كانت تجارة الذهب والعبيد من إفريقيا بمثابة “نقطة ارتكاز لمشروع الحداثة” الغربي، وفقًا لأحد أبرز الكتب التي صدرت حديثًا، وتطرح رواية أخرى مناهضة لفكرة المركزية الأوروبية([1]).
يجادل أستاذ الصحافة بجامعة كولومبيا هوارد فرنش أن صعود الغرب اعتمد على صادرات الذهب من غرب إفريقيا؛ الأمر الذي حفّز اقتصاد أوروبا، بالإضافة إلى تجارة العبيد الذين قاموا بانتاج السكر في جزر الكاريبي، والقطن في جنوب أمريكا في فترة ما قبل الحرب.
كانت هاتان السلعتان المربحتان بشكل كبير محوريتين في صعود الرأسمالية البريطانية والأمريكية؛ من خلال عمليات الإنتاج المنظّمة التي كانت نموذجًا لأنظمة العمل الصناعية.
في بداية هذا الكتاب الرائع والرصين، والذي يصلح لأن يكون مقررًا دراسيًّا لكل الأعمار داخل إفريقيا وخارجها، يقول هوارد فرنش: “إن الطريقة التي نفكر بها في التاريخ خاطئة تمامًا. والمشكلة ليست فقط أن شعوب وثقافات إفريقيا قد تم تجاهلها وتهميشها؛ بل إنها كانت خاطئة لدرجة أن قصة الماضي العالمي أصبحت جزءًا من «خطأ» عميق أكبر”.
تبدأ هذه العملية من التجهيل المتعمد، كما يقول فرنش، مع عصر الكشوف الجغرافية. لم يكن الدافع وراء تأسيس إمبراطوريات أوروبية تمتد عبر القارات هو الرغبة في العلاقات مع آسيا، ولكن الانطلاق من رغبة عمرها قرون تتمثل في إقامة علاقات تجارية مع مجتمعات سوداء غنية بشكل لا يصدق في إفريقيا؛ حيث كانت موطنًا لكميات هائلة من الذهب، ومصدرًا لا ينضب للعمل البشري. على طول الساحل الغربي لإفريقيا، أتقن الأوروبيون تقنيات صنع الخرائط والملاحة؛ حيث تم اختبار وتحسين تصميمات السفن، كما تعلَّم البحارة فَهْم رياح المحيط الأطلسي.
هذه التجارب، التي يرجع تاريخها بشكل رئيسي إلى أعوام القرن الخامس عشر، كانت مفيدة ليس فقط في تأهيل الأمريكتين، ولكن في فتح طرق تجارية جديدة إلى أوروبا أيضًا. بَيْد أنَّ أهم العواقب وأكثرها سوءًا هي تلك المتعلقة بالأفارقة؛ حيث يكاد يكون من المستحيل تصوّر حجم المعاناة الإنسانية التي أعقبت عبور كولومبوس للمحيط الأطلسي، ناهيك عن أن حوالي 12 مليون إفريقي تم وضعهم عنوةً على متن سفن الرقيق في ظروف مروعة.
إشكالية التاريخ والتأريخ الإفريقي:
يُعدّ حصن يسوع مومباسا، الذي بناه البرتغاليون في 1593-1596م بناءً على تصميمات جيوفاني باتيستا كايراتي لحماية ميناء مومباسا، أحد أكثر الأمثلة البارزة والمحفوظة جيدًا للتحصين العسكري البرتغالي في القرن السادس عشر ومعلمًا بارزًا في تاريخ هذا النوع من أعمال البناء. إنه يعكس مدى ثراء وقوة هذه الدولة الأوروبية الصغيرة، ولكن يظهر الثمن الباهظ الذي دفعه أولئك الذين خضعوا لحكمها.
إرث اليد الثقيلة للبرتغال، كما يعبّر عنه حصن يسوع، مع لوحة بابه المخيفة التي تتباهى بعدد السكان المحليين الذين قُتِلُوا بلا رحمة، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا في مومباسا؛ حيث باتت من أهم الآثار المسجلة في قائمة اليونسكو للتراث الإنساني.
