شيماء حسن علي
باحثة في الشؤون الإفريقية
منذ انخراط جماعة بوكو حرام في صراع مستمر ومسلّح مع الجيش النيجيري؛ فإن الدولة تسعى جاهدةً للقضاء على التنظيم وتقليص خطره، ومِن ثَم قامت الدولة بجهودٍ فردية ومشتركة لمواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية بمنطقة الساحل الإفريقي، وبالطبع كانت جهود مكافحة إرهاب تنظيم بوكو حرام في القلب من تلك الجهود.
تهتم الدراسة بالتعرف على تنظيم بوكو حرام منذ نشأته في ولاية “بورنو” بمدينة “مايدوغوري” في عام 2002م، مع استعراض أسباب ظهوره وانتشاره في نيجيريا وتمدُّده في إقليم الغرب الإفريقي، ووصوله للتأثير على دول بحيرة تشاد. وتُجيب الدراسة عن تساؤلات رئيسية تدور حول: ما دلالات هذا التمدد والانتشار؟ ولماذا تُخفق الدولة النيجيرية في مواجهة التنظيم؟
أولًا: نبذة عن التنظيم
يعرف تنظيم “بوكو حرام” باللغة العربية بـ”جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”، أما ترجمة الاسم في لغة الهوسا، وهي إحدى قبائل الشمال الشرقي في نيجيريا؛ فهي “التعليم الغربي حرام”، وعلى الرغم من أن الترجمة الحرفية لاسم التنظيم “بوكو حرام” تشير إلى رفض التعليم الغربي، واعتباره خطيئةً وشيئًا محرمًا؛ إلا أن بعض المختصين يرون أن المقصود من هذه التسمية هو الحضارة الغربية حرام، وليس التعليم الغربي، والذي هو بالطبع جزء من الحضارة الغربية([1]).
وعادةً ما يُنْسَب التنظيم إلى القائد “محمد يوسف” الذي قُتِلَ عام 2001م، إلا أن هناك بعض الباحثين يُرجعون بداية وفكرة تأسيس التنظيم إلى عام 1995م إلى “مالام أبو بكر لاوان”، الذي سافر بعد ذلك لاستكمال دراسته بجامعة المدينة بالمملكة العربية السعودية، وبعد ذلك تولى “محمد يوسف” قيادة التنظيم، ومنذ وجوده على رأس التنظيم استطاع أن يستقطب أكبر عدد من أفراد المجتمع النيجيري، ومن جميع الطبقات، كما استخدم “يوسف” فكرة فرض المساهمات المالية على الأعضاء؛ لضمان وجود مصادر دائمة لتمويل الجماعة؛ إذ كان بإمكانه أن يجمع حوالى 2000 جنيه إسترليني يوميًّا([2]).
ويدور الإطار الفكري للتنظيم حول ثلاثة محددات رئيسية؛ وهي:
1- تحريم التعامل مع مؤسسات الدولة القائمة.
2- تحريم التعليم الغربي
3- الدعوة للانعزال والهجرة إلى مواقع بعيدة ومنعزلة.
ويمكن اعتبار نقطة التحول في مسيرة التنظيم هي مقتل القائد الأكثر تأثيرًا فيه، وهو “محمد يوسف” عام 2001م أثناء اعتقاله على يد ضباط الأمن النيجيريين، ومنذ ذلك فقد تولى ” أبو بكر محمد شيكاو” قيادة التنظيم، وبدأ باستهداف أفراد الأمن والبعثات الدولية لحفظ السلام والمدنيين، وقد وصلت ذروة العمليات التي شنَّها التنظيم إلى عام 2014م؛ حيث قتل التنظيم ما يربو على 4000 شخص على الرغم من أنه يمكن الجزم بأن العدد الفعلي للقتلى هو أعلى من ذلك بكثير، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015م قُتِلَ ما لا يقل عن 1500 مدني؛ إذ تزامنت هجمات التنظيم مع مبايعته لتنظيم داعش الإرهابي، ومِن ثَم إعلانه الخلافة على الأراضي التي كان يستحوذ عليها التنظيم في منطقة بورنو([3]).
