لم يتبق سوى أسابيع لخوض الانتخابات العامة في نيجيريا التي من المقرَّر إجراؤها يوم 25 فبراير 2023م لانتخاب رئيس الدولة ونائب الرئيس وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب.
وتنصبّ جُلّ الاهتمامات على انتخاب الرئيس الجديد؛ حيث تنتهي فترة الولايتين الرئاسيتين للرئيس الحالي “محمد بخاري” دون إمكانية ترشحه لفترة ولاية أخرى. وبالتالي ستختار البلاد رئيسًا جديدًا، في الوقت الذي تشير الأوضاع الراهنة إلى أن الرئيس القادم سيواجه فور تسلُّمه للسلطة مجموعة ضخمة من التحديات، بما في ذلك: الأزمات الأمنية في أجزاء مختلفة، والسياسات الاقتصادية المتناقضة، والإدارة المالية السيئة التي تؤثر على حياة النيجيريين.
وفي هذا المقال -الذي هو بمثابة الجزء الأول من 3 مقالات حول الانتخابات الرئاسية في نيجيريا-؛ سيتم ذِكْر أسماء المترشحين لخوض الانتخابات، مع ذكر أحزابهم السياسية, كما سيتم التركيز على مرشح الحزب الحاكم، وهو “بولا أحمد تينوبو” من حيث حياته ومسيرته المهنية والسياسية، ومواطن قوته وضعفه، وفرص فوزه.
من هم المترشحون للانتخابات الرئاسية في نيجيريا 2023م؟
الانتخابات الرئاسية القادمة في شهر فبراير ستكون سابع انتخابات رئاسية منذ بدء الموجة الحالية من الحكم المدني الديمقراطي في عام 1999م (أي الجمهورية الرابعة). وقد ترشّح سياسيون كثيرون لهذا المنصب الرئاسي, ولكنَّ القائمة النهائية والرسمية -المعلنة مِن قِبَل “المفوضية القومية المستقلة للانتخابات”– تضم 18 اسمًا فقط من أحزاب سياسية مختلفة([1]).
وهؤلاء المترشحون الرسميون هم كالتالي:
- “أتيكو أبو بكر” (Atiku Abubakar) من “حزب الشعب الديمقراطي” (Peoples Democratic Party) المعارض الرئيسي.
- “أدو-إبراهيم عبد الملك” (Ado-Ibrahim Abdumalik) من “حزب التقدميين الشباب” (Young Progressives Party).
- “أدينوغا صونداي أولوفيمي” (Adenuga Sunday Oluwafemi) من حزب “Boot Party“.
- “المصطفى حمزة” (Almustapha Hamza) من حزب “Action Alliance“.
- “إمُومَوْلين كريستوفر” (Imumolen Christopher) من ” Accord Party“.
- “إنمدي شاليس أوسيتا” (Nnamdi Charles Osita) من “Action Peoples Party“.
- “أوجيئ برنسيس شيشي” (Ojei Princess Chichi) من حزب “Allied People’s Movement“.
- “أوسَكْوي فيليكس جونسون” (Osakwe Felix Johnson) من حزب “حركة الإنقاذ الوطني” (National Rescue Movement).
- “أوميهادي بيتر أنانا” (Umeadi Peter Nnanna) من حزب “التحالف الكبير لجميع التقدميين” (All Progressives Grand Alliance).
- “بولا أحمد تينوبو” (Bola Ahmed Tinubu) من حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” (All Progressives Congress) الحاكم.
- “بيتر غريغوري أوبي” (Peter Gregory Obi) من “حزب العمل” (Labour Party).
- “رابيو موسى كوانكواسو” (Rabi’u Musa Kwankwaso) من “حزب الشعب النيجيري الجديد” (New Nigeria Peoples Party).
- “ساني ياباغي يوسف” (Sani Yabagi Yusuf) من “حزب العمل الديمقراطي” (Action Democratic Party).
- “لطيفو كَوْلَاوَوْلي أبيولا” (Latifu Kolawole Abiola) من “حزب الفداء الشعبي” (Peoples Redemption Party).
- “نوانيانوو دانيال دابريشكوو” (Nwanyanwu Daniel Daberechukwu) من ” Zenith Labour Party“.