من الواضح أن الرواية القائلة بأن إفريقيا لم يكن لها تاريخ حقيقي قبل الالتقاء مع أوروبا، ولم يكن هناك الكثير من الحضارة التي يمكن الحديث عنها؛ كانت خاطئة؛ حيث امتلكت القارة حضارات عظيمة، وكانت جزءًا من محور التجارة والأفكار التي تتدفق من الغرب إلى الشرق، إلى مراكز الاختراع الشاهقة آنذاك في شبه الجزيرة العربية وآسيا. والمثير للدهشة أن أوروبا قد استُبعدت في الغالب من هذا التدفق الهائل للأفكار، وإن كانت على دراية به.
غامر المستكشفون الأيبريون الأوائل بالخروج من مناطقهم البحرية المريحة، وأبحروا جنوبًا باتجاه ساحل غرب إفريقيا، وذلك من أجل البحث عن مدن الذهب الرائعة التي سمعوا عنها لأجيال. كانت الإمبراطوريات العظيمة في غرب إفريقيا -غانا ومالي والسونغاي– تعوم في بحار من الذهب؛ حيث كان أهلها يتاجرون مع مختلف التجار من جميع أنحاء الصحراء وعلى طول طريق الحرير العظيم حتى الصين وخارجها.
اكتشاف الذهب الإفريقي:
في القرن الرابع عشر، قام إمبراطور مالي مانسا موسى، الذي يُعد من الناحية التاريخية أغنى رجل عاش على الإطلاق، برحلة برية للحج إلى مكة، واصطحب معه حاشية كبيرة من بلاطه محملين بكميات كبيرة من الذهب، مما أدى إلى انخفاض سعر الذهب لعدة سنوات في المنطقة.
ومن المثير للاهتمام، أنه رُوي في القاهرة قصة عن سلفه، أبو بكر، الذي أرسل عدة آلاف من القوارب المجهزة جيدًا للإبحار عبر المحيط الأطلسي لاكتشاف أراضٍ جديدة قبل وقت طويل من إبحار كريستوفر كولومبوس من إسبانيا لنفس الغرض.
الرواية المكتوبة الوحيدة الباقية عن محاولة أبي بكر لاستكشاف المحيط، التي قدمها خليفته، منسا كانكان موسى، في القاهرة، تتضمن التفاصيل الدقيقة لهذه الرحلات الاستكشافية. من هنا يبرز دافعان محتملان لحمل مثل هذه البضائع الثمينة، من بين العديد من الأسباب: أحدهما كان البحث عن أسواق جديدة للمعادن الثمينة في الأراضي المجهولة التي من المحتمل اكتشافها في مكان ما عبر المحيط، بينما يتمثل الدافع الآخر في التعرف على حُكام هذه الأراضي البعيدة وإخبارهم بثروة مالي العظيمة، وبالتالي كسب احترامهم.
هذه الدوافع، في الواقع، قريبة جدًّا من تلك المرتبطة برحلة منسا موسى نفسه في القاهرة. لقد كان حكام مالي في ذلك الوقت مدركين تمامًا أنه توجد على الشواطئ البعيدة للبحر الأبيض المتوسط مساحة أخرى من اليابسة، وهي أوروبا. كان الهدف ببساطة من رحلاتهم الاستكشافية عبر المحيط هو العثور على شيء مشابه لذلك؛ مناطق جديدة لهم للتجارة وتنويع علاقاتهم معها، والتي كانت في متناول اليد في مكان ما قبالة ساحل غرب إفريقيا.
وهذا الهدف المثير للاهتمام هو نفسه ما سيحاول الأيبيريون تحقيقه من خلال رحلاتهم الاستكشافية إلى إفريقيا خلال معظم سنوات القرن الخامس عشر. كان هدفهم هو التكالب في نهاية المطاف على الأراضي التي يسيطر عليها المسلمون في المغرب العربي بحثًا عن مصادر جديدة للثروة، وربما أيضًا بهدف البحث عن حلفاء بين السود فيما كانوا يتخيلون أحيانًا مثل بلاد الحبشة.
كانت الرحلات الاستكشافية الأوروبية إلى غرب إفريقيا في منتصف القرن الخامس عشر مرتبطة بالبحث عن الذهب. لقد كانت التجارة في هذا المعدن الثمين، التي اكتشفها البرتغاليون في غانا عام 1471م، وتم تأمينها ببناء الحصن في المينا عام 1482م، هي التي ساعدت في تمويل مهمة فاسكو دا جاما الاستكشافية في وقت لاحق إلى آسيا. كما ساعد هذا الإمداد القوي الجديد من الذهب في تمكين لشبونة، التي كانت حتى ذلك الحين مقرًّا لتاج أوروبي صغير، من اكتساب المجد والصيت، بل وتغيير مسار تاريخ العالم بشكل جذري.
يقول فرنش: إن فكرة إيجاد طريقة لمحو تاريخ إفريقيا بدلاً من الاعتراف بأي شيء مهم هناك، استمرت في الكتابات الغربية المرتبطة بموضوع عصر الكشوف الجغرافية. ولعل ذلك يقدم لنا أساسًا مهمًّا لظاهرة استمرت حتى يومنا هذا. إنها السمة الأساسية للطريقة التي شرح بها الغرب طريقه إلى الحداثة من خلال محو إفريقيا من الصورة.
لقد أصبح هذا المحو ضروريًّا، كما يجادل فرنش؛ لأن الاعتراف كان يعني أن اعتماد أوروبا على العمل القسري الإفريقي هو أساس صعودهم كقوة عالمية، وهذا لن يتماشى مع روحهم المسيحية أو السرد المصمم بعناية المرتبط بالتفوق الأوروبي. إنها التركيبة العرقية البيضاء التي جعلتهم “متفوقين” على “الأجناس السوداء”، وبالتالي مكَّنهم ذلك من الاعتقاد بتجاوز كل حدود الإنسانية الكريمة والمُثُل المسيحية- في تعاملاتهم معهم.
على مدى أقل من مائتي عام، من أوائل القرن الرابع عشر إلى نهاية القرن الخامس عشر، تغير مسار تاريخ العالم بطرق دراماتيكية تفوق ما كان عليه خلال أيّ فترة مماثلة في التجربة البشرية السابقة. منذ ذلك الوقت، ربما تكون الثورة الصناعية فقط هي التي غيَّرت حياة الإنسان أكثر. خلال هذه الفترة الزمنية، أصبحت جميع المراكز السكانية الرئيسية في العالم في كل قارة من قاراتها في اتصال دائم ومستمر مع بعضها البعض للمرة الأولى، مما أدى إلى حدوث تأثيرات بعيدة المدى.
نتيجة لذلك، اندفعت المجتمعات والأمم ومناطق بأكملها إلى الحركة والتفاعل، وبدت مساراتها المختلفة والمتباينة مثل كرات البينج بونج في آلة اليانصيب عندما تصطدم ببعضها البعض. وتم تأسيس إمبراطوريات جديدة شاسعة، وولدت معها تحركات هائلة من الناس والبضائع، وكذلك النباتات والحيوانات والأطعمة، والأمراض المنقولة من جزء من العالم إلى جزء آخر.
أكثر من أيّ حقيقة أخرى، أصبح التنقل على نطاق واسع لم نشهده من قبل في كل التاريخ هو الملمح الجديد لهذا التطور الحضاري. وفي قلب هذه الحركة تكمن ظاهرة رهيبة، هي الاتجار الجماعي بالبشر الذين تم نقلهم مكبلين بالسلاسل والأغلال في أعناقهم من القارة التي وُلِدُوا فيها؛ إفريقيا، إلى أماكن جديدة وغير مألوفة تمامًا، أولاً إلى أوروبا، ثم إلى ما بات يُعرَف بالعالم الجديد. تم الاعتماد على فكرة العِرْق كمبدأ لتحديد استعباد الشخص.
وسرعان ما أضحت تجارة العبيد أساس اقتصاد المزارع في العالم الجديد، وأدت إلى وفرة محاصيل جديدة مثل التبغ والقطن والسكر، تجاوزت من حيث القيمة جميع الإيرادات من الذهب الإفريقي والحرير الآسيوي والتوابل.
الأسس الإفريقية لثروة أوروبا:
يمكن القول بأن عوائد العمل بالسُّخرة في المزارع التي يملكها البيض مثَّلت الدعامة الأساسية لازدهار كل من بريطانيا والولايات المتحدة.
يتطرق فرنش إلى تفاصيل مهمة تستند إلى الأدلة حول كيفية عمل الأفارقة المستعبدين والآلة الهائلة التي نشأت في كل خطوة لاصطيادهم من إفريقيا، ونقلهم إلى العالم الجديد، وتشغيلهم طوال الوقت في المزارع التي قادت اقتصادات الغرب وحروبه المستمرة والخلاف على السيطرة على التجارة التي ميزت تلك الحقبة أكثر من أيّ جزء آخر من العالم، كانت إفريقيا هي العمود الفقري لآلة الحداثة الغربية.