وعلى الرغم من إمكانيات الدولة النيجيرية “عملاق إفريقيا التائه”؛ فإنها قد أخفقت في مواجهة التنظيم؛ إذ استطاع أعضاء الحركة عبور الحدود بين دول جوار نيجيريا، والقيام بعمليات تُهدّد الأمن الإقليمي، وهو ما استدعى تكاتف الجهود الإقليمية والدولية لمواجهته، وهو ما عملت عليه دول الساحل بدعم إفريقي من المنظمة القارية “الاتحاد الإفريقي” ودعم دولي، فجاءت قمة باريس للأمن في نيجيريا في 17 مايو 2015م، وكانت أول استجابة دولية وإقليمية للتهديد المتصاعد لحركة بوكو حرام، بحضور زعماء الدول المعنية، وقد توصلت القمة إلى اتفاق على “إنشاء غرفة عمليات مشتركة، وتبادل المعلومات، وتسيير دوريات مشتركة، وتشديد الرقابة على الحدود، إلى جانب تقوية الحضور العسكري في المنطقة([4]).
وعلى الرغم من الانقسامات التي شهدها التنظيم، والتي أسفرت عن مقتل “أبو بكر شيكاوى”، وتولي “أبو مصعب البرناوي” القيادة مِن بعده، والذي قتل لاحقًا أيضًا؛ إلا أن التنظيم لا يزال موجودًا، ويقوم بعمليات ومستمر في تهديد السلم والأمن الإقليمي، ولكنَّ السؤال الذي يزداد إلحاحًا لإجابته: لماذا تستمر “بوكو حرام” في إرهابها؟ أو بمعنى آخر: لماذا لم تنجح الدولة النيجيرية في القضاء على الإرهاب؟
الدولة وتصاعد العنف:
شكلت عملية بناء الدولة القومية على غرار النموذج الغربي معضلة لغالبية دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك بعد حصول أغلب دولها على الاستقلال منذ الستينيات، لقد تجلَّت عدة تحديات عجزت الدولة فيها عن مواجهتها؛ فكان خيار إدارتها هو الحل، ولعل من أبرز تلك التحديات هي قضية الاندماج الوطني، والتعامل مع التعددية العرقية الغالبة على طبيعة القارة، واستيعاب الأقليات الإثنية والدينية، فلم تُطوّر الدولة النيجيرية من سياسات إدارة العِرْقيات فيها، بل ورثت عن الاستعمار البريطاني سياسته في إدارته للدولة؛ مما زاد هذا التحدي، وهو الذي جعل بعض الباحثين يطلقون عليها (الدولة النيجيرية نسخة مشوهة لنموذج الدولة القومية على غرار النموذج الأوروبي)([5]).
أضف إلى ذلك الخلل الذي انتاب أداء الدولة في وظائفها الاستراتيجية من بداية استكشاف الموارد إلى إدارتها وتوزيعها بطريقةٍ تُراعي فيها حقوق الأقليات والعرقيات الموجودة في الدولة النيجيرية، وهو ما ساعَد على زيادة الحركات المتمردة؛ سواء كانت حركات التمرد بسبب عوامل اجتماعية، اقتصادية أو دينية، ومن أمثلة ذلك الحرب الأهلية التي اندلعت في إقليم “بيافرا” الانفصالي أو حركة دلتا النيجيرية، وتمرّدها أو تمرد بوكو حرام.
ولقد تجلّت مظاهر الهشاشة في نيجيريا في الركود الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، وتآكل شرعية الدولة، فضلًا عن تفشي الفساد وانفراد النخبة الحاكمة، وتغول المؤسسة الأمنية والعسكرية على السلطة([6]).
ونتيجة للعوامل السابقة يتحتم فقدان الدولة والنظام السياسي الحاكم لشرعيته، وهو ما يدفع الحركات والتنظيمات إلى عدم الولاء والتمرد من جانب هؤلاء الذين يشعرون بالظل والتهميش، ويمكن اعتبار انتشار حركات التمرد وممارسة العنف هي رد فعل طبيعي للسياسات غير الرشيدة التي تبتعد عن الحوكمة والحكم الجيد المتّبعة لعقود، فعلى الرغم من تحقيق تطور ديمقراطي في نيجيريا منذ 1999م، والقيام بإصلاحات عديدة؛ فإن الواقع يَشِي بأن هناك المزيد الذي يجب على الدولة تحقيقه، وما استمرار عنف جماعة بوكو حرام والحركات العنيفة إلا دليل على هشاشة الدولة النيجيرية، فمن المعروف أن مسؤولية غياب الأمن وتفشي ثقافة العنف ترتبط ببنية الدولة النيجيرية ذاتها، والتي قامت بتحقيق مصالح النخبة الحاكمة على حساب مصالح المجتمع النيجيري.
