شهد الداخل الصومالي تصاعد حدَّة التوتر بين الرئيس “محمد عبد الله فرماجو” (المنتهية ولايته) ورئيس الوزراء “حسين روبلي”، وهو ما قد يؤدي إلى انزلاق البلاد لبؤرة الصراعات المسلحة مرة أخرى، خاصةً وأن الأزمة الحالية نشبت بين عناصر السلطة الحاكمة في مقديشيو.
قلق دولي متصاعد:
على ضوء هذه الأزمة عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا طارئًا (مغلقًا)، بناء على طلب تقدمت به بريطانيا؛ لبحث الأوضاع المتفاقمة في مقديشيو، والتي باتت تهدّد مكتسبات الشركاء الدوليين هناك خلال السنوات الماضية؛ حيث أضحت هذه الأزمات المتفاقمة تهدّد إجراء الانتخابات المقبلة والمزمع إقامتها في الـ10 من أكتوبر المقبل وفقًا للخطة المعلنة، فضلًا عمَّا تمثله هذه المتغيرات من إنذار باحتمالية عودة الصراعات المسلَّحة في مقديشيو.
ووفقًا للبيان الصادر عن مجلس الأمن، والذي جاء في أعقاب الاجتماع الأخير؛ فقد أعلن أعضاء المجلس عن قلقهم البالغ إزاء التطورات الراهنة التي يشهدها الداخل الصومالي، والأزمة السياسية المتفاقمة بين الرئيس ورئيس الوزراء والتداعيات السلبية المحتملة لهذا الأمر على العملية الانتخابية وجدولها الزمني، وقد دعا المجلس -في بيانه- الأطراف الصومالية إلى ضرورة ضبط النفس وحفظ الأمن والاستقرار في البلاد، والعودة للحوار، والعمل على التحضير لإجراء انتخابات شاملة وذات مصداقية.([1])
كذلك، دعت الولايات المتحدة في الـ20 من سبتمبر الجاري إلى ضرورة حلحلة الخلافات بين الرئيس الصومالي ورئيس وزرائه؛ للحيلولة دون تأجيل الانتخابات عن الموعد المقرَّر لها في الـ10 من أكتوبر المقبل، وقد جاء ذلك في بيان للخارجية الأمريكية أصدره متحدثها الرسمي “نيد برايس”، مشيرًا إلى أن الخلافات الراهنة بين الرئاسة الصومالية والحكومة يجب حلُّها فورًا، وبشكل سلمي؛ لتجنُّب التعقيدات التي يمكن أن تطرأ على المشهد، مشيرًا إلى أنَّ أيّ تأجيل للاستحقاقات البرلمانية والرئاسية سيزيد من احتمالات اندلاع العنف، ويُعزّز من قوة حركة الشباب.([2])
تنازع الصلاحيات:
ارتبطت الأزمة السياسية الراهنة في الصومال بتصاعُد الخلافات بين الرئيس “محمد فرماجو” ورئيس الوزراء “محمد حسين روبلي”، وقد جاء الفصل الأخير من هذا الصراع عبر إعلان “فرماجو” عن سحب السلطات التنفيذية من رئيس الوزراء خاصةً تلك المتعلقة بصلاحية إقالة وتعيين مسؤولين حكوميين، متَّهمًا “حسين روبلي” بتجاوز الصلاحيات الموكولة له؛ من خلال إقدامه على إقالة بعض المسؤولين وتعيين آخرين دون التنسيق معه، واتخاذ خطوات سيئة من شأنها خَلْق أزمة سياسية وأمنية في البلاد.([3])
في المقابل، أعلن رئيس الحكومة الصومالية “روبلي” رفضه لهذا القرار، والذي وصفه بـ”الباطل وغير القانوني والمخالف للدستور المؤقت”، وعمد إلى تفنيد مواد الدستور الصومالي المؤقت التي تعزّز موقفه؛ حيث أشار إلى أن الدستور لا يمنح الرئيس حقّ التدخل في الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء وحكومته، متَّهمًا “فرماجو” بالاستعانة ببعض الأجهزة الأمنية في محاولة لإفشال الانتخابات والاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 مايو الماضي، والذي تم بموجبه لملمة الأزمة السياسية والأمنية التي نجمت عن قرار الرئيس بتمديد فترة ولايته، مشيرًا إلى أن القرار الأخير الذي اتخذه “فرماجو” يعكس عدم تخلّيه عن مساعي التمسك بالسلطة بشكل غير قانوني.([4])
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الصومالي كان قد عمد إلى تمديد فترة ولايته لعامين إضافيين بعدما انتهت رسميًّا في فبراير الماضي، وذلك لتخوُّفه من خسارته في الانتخابات الرئاسية في ظل التراجع الحادّ في شعبيته، وهو ما تمخَّض عنه تصاعد في حدة الصراعات الداخلية حتى باتت البلاد على شفا الانجراف إلى حرب أهلية واسعة؛ حيث شهدت شوارع مقديشيو بوادر مواجهات مسلحة بين المواليين للرئيس والمعارضة السياسية، فضلًا عما شهدته البلاد وقتها من بعض الانشقاقات والتصدعات داخل مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والشرطة، بَيْدَ أنَّ الضغوطات الخارجية والداخلية القوية التي تعرَّض لها “فرماجو” جعلته يتراجع عن قراره بتمديد فترة ولايته، كما تم تكليف رئيس الوزراء “حسين روبلي” بتولّي مهام التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما اضطر “فرماجو” للتنازل عن مهام الأمن لرئيس الوزراء للعمل على حلحلة الصراعات الداخلية والانشقاقات التي شهدتها بعض المؤسسات، وتجنُّب الدخول في مواجهات مسلحة.
وترتبط الأزمة الحالية بين الرئيس ورئيس الحكومة في مقديشيو –في بعض جوانبها- بإشكاليات تتعلق بالدستور الصومالي المؤقت (فضلًا عن غياب المحكمة الدستورية)، والذي ينطوي على بعض النصوص المتضاربة بشأن صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الوزراء، فوفقًا للدستور المؤقت يمتلك كل منهما صلاحيات فيما يتعلق بتعيين وإقالة كبار المسؤولين الحكوميين، وهو ما يطرح في كثير من الأحيان أزمة دستورية متعلقة بهذا الأمر على غرار تلك التي شهدتها البلاد في 2016م، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الأوضاع الراهنة التي تعيشها الصