تثير حالة الزخم الراهنة والمتنامية في منطقة الساحل الافريقي تساؤلات مهمة بشأن المسارات المحتملة لخريطة التوازنات والنفوذ في المنطقة؛ حيث تعكس هذه الديناميكيات وجود ترتيبات جديدة في طور التشكيل ستسهم في إعادة هيكلة موازين القوى هناك. وفي هذا الصدد يمثل التنافس الروسي- الفرنسي في الساحل أحد أبرز ملامح خريطة التوازنات والنفوذ الجديدة، خاصةً في ظل تنامي الحضور الروسي في المنطقة واتساع رقعة انتشارها. ومن ثَم تسعى هذه الورقة لقراءة تحليلية في أبعاد ودلالات هذا التنافس، بالتركيز على حالتي مالي وتشاد؛ وذلك نظرًا للتطورات المتلاحقة في الملفين، والتي جعلتهما يمثلان الساحة الأحدث لصراعات الهيمنة والنفوذ.
توظيف فاغنر:
لطالما أشارت التقارير الغربية إلى التصاعد المطرد في النفوذ الروسي في القارة الإفريقي خلال السنوات الأخيرة، وذلك عبر بوابة صفقات التسليح لدول القارة، حتى باتت الأخيرة تمثل أحد أبرز الأسواق أمام الأسلحة الروسية، وأضحت موسكو تمثل المورد الأكبر لصفقات التسليح التي تدخل إفريقيا.
لكن، بدأت روسيا خلال الفترة الأخيرة في العمل على تعزيز نفوذها في القارة السمراء عبر الآليات غير الرسمية، والتي ارتكزت بالأساس في الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة والقريبة من الكرملين، وفي الواقع أصبح هذا النوع من الشركات يمثل أداة فاعلة في تنفيذ أهداف القوى الدولية ومصالحها الجيواستراتيجية في مناطق الصراع على النفوذ، ونظرًا لكون إفريقيا تمثل أحد أبرز ساحات التنافس الدولي والإقليمي، لذا فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا في دور هذه الشركات وتزايد نفوذها على المستويات كافة.([1])
وتأتي شركة فاغنر Wagner في مقدمة هذه الشركات التي تمثل أحد أهم الأذرع التي يعتمد عليها الكرملين في تعزيز الدور الروسي في السياق الإقليمي، ولعل نشأة هذه الشركة يرتبط بشكل رئيسي بخدمة الاستراتيجية الروسية في بعض مناطق نفوذها؛ حيث تم تأسيس فاغنر في عام 2013م من خلال ضابط الاستخبارات الروسي السابق “ديمتري أوتكين” Dmitry Utkin، بيد أن الشركة تعد مملوكة لرجل الأعمال الروسي “يفغيني بريغوجين” Yevgeny Prigozhin (المعروف بطباخ بوتن).([2])
وبالفعل، نجحت شركة فاغنر الروسية في الانخراط في العديد من الدول الإفريقية، لعل أبرزها إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وموزمبيق، والسودان.([3])
وبينما تشير بعض التقديرات إلى وجود مرتزقة فاغنر في عشر دول إفريقية، بيد أن ثمة تحليلات أخرى رجَّحت وجود الشركة في أكثر من 20 دولة إفريقية، إلا أن درجة هذا الانخراط تتباين من دولة لأخرى، سواء من حيث حجم الانتشار على الأرض أو مستوى الانخراط وطبيعته، ففي حين تشهد كل من مدغشقر وإفريقيا الوسطى والسودان أعلى مستويات تغلغل شركة فاغنر الروسية، فثمة مستوى آخر أدنى نسبيًّا لهذا التغلغل يتمثل في حالة ليبيا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي، ثم درجة أقل في جنوب السودان، ويليها كل من تشاد والكونغو الديموقراطية وزامبيا وغيرها من الدول التي لا تزال تشهد دورًا محدودًا لشركة فاغنر.([4])
إلا أن الملاحظ هو اتساع رقعة انتشار الشركة الروسية بشكل مستمر في دول القارة الإفريقية، وحتى وإن كان هذا الانتشار لا يزال محدودًا في بعض الحالات، لكنه يبقى نواة تبني عليها موسكو لتعزيز نفوذها مستقبلا، خاصةً في ظل الطبيعة الخاصة لدول القارة السمراء، والتي فرضت أولوية للأبعاد الأمنية والعسكرية، وهو الأمر الذي تعتمد عليها روسيا في تعزيز نفوذها هناك.