- أديبايو أديوولي إيبينيزر (Adebayo Adewole Ebenezer) من “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” (Social Democratic Party).
- سَوْوَوْري أوموييلي (Sowore Omoyele) من حزب “مؤتمر العمل الإفريقي” (African Action Congress).
- كاشكوُو دوميبي (Kachikwu Dumebi) من حزب “المؤتمر الديمقراطي الإفريقي” (African Democratic Congress).
جدير بالذكر أنه رغم كثرة المترشحين الرسميين سابقي الذكر، ورغم ثقلهم في أحزابهم وأقاليمهم؛ إلا أن تطورات المشهد السياسي منذ العامين الماضيين، ومستجدات الحملات الانتخابية منذ الشهور الستة الماضية؛ تثبتان أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون بمثابة منافسة بين 4 مترشحين رئيسيين فقط؛ نظرًا لقاعدة شعبيتهم، وهياكل أحزابهم وإمكاناتهم المالية، إلى جانب برامجهم السياسية([2]).
ويأتي هؤلاء المترشحون الرئيسيون أيضًا من الجماعات الإثنية الثلاث المهيمنة في نيجيريا؛ والتي هي: هوسا / فولاني، واليوروبا، والإيبو.
ففي الشمال يوجد كل من الحاج “أتيكو أبو بكر” – وهو مسلم من إثنية الفلاني, وشغل منصب نائب رئيس الدولة في السابق بين عامي 1999 و2007م, وهو المرشح الرئاسي لـ”الحزب الديمقراطي الشعبي” (Peoples Democratic Party) المعارض الرئيسي؛ والحاج “رابيو موسى كوانكواسو” – الحاكم السابق لولاية “كانو” والمرشح الرئاسي لـ “حزب الشعب النيجيري الجديد” (New Nigeria Peoples Party). ومن الجنوب الغربي يوجد كل من الحاج “بولا أحمد تينوبو” – وهو من إثنية يوروبا والحاكم السابق لولاية لاغوس والمترشح الرئاسي لـ”مؤتمر الجميع التقدميين” (All Progressives Congress) الحاكم؛ و”بيتر غريغوري أوبي” من إثنية إيبو في الجنوب الشرقي والحاكم السابق لولاية أنامبرا، وهو المرشح الرئاسي لـ “حزب العمال” (Labour Party).
من هو “بولا أحمد تينوبو”؟
يُعدّ “بولا أحمد تينوبو” واحدًا من أكثر السياسيين النيجيريين إثارةً للجدل؛ حيث تُثَار حوله شكوك وتساؤلات يثيرها خصومه بشأن نشأته ومسيرته الأكاديمية والسياسية.
جدير بالذكر أن “تينوبو” مسلم متزوج من السياسية النصرانية “أولوريمي تينوبو” عضو مجلس الشيوخ الحالي لمنطقة وسط لاغوس. ويعرف “تينوبو” بـ”جاغابان” (Jagaban)، وألقاب متعددة أخرى مثل “أسيواجو لاغوس” (Asiwaju of Lagos) الذي منحه إياه ملك لاغوس، ويعني “السيد الأرستقراطي لولاية لاغوس”([3]).
وُلِد “تينوبو” في 29 مارس 1952م للحاجة “حبيبة موغاجي” التي كانت تاجرة، وأصبحت لاحقًا ” Ìyál’ọ́jà Eko” (رئاسة أو زعامة تُمنَح للتاجرات المؤثرات في أرض يوروبا, وتعني “أمّ/زعيمة سوق ولاية لاغوس”). وقد شغلت والدة “تينوبو” هذا المنصب حتى وفاتها, بينما لا توجد معلومات كافية عن والده. وبدأ “تينوبو” دراسته الابتدائية في لاغوس وتحديدًا في مدرسة داخلية للأطفال في مدينة إبادان جنوب غرب نيجيريا([4]). وأنهى تعليمه الثانوي خارج البلاد؛ حيث التحق بكلية “Richard J. Daley” في شيكاغو إلينوي الأمريكية, وأكمل تعليمه الجامعي في جامعة ولاية شيكاغو في عام 1979م؛ حيث تخرَّج بدرجة بكالوريوس العلوم في المحاسبة([5]).
