بدأت الاستعدادات لانتخابات 2023م تطغى على الأنشطة العامة والمشهد السياسي في نيجيريا؛ إذ سيكمل الرئيس “محمد بخاري” فترة ولايته الثانية والأخيرة في منصبه الرئاسي وسط معركة مستعرة حول مَن يخلفه، وتزايد التأثيرات الاقتصادية الممتدة من تداعيات وباء كورونا وغلاء أسعار السِّلع الأساسية, وعدم استقرار عائدات النفط، بالإضافة إلى تزايد نسبة بطالة الشباب. وهناك حالة من عدم اليقين بشأن التحديات الأمنية التي تبدو مستعصية على الحل.
مواعيد جديدة للانتخابات:
كان المتوقع قبل أواخر فبراير الماضي (2022م) أن تُجرَى الانتخابات الرئاسية في يوم 18 فبراير من عام 2023م, ولكن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (INEC) أكّدت يوم 26 فبراير الماضي (2022م) تلك الإشاعات والشكوك المثارة حول إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في ذلك الموعد؛ فأعلنت عن مواعيد جديدة للانتخابات العامة لعام 2023م في نيجيريا, وهي: 25 فبراير 2023م للانتخابات الرئاسية وانتخابات الجمعية الوطنية, و11 مارس 2023م لانتخابات المحافظين (حكام الولايات) ومجالس الولايات.
وإذا كان رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة أشار في بيان صحفي أن المواعيد الجديدة جاءت بعد توقيع الرئيس “محمد بخاري” على التعديلات على مشروع قانون الانتخابات لعام 2010م؛ إلا أن الرئيس “بخاري” نفسه من أهمّ معارضي بعض البنود الواردة في التعديلات الجديدة لمشروع القانون, رغم أن مشروع القانون قادر على تعزيز الشفافية الانتخابية ودعم اللجنة الانتخابية في اتخاذ القرارات اللازمة وتقليل الفساد وإهدار الأموال العامة مِن قِبَل المترشحين الذين يشغلون مناصب مختلفة في الإدارة الحالية.
مقاومة التعديلات على مشروع قانون الانتخابات:
بالرغم من أن الرئيس “بخاري” وقَّع في فبراير الماضي على التعديلات على مشروع قانون الانتخابات؛ إلا أن حكمًا قضائيًّا صدر خلال الأسبوع الماضي من محكمة فدرالية في مدينة “أومواهيا” عاصمة ولاية “أبيا” جنوب شرق نيجيريا ألغى المادة 84 بند 12 من القانون, وأمر النائب العام للاتحاد بحذفه، وهي خطوة تتوافق مع موقف “بخاري” الذي رفض منذ أن تولى الرئاسة النيجيرية في مايو 2015م بعض بنود التعديلات لمشروع القانون، وأعادها إلى البرلمان خمس مرات مختلفة، ليكون أحد أطول القوانين التي نُوقِشَتْ في تاريخ نيجيريا.
وإذا كان بعض مستشاري الرئاسة النيجيرية ومعاوني “بخاري” قد أشاروا مؤخرًا إلى أنهم سينفّذون طلب المحكمة بحذف المادة 84 بند 12 من القانون, فقد استغرب قادة المجتمع المدني والمجموعات الشبابية من موقف “بخاري” المتردد تجاه القانون الذي سيعزّز عملية الانتخابات، ويدفع الحوكمة قُدُمًا، ويسهم في محاربة الفساد, خاصةً وأن “بخاري” نفسه خاض حملته الانتخابية الناجحة في عام 2015م بصفته سياسيًّا معاديًّا للفساد.
وأثناء رفضه المتكرر للقانون طلب الرئيس “بخاري” إجراء تعديلات في بعض بنودها, ثم رفض ذات القانون تارة أخرى على أساس وجود أخطاء نحوية فيها. وفي ديسمبر الماضي (2021م) طلب من البرلمان إزالة القيود التي تفرض على الأحزاب السياسية إجراء انتخابات أولية مباشرة (بدلاً من اختيار المرشحين المفضلين لقادة الأحزاب الأكثر قوةً ونفوذًا). وكان المُشرّعون في مراوغاتهم مع الرئيس “بخاري” تنازلوا مرارًا عن بعض ما تضمّنته التعديلات، وخضعوا لإرادة “بخاري” حتى عندما أدخلوا على مشروع القانون البنود التي تمنع من التلاعب بالعملية الانتخابية.
