د. فاطمة لمحرحر
باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية-المغرب
عزَم المغرب على تطوير علاقاته مع دول إفريقيا جنوب الصحراء على جميع المستويات، وفي هذا الإطار وجد نفسه مُلزمًا أكثر من أيّ وقت مضى بتنويع علاقاته الدبلوماسية متعددة الأطراف؛ من خلال توطيد الصلات مع العديد من التجمعات الاقتصادية في القارة الإفريقية.
ومن هذا المنطلق، ركّزت المقاربة المغربية على بلورة خطة لتنسيق جهوده على صعيد المنظمات الإقليمية؛ حيث قام المغرب بخطوات إيجابية لدعم التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف في إطار التكتلات الجهوية الإفريقية؛ وذلك عبر انتمائه إلى تجمع دول الساحل والصحراء، والحصول على صفة عضو مراقب في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الإيكواس”، بالإضافة إلى تقديمه طلبًا للانضمام بشكل رسمي إلى هذه المنظمة؛ خاصة وأن الانضمام إلى التجمعات الإقليمية يوفّر مناخًا ملائمًا للحفاظ على مصالح المغرب الحيوية، وتعزيز مكانته على الصعيد القاري.
أولاً: موقع المغرب داخل المنظمات الإقليمية في إفريقيا
إن الديناميكية الجديدة التي يشهدها التعاون الإقليمي وانتشار ظاهرة التكتلات الاقتصادية([1]) بمختلف أنواعها في إفريقيا جنوب الصحراء، تفرض علينا الوقوف على التحرك المغربي الكبير في الواجهة الإفريقية، خاصةً بعد إعلان المغرب على مقاربته لتقوية علاقات التعاون مع دول إفريقيا جنوب الصحراء في إطار مقاربة التعاون جنوب- جنوب، سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف.
وفي هذا الإطار، وجد المغرب نفسه ملزمًا أكثر من أيّ وقت مضى بتنويع علاقاته الدبلوماسية مع إفريقيا جنوب الصحراء في الميدان متعدد الأطراف؛ حيث عمل على المشاركة في مختلف اللقاءات التي تهم القارة الإفريقية، وتوطيد الصلات مع دول القارة؛ من خلال تجمعات بديلة لمحاولة سد الفراغ الذي خلَّفه خروجه من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًا).
وفي هذا السياق، لاحظنا أن الدبلوماسية المغربية بدأت تستوعب مدى أهمية التفاعل مع التحولات الدولية الجديدة، ومنها ضرورة توثيق العلاقات مع إفريقيا، إلى أن أصبح البُعد الإفريقي في بداية الألفية الثالثة يُشكّل إحدى التوجهات المركزية في سياسة المغرب الخارجية.
وبهذا الصدد، قام المغرب بخطوات إيجابية لدعم التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف، في إطار التكتلات الاقتصادية الجهوية الإفريقية، وذلك من خلال انتمائه إلى تجمع الساحل والصحراء، والحصول على صفة عضو مراقب في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس- CEDEAO).
إضافة إلى ذلك، عمل المغرب مؤخرًا على تقديم طلب للانضمام الرسمي لهذه المنظمة، التي تعد القوة الاقتصادية رقم 25 في العالم، وهي تتوفر على سوق استهلاكية لها وزنها، كما يعتبر هذا الفضاء إطارًا مناسبًا لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب ومجموع دول المنطقة([2]).
ووفقًا لذلك؛ فإن فكرة الانضمام لتجمع الإيكواس تأتي لبلورة منطق دبلوماسية التعاون جنوب- جنوب، وتقوية خط العلاقات متعددة الأطراف مع دول القارة السمراء؛ نظرًا لما تزخر به من احتياطات وافرة من مواد الطاقة والمعادن والثروات المائية، إضافة إلى إقامة وحدة اقتصادية شاملة وإلغاء كافة القيود التي تعيق تكتل الدول الأعضاء، باتخاذ إجراءات خاصة بضمان تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال وتشجيع التجارة الخارجية وتنفيذ مشاريع مشتركة([3]).