عمل “تينوبو” بعد تخرُّجه في الجامعة في عدد من الشركات الأمريكية المختلفة, بما في ذلك “آرثر أندرسن”، و”ديلويت”، وشركة خدمات “جي تي إي”، وغيرها. وأحاطت بالفترة التي قضاها في الولايات المتحدة عدة اتهامات، بما في ذلك ارتفاع دخله بشكل مثير للريبة، مما أدى إلى التحقيق معه مِن قِبَل السلطات الفيدرالية الأمريكية. وانضم بعد عودته إلى نيجيريا في عام 1983م إلى شركة “موبيل نيجيريا” النفطية، وترقى في المناصب حتى وصل إلى منصب المدير التنفيذي للشركة([6]). هذا إلى جانب ما اكتسبه من صلات بالحكومة النيجيرية بعد عوته إلى البلاد حيث كان عضوا في حزب “الجبهة الشعبية النيجيرية” الذي شمل قادة وأعضاءا بارزين مثل الزعيم العسكري الحاج “شيهو موسى يرأدوا” و “أتيكو أبو بكر” و “عمر موسى يرأدوا” وغيرهم. وفي عام 1992م انضم “تينوبو” إلى “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” الذي تشكّل بعد اندماج حزب “الجبهة الشعبية النيجيرية” مع أحزاب أخرى, ووصل إلى الصف الأمامي لـ “الحزب الديمقراطي الاجتماعي”؛ نتيجة تفانيه وشَغفه بأنشطة الحزب السياسية([7]).
وقد شغل “تينوبو” منصب عضو في مجلس الشيوخ من عام 1992م حتى انقلاب عام 1993م؛ الذي قاده الجنرال “ساني أباتشا” في 17 نوفمبر. وقد سبق حدوث الانقلاب إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 12 يونيو 1993م، والتي فاز فيها الحاج “مشهود كاشيماوو أبيولا” -رجل الأعمال والمحسن الذي كان مرشح “الحزب الديمقراطي الاجتماعي”-.
ونتيجة لملاحقة الحكومة العسكرية للسياسيين المرموقين والمعارضين ومنتقدي الانقلاب وسياساتها؛ اضطرّ “تينوبو” إلى اللجوء إلى المنفى الذي وصف أيامه في إحدى مقابلاته قائلاً: “لقد كان وقتًا صعبًا للغاية. لا أستطيع أن أنسى أناسًا مثل سيغون ماييغُن والشبان الآخرين في النضال. كنتُ آتي من جمهورية بنين لعقد اجتماعات معهم وأتسلل مرة أخرى راجعًا إلى دولة بنين”([8]).
في عام 1998م عاد “تينوبو” من المنفى، وحظي بمكانة شعبية كبيرة، حتى أصبح حاكم ولاية لاغوس في مايو 1999م تحت راية حزب “التحالف من أجل الديمقراطية” (Alliance for Democracy), واستمر حكمه لمدة 8 سنوات (فترتان مدة كل منها 4 سنوات). ويُعزَى إليه الاستمرارية في التخطيط لتنمية وتطوير ولاية لاغوس (وهي الخطة التي أطلقها الحاج “لطيفو جاكندي” بين 1979 و1983م)، وعمل على تعزيز نفوذ الولاية على المستوى النيجيري؛ حيث بدأ “تينوبو” خلال فترة حكمه إصلاحات أدَّت إلى تحسين كفاءة الخدمة المدنية، وتعزيز مشاريع البنية التحتية؛ بحيث تواصل تنفيذها كل حكومة جديدة في لاغوس([9]).
