبر 2022م، أنهت وزارة الدفاع البوركينية عملية التجنيد، استلمت خلالها أكثر من 90 ألف طلب، كما أوضحت أن المختارين سيخضعون للتدريب العسكري لمدة 14 يومًا، وأن السلطات العسكرية تعتزم توزيع 35000 من المتطوعين في مجتمعاتهم السكنية، والباقي جنبًا إلى جنب مع قوات الأمن والدفاع في البلاد، تبعها إطلاق حملة تجنيد قوامها 3000 جندي و1400 من الدركيين في نوفمبر 2022م لتعزيز قوات الأمن والدفاع، كما أُعيد تنظيم قيادة عمليات المسرح الوطني، لتكون خاضعة لسلطة قائد القوات المسلحة.
بالإضافة إلى اتخاذ تدابير لإعادة تنظيم القوات المسلحة، بما يضمن اتساع الرقعة المغطاة في مسرح العمليات، ومواجهة المشروع التوسعي للجماعات الإرهابية التي فرضت حصارًا على البلدات الشمالية مثل جيبو، مما أعاق إيصال المساعدات الإنسانية، وبالتالي زيادة عدد المناطق العسكرية من ثلاث إلى ست مناطق لتغطية منطقة الساحل و”بوكليه دو موهون” والمناطق الشرقية، التي تُصنَّف على أنها المناطق الأكثر انعدامًا للأمن، كما تم إنشاء منطقتين للقوات الجوية، وست مناطق للدرك، وست كتائب للتَّدخُّل السريع([7]).
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن حكومة بوركينا فاسو ستنضم على المدى القريب -إن لم تكن انضمت بالفعل- إلى الصّفّ المالي في بناء شراكة مع مجموعة فاغنر العسكرية الروسية؛ للاستعانة بدورها في مكافحة الإرهاب، مما يكشف عن نهج جديد للاستراتيجية البوركينية في مكافحة الإرهاب، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه بمؤشرين؛ أولهما؛ إطلاق واشنطن تحذير للحكومة البوركينية من مخاطر التحالف مع موسكو، بعدما أبدت مجموعة فاغنر دعمًا واضحًا للانقلاب المُنَفَّذ مِن قِبَل “تراوي”([8]). ثانيهما؛ سبق وأن أكَّد “نانا أكوفو أدو” رئيس جمهورية غانا في 14 ديسمبر 2022م، وجود عناصر من ميليشيات «فاغنر» الروسية في بوركينا فاسو، بموجب اتفاق بينها وبين الحكومة البوركينية، في تصريحات وصفها “ترواي” بأنها «أمر بالغ الخطورة»، دون التأكيد بشكل نهائي ورسمي حول مدى صحة هذا الخبر([9]).
ثانيًا: دوافع انتهاج الحكومة البوركينية مقاربة “التعبئة العامة من أجل مكافحة الإرهاب”
تقف حزمة من الدوافع وراء انتهاج الحكومة البوركينية خططًا لدمج المدنيين في خطط واستراتيجيات مكافحة الإرهاب، هي كالتالي:
1- الصعود المتنامي للنشاط الإرهابي في بوركينا فاسو
منذ العام 2015م، تعاني بوركينا فاسو من تمدُّد النشاط الإرهابي؛ حيث سجَّلت بسببه البلاد ارتفاعًا في عدد العمليات الإرهابية، وتعدّدت الجماعات الإرهابية النشطة فيها، والمتمثلة في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، إلى جانب فرعي تنظيم داعش في إقليم الساحل، وهما؛ ولاية داعش في غرب إفريقيا، وولاية داعش في الصحراء الكبرى، لا سيما في منطقة ليبتاكو غورما الحدودية؛ المعروفة بـ”مثلث الموت”.
وتحديدًا منذ العام 2019م، تشهد البلاد أكبر زيادة سنوية (+590٪) في عدد الوفيات حول العالم، والناجمة عن النشاط الإرهابي، والتي غالبًا ما تَستهدف المدنيين بشكل مباشر؛ فخلال الفترة ما بين عامي (2020م و2021م) تعرضت البلاد إلى أكثر من 1100 هجوم إرهابي يتجاوز عدد الهجمات التي تعرضت لها مالي والنيجر معًا خلال نفس الفترة، نجم عنها أزمة إنسانية، شملت نزوح قرابة 1.5 مليون شخص قسرًا داخل البلاد حتى فبراير 2022م([10]).