وبحسب د. حمدي عبد الرحمن؛ فإن بوكو حرام تُعتبر حركة تتبنَّى فهمًا ضيقًا للإسلام وهي كحركة وتنظيم يجد له آذانًا صاغية بين آلاف الشباب النيجيري، وليس الشباب فقط، بل إن الرئيس السابق “ابواسانجو “خلال خطاب له عام 2015م قد أقر بوجود متعاطفين مع الحركة داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها؛ سواء التشريعية أو القضائية أو التنفيذية([7]).
الجيش النيجيري وتحّدي إرهاب بوكو حرام:
على الرغم من قيام الجيش النيجيري بمهاجمة التنظيم الإرهابي الذي يَستهدف مؤسسات الدولة والمدنيين والمواقع العسكرية، خاصةً مع الطفرة التي حدثت للتنظيم في استخدام أسلحة حديثة؛ إلا أن الواقع يشي بأن جماعة “بوكو حرام” لا تزال تشكّل تهديدًا، ويمكن القول: بأن هناك جملة من المحددات التي أثَّرت على أداء الجيش النيجيري، ومدى استجابته لها، وهي كالتالي:
الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية:
يمكن القول: إن الفساد المنتشر في نيجيريا مُسْتَشْرٍ على الصعيد المادي والمعنوي؛ فبداية من الفساد الصغير الذي يقوم به أفراد الأمن في الكمائن المصطنعة لجلب المال كرشوة أو كجباية، وانتهاءً بالفساد المنتشر على مستوى القيادات والجنرالات بالمؤسسة العسكرية، وهو ما جعل بعض الباحثين يطلقون على الحرب ضد بوكو حرام “بفساد الرسالة نفسها”، وتوضح السطور القادمة ماهية المصطلح نفسه([8]):
أولًا: يُقصَد “بفساد الرسالة ” انطباع الجنود المشاركين في المهمة؛ إذ يمثل موقف الجنود أنفسهم من المهمة معضلة، وتؤثر على أداء الجنود، فبحسب دراسة ميدانية أوضحت أن هناك 3 عناصر تشكّل موقف الجنود المشاركين في المهمة، وهي غموض قادة بوكو حرام، المحسوبية في توزيع الجنود على جبهات الحرب، وأن الحرب ذاتها أصبحت أداة لجلب المال. فبحسب قول بعض الجنود: “كلما مات منا عدد أكثر؛ زاد جَلْب المال”، ويوضح هذا الجندي أنه رأى بنفسه كيف أن هناك مروحيات تابعة للحكومة أسقطت الطعام في الأدغال لصالح بوكو حرام؛ إذ يجادل الجندي بأنه مع اختفاء التنظيم والقضاء عليه نهائيًّا لن يستطيعوا جلب المال.
أضف إلى ذلك أن هناك شكوكًا حول خطوات الحكومة للإفراج عن أعضاء التنظيم التائبين من خلال إطلاق عملية “الممر الآمن”، والتي أسفرت عن الإفراج عن حوالي 2000 فرد ، كما أن هناك جدالًا كبيرًا حول كيفية تفعيل هذه التوبة؛ فالغياب الظاهري للعقاب على الأنشطة الإرهابية والشرعية ومعقولية الإفراج عن المشتبه في أنهم إرهابيون أثناء الحرب، قد أثار كل ذلك انتقادات واسعة، كما أن المخاوف قد زادت من الإفراج المبكر وغير المشروط عن أعضاء التنظيم([9]).
ثانيًا: الفساد الذي طال عمليات الاعتقال والإفراج عن أعضاء التنظيم، وفقًا لبعض الدراسات الميدانية فقد لاحظ بعض أهالي المعتقلين من أبناء التنظيم أو المشتبه بهم أنهم كانوا يهددون بأنهم لن ينتخبوا هؤلاء المسؤولين مرة أخرى، وبذلك تحولت القضية لتجارة بين الضباط والسياسيين والأفراد؛ حيث وصلت الأمور إلى وجود تسعيرة تصل 15-20 مليون نيرة للإفراج عن المعتقل من التنظيم.