وعلى الرغم من اتّهام “تينوبو” بجمع أموال هائلة نتيجة نفوذه في لاغوس، وحصوله على ثروات الولاية وشركاتها؛ إلا أن جهوده في لاغوس وجرأته في تحدّي الرئيس السابق “أولوسيغن أوباسونجو” -الذي حاول الحد من نفوذ خصومه السياسيين من جنوب غرب نيجيريا- أكسبت “تينوبو” فرصة كبيرة لتوسيع نفوذه؛ حيث أصبح يُوصَف -بعد تركه حكمَ لاغوس- بما يُعرَف في السياسة النيجيرية بـ”العرّاب” و”الأب الروحي” للعديد من السياسيين البارزين في ولاية لاغوس وولايات نيجيرية أخرى, وأدى دورًا بارزًا في المفاوضات لتوحيد أحزاب المعارضة النيجيرية من الشمال والجنوب والشرق تحت مظلة “مؤتمر الجميع التقدميين” الذي تأسس عام 2013م ويحكم نيجيريا منذ عام 2015م بقيادة الرئيس “بخاري”([10]).
ترشح “تينوبو” لرئاسيات 2023م ووعوده الانتخابية:
إن أنشطة “تينوبو” السياسية وقصص نجاح لاغوس وتعاونه مع سياسيين من جميع أنحاء نيجيريا([11]) ساهم في اكتسابه الاحترام من الشماليين الذين دعموه عندما أعلن نيته في 10 يناير 2022م الترشح للرئاسة النيجيرية 2023م تحت راية “مؤتمر الجميع التقدميين” الحاكم. وفي 8 يونيو 2022م فاز في الانتخابات التمهيدية الرئاسية التي أجراها حزبه حيث سجل 1،271 صوت، وهزم فيها منافسيه في الحصول على ترشيح الحزب, بمن فيهم نائب الرئيس الحالي البروفيسور “ييمي أوسيبانجو” الذي سجل 235 صوتًا, و”روتيمي أميتشي” -حاكم ولاية “ريفرز” السابق الذي شغل منصب وزير النقل النيجيري من 2015 إلى 2022م في إدارة الرئيس الحالي “بخاري”، وسجّل 316 صوتًا في انتخابات الحزب التمهيدية للرئاسية([12]).
ويُلاحَظ من الحملات الانتخابية الجارية أن المتنافسين الرئيسيين يلجأون إلى استغلال شعور إثنياتهم تجاه السياسية النيجيرية بشكل عام ومواقف إقليمهم في التكوين الفيدرالي. وعلى سبيل المثال: أكّد “تينوبو” في بعض تصريحاته أن الدور الرئاسي القادم كان لإثنيته (يوروبا), وأنه أنسبُ السياسيين اليوروبويين لهذا المنصب. وكانت عبارة ” Emi Lokan” -التي وردت في إحدى حملاته الانتخابية والتي تعني في لغة يوروبا “إنه دَوْري”([13])– أصبحت من العبارات المثيرة للانتقادات مِن قِبَل الأحزاب المعارضة والباحثين السياسيين والنيجيريين الذين قالوا: “إن نيل الرئاسية النيجيرية يجب أن تكون على أُسُس الديمقراطية والقدرة الصحية والعقلية والكفاءة الإدارية، وامتلاك الحلول العملية للقضايا الوطنية([14]).
وفي حين يعتبر البعض برامج “تينوبو” الانتخابية نسخةً موسعةً ومعدّلة من برامج الرئيس “بخاري” في عام 2015م, فقد وُصِفَتْ وعود “تينوبو” للنيجيريين بمحاولة منه لتطبيق “نموذج لاغوس” على المستوى النيجيري؛ إذ يتعهد ببناء دولة تتيح لجميع النيجيريين, -وخاصة الشباب- الوظائف الكافية بأجور لائقة تخلق حياة أفضل، وتقلل من هجرة العقول والمهارات الثمينة. وتشمل برامجه: دفع عجلة التصنيع والابتكار لإنشاء المزيد من السلع والخدمات التي تحتاجها البلاد لتصبح نيجيريا دولة الإبداع, إلى جانب تعزيز نسبة التصدير وتقليل الاستيراد؛ ممَّا يُعزّز العملة المحلية([15]).