يُضاف إلى ذلك، أنه إلى جانب البيئة البوركينية المعزّزة لتنامي النشاط الإرهابي وتجنيد مقاتلين من جميع الجماعات العرقية المحلية، بما في ذلك الفولاني وغورمانتش وموسى، سواء نتيجة لضعف الانتشار الأمني والعسكري في المناطق الشمالية وفي شرق البلاد؛ حيث الغابات التي تُعد ملاذًا مثاليًا وآمنًا للجماعات الإرهابية، إلى جانب تراجع معدل الخدمات وتراجع دور الحكومة المركزية في المناطق الحدودية، فإن أحد محفزات تنامي النشاط الإرهابي في هذه المناطق هو غِنَى هذه المناطق بمناجم الذهب التي تُعد مصدرًا مهمًّا لتمويل هذه الجماعات، وهو ما يُفسِّر سيطرة ولاية داعش في الصحراء الكبرى على هذه المناجم والصيد الجائر في المحميات الطبيعية بالمنطقة([11]).
2- التحديات الأمنية وصراع الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية
إن لجوء الجيش البوركيني إلى آلية التعبئة العامة للسكان من أجل مكافحة الإرهاب، يكشف في مضمونه عن حزمة من التحديات التي تواجه الجيش البوركيني وقوات الأمن، أعاقته عن التغطية الكاملة للمنطقة ومنع تنامي النشاط الإرهابي، ما دفعه إلى تجنيد 5 آلاف متطوع لضم مقاتلين جدد للقوات الأمنية والعسكرية للبلاد؛ أولها: افتقاد قوات الأمن البوركينية إلى التجهيز بشكلٍ كافٍ، إلى جانب افتقارها إلى القدرة التشغيلية الكافية لأداء واجباتها، بما يتماشى مع احتياجات البلد والسكان؛ حيث أظهر تقييم أجرته عدة جهات في عام 2018م أنَّ قوات الأمن غائبة عن 36٪ من المناطق، وأن نسبة أفراد الأمن للمواطنين تعادل 1/758، أي أقل بكثير من المعيار الدولي 1/400. وبقوة إجمالية تبلغ 5219 شرطيًّا، تبلغ نسبة الدرك 1/2685([12]).
كما أوضح التقييم أنه يوجد في البلاد 350 منطقة إدارية في المجموع، منها 156 منطقة ليس لديها أيّ وحدة أمن داخلي، وأن 24٪ من المناطق الإدارية لديها على الأقل مركز شرطة واحد ووحدة درك واحدة، و31٪ لديها وحدة درك واحدة أو مركز شرطة([13]).
أما بالنسبة لثاني التحديات فهي أنه في خضم افتقاد قوات الأمن للقدرة التشغيلية الكافية، تم حل وحدة النخبة “الحرس الرئاسي” في عام 2015م، والتي كانت تُمثل نحو10٪ من إجمالي الهيكل العسكري وهامشًا كبيرًا من ميزانية الدفاع والتدريب والمعدات([14]). كما لعبت القوة دورًا حاسمًا في الاستخبارات، وهي مسؤولية حاسمة لا تقوم بها أي قوى وطنية أخرى، مما ترك فجوة مؤسسية وموارد بشرية، هذا إلى جانب افتقار البلاد إلى خطط واضحة لتنظيم وإعادة هيكلة التوزيع الإقليمي لقواتها الأمنية.
أما بالنسبة لثالث التحديات فيتمثل في صراع الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية ما بين ضباط الجيش خريجي الأكاديمية العسكرية في كاديوكو –وهي المؤسسة العسكرية الأكثر عراقة ونفوذًا- التي أسسها الفرنسيون عام 1951م، وفيها تخرَّج الرئيس المُطاح به في الانقلاب الأخير؛ العقيد “داميبا”، ونظرائهم خريجي «أكاديمية جورج ناموناو العسكرية»، التي أُسِّست عام 1984م، ويُعد الرئيس تراوي أحد خريجيها([15]).