كما أن قائمة المتعاطفين مع التنظيم من المسؤولين الرسميين والعسكريين تضم مسؤولين على مستوى الولاية والاتحاد الفيدرالي وكبار العسكريين في الجيش النيجيري، ومن ضمن شبهات الفساد أيضًا فقد أظهرت البيانات أن الشرطة فقدت السيطرة على أكثر من 88 ألف بندقية من طراز (أي كى ــ 47)، وأضف إلى ذلك انتشار ظاهرة تسريب مخزونات الأسلحة الوطنية، ويُقصد بها تورط بعض الشخصيات العسكرية في بيع الأسلحة والمعدات الخاصة بالجيش الوطني لصالح أعضاء التنظيم ذاتهم، وغض الطرف عن تهريب الأسلحة لصالح التنظيمات الإرهابية، وتتكامل هذه الظاهرة مع التخصيص غير الكفء للمساعدات الأجنبية الموجهة لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي ترتب عليه خضوع هذه المساعدات للعديد من المراجعات المتكررة([10]).
ثالثًا: الازدواجية وتشتيت جهود مكافحة الإرهاب، يمكن اعتبار أن الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب التي تمت من خلال إنشاء المبادرات والفاعليات والمؤسسات جهود محمودة، إلا أن تعددها دون تعاون وتنسيق واضح يمكن أن يزيد الأمر تعقيدًا، وبالتالي يساهم تعدد الهيئات المخصصة لمكافحة التطرف وإرهاب إلى ازدواجيتها وتشتيتها واعتبارها مدخلاً للفساد، فبالرغم من وجود مبادرتي PINE) ، PCNI) * لمكافحة الإرهاب، فقد تم تقديم مشروع لإنشاء “الهيئة الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب” في فبراير 2020م، والمفارقة هنا هو أن أحد أعضاء هذه الهيئة هو سكرتير الاتحاد الفيدرالي، والذي تورّط في قضية فساد لمبادرة PINE))([11]).
رابعًا: فساد القادة وكبار العسكرين، تصرّف كبار العسكريين والجنرالات بأموال المساعدات والأموال المخصصة لمكافحة الإرهاب كحسابات بنكية شخصية مثل “محمد عمر ديكو” رئيس أركان القوات الجوية الذي سحب على مدار عامين (2010-2012م) ما قيمته (1.545.660) دولارًا([12]).
خامسًا: النخبوية والمحسوبية، ومن بين الممارسات التي اعتبرها البعض ضمن ممارسات الفساد الأخلاقي هي عمليات الخداع للجنود المشاركين في العمليات ضد بوكو حرام، وهي أن الجنود أنفسهم قد تم تدريبهم على ممارسة مهام قتالية في دولة أجنبية؛ إلا أنهم تفاجئوا بإرسالهم للشمال الشرقي النيجيري، يقصد هنا أن تدريبهم على عمليات في بلاد أجنبية ومهام قتالية غير التي أُرسلوا لها فعليًّا، وهو ما ساهم في شعور الجنود بالتلاعب والخداع بهم، فضلًا عن المحسوبية في انتقاء الجنود ونشرهم في جبهات القتال ضد بوكو حرام في الشمال الشرقي النيجيري كمثال لذلك([13]).
وجملة الممارسات السابقة تؤثر على الروح المعنوية للجنود بحسب أحد الجنود المشاركين فقد قال: “إن أفضل شيء يمكن أن أقوم به هو الانسحاب من الجيش أو الخروج منه”([14])، وهي نتيجة طبيعية لانتشار ظاهرة القتل والانتحار بين صفوف الجنود.
سادسًا: ضعف نظم التسليح والإمداد اللوجيستي، ورداءة الإمدادات المادية
في حين يتطور التنظيم في أنظمة تسليحه واعتماده على التكنولوجيا المتطورة، وأبرزها الطائرات “الدرونز” في مهام الرصد والاستطلاع وشنّ الهجمات، في مقابل ذلك يمكن ملاحظة ضَعْف نُظُم تسليح الجيش النيجيري ونقص الإمدادات من أسلحة وذخيرة أو تقادمها، ونقص السيارات المدرّعة والاعتماد على المركبات “هيولوكس” الخفيفة، وهو ما يعرّض حياة الجنود للخطر؛ إذ إن التنظيم متمرس في زرع الألغام والعبوات الناسفة. أضف إلى ذلك انخفاض ورداءة الإمدادات المادية، ويُقصد به توفير طعام وأماكن إقامة والماء النظيف والإنترنت، حتى هذا القطاع يشمل النخبوية في توزيع هذه الإمدادات، ففي أحيان كثيرة يضطر الجنود لتسلق أبراج الاتصالات للتواصل مع عائلاتهم بعد فترة كبيرة من عدم التواصل معهم([15]).