إلا أن التأخر في حسم انضمام المغرب إلى هذه المجموعة يثير عدة تساؤلات حول ما إذا كان هناك إجماع حول العضوية المرتقبة للمغرب؛ إذ لم ترد في البيان الصادر عن الدورة الرابعة والخمسين لمجموعة (سيدياو CEDEAO)، أي إشارة بخصوص مصير طلب المغرب الانضمام إلى هذا التجمع، وهو ما يعني أن البَتّ في هذا الطلب، ما يزال مؤجلاً دون تحديد جدول زمني لذلك، كما لم يتم الكشف عن مصير دراسة الآثار الداخلية التي أُجريت مِن قِبَل المجموعة([4]).
إلى جانب ذلك، فقد مرت أكثر من ثلاث دورات مختلفة للهياكل التنفيذية في المجموعة خلال سنة 2018م، دون التطرق لطلب المغرب في الوقت الذي يتطلع فيه إلى تعزيز حضوره في المؤسسات الإقليمية الإفريقية، خاصة بعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي([5]).
وبالموازاة مع ذلك، انضم المغرب إلى تجمع دول الساحل والصحراء في القمة الثالثة لهذا التجمع في فبراير سنة 2000م بالخرطوم، ومما لا شك فيه أن المغرب يجد في هذا المنفذ أهمية كبيرة لتفعيل دوره الإفريقي؛ إذ لا يعتبر التجمُّع مجرد فضاء للحوار فحسب، وإنما هو فضاء للعمل المشترك في مختلف المجالات([6]).
وفي هذا السياق، نعتقد من جانبنا أن عضوية المغرب في تجمع الساحل والصحراء تعد خطوة استراتيجية، تسعى من خلالها المملكة المغربية إلى دعم حضورها السياسي والدبلوماسي على الساحة الإفريقية؛ حيث شكّل انخراط المغرب في هذا التجمع فرصة لإقامة علاقات مع بلدان معارضة بوضوح لمسألة الصحراء (موزنبيق، أنجولا، بنين، الرأس الأخضر، جنوب إفريقيا)([7])، وإلى تراجع دول أخرى عن مواقفها بخصوص الاعتراف (بالجمهورية الصحراوية)، عن طريق نهج سياسة خارجية إفريقية، سمحت له بتعزيز موقعه السياسي داخل القارة، بفضل استراتيجية تَجمع بين الدبلوماسية الكلاسيكية والدبلوماسية الاقتصادية والتجارية، إضافة إلى الدبلوماسية البرلمانية.
ومن هنا، ننتهي إلى القول بأن المقاربة المغربية في سياستها الخارجية الإفريقية قد ركّزت على الحضور الفاعل في العديد من التجمعات الجهوية في إفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي فإن الدبلوماسية الجماعية على الصعيد الجهوي قد يكون لها مفعولها في تعزيز وجوده على الصعيد القاري، خاصةً عن طريق إحياء آليات التعاون العربي- الإفريقي([8]).
ثانيًا: دور المنظمات الإقليمية الاقتصادية في تعزيز الشراكة المغربية- الإفريقية
إن المغرب ومنذ عام 2000م، اعتمد مقاربة جديدة للتعاون مع البلدان الإفريقية جنوب الصحراء؛ حيث وضعت هذه المقاربة المجال الاقتصادي في صلب الشراكة مع هذه البلدان، إضافة إلى ذلك ترتكز هذه المقاربة على القيم الإفريقية المتأصلة، كالتضامن والتكافل، وتهدف إلى تنمية التجارة الخارجية والاستثمار داخل القارة الإفريقية([9]).