فلكل مؤسسة عسكرية خطط وتكتيكات واستراتيجيات حرب، قد تختلف عن نظيرتها، مما أتاح مساحة للصراع بين جناحي المؤسسة العسكرية، انعكس في خطط واستراتيجيات الجيش لمكافحة الإرهاب، بشكل ساهم في إعاقة الجهود الأمنية للحد من النشاط الإرهابي. وبناءً عليه، فإن وصول تراوري للحكم، يُعد انقلابًا على التقاليد العسكرية في بلدٍ يتعاظم فيه نفوذ الجيش، وقلبًا للموازين داخل المؤسسة العسكرية([16]).
بينما تتمثل رابع التحديات في التمييز داخل الجيش الوطني؛ حيث إن هناك عددًا كبيرًا جدًّا يحصلون على رواتب عالية، مقارنة بالجنود ذوي الرتب المنخفضة، مما يؤدي إلى ما يسمى أحيانًا بـ “الجيش الأباري”؛ حيث لا يوجد سوى حوالي 18% من قوات الجيش تشتبك في ساحات القتال([17])، مما ساهم في تأجيج التوترات بين القوات والجنود، لا سيما في خضم ما يواجهونه من هجمات إرهابية، أسفرت عن سقوط حوالي 500 جندي على مدى السنوات الست الماضي، مما عزَّز لديهم مشاعر الإحباط، هذا إلى جانب الظروف المعيشية القاسية التي يعانون منها([18]).
3- امتصاص حالة الغضب الشعبي وحماية مناطق المعادن
يُعد أحد دوافع الحكومة البوركينية وراء انتهاج هذه المقاربة العسكرية المعززة بنهج التعبئة العامة لمكافحة الإرهاب، هي حماية المناطق الغنية بالموارد، فشمال البلاد به اكتشافات ذهب كبيرة، و3 مناجم صناعية وعشرات المناجم الحرفية المسجلة، والإرهابيون يسعون للسيطرة عليها([19])؛ حيث أوضحت دراسة أجراها المرصد الاقتصادي والاجتماعي في بوركينا فاسو أن الإرهابيين جمعوا ما يقدر بأكثر من 100 مليون يورو؛ أي ما يُعادل121 مليون دولار منذ 2016م، جراء ما يشنونه من هجمات ضد المناجم ومناطق تعدين الذهب الحرفية والبدائية([20]).
شكل (2): رسم بياني يوضح معدل البطالة في بوركينا فاسو خلال الفترة (2014 – 2022م)
المصدر: معدل البطالة في بوركينا فاسو.
https://ar.tradingeconomics.com/burkina-faso/unemployment-rate
يُضاف إلى ذلك، أن وزارة الدفاع هدفت من هذه التعبئة إلى التخفيف من معدل البطالة في المجتمع؛ كسبيل لامتصاص حالة الغضب والسخط الشعبي على الحكومة؛ إذ حددت وزارة الدفاع أعمار المتطوعين بين 24 و26 عامًا، مما يساعد على التصدي للبطالة التي تشهد ارتفاعًا مقلقًا([21])، بعدما سجلت ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة بلغت في العام 2022م نحو 4.8%.
ثالثًا: طبيعة مخاطر المقاربة البوركينية العسكرية لمكافحة الإرهاب
تباينت ردود فعل المجتمع البوركيني حول التعبئة العامة من أجل مكافحة الإرهاب، ما بين مؤيد ومعارض، أي ما بين داعم لدمج المدنيين في خطط واستراتيجيات مكافحة الإرهاب، وآخر رافض لهذا النهج؛ انطلاقًا من حزمة من المخاطر المحتملة، بل والمتوقع تفاقمها؛ أولها: إن طبيعة تدريبات وتجيهزات الجنود والضباط تختلف في طابعها عن تجهيزات المدنيين لدمجهم في خطط مكافحة الإرهاب، مما يؤهل الأول للانخراط في بيئة غير آمنة، مقارنة بالمدنيين وهو ما يُعرّض حياتهم للخطر.