لولا اقتلاع قوة العمل الإفريقية من جذورهم المحلية، ما كان للأمريكتين أي تأثير يُذْكَر في صعود الغرب. كان العمل الإفريقي، في شكل العبيد، هو الذي جعل تطوُّر الأمريكتين ممكنًا. بدون ذلك، لا يمكن تصور وجود المشاريع الاستعمارية الأوروبية في العالم الجديد.
يقول ريتشارد درايتون: إن “الأرباح من تجارة الرقيق ومن السكر والبن والقطن والتبغ ليست سوى جزء صغير من الحكاية. ما كان مهمًّا هو كيف أدَّى السحب والدفع من هذه الصناعات إلى تغيير اقتصادات أوروبا الغربية. تضاعفت الأعمال المصرفية الإنجليزية، وازدهرت صناعات التأمين، وبناء السفن، والصوف والقطن، وصهر النحاس والحديد، وظهرت مدن بريستول وليفربول وغلاسكو، استجابةً للتحفيز المباشر وغير المباشر لمزارع العبيد”.
وباختصار كانت قوة الأمريكتين الاقتصادية من صنع إفريقيا أكثر من كونها من صنع أوروبا؛ فقبل عام 1800، كان عدد الأفارقة الذين عبروا المحيط الأطلسي أكثر بكثير من الأوروبيين.
كان عبيد العالم الجديد بمثابة كنز ثمين، حتى بالنسبة للتجارة الأوروبية في الشرق؛ بالنسبة للتجار الذين يحتاجون إلى المعادن الثمينة لشراء الكماليات الآسيوية، والعودة إلى الوطن بأرباح في شكل منسوجات؛ فقط من خلال استبدال هذه الملابس في إفريقيا بالعبيد؛ ليتم بيعهم في العالم الجديد، يمكن لأوروبا الحصول على الذهب والفضة للحفاظ على استمرار النظام. وفي نهاية المطاف أدَّت الشركات الهندية الشرقية إلى هيمنة أوروبا على آسيا وإذلال الصين في القرن التاسع عشر.
لقد وقفت إفريقيا وراء جهود التنمية المبكرة لأوروبا. في فيلم تم إنتاجه عام 2004م بعنوان “الإمبراطورية تدفع الثمن”، يطرح عالم اللاهوت الأكاديمي البريطاني، روبرت بيكفورد سؤالاً مفاده: لماذا لم تقدّم بريطانيا أيّ اعتذار عن العبودية الإفريقية، كما فعلت مع مجاعة البطاطس الأيرلندية؟([2]) لماذا لم يكن هناك نُصُب تذكاري عام يُعبّر عن الندم الوطني يعادل متحف الهولوكوست في برلين؟ لماذا، وهذا هو الأهم، لم يكن هناك اعتراف بأن الثروة المستخرَجة من إفريقيا هي أساس قوة وازدهار بريطانيا الحديثة؟ ألم تكن هناك قضية تجبر بريطانيا على دفع تعويضات لأحفاد العبيد الأفارقة؟
قضية التعويضات:
لو تصورنا رجلاً إفريقيًّا يافعًا يتمتع بصحة جيدة، يظهر مكبَّلاً بالأغلال؛ فإنه يُبَاع في مزاد علني بما يزيد عن 1200 دولار في نيو أورلينز في العقد الذي سبق الحرب الأهلية الأمريكية. كما يمكن بيع فتاة في التاسعة أو العاشرة من عمرها بملغ 1400 دولار في ظل ظروف السوق المناسبة. وبالطبع تأخذ عملية التسعير في الاعتبار قوة الرجل البدنية أو قدرة الفتاة على الإنجاب لإعادة بيعهما.
إن حساب قيمة الحياة أمر معقد، ولكن كما علمتنا العبودية، فقد تم ذلك من قبل- لقرون، تم تحويل الأفارقة إلى ممتلكات في أمريكا الشمالية والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي. لم يواجه تجار الرقيق أيّ مشكلة في تسعير حياة الإنسان، وقام الاقتصاديون في عصر الإلغاء بتعويض مالكي العبيد عن خسائر عبيدهم المحرَّرين. فقط عندما يعود أحفاد هؤلاء العبيد للمطالبة بالتعويض عن أسلافهم المفقودين يصبح العدّ والتقويم مسألة صعبة!!