وقد أشارت بيانات “تينوبو” الانتخابية أيضًا إلى أن إدارته -في حال الفوز بالرئاسة- ستواصل مساعدة المزارعين الكادحين من خلال سياسة زراعية مستنيرة تعزّز الإنتاجية، وتضمن دخلاً لائقًا، كما سيتم تحديث وتوسيع البنية التحتية العامة لفتح الطريق أمام نموّ بقية الجوانب الاقتصادية والمدن والقرى النائية, إلى جانب تسخير القطاعات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي والترفيه والثقافة والسياحة وغيرها لبناء نيجيريا المستقبل. بل وتعهّد بتدريب وإعطاء الفرص الاقتصادية للفئات الأشد فقرًا وضعفًا, وتوليد ما يكفي من الكهرباء وتوزيعه للجميع, وجعل الرعاية الصحية الأساسية والتعليم والإسكان في المتناول بأسعار معقولة. بالإضافة إلى وضع سياسة جريئة وحازمة لخلق بِنْيَة قوية للأمن القومي قادرة على التكيُّف ومواجهة الإرهاب والجرائم الأخرى مثل الاختطاف واللصوصية وجميع أشكال التطرف العنيف([16]).
مواطن قوة “تينوبو” وضعفه:
يحظى “بولا أحمد تينوبو” بدعم كبير في جنوب غرب نيجيريا التي توجد بها إثنيته (يوروبا), كما له قاعدة شعبية في ولايات شمالية. ويسهم في هذا أنه بين عامي 1998 و1999م أثناء استعداد البلاد للعودة إلى الحكم الديمقراطي كانت هناك اتفاقية غير مدرجة في الدستور مفادها أن يتم تناوب السلطة الرئاسية كل 8 سنوات بين الأقاليم الشمالية والجنوبية([17]). ولأن الشمال كانت تحكم نيجيريا منذ السنوات الثماني الماضية (متمثل في حكم الرئيس “بخاري” منذ عام 2015م)؛ فقد أصرَّ إقليمَا الشمال والجنوب على أن يكون خليفة “بخاري” من الجنوب. بل كان الضغط من أجل الخلافة الجنوبية لرئاسة “بخاري” يأتي من حكام الولايات الشمالية المنتمين إلى حزب “تيبونو” الحاكم (حزب مؤتمر الجميع التقدميين النيجيري).
ويضاف إلى ما سبق أنه يُنظر إلى “تينوبو” كأحد الشخصيات السياسية القليلة الذي يحافظ على ولائه لحزبه، وتحفل سجلاته بالاستقرار في انتماءاته السياسية, وخاصة أنه السياسي الوحيد (من بين المترشحين الرئيسيين) الذي بقي في حزب سياسي واحد على مر السنين. وتمكنه صلاته السياسية المنتشرة في جميع أنحاء نيجيريا من تفعيل استراتيجيات مختلفة لحشد الناخبين المسجلين حديثًا إلى جانبه، بما في ذلك الناخبين المترددين, وإقناعهم على أنه الخيار الأفضل. وتؤكد هذه النقطة الأخيرة حقيقة أنه لعب دورًا في فوز عدد من الشخصيات السياسية المهمة وظهورهم في الحكومة النيجيرية اليوم، بمن فيهم وزراء ومسؤولون الذين عملوا سابقًا ضمن حكومته في ولاية لاغوس، وأصبح بعضهم فيما بعدُ حُكامًا للاغوس.
ومن مواطن قوة “تينوبو” أن البعض ينظرون إليه كـ “طبيب” قادر على معالجة التحديات النيجيرية الراهنة, وأنه يملك الكفاءات اللازمة التي ستفيد جميع أجزاء نيجيريا. ويعزز هذا الشعور كون حكومته إبان حكم لاغوس غيَّرت مجرى الأوضاع وحوّلت الانطباعات السلبية تجاه الولاية, وهو ما فاجأ أصحاب التوقعات السلبية تجاه لاغوس بعد نقل العاصمة السياسية والإدارية منها إلى أبوجا. واليوم تُعدّ لاغوس قوة نيجيريا التجارية وتاسع أكبر اقتصاد في إفريقيا؛ حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي 75.965 مليار دولار أمريكي, وهو ما يعني أن اقتصاد لاغوس أكبر من اقتصادات دول مثل تشاد والنيجر وبنين وتوغو وسيراليون وليبيريا وغامبيا مجتمعة.