أما بالنسبة لثاني المخاطر، فتتمثل في أنه مع مرور الوقت ستواجه البلاد خطر ضَعف -إن لم يكن- غياب السيطرة على آلاف المدنيين المسلحين والمدربين على الانخراط في بيئة غير آمنة، بما فيها مواجهة الإرهابيين، قد ينجم عنها بروز مجموعة من الميلشيات المسلحة المنخرطة في سوق الجريمة المنظمة أو المتحالفة مع الجماعات الإرهابية في ضوء ما تواجهه البلاد من تحديات اقتصادية، قد تدفعها مع مرور الوقت للانخراط في الحياة السياسية وتسيس أهدافها، وهو ما يترتب عليه ارتفاع معدل انعدام الأمن في البلاد([22])، لا سيما في خِضَمّ انتشار الأسلحة في البلاد؛ حيث تقع بوركينا فاسو على طول بعض أهم طرق تهريب الأسلحة في غرب إفريقيا، وبعدما اتخذت حكومة بوركينا فاسو قرارًا بمنع بيع الأسلحة النارية للسكان المدنيين في نهاية فبراير 2019م، تراجعت عن قرارها بعد بضعة أشهر في العام 2020م، تزامنًا مع انخراط المدنيين في ضبط المشهد الأمني([23])، وهو ما يطرح بيئة مثالية لتمدد الجماعات الإرهابية.
بينما تتعلق ثالث المخاطر بانتشار الأسلحة في المجتمع البوركيني، وانخراط المدنيين في خطط واستراتيجيات مكافحة الإرهاب، سيُساهم في تأجيج النزاعات العرقية والصراع على الموارد في ظل سياق أمني متوتر بالفعل، ومحدودية سيطرة الحكومة([24])، كما سيُحفز على ممارسة عمليات النهب والانتهاكات بحق السكان المدنيين جراء ما يتمتعون به من نفوذ واسع وتسليح وضعف آليات الرقابة والردع والمحاسبة، وهو ما يُستدل عليه ببيان صادر عن منظمة “تجمع مناهضة الإفلات من العقاب ووصم المجتمعات” المندِّد بالتجاوزات التي تَستهدف السكان المدنيين، مِن قِبَل مسلحين يزعمون بأنهم متطوعون من أجل الدفاع عن الوطن([25]).
بينما تتمثل رابع المخاطر في انعكاسات مقاربة تهجين المشهد الأمني ودمج المدنيين في خطط مكافحة الإرهاب على الاستقرار السياسي للبلاد؛ حيث إنه مع تعاظم الدور الميداني للمتطوعين من المدنيين في الدفاع عن الوطن، قد تتسارع القوى السياسية لتسيسها خلال الفترة الانتخابية من أجل قلب موازين الانتخابات لصالح هذه القوى، وهو ما يُشير لاحتمال انخراط البلاد خلال الانتخابات في عنف دموي يعصف بمستقبل البلاد([26]).
يُضاف إلى ذلك أن تصاعد معدلات العنف في المناطق التي تُعاني من النشاط الإرهابي، يترتب عليه ارتفاع معدل النزوح في شمال وشرق البلاد، وبالتالي حدوث تغيير كبير في عدد السكان في الدوائر الانتخابية، مما ينجم عنه اختلال التوازن الناشئ بين عدد المرشحين وأحجام الدوائر الانتخابية، وبالتالي فرض مزيد من التعقيدات على مسار الانتخابات([27]).
خلاصة القول: من خلال النظر إلى تجارب دول منطقة الساحل الإفريقي في مكافحتها للإرهاب، وما تعتمده من استراتيجيات للتصدي لهذه الظاهرة، فإن على الحكومة البوركينية أن تدرك أن فعالية ما تنتهجه البلاد من خطط واستراتيجيات لمكافحة الإرهاب، يبدأ بإصلاح الجهاز الأمني والعسكري البوركيني، وتوفير ما ينقصه من إمكانات وموارد، وإعادة ضبط المنظور الحكومي لسُبل مواجهة هذه الظاهرة؛ عبر طرح رؤية شاملة تتمثل في خلق بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مواءمة لتمركز الجماعات الإرهابية، والاكتفاء بتعزيز الدور التنموي للمواطن البوركيني، بعيدًا عن ساحات القتال في مقاربة أمنية لن يُحْمَد عُقباها على مستقبل البلاد.