جدير بالذكر أن القانون الجديد يمنح المفوضية المستقلة للانتخابات (INEC) سلطات إضافية لاتخاذ القرار، ويُمهّد الطريق أمام تخصيص التمويل المبكّر للمفوضية لتجنُّب التأخيرات الفنية واللوجستية المحرجة التي شهدتها الانتخابات الأخيرة في عام 2019م, ما أجبر بعض الناخبين على الامتناع عن الإدلاء بأصواتهم.
يضاف إلى ما سبق أن مشروع القانون يقدّم دعمًا قانونيًّا لاستخدام الأدوات والوسائل التكنولوجية الجديدة لتسهيل عملية التصويت, مثل قارئات البطاقات الإلكترونية، وتجميع النتائج ونقلها إلكترونيًّا، وهي نقطة شائكة لبعض السياسيين الذين قالوا: إن حالة أنظمة الاتصالات في البلاد ستُعِيق اعتماد عملية التصويت على الوسائل التكنولوجية. هذا رغم أن مجموعات شبابية وأعضاء المجتمع المدني أشادوا بإدخال الوسائل الإلكترونية مثل أجهزة قراءة البطاقات وغيرها؛ لأنها ستُعزّز الشفافية، وتُقلِّل حوادث التزوير.
ومع ذلك أدَّى استخدام الأجهزة الإلكترونية لأول مرة في الانتخابات العامة في عام 2015م إلى نقاشات حادة أمام المحاكم؛ نظرًا لأن الأجهزة كانت تفتقر إلى الدعم القانوني، مما أثار الشكوك في قبول البيانات الإلكترونية.
وبالرغم من أن بعض بنود مشروع القانون الجديد محل رفض لدى الرئاسة النيجيرية؛ فإن اعتمادها والتوقيع عليها مِن قِبَل الرئيس “بخاري” يعني أن القانون في مُجْمَله قد دخل حيّز التنفيذ منذ فبراير الماضي (2022م)، وأن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة قادرة على تجربة فاعلية القانون في يوليو من العام الجاري عندما ستجري الولايتان “أوسون” و”إكيتي” (جنوب غرب نيجيريا) انتخابات لاختيار حاكم جديد.
صراعات داخلية على خليفة “بخاري”:
لا يمكن تجاهل التوترات بين النُّخبة الحاكمة من جميع أقاليم نيجيريا والصراعات الداخلية في الأحزاب الرئيسية, بما في ذلك أزمة حزب “مؤتمر الجميع التقدميين النيجيري” (APC) الحاكم؛ والتي بلغت ذروتها خلال الأسبوعين الماضيين عندما ظهر فريقان مختلفان يدّعي كلّ واحد منهما أحقيَّة شخص معيَّن برئاسة الحزب، ويحشدان أعضاء الحزب لفرض السيطرة على الحزب، رغم أنف قرار الرئيس “بخاري” والشخص المفضَّل لديه.
وهناك اندفاع من بعض السياسيين القدماء والشخصيات المشهورة؛ ممَّا قد يتحوَّل إلى موسم حملة مشحون. وفي “حزب الشعب الديمقراطي” (PDP) المعارض الرئيسي يؤكد المقربون من السياسي المخضرم ونائب الرئيس النيجيري السابق “أتيكو أبو بكر” احتمال ترشُّحه مرة أخرى لرئاسيات 2023م. وقد كانت مساعيه غير المعلنة لتأمين ولاء بعض أعضاء الحزب أدَّت إلى صراع بينه وبين “نيسوم وايكي” حاكم ولاية “ريفرز” وهو قيادي مؤثر في الحزب، ويعارض ترشح “أتيكو” لرئاسيات 2023م من خلال الحزب.
مؤشرات من عام 2022م:
لا شكّ أن انتخابات الولايتين التي ستُجْرَى في يونيو القادم (2022م) ستكشف عما يمكن أن تكون عليه انتخابات 2023م وتوقعاتها؛ إذ ستقع الانتخابات الأولى في ولاية “إكيتي” التي يحكمها الحاكم الحالي “كايودي فايمي” العضو في حزب APC الحاكم، والمنتمي إلى تجمع يوروبا بجنوب نيجيريا. وقد انتشرت إشاعات بشأن طمعه في خوض المنافسة الرئاسية.