سابعًا: الخيانة وضعف الاستخبارات
لا يمكن الجزم بعدم وجود خيانة وتسريب للمعلومات الاستخباراتية، فوفقًا لبعض الدراسات الميدانية ذات الصلة؛ فقد رأى بعض الجنود أن التسريب الذي يتم يحدث من القيادات المسؤولة في الجيش وليس منهم؛ إذ يعانون من انقطاع وعدم توفير خدمات الاتصالات في مسرح العمليات.
ويشير بعض الباحثين لتصريح الرئيس “جوناثان جودلاك” الذي أشار فيه إلى وجود متعاطفين مع تنظيم بوكو حرام في طبقة السياسيين والعسكريين في البوليس والشرطة والقضاء والمؤسسات السياسية، وضمن صفوف قوات الجيش، وبالتالي عند استشارة هؤلاء القادة في آرائهم حول محاربة التنظيم يقومون بعدم إبداء آرائهم الصحيحة فقط، ولكنهم من ناحية أخرى يسرّبون المعلومات وخطط الانتشار لأعضاء التنظيم المتطرف، وهنا يبدو هذا الادعاء معقولاً؛ إذ تم إدانة 10 جنرالات في الجيش و5 جنود عام 2014م ببيع أسلحة وتقديم معلومات استخباراتية للتنظيم الإرهابي، أضف إلى ذلك إمكانية تأثير العامل الإثني في انتخابات 2015م (محمد بخاري مسلم شمالي/ جوناثان جودلاك مسيحي جنوبي)([16]).
وأخيرًا، لا يمكن إغفال دور العامل الخارجي، ويُقصَد به دور الشركاء الدوليين المشاركين في محاربة الإرهاب؛ إذ تعتمد الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في نيجيريا والغرب الإفريقي على الاقتصار في توجيه الضربات بدون طيار لمعاقل التنظيمات الإرهابية فقط، وهو الأمر الذي يعده البعض غير مُجْدٍ، في نفس الوقت الذي يقوم التنظيم الإرهابي بشنّ هجمات وسرقة أسلحة الجيش النيجيري ومعسكراته، فببساطة، لن يمكن تحقيق أيّ قدر من النجاح في هزيمة التنظيمات الإرهابية طالما أن الدول المتلقية غير قادرة على تأمين أسلحتها. وفي الوقت نفسه، فإن إرهاب وتمرد بوكو حرام يهددان الاستقرار والازدهار المحتمل لدولة إفريقيا الأكثر اكتظاظًا بالسكان، وسيتردد صدى انهيارها في جميع أنحاء إفريقيا وأوروبا([17]).
وفي سياق متصل، يذهب بعض الباحثين إلى أن ظاهرة إخفاق الجيوش الإفريقية في مواجهة الإرهاب منتشرة في دول الساحل الإفريقي، ويُرجع “بعض المتخصصين في الشؤون الإفريقية ذلك إلى أن الطبيعة البنيوية لتكوين بنية جيوش دول الساحل الإفريقي لها دلالات كبيرة وتترك آثارها على طبيعة استجابة الجيوش للظاهرة الإرهابية، فقد قسم البعض طبيعة القيود البنيوية إلى طبيعة المعايير العرقية للتجنيد والترقي، ونمط تسلسل القيادة الذي يعاني من حالة تشظي واضحة؛ بفعل تعدد الوحدات المستقلة وشبه المستقلة داخل القوات المسلحة، فضلاً عن الاعتماد على القوات الرديفة والموازية، وهو ما يعني وجود قوات محلية تعتمد عليها حكومات دول الساحل للمساعدة والدعم في مواجهة الإرهاب المنتشر في أراضيها، كما أن دول الساحل تعاني من ضعف أنظمة التسليح في مقابل اعتماد التنظيمات المسلحة على أنظمة تسليح متطورة، وهو ما يُعَدّ تفوقًا تكنولوجيًّا يُضاف إلى تفوُّقها العددي واستهدافها لمواقع المعسكرات والقواعد العسكرية للجيوش المتورطة في مواجهتها، وأخيرًا اعتماد دول الساحل على الدعم الخارجي في جَلْب أنظمة التسليح، ووضع وتنفيذ استراتيجيات مكافحة الإرهاب بما في ذلك خطط الانتشار وسبل المواجهة([18]).