حالة مالي والفصل الجديد في الانخراط:
ظلت مالي خلال السنوات الأخيرة تمثل واحدةً من الحالات التي تشهد انخراطًا محدودًا لشركة فاغنر الروسية، ولعل هذا الأمر يبقى منطقيًّا في ظل الوجود الفرنسي المكثف خلال السنوات الماضية في منطقة الساحل والصحراء، فضلًا عما تمثله مالي من أهمية خاصة لنفوذ باريس في المنطقة، وفي هذا الصدد بدأت فاغنر تتحسس خطاها للتغلغل في باماكو في 2019م في إطار اتفاقية تعاون أمني مع الحكومة المالية لمكافحة عناصر “المرابطون” التابعة لتنظيم داعش، بيد أن النفوذ الفرنسي المتنامي هناك حال دون تصاعد الدور الروسي عبر شركة فاغنر.
لكن، في أعقاب الإنقلاب العسكري الذي شهدته مالي في أغسطس 2020م، بدأت مؤشرات تصاعد النفوذ الروسي تتصاعد، وقد تجسد إرهاصات هذا الأمر في التظاهرات التي شهدتها باماكو خلال هذه الفترة، والتي كانت تظهر الدعم لخطوة الانقلاب، فقد شهدت هذه التجمعات رفع شعارات داعمة لموسكو والرئيس الروسي “فلاديمير بوتن”، فضلًا عن رفع البعض للأعلام الروسية، وفي هذا الصدد، حتى وإن كانت بعض التقارير قد فسرت هذه المتغيرات باعتبارها رفضًا شعبيًّا للنفوذ الفرنسي في مالي ومعاقبتها بدعم روسيا، بيد أنه في المجمل لا يمكن التقليل من الدلالات التي تحملها هذه الأحداث من استعداد مالي (شعبي وقيادي) للتقارب مع الكرملين.
التطورات المستجدة:
على الرغم من المعطيات السابقة، إلا أن النفوذ الروسي في مالي ظل محصورًا بسبب الوجود الفرنسي، لكن مع إعلان الأخيرة استعدادها لتقليص انخراطها في منطقة الساحل الإفريقي، عزز ذلك من التخوفات الإفريقية بشأن احتمالات تخلي الغرب عن دعمهم في أيّ وقت، وهو ما شجع مزيدًا من الدول إلى بحث إمكانية التقارب مع موسكو كبديل أكثر موثوقية، الأمر الذي عمدت روسيا لاستغلاله عبر توظيف أدواتها غير الرسمية (متمثلة في فاغنر) لخلخلة النفوذ الفرنسي –المتراجع بالفعل- في المنطقة، خاصةً في ظل التراجع الذي هيمن على العلاقات بين فرنسا والمجلس العسكري في مالي خلال الفترة الأخيرة، خاصةً منذ الإطاحة بالرئيس “أبو بكر كيتا” في أغسطس 2020م، وهو ما دفع باماكو لتعزيز اتصالاتها مع الكرملين.