[1] – حرب “الثروة والإرهاب”.. منافع تجنيد المدنيين في بوركينا فاسو، سكاي نيوز، 26 أكتوبر 2022م: https://cutt.us/V316j
[2] – تدهور العلاقات بين باريس وواغادوغو… ووصول «فاغنر» يزيد من تأزمها ، الشرق الأوسط، 4 يناير 2023م:
[3] – حرب “الثروة والإرهاب”.. منافع تجنيد المدنيين في بوركينا فاسو، مرجع سبق ذكره.
[4] -HASSANE KONÉ AND FAHIRAMAN RODRIGUE KONÉ, Without proper supervision and control, the use of 50 000 armed civilian auxiliaries could aggravate security problems, Institute for security studies, 9 JAN 2023. https://issafrica.org/iss-today/risks-of-burkina-fasos-new-military-approach-to-terrorism
[5] -HASSANE KONÉ AND FAHIRAMAN RODRIGUE KONÉ, Without proper supervision and control, the use of 50 000 armed civilian auxiliaries could aggravate security problems, Institute for security studies, 9 JAN 2023. https://issafrica.org/iss-today/risks-of-burkina-fasos-new-military-approach-to-terrorism
[6] -Idem.
[7] -HASSANE KONÉ AND FAHIRAMAN RODRIGUE KONÉ
[8] – واشنطن تحذر الانقلابيين في بوركينا فاسو من مجموعة فاغنر الروسية، فرانس 24، 5 أكتوبر 2022م: https://cutt.us/ZUGSu
[9] – تدهور العلاقات بين باريس وواغادوغو… ووصول «فاغنر» يزيد من تأزمها.
[10] -Place Méryl Demuynck, Julie Coleman J.D., LL.M,Political Upheaval and Counter-Terrorism in Burkina Faso: Between a Rock and a Hard, The International Centre for Counter-Terrorism, 1 February 2022.
https://icct.nl/publication/political-upheaval-and-counter-terrorism-in-burkina-faso/
[11] -Stephanie Savell ,The Costs of United States’ Post-9/11 “Security Assistance”: How Counterterrorism Intensified Conflict in Burkina Faso and Around the World , watson.brown, 4 March 2021.https://cutt.us/c6kw1
[12] -Burkina Faso – Current Critical Security Issues, Geneva Centre for Security Sector Governance, 1 July 2021.
[13] -Idem.
[14] –Idem.
[15] – إبراهيم تراوري… من مواجهة الإرهاب إلى رئاسة بوركينا فاسو، مرجع سبق ذكره.
[16] – المرجع السابق.
[17] -Méryl Demuynck, Julie Coleman J.D., LL.M,Political Upheaval and Counter-Terrorism in Burkina Faso: Between a Rock and a Hard Place, International Center for Counter terrorism,1 Feb 2022
https://icct.nl/publication/political-upheaval-and-counter-terrorism-in-burkina-faso/
[18] –Idem.
[19] – حرب “الثروة والإرهاب”.. منافع تجنيد المدنيين في بوركينا فاسو، مرجع سبق ذكره.
[20] – بوركينا فاسو.. حين يصبح “الإرهاب” جزءا من الاقتصاد!، دويتش فيله، 18 يونيو 2021م: https://cutt.us/9CzSk
[21] – حرب “الثروة والإرهاب”.. منافع تجنيد المدنيين في بوركينا فاسو، مرجع سبق ذكره.
[22] -HASSANE KONÉ AND FAHIRAMAN RODRIGUE KONÉ, OP.CIT.
[23] -Burkina Faso – Current Critical Security Issues, OP.CIT.
[24] –Idem.
[25] – تدهور العلاقات بين باريس وواغادوغو… ووصول «فاغنر» يزيد من تأزمها، مرجع سبق ذكره.
[26] -Burkina Faso – Current Critical Security Issues, OP.CIT.
[27] –Idem.