إضافةً إلى ذلك، فإنَّ انضمام المغرب إلى التجمعات الإقليمية الإفريقية، كتجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD)، ومحاولة الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA)، والتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق يتعلق بالتجارة والاستثمار مع هذا الأخير سنة 2008م، من أجل الحصول على امتيازات تعريفية متبادلة، كما يتضمن مقتضيات تهدف إلى رفع الحواجز غير التعريفية التي تعرقل المبادلات التجارية بين الطرفين، كما يتفاوض المغرب حاليًا بشأن التأسيس التدريجي لمناطق التجارة الحرة مع المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا (CEMAC)([10]).
ومن أجل تفعيل الأداء الدبلوماسي في إفريقيا جنوب الصحراء؛ فإن الدبلوماسية الجماعية على الصعيد الجهوي تمتلك بدورها آليات قد يكون لها مفعولها في تحقيق الهدف المتمثل في العمل المشترك حول عدد من القضايا الإقليمية؛ ويتعلق الأمر هنا بآليات تخصّ التعاون مع التجمعات الإقليمية الإفريقية التي يمكن للمغرب من خلالها أن يعزّز من وجوده على الصعيد القاري، أو من خلال أخذ المبادرة لتشجيع التعاون ما بين الجهوي، كإحياء وتفعيل آليات التعاون العربي – الإفريقي([11]).
وفي هذا السياق، قام المغرب وفي إطار علاقاته بدول القارة الإفريقية بخطوة إيجابية لدعم التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف ضمن التكتلات الجهوية الإفريقية بانتمائه إلى التجمعات الاقتصادية الإفريقية؛ حيث إن الانضمام إلى التجمعات الإقليمية أو الفرعية، يوفر مناخًا ملائمًا للحفاظ على مصالح المغرب الحيوية وتنميتها، بالإضافة إلى تعزيز المكانة الإقليمية للمغرب على الصعيد القاري؛ ومما لا شك فيه أن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي بعد 32 سنة من انسحابه من هذه المنظمة، قد ولَّد نوعًا من الفراغ الدبلوماسي على صعيد المؤسسات التابعة لتلك المنظمة([12]).
وتماشيًا مع هذا المنطق؛ تُشكّل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO سيدياو)، فضاءً جهويًّا ملائمًا لانضمام المغرب بفعل التقارب الجغرافي واللغوي، كما أن معظم الدول في هذه المجموعة هي دول ناطقة باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى تشابه الأنظمة الاقتصادية المعتمدة، علاوةً على أن التجمع يوفّر سوقًا استهلاكية كبيرة([13]).
ونظرًا لما تشهده دول هذه المجموعة من نمو اقتصادي في السنوات الأخيرة، فقد عمل المغرب على البحث عن مساحات استثمارية بداخلها عن طريق حركية دبلوماسية قوية، دمجت بين الجانبين الاقتصادي والديني([14]). وتُعدّ هذه المنطقة مُهمَّة للمُصدِّرين والمستثمرين المغاربة من أجل تعزيز الوجود المغربي على الساحة الإفريقية، وهو ما أثبته دخول مجموعة من الشركات المغربية الناشطة في مجالات الطيران والبنوك إلى هذه السوق؛ في مقدمتها البنك المغربي للتجارة الخارجية (BMCE)، والخطوط الجوية المغربية (RAM)([15]).
إلا أن هذا التوجُّه يصطدم بعددٍ من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، تتمثل أساسًا في البحث عن رسم سياسات توافقية مع الدول الكبرى في إفريقيا من بينها جنوب إفريقيا، وأيضًا في إشراك حلفائه من خارج القارة بغية تنفيذ الالتزامات المالية والاقتصادية التي وقَّعها مع عدد من دول القارة([16]).
وهكذا، أصبحت إفريقيا جنوب الصحراء وِجْهة اقتصادية وتجارية يسعى المغرب إلى جعلها من ضمن أولويات سياسته الخارجية، وهو ما أبان عنه من خلال تعزيز علاقاته بدول إفريقيا جنوب الصحراء، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي في إطار التكتلات الجهوية الإفريقية، وفي مقدمتها تجمع دول الساحل والصحراء (SEN SAD) الذي يُعدّ أكبر منظمة جهوية في إفريقيا بعد الاتحاد الإفريقي([17]).