وبالرغم من صعوبة نجاح “فاييني” في تأمين ترشيح حزب APC لخوضه سباق المنصب الرئاسي النيجيري عن الحزب؛ إلا أنه قد يستخدم منصبه كحاكم ولاية “إيكيتي” في تعزيز فرص أحد الموالين له كي يفوز بحكم الولاية, الأمر الذي سيعزّز قاعدته الشعبية في حزب APC الحاكم في حال إعلان نية ترشحه.
وأما الانتخابات الثانية, فستكون في يوليو من عام 2022م في ولاية “أوسون”؛ حيث يسعى Adegboyega Oyetola شاغل منصب حاكم الولاية إلى فترة ولاية ثانية وأخيرة. وقد أظهرت الأزمة السياسية الأخيرة أن صداقته مع الزعيم المؤثر “بولا أحمد تينوبو” في حزب APC الحاكم تلعب لصالحه. بل ويمكن القول بأن إعادة انتخاب “Oyetola” حاكمًا للولاية مهمة سهلة, وفي المقابل يعمل “Oyetola” بمثابة وكيل جيد لقبضة “أحمد تينوبو” الذي أعلن نيته عن خوض السباق الرئاسي وطموحاته في أن يخلف “بخاري” من خلال ترشيح حزب APC الحاكم له. وقد يحتدم التنافس لتأمين تذكرة حزب APC في جنوب غرب نيجيريا بسبب الإشاعات المتداولة عن أن نائب الرئيس النيجيري الحالي “ييمي أوسيبانجو” ينوي الترشح للرئاسة تحت راية الحزب بغض النظر عن ترشح مرشده الزعيم “أحمد تينوبو”.
وهناك تطورات جديدة في الشمال حيث بدأ السياسيون يعيدون تشكيل تحالفاتهم واختبار قوتهم داخل أحزابهم السياسية؛ فمنهم من كان اهتمامه الأساسي أن يكون رئيس حزب سياسي رئيسي؛ نظرًا للنفوذ الذي تمنحه رئاسة الحزب في اختيار المرشحين، وتحديد مستقبلهم السياسي, وآخرون منهم يتواصلون مع أصحاب النفوذ والمرشحين المحتملين ليكونوا نوّابهم وشركاءهم في السباق السياسي.
جدير بالذكر أنه بالرغم من دعوات البعض إلى أن يكون رئيس نيجيريا القادم من إثنية الإيبو بجنوب شرق نيجيريا كي يحلّ السلام وتنتهي أزمة بيافرا الانفصالية وعمليات الهجوم على منشآت النفط؛ إلا أن جميع المؤشرات حتى الآن تؤكد أن الرئيس القادم قد يكون من جنوب غرب نيجيريا، وأن نائبه قد يكون من شمال البلاد.
وقد كان من بين الشخصيات المهمة التي أعلنت نيتها لخوض سباق 2023م: “أحمد تينوبو” من لاغوس؛ والذي يبدو كالشخصية المفضلة لدى العديد من حكام الولايات ومعظم النواب والمشرعين الأعضاء في حزب APC. وهناك “أتيكو أبوبكر” من PDP الذي فشلت جميع محاولاته السابقة ليكون رئيس نيجيريا.
ويأمل العديد من الزعماء الشماليين من كلا الحزبين (APC وPDP) في اختبار حظوظهم، أمثال “ناصر الرفاعي” حاكم ولاية كادونا, و”أمينو تامبوال” حاكم ولاية “سوكوتو” من حزب PDP المعارض. و”بوكولا سراكي” الذي شغل منصب رئيس مجلس الشيوخ السابق من 2015م إلى 2019م. و”يحيى بيلو” أصغر حاكم ولايةٍ في نيجيريا، والذي يحكم ولاية “كوغي”.
أمَّا في جنوب الشرق فهناك “أنيم بيوس أنيم” الذي شغل منصب رئيس مجلس الشيوخ من عام 2000م إلى عام 2003م. و”أورجي أوزور كالو” المنسّق العام للكتلة النيابية لمجلس الشيوخ النيجيري الحالي. و”روشاس أوكوروتشا” الحاكم السابق لولاية “إيمو”.