وفي هذا الصدد، نشرت وكالة “رويترز” أن ثمة اتفاقًا وشيكًا بين الحكومة المالية وروسيا سيتم بمقتضاه نشر نحو ألف من مرتزقة فاغنر في باماكو؛ حيث يفترض أن تساهم هذه العناصر في مكافحة الجماعات الإرهابية، وتقديم التدريب للجيش المالي، فضلًا عن توفير الأمن والحماية لبعض المسئولين في البلاد، وفي المقابل تحصل فاغنر على 6 مليارات فرنك إفريقي (10.8 مليون دولار) شهريًّا مقابل هذه الخدمات، وهو خطوة ستعزز كثيرًا النفوذ الروسي في مالي.([5]) وقد أقرت باماكو بدخولها في مفاوضات مع الشركة الروسية، لكنها ألمحت إلى أنها لم تقم حتى الآن بالتوقيع على الاتفاق.
قلق فرنسي وتعليق ألماني:
أثار التقارب الأخير بين السلطات المالية وشركة الأمن الروسية قلقًا فرنسيًّا متناميًا، باعتبار أن هذه الخطوة ستعزز من المساعي الروسية في تعزيز نفوذها ومكانتها الدولية، وأن هذا الاتفاق – حال إتمامه- سيسهم في زعزعة “ديناميكيات القوى القائمة في المنطقة”؛ حيث أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورانس بارلي” أنه إذا ما فعَّلت باماكو للعقد المبرم مع شركة فاغنر الروسية؛ فإن ذلك سيكون متناقضًا للجهود التي قامت بها باريس خلال السنوات الماضية ومساعيها لدعم دول الساحل الإفريقي، وهو الأمر الذي أكد عليه أيضًا وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان”، والذي أشار إلى أن أيّ اتفاق بين باماكو وشركة فاغنر يمكن أن يهدد بقاء القوات الفرنسية هناك. بل أشارت عدة تقارير إلى وجود تحركات فرنسية مكثفة للضغط على المجلس العسكري في باماكو للحيلولة دون إتمام الاتفاق مع فاغنر، وقد تضمنت هذه التحركات حملة دبلوماسية بدأتها باريس لمنع تفعيل الاتفاقية؛ حيث انطوت على محاولة الحكومة الفرنسية الاستعانة بشركائها (بما في ذلك الولايات المتحدة) لإقناع المجلس العسكري في مالي للإقلاع عن هذه الفكرة، وفي هذا الإطار رجحت هذه التقارير احتمالية دفع باريس بدبلوماسيين كبار للبدء في مفاوضات مع موسكو وباماكو.([6])
كذلك، حذرت “أنغيريت كرامب كارينباور” وزيرة الدفاع الألمانية في الـ15 من سبتمبر الجاري من أي اتفاق بين الحكومة المالية (متمثلة في المجلس العسكري الحاكم) وشركة فاغنر الروسية، معتبرة أن المضي قدمًا في هذه الخطوة سيدفع برلين إلى إعادة النظر في مشاركة الجيش الألماني في باماكو.([7])
مقتل زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى كدعاية فرنسية:
أعلن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في 15 سبتمبر الجاري عن مقتل زعيم تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” “عدنان أبو الوليد الصحراوي”(اسمه الحقيقي لحبيب ولد علي ولد سعيد)، والذي ينتمي إلى مدينة (العيون) الواقعة في الصحراء الغربية؛ حيث انضم إلى جبهة البوليساريو، قبل أن ينتقل إلى مالي في عام 2010م لينخرط في كتيبة “طارق بن زياد” التابعة لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ثم أسس بعد ذلك – بمشاركة آخرين- حركة “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، والتي شكلت فيما بعد نواة أساسية في تشكيل جماعة “المرابطون” في عام 2013م والتي بايعت تنظيم “القاعدة”.