على أن هناك عقبات كثيرة قد تعرقل وصول “تينوبو” إلى طموحه الرئاسي. وتبدأ هذه العقبات من التحقيقات الصحفية الكثيرة والصادرة كل أسبوع تقريبًا حول الشكوك التي تحيط بحياته -بدءًا من مكان ولادته وتعليمه الابتدائية، حتى جمعه لثرواته كبيرة واتهامه بالفساد, بالإضافة إلى طبيعة علاقاته مع بعض أصدقائه السابقين وخصومه السياسيين.
وتصف بعض الأحزاب السياسية المعارضة “تينوبو” بأنه “الحاكم الفخري” لولاية لاغوس، بينما يُشار إلى الحاكم المنتخب رسميًّا في الولاية على أنه “الحاكم الآخر”, وذلك لما يُشاع من أن حكام لاغوس منذ عام 2007م يأخذون الأوامر منه. وهناك مخاوف مما قد تؤول إليه السلطة الرئاسية في نيجيريا في حال فوزه بالرئاسة؛ إذ بدون المنصب الرئاسي يملك قوةً ونفوذًا أكبر من معظم السياسيين الحاليين على مستوى نيجيريا, كما يُتَّهم بتجاهل مبادئ الديمقراطية من خلال تعيينه التعسفي لأقربائه وأفراد أسرته والموالين له في مناصب مهمة في لاغوس وفي داخل الحزب الحاكم([18]).
وإذا كانت هناك عدة تقارير حول التحقيق معه مِن قِبَل “لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية” ودعوى قضائية ضده في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن غسل عائدات تجارة الهيروين، وأخبار عن مشاهدة شاحنتي أموالٍ مصفحتين تدخلان منزله قبل انتخابات عام 2019م الأخيرة؛ فقد كان هناك تصوُّر عامّ –وخاصة لدى الشباب النيجيريين- بأنه ليس في صحة جيدة بما يكفي لرئاسة دولة كبيرة مثل نيجيريا التي تواجه تحديات جمّة؛ وذلك لأنه اعتاد على إمضاء أشهر في الخارج لأسباب صحية([19]).
جدير بالذكر أن للانتماء الديني والإقلمي للمرشح الرئاسي دورًا بارزًا في السياسة النيجيرية؛ إذ يؤثر في قاعدة دعم المرشح، ويُستخدم أداةً مهمةً للتعبئة الشعبية. وفي حالة “تينوبو” يتعرّض حلمه للوصول إلى الكرسي الرئاسي للتهديد من حقيقة أن صديقه “أتيكو أبو بكر” المترشح من “حزب الشعب الديمقراطي” المعارض الرئيسي هو مسلم شمالي، بينما “تينوبو” مسلم جنوبي. وهذا إذ يوفر لـ “تينوبو” فرصًا من حيث تعبئة معظم النيجيريين المسلمين له, إلا أنه يخلق لـ”تينوبو” أيضًا تهديدين؛ أولهما: أن بعض الشماليين يشككون في إسلام “تينوبو”، ويعتبرونه “غير ملتزم”([20]). وتلمس هذه النظرة في تصريحات بعض السياسيين الشماليين، وخاصة الذين انسحبوا مؤخرًا من حملته الانتخابية، وأعلنوا دعمهم للمرشح المسلم الشمالي “أتيكو”([21]).
ويتمثل التهديد الآخر في رفض النصارى وغير المسلمين لترشح “تينوبو” بعدما اختار الحاج “كاشيم شيتيما” -وهو مسلم شمالي من إثنية كانوري وحاكم سابق لولاية بورنو– ليكون نائبه. ويرى البعض أن اختيار “تينوبو” لشخصية مسلمة نائبًا له أخلَّ بالتوازن المعتاد منذ عام 1999م، وخرَق الاتفاق الذي يسعى إلى جعل الترشحات السياسية تعكس التباين الإثني والديني؛ لتفادي الصراع الإثني والديني, وذلك بتداول الرئاسة بين الشمال والجنوب وبين المسلم والنصراني (في حال كون الرئيس مسلمًا يكون نائب الرئيس غير مسلم). وأثارت هذه الخطوة من “تينوبو” إدانات واسعة بين العديد من النيجيريين، بما في ذلك الجمعية المسيحية في نيجيريا ومؤسسات المجتمع المدني التي أطلقت على الخطوة اسم “تذكرة مسلم-مسلم” (أي: أن المترشحين الرئيس ونائبه مسلمان)، وتزعم أن بإمكانها إشعال الصراع الديني وتعزيز “خطة أسلمة” نيجيريا وإبعاد أصحاب الديانات الأخرى([22]).