تغيير الحراس القدماء؟
إن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والتحديات الأمنية وارتفاع نِسَب البطالة بين الشباب وإضراب موظفي الجامعات والمظاهرات الشبابية الأخيرة مثل #EndSARS؛ كلها أدَّى إلى تطلع البعض إلى أن ينهض جيل الشباب الجديد، ويحل محل السياسيين القدماء الذين يبدو وكأن غايتهم إثراء أنفسهم وأعضاء حزبهم دون المبالاة بمعاناة المواطنين البسطاء.
وإذا كانت الساحة السياسية تشهد ارتفاع شعبية مجموعة من الوجوه الجديدة المتنافسة -أمثال حاكم ولاية بورنو “باباغانا زولوم” (52 عامًا), أو وزير النقل “روتيمي أمايتشي” (56 عامًا)، وحاكم ولاية إكيتي “كايودي فايمي” (56 عامًا), والوزير الفيدرالي للأشغال والإسكان “باباتوندي فاشولا” (58 عامًا), أو حاكم ولاية ريفرز “نيسوم وايكي” (58 عامًا). ومع ذلك لا تزال طبيعة السياسة النيجيرية تثبت أقدام النخبة القديمة وبقاء الوجوه المعتادة رغم الحملات التي تشجع انخراط الشباب في العملية السياسية مثل #nottooyoungtorun.
يذكر أن السمة البارزة في رئاسيات 2019م الأخيرة: ظهور إمكانات كبيرة للأحزاب السياسية الشبابية, الأمر الذي جعل المنظّرين السياسيين يطلقون عليهم “القوة الثالثة”. ولكنَّ التحديات في استراتيجية مرشحي هذه الأحزاب للتعامل مع القضايا الحساسة التي تقسم البلاد إلى أعراق وأديان, وصعوبة حشد الدعم بعيدًا عن النظرة الانتمائية. بالإضافة إلى أنهم لم يحصلوا على أيّ دعم حقيقي من النخبة أو الحراس القدماء الذين لا يستعدون بعد لمغادرة الساحة السياسية.
وقد شهدت الأسابيع الماضية تحركات وبيانات مختلفة من خيرة العقول الشابة بشأن خوض السباق الرئاسي. ومن ضمن المعلنين من خاضوا سباق رئاسيات 2019م الأخيرة, أمثال “أوموييلي سووري” الناشط الحقوقي وناشر “صحارا ريبورترز”، و “كينغسلي موغالو” الذي أعلن عن قراره بمتابعة طموحاته الرئاسية تحت راية حزب “المؤتمر الديمقراطي الإفريقي” (ADC). ووجوه جديدة مثل “خديجة أوكونو-لاميدي” التي تُعتبر حتى الآن المرشحة الأولى والوحيدة لمنصب الرئاسة في الانتخابات القادمة لعام 2023م.
ومهما يكن, فإن لانتهاء حكم الرئيس “بخاري” رمزية كبيرة؛ إذ يبدو كأنه سيكون آخر جيل الجنرالات المخضرمين الذين هيمنوا على نيجيريا لمدة نصف قرن. وعليه ستكون المهمة الرمزية الأخيرة التي ينتظرها النيجيريون منه تنظيم انتخابات شفَّافة ونزيهة مثل سلفه “غودلاك جوناثان”, وتهيئة إدارته وفريقه للتعامل مع الأعراض التي ستظهر خلال الأشهر المقبلة قبل إجراء الانتخابات نتيجة صراعات النُّخبة والقوى السياسية التي تَعتبر السياسة والفوز بالانتخابات مسألة حياة أو موت.
___________________________
– للمزيد:
Electoral Act 2022: Buhari wins as court voids section 84 (12): https://guardian.ng/news/electoral-act-2022-buhari-wins-as-court-voids-section-84-12/
Analysis: Can Nigeria’s new electoral law inspire a new era?: https://www.aljazeera.com/features/2022م/3/2/analysis-new-nigerian-electoral-law-inspires-hope-for-fair-polls
Who’s Running for Nigeria’s Presidency in 2023?: https://republic.com.ng/news/candidates-nigerian-presidency/
High stakes as Nigeria prepares for elections 2023: https://issafrica.org/iss-today/high-stakes-as-nigeria-prepares-for-elections-2023
Nigeria 2023: Who will succeed President Buhari?: https://www.theafricareport.com/170632/nigeria-2023م-who-will-succeed-president-buhari/
الانتخابات النيجيرية 2023م