بيد أن “عدنان الصحراوي” ما لبس أن انشق وأعلن عن مبايعته لتنظيم داعش في 2015م، معلنًا عن تأسيس تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”، والتي ركزت هجماتها على منطقة الحدود الثلاثة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كما عمدت إلى استهداف القوات العسكرية لبلدان منطقة الساحل التي ينشط فيها، والقوات الأممية والفرنسية والأمريكية في المنطقة، للدرجة التي جعلت واشنطن تدرج “الصحراوي” على اللائحة السوداء للإرهاب في 2018م قبل أن تعلن عن مكافأة بلغت 5 ملايين دولار لأيّ معلومات عن موقعه.[8] كما أن فرنسا كانت قد اعتبرته عدوًّا من الدرجة الأولى، وذلك منذ مطلع 2020م في قمة “بو”.[9]
وبغض النظر عن التداعيات المحتملة لمقتل “عدنان أبو الوليد الصحراوي” على نشاط تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”، بين من يرى بأن “تحييد” قائدها سيتمخض عنه ارتباكات داخل التنظيم ينتج عنه تراجع معدل الأعمال التي يقوم بها، وذلك بسبب الخلافات المتوقعة بين عناصره بشأن اختيار القيادة الجديدة للتنظيم، فضلًا عن احتمالية حدوث انشقاقات داخلية.([10])
بيد أن ثمة اتجاهًا آخر يرجّح فكرة أن المرونة والديناميكية التي يتمتع بها التنظيم ستُمكّنه من تجاوز خسارته بشكل سريع، ويعزز أنصار هذا الرأي طرحهم من خلال الاستدلال بعدة نماذج لتنظيمات أخرى في القارة الإفريقية خسرت قيادتها دون أن تتعرض لتصدعات داخلية تؤثر على وتيرة أعمالها خاصةً في ظل طبيعة البيئة الإفريقية التي تمثل حاضنة مثالية للنشاط الإرهابي.([11])
لكن، يمكن الإشارة هنا إلى أهمية توقيت هذه العملية بالنسبة لفرنسا، في إطار مساعي باريس للترويج لبعض نجاحاتها في منطقة الساحل وقدرتها على تصفية قيادات تمثل أهدافًا حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصةً في ظل تصاعد الضغط الداخلي والخارجي على إدارة الرئيس “ماكرون”؛ بسبب فشل الاستراتيجية الفرنسية في وقف تمدّد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل والصحراء، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي للإعلان عن تقليص حجم الانخراط الفرنسي في المنطقة من خلال تخفيض عدد القوات الفرنسية المشاركة من حوالي 5100 جندي إلى (2500- 3000) جندي، مع الاستعداد لإنهاء عملية “برخان”، وانضمام القوات الفرنسية المتبقية في ظل القوى الأوروبية المشتركة.
ما الموقف في تشاد؟
في الواقع، ظلت تشاد قريبة من فرنسا خلال السنوات الماضية (باعتبارها مستعمرة فرنسية سابقة)، ولعل هذا ما يفسر الدعم الفرنسي لتولي “محمد إدريس ديبي” رئاسة المجلس العسكري الانتقالي في تشاد بعد مقتل والده في أبريل الماضي، لكنها فقط طالبته بضرورة ألا تتعدى المرحلة الانتقالية 18 شهرًا.([12])
وذلك على النقيض من الموقف الفرنسي إزاء الإنقلاب الأخير في مالي بقيادة العقيد “عاصمي غويتا” في مايو الماضي؛ حيث أعلن الرئيس الفرنسي “ماكرون” رفض الحكومة الفرنسية لما أسماه “انقلاب داخل انقلاب”، مُلمّحًا إلى احتمالية فرض عقوبات على بعض الأطراف في باماكو، فضلًا عن إشارة وزير الخارجية الفرنسي “جان لودريان” إلى أنه يجب على مجلس الأمن الدولي اتخاذ إجراءات صارمة.([13])
وبالعودة إلى تشاد، فقد أشارت بعض التقارير إلى وجود درجة من التوتر في العلاقة بين باريس والمجلس العسكري الانتقالي في نجامينا، مع تحذير طرحته وكالة “بلومبيرغ” من تنامي احتمالية أن تنتهج السلطات التشادية الحالية المسار ذاته الذي تتبعه مالي في الوقت الراهن، وفي هذا الصدد يشير أنصار هذا الرأي إلى إعلان تشاد عن سحبها لنصف عدد قواتها من المشاركة في إطار دول الساحل الخمس المتحالفة مع فرنسا باعتباره داعمًا لطرحهم.
وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى وجود عدة تقارير دولية (منها تقرير للأمم المتحدة في فبراير 2021م) ألمحت إلى دور روسي في دعم جبهة “التغيير والوفاق” التشادية؛ حيث أشارت هذه التقارير إلى أن عناصر هذه الجبهة تلقت تدريبات على يد “فاغنر الروسية” في ليبيا، قبل أن تشرع في عمليتها التي أسفرت عن مقتل الرئيس التشادي السابق “إدريس ديبي” في أبريل الماضي.([14]) وربما يمكن تفسير هذه الأمر في ظل الموقف المعادي لموسكو الذي كان يتبناه الرئيس السابق “ديبي”.
تحركات تشادية:
يبدو أن هناك تحركات تشادية راهنة لتعزيز سلطة المجلس العسكري الانتقالي بقيادة “محمد إدريس ديبي” للحيلولة دون تكرار سيناريو “ديبي” الأب مرة أخرى، ومن ثَم عمدت السلطات التشادية خلال الفترة الماضية على الانفتاح على الجماعات المسلحة المعارضة له، وذلك عبر الدعوة للمشاركة في حوار وطني شامل، بما في ذلك “جهة التغيير والوفاق”.
كذلك، قام “محمد إدريس ديبي” بزيارة رسمية إلى قطر في ١٢ سبتمبر الجاري؛ حيث رجحت بعض التقارير أن هذه الزيارة ربما تستهدف انخراطًا مِن قِبَل الدوحة للوساطة بين السلطات التشادية والمجموعات المتمردة المسلحة، خاصةً وأن قطر تستضيف أحد أبرز قادة هذه المجموعات (تحت الإقامة الجبرية)، وهو “تيمان ارديمي” (ابن عم محمد ديبي) قائد “اتحاد قوى المقاومة” (تحالف لعدة فصائل تشادية متمردة)، وقد أشارت بعض التقارير إلى احتمالات أن تكون زيارة “ديبي” إلى الدوحة قد شهدت لقاءً مع ابن عمه “أرديمي”.([15])
من ناحية أخرى، شهدت زيارة رئيس المجلس العسكري إلى قطر لقاءً جمعه بوزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” (الذي كان يزور قطر في التوقيت ذاته)؛ حيث يبدو أن فرنسا سعت من خلال هذا اللقاء لمحاولة إبعاد السلطات التشادية عن أيّ تقارب محتمل مع روسيا، فضلًا عن التفاوض بشأن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها نجامينا بتقليص عدد قواتها المشاركة في مجموعة دول الساحل إلى النصف.
مواجهات مرتقبة:
وفي إطار المعطيات الراهنة، تبدو وتيرة الانخراط الروسي في منطقة الساحل الإفريقي في تزايد مستمر، بيد أن موسكو لا تزال تنكر أي وجود رسمي لها أو أيّ صلة مباشرة بمجموعة فاغنر، وهو الأمر الذي أضحى يمثل آلية حيوية لتحركات الكرملين غير المقيدة في الساحة الإفريقية، حتى باتت موسكو تمثل تهديدًا كبيرًا للدور الفرنسي في المنطقة، والتي لطالما بقيت مناطق نفوذ خالصة لباريس، ولعل هذا ما يتجلَّى في التصريحات الفرنسية المتكررة التي تعكس قلقًا فرنسيًّا متناميًا.