وبالمثل، فإن الخسائر في الأرواح البشرية من القارة الإفريقية بسبب تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي كانت لها تكلفة حقيقية. لم تكن إفريقيا محرومة فقط من القوى العاملة والدخل، ولكن أيضًا من الإبداع والابتكار والعلاقات الإنسانية. تضاعفت هذه الخسائر بملايين الأرواح، على مدى مئات السنين، مما أعاق تنمية القارة التي كافحت حكوماتها منذ ذلك الحين لإيجاد الإرادة للمطالبة بالتعويض. ليست هناك حاجة لمزيد من تبرير التعويضات للأفارقة والشتات الإفريقي لإصلاح إرث العبودية والاستعمار. ما يجب مناقشته الآن هو كيفية دفع هذه التعويضات ولمن. لن يتطلب ذلك براعة اقتصادية فحسب، بل يتطلب خيالًا وتعاطفًا.
الكلمة السحرية هنا هي “التعويضات”. تشير التقديرات الأخيرة للباحثين إلى أنه بالنسبة للعمالة غير مدفوعة الأجر، مع الأخذ في الاعتبار الفوائد والتضخم، فإن الأمريكيين الأفارقة وحدهم يستحقون ما يتراوح بين 5.9 تريليون دولار و14.2 تريليون دولار. ومع ذلك فإن تخلف القارة الإفريقية مستمر مع سياسات التجارة الفاسدة والسيطرة على الاقتصاد من الخارج؛ حيث يموت واحد من كل 12 طفلاً في إفريقيا جنوب الصحراء قبل بلوغهم سن الخامسة، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى استمرار تعثر القارة بسبب سياسات “التنمية الغربية“.
ويجادل فرنش بأنه لا شيء أقل من نقل الثروة من العالم المتقدم إلى العالم المتخلف، وإلى أحفاد عهد العبودية والاستعمار، بشكل يمكن أن يداوي الجراح العميقة التي لحقت بهم. لكن العدالة التعويضية الحقيقية ستسمح للعالم النامي ببناء اقتصادات قوية ومستدامة يمكنها القضاء على الفقر العالمي. لن يحتاج أحد إلى العيش بأقل من دولار واحد في اليوم بعد ذلك.
وأخيرًا فإن هذا الكتاب، على أية حال، يتجاوز في تأثيره كتابات تأسيسية سابقة؛ مثل: والتر رودني وعلي مزروعي؛ حيث يقدم هوارد فرنش نظرة أوسع لكيفية ولماذا تم تجاهل تاريخ إفريقيا وشعوبها، كما يبين كيف أن استغلال الأمريكتين ومنطقة البحر الكاريبي أفضى إلى عوائد بيئية أعادت تشكيل العالم بعد ذلك.
يكتب فرنش بأسلوبٍ سَلِس اعتمادًا على خبرته كمراسل صحفي متميز، ويؤكد أن إعادة فهمنا لتاريخ القرون الستة الماضية، وعلى وجه التحديد، الدور المركزي لإفريقيا في جعل كل شيء مألوف لنا اليوم ممكنًا تقريبًا سوف يحتاج إلى وقت طويل.
وسيشمل ذلك إعادة كتابة الدروس المدرسية حول التاريخ، بقدر ما سيتطلب إعادة ابتكار المناهج الجامعية. سوف تكون هناك حاجة إلى مزيد من الوقت والجهد قبل التعويضات، التي أصبحت الآن حقًّا مكتسبًا لإفريقيا والأفارقة، من أجل وضع اللبنات الأولى لنُصُب تذكاريّ جديد؛ تكريمًا لمعاناة ملايين الأفارقة الذين أسهموا في بناء العالم الحديث الذي نعيش فيه اليوم.
[1] Howard W French, 2021. Born in Blackness: Africa, Africans and the Making of the Modern World, 1471 to the Second World War . WW Norton & Co.
[2] – بدأت مجاعة البطاطس الأيرلندية المعروفة أيضًا باسم الجوع العظيم، في عام 1845م عندما دمرت الفطريات معظم محصول البطاطس في ذلك العام. وكانت البطاطس تعد الغذاء الرئيسي للفقراء وقتها، وقد استمرت هذه المجاعة نحو سبع سنوات عجاف. أسفرت مجاعة البطاطس عن وفاة ما يقرب من مليون إيرلندي من الجوع والأمراض الناتجة عن سوء التغذية. كما اضطر نحو مليون شخص آخر إلى مغادرة وطنهم أيرلندا كلاجئين.