فرص فوز “تينوبو”:
إن دراسة جميع العوامل المطلوبة للفوز في الانتخابات الرئاسية بنيجيريا تؤدي إلى القول بإمكانية فوز “بولا أحمد تينوبو”؛ حيث تتمتع حملاته بجميع هذه العوامل, بما في ذلك الهياكل الحزبية، ودعم مدن الولايات الشمالية والجنوبية الرئيسية، وتوفير الموارد المالية والقوى العاملة (أتباعه وتلاميذه السياسيون والمستفيدون منه موجودون في معظم القطاعات النيجيرية والمقاعد السياسية في العاصمة أبوجا). هذا إلى جانب شغله كأحد القادة الوطنيين المحترمين داخل حزب “مؤتمر جميع التقدميين” الحاكم.
وفي حين كشفت استطلاعات مختلفة في العام الماضي أن هذه الانتخابات ستكون منافسة محتدمة بين ثلاثة مترشحين رئيسيين (“بولا تينوبو”، و”أتيكو أبو بكر”، و”بيتر أوبي”), فقد رجَّحت استطلاعات أخرى فوز “بيتر أوبي”- المترشح النصراني من جنوب الشرق تحت راية “حزب العمل”. ومع ذلك, كشفت مؤسسة “فيتش سوليوشنز”([23]) أن “بولا تينوبو” سيفوز في الانتخابات القادمة, ويعضد هذا أيضًا مواقف وتصريحات الكثيرين من خبراء السياسة النيجيرية وقادة الحزب الحاكم, بمن فيهم الرئيس “بخاري”, الذين يؤكدون الفوز لـ”تينوبو”.
ويضاف إلى ما سبق أن الذين يعطون فرصة الفوز لأحد منافيسي “تينوبو” الرئيسيين- “بيتر أوبي” أو “أتيكو أبو بكر”؛ هم يعتمدون على أسباب منها: تطورات المشهد السياسي في الشهور الأخيرة, مثل تزايد شعبية “بيتر أوبي” لدى الشبان النيجيريين والفنانين وغيرهم من الذين يرفضون رئاسة “تينوبو” أو “أتيكو”، ويرون أن الدور الرئاسي القادم يجب أن يكون لإثنية الإيبو التي تقطن جنوب شرق نيجيريا, أو لسبب أن بعض زعماء الشماليين في الحزب الحاكم الذين كانوا يدعمون “تينوبو” بدأوا منذ الشهور الماضية يتراجعون عن دعمهم له منضمين إلى حملة “أتيكو أبو بكر” الرئاسية. وهناك من المؤسسات والمراكز الفكرية ما تتوقع -في حال فوز “تينوبو”- حدوث الاحتجاجات وتزايد الشعور بالتهميش المتصور لدى إثنية الإيبو وبين النصارى, إضافة إلى تزايد الاستياء العام لدى الشباب.
[1] – 2023 General Election: Final List Of Candidates For National Elections. INEC, from https://inecnigeria.org/wp-content/uploads/2022/09/Final-List-of-Candidates-for-National-Elections-1.pdf
[2] – حامد ج. سليمان (2022م). “رحلة نيجيريا نحو انتخابات عام 2023م والمنافسون الرئيسيون”. الأفارقة للدراسات والاستشارات, على الرابط التالي: https://alafarika.org/ar/5321/nigerias-journey-to-the-2023-elections-and-the-top-contenders/
[3] – “Bola Tinubu: Former Governor State of Lagos, Nigeria”. ISS, Princeton University, from https://successfulsocieties.princeton.edu/interviews/bola-tinubu
[4] – “Bola Ahmed Tinubu: Biography, Age, Education, Political Career, Net worth, and Controversy”. NewsWireNGR, from https://newswirengr.com/2022/05/29/bola-ahmed-tinubu-biography-age-education-political-career-net-worth-and-controversy/
[5]– المصدر سابق:
“Bola Tinubu: Former Governor State of Lagos, Nigeria”. ISS, Princeton University
[6] – المصدر نفسه.