ويزداد قلق الإليزيه بسبب التراجع الملحوظ للدور الأمريكي في المنطقة، مع اتجاه واشنطن لتقليص انخراطها في مناطق التوتر، وهو الأمر الذي يزيد من الضغط على باريس خاصةً في ظل عدم حماسة القوى الأوروبية الأخرى على زيادة مشاركتها في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، بيد أن الحكومة الفرنسية لا تزال تسعى لإقناع شركائها الأوروبين بتعزيز دورهم في المنطقة من خلال عملية “تاكوبا” لسد الطريق أمام تنامي الدور الروسي، وكذا ثمة محاولات فرنسية حثيثة للحصول على مساعدة بعض الفواعل الإقليمية للمشاركة في عمليات حفظ الأمن في الساحل الإفريقي.
في النهاية:
تعكس المتغيرات الراهنة في منطقة الساحل الإفريقي عن وجود خريطة توازنات جديدة يتم هيكلتها في الوقت الراهن، تتسم هذه الخريطة بوجود دور روسيّ متصاعد في المنطقة، وفي هذا الصدد تأتي مالي وتشاد لتمثل نقطة ارتكاز جديدة للنفوذ الروسي المتنامي؛ حيث تعكس المؤشرات الراهنة وجود زيادة مطردة في وتيرة التعاون العسكري بين موسكو والسلطات الحالية في مالي، وهو ما تجسّد في زيارة وزير الدفاع المالي إلى روسيا مطلع الشهر الجاري، وحضوره لتدريبات مشتركة بين البلدين، وبينما لا تزال حالة تشاد أقل في وتيرة التقارب مع موسكو، بيد أن غالبية التقديرات ترجح –بناء على المؤشرات الراهنة- اتجاه العلاقات بين الكرملين والسلطات الحالية في نجامينا للتصاعد.
[1] – أحمد عسكر، تنامي وجود ودور الشركات الأمنية الخاصة في إفريقيا: شركة “فاغنر” الروسية نموذجًا، مركز الإمارات للسياسات، 7 يونيو 2020م، متاح على الرابط التالي:
[2] – المرجع السابق.
[3] – رامي عاشور، دور شركة فاغنر في الصراعات في دول إفريقيا جنوب الصحراء، قراءات إفريقية، 3 أغسطس 2021م، متاح على الرابط التالي:
[4] – أحمد عسكر، مرجع سابق.
[5] John Irish and David Lewis, EXCLUSIVE Deal allowing Russian mercenaries into Mali is close – sources, Reuters, September 13, 2021, availableon: https://reut.rs/2Z9QfaS
[6] John Irish and David Lewis, EXCLUSIVE Deal allowing Russian mercenaries into Mali is close – sources, Reuters, September 13, 2021, availableon: https://reut.rs/2Z9QfaS
– [7] ألمانيا: أي اتفاق بين مالي ومجموعة “فاغنر” قد يعيد النظر في مهمة الجيش الألماني، مونت كارلو الدولية، 15 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[8] – تقى النجار، دلالات مقتل زعيم تنظيم داعش الصحراء الكبرى، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 16 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[9] – ماكرون يعلن مقتل قائد تنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” بعملية للجيش الفرنسي، يورونيوز، 16 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[10] – أسماء دياب، كيف ينعكس مقتل “الصحراوي” على الإرهاب في الغرب الإفريقي، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 18 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي: https://rcssegypt.com/5419
[11] – تقى النجار، مرجع سابق.
[12] – رئيس المجلس العسكري في تشاد يزور قطر طلبًا للدعم، فرانس 24، 14 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[13] – “انقلاب في الانقلاب”: ما الذي يحدث في مالي؟، DW الألمانية، 25 مايو 2021م، متاح على الرابط التالي:
[14] – حمدي بشير، تنامي الدور الروسي في منطقة الساحل والصحراء: المؤشرات والسيناريوهات، مركز الإمارات للسياسات، 14 يونيو 2021م، متاح على الرابط التالي:
[15] – رئيس المجلس العسكري في تشاد يزور قطر طلبًا للدعم، فرانس 24، 14 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/2XF0Z0j