خلاصة القول: إن استمرار التنظيمات الإرهابية في إقليم الغرب الإفريقي، وبخاصة نيجيريا يرجع في جزء منه لعدة عوامل بعضها نفسية واجتماعية -خاصة بالجنود النيجيريين-، وسياسية متعلقة بدور الجيش، واقتصادية واستخباراتية أيضًا، وجاءت تلك الأسباب على النحو التالي: انخفاض الروح المعنوية للقوات والجنود أنفسهم، وضعف المعدات والأسلحة العسكرية، وكثرة حالات الانتحار وقتل النفس بين الجنود وقوات الجيش، وتسريبات استخباراتية (الخيانة)، وعلاقات القوات مع قوة المهام المدنية المشتركة، والفساد والمحسوبية، وضعف جاهزية القوات المحاربة (تسليح تدريب ذخيرة)، فضلًا عن كارثية الجدوى الاقتصادية لاستمرار الصراع.
[1] – ايوانيس مانتيزيكس، ترجمة د. محمود عزت، “بوكو حرام: تحليل الأزمة، في ماذا نعرف عن بوكو حرام؟”، (الإسكندرية: إصدارات مركز جسور، 2022م، ص13).
[2] – المرجع السابق، ص 14.
[3] – تقرير منظمة العفو الدولية، نسخة إلكترونية 2015م.
[4] – عباس محمد صالح،” الجهود الإقليمية لمكافحة تهديد “بوكو حرام” المحددات والآفاق”، دورية رؤية تركية، العدد4، ديسمبر2015م، متاح على الرابط الآتي: https://rouyaturkiyyah.com/research-articles-and-
[5] -Alabi Usman ,Bashiru Salihu,” Fragility of the Nigerian State and the Challenge of Boko Haram Violence”, Covenant University Journal of Politics & Internationall Affair. Vol. 6 No. 1, June 2018 ,
[6] – حمدي عبد الرحمن، “العنف وهشاشة الدولة: بوكو حرام نموذجًا”، مجلة الديمقراطية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية العدد58، بدون تاريخ نشر، ص4.
[7] -BBC News, ‘Nigeria’s Goodluck Jonathan: Officials back Boko Haram’, 8 January
2012, <http://www.bbc.com/news/world-africa-16462891
[8]– TEMITOPE B. ORI,” Nigerian Soldiers On The War Against Boko Haram”, African Affairs,27july,2022,p-p (147-157(
[9] IPID.TFPSF
[10] IPID.
* المبادرة الرئاسية لشمال شرق نيجيريا، واللجنة الرئاسية لشمال شرق نيجيريا.
[11] Sani Tukur, ‘Buhari directs NEDC to take over activities of PINE, PCNI, other Northeast
initiatives’, Premium Times, 9 May 2019, <https://www.premiumtimesng.com/news/
headlines/329123-buhari-directs-nedc-to-take-over-activities-of-pine-pcni-other-north-eastinitiatives.html
[12]“ -Finance Director Reveals How Ex-Air Force Chief Dikko, Collected N558.2m Monthly For 2 Years”,SAHRAREPORTERS,8FEB.2018,Avliable at: https://saharareporters.com/2018/02/08/finance-director-reveals-how-ex-air-force-chief-dikko-collected-n5582m-monthly-2-years
[13] -TEMITOPE B. ORI,” Nigerian Soldiers On The War Against Boko Haram”.
[14] -IPID.P.164.
[15]– IPID p.154.
[16] -IPID.P.
[17] – ابتهال جمال عبد الغني (محرر)، “العنصر الغائب في عمليات مكافحة الإرهاب”، جريدة الشروق، بتاريخ 12 مايو 2022م، متاح على الرابط التالي: https://www.shorouknews
[18] – د. أحمد أمل، “أثر القيود البنيوية على أداء المؤسسة العسكرية في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، مجلة الدراسات الإفريقية، كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، العدد 51، يناير 2022م.