غير أنَّ ما يُلاحَظ على العلاقات المغربية الإفريقية في إطار المجموعات الاقتصادية، أنها لا تساير التحولات الدولية الراهنة في ظل التوجه العالمي المتزايد نحو إنشاء مناطق للتبادل التجاري الحُرّ، إضافة إلى الاشكالات البنيوية والهيكلية التي تعاني منها الاقتصادات الإفريقية وصعوبات اندماجها في الاقتصادي العالمي، إلى جانب الهاجس الأمني الذي يؤثر على دينامية المغرب في هذه التجمعات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والإحالات:
[1]– يشير مفهوم التكتل الاقتصادي إلى مجموعة الترتيبات التي تتم بين عدة دول بهدف تحرير التبادل التجاري فيما بينها، وتنسيق سياساتها المالية والنقدية، وتحقيق نوع من الحماية لمنتجاتها الوطنية تجاه العالم الخارجي. https://araa.sa/index.php?view=article&id=1192:2014-07-04-23-15-20&Itemid=172&option=com_content.
[2]– محمد غربي، “البعد الآخر للسياسة الخارجية المغربية في امتداداتها الآسيوية: أية آفاق في زمن العولمة؟”، المجلة المغربية للدراسات الدولية، العدد 11، يونيو 2003م، ص 11.
[3]– جعفر بنموسى، “دبلوماسية التعاون جنوب- جنوب في خدمة جهود الدبلوماسية المغربية للحفاظ على الموقع الإفريقي للمغرب” حالة المغرب 2009-2012م، منشورات وجهة نظر، ص.183.
[4]– يوسف لخضر، “رؤساء دول غرب إفريقيا يؤجلون حسم انضمام المغرب إلى ”سيداو”، هسبريس، https://cutt.us/btLHD
[5]– المرجع نفسه.
[6]– خالد شيات، المغرب وتحرير التجارة خيارات الشراكة بين البعد الاستراتيجي وهاجس التنمية، أطروحة لنيل الدكتوراه الوطنية في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، 2004، ص241.
[7]– جعفر بنموسى، “دبلوماسية التعاون جنوب- جنوب في خدمة جهود الدبلوماسية المغربية للحفاظ على الموقع الإفريقي للمغرب” مرجع سابق، ص 184.
[8]– ولد الفاضل، محمد، السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء على عهد الملك محمد السادس، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، 2012- 2013، ص262.
[9]– الاندماج الإقليمي للمغرب في إفريقيا من أجل بلورة استراتيجية في خدمة تنمية مستدامة، رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إحالة ذاتية، 2020، ص ص 22-23.
[10]– لحسن الحسناوي، التوجهات الاقتصادية المغربية في إفريقيا: الواقع… والرهانات، بحوث اقتصادية عربية، العدد 76-77، يناير 2017، ص ص 143-144.
[11]– ولد الفاضل، السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء على عهد الملك محمد السادس، مرجع سابق، ص262.
[12]– Christian DEBLOCK, “L’indice d’intégration régionale en Afrique“,Transformations, Revue interventions économiques, Hors série, Mars 2017, pp.10-11.
[13]– Ibid., pp.11-12.
[14]– سعيد الصديقي، “السياسية الخارجية فوق الرمال المتحركة لإفريقيا”، المعهد المغربي لتحليل السياسات، أبريل 2018، ص5.
[15]– Younes ZAKKARI, Doundongue DJIGLE, “L’adhésion du Maroc à la CEDEAO : vers une harmonisation du cadre juridique marocain des investissements avec les règles communautaires en la matière“, Revue marocaine d’Audit et de développement, No46, 2018, p.31.
[16]– سعيد الصديقي، “السياسية الخارجية فوق الرمال المتحركة لإفريقيا”، مرجع سابق، ص6.
[17]-L’Afrique, “The next frontière Maghreb porte d’entrée sur le continent, Casablanca, hub financier régional“, Recherche Actions Afrique, Novembre 2011, p.1.