[7] – المصدر سابق:
“Bola Ahmed Tinubu: Biography, Age, Education, Political Career, Net worth, and Controversy”. NewsWireNGR
[8] – المصدر نفسه.
[9] – Emmanuel Badejo (2022). “How Tinubu transformed Lagos”. The Nation, from https://thenationonlineng.net/how-tinubu-transformed-lagos/
[10] – Aanu Adeoye (2023). “Bola Tinubu: Nigeria’s kingmaker eyes chance to become king”. Financial Times, from https://www.ft.com/content/9f1d9cc0-7e01-4bcc-812c-96114381bd73
[11] – Folorunso, M. A. (2013). Dynamics of political communication: A treatise in honour of Asiwaju Bola Tinubu. Author House.
[12] – Mojeed Alabi (2022). “2023: Tinubu defeats Amaechi, Osinbajo, others to win APC presidential ticket”. Premium Times, from https://www.premiumtimesng.com/news/headlines/535589-breaking-2023-tinubu-defeats-amaechi-osinbajo-others-to-win-apc-presidential-ticket.html
[13] – Channels Televison (June 3, 2022). “’Emilokan’, Without Me, Buhari Wouldn’t Have Become President – Tinubu”. Youtube, from https://www.youtube.com/watch?v=2GAh_3H_y_A
[14] – Olasunkanmi Akinlotan (2023). “‘Emi Lokan’ is wrong for Nigeria, Obasanjo criticises Tinubu”. Premium Times, from https://www.premiumtimesng.com/news/top-news/573623-2023-emi-lokan-is-wrong-for-nigeria-obasanjo-criticises-tinubu.html
[15] – Deji Elumoye (2022). “Tinubu Unveils Manifesto, Vows to End Petrol Subsidy, FX Crisis”. ThisDay, from https://www.thisdaylive.com/index.php/2022/10/22/tinubu-unveils-manifesto-vows-to-end-petrol-subsidy-fx-crisis/
[16] – Idowu Abdullahi (2022). “Manifesto: Tinubu’s 10 promises to Nigerians”. The Punch, from https://punchng.com/manifesto-tinubus-10-promises-to-nigerians/
[17]– حكيم ألادي نجم الدين (2022م). “التحول الديمقراطي وعسكرة السياسة في نيجيريا”. مركز الجزيرة للدراسات, متوفر عبر الرابط https://studies.aljazeera.net/ar/article/5454
[18] – Shaka Momodu (2018). “Tinubu: The Flawed Progressive”. ThisDay, from https://www.thisdaylive.com/index.php/0201/03/05/tinubu-the-flawed-progressive/
[19] – “Pat Utomi: Tinubu is Ailing Physically, Not Fit for Presidency”. ThisDay, from https://www.thisdaylive.com/index.php/2022/09/27/pat-utomi-tinubu-is-ailing-physically-not-fit-for-presidency/
[20] – Adedayo Akinwale (2023). “PDP PCC: North Won’t Vote ‘Fake Muslim’ as President”. ThisDay, from https://www.thisdaylive.com/index.php/2023/01/24/pdp-pcc-north-wont-vote-fake-muslim-as-president/
[21] – “I Would Have Put My Life on The Line For Osinbajo, Najatu Muhammad Speaks On APC Presidential Ticket”. Daily Trust, from https://dailytrust.com/i-would-have-put-my-life-on-the-line-for-osinbajo-najatu-muhammad-speaks-on-apc-presidential-ticket/
[22] – Saheed Salawu (2022). “We won’t accept Muslim/Muslim tickets, CAN warns Atiku, Tinubu”. The Nigerian Tribune, from https://tribuneonlineng.com/we-wont-accept-muslim-muslim-tickets-can-warns-atiku-tinubu/
[23] – Biodun Busari (2022). “2023: Survey reveals Tinubu’ll emerge winner but…”. Vanguard, from https://www.vanguardngr.com/2022/10/2023-survey-reveals-tinubull-emerge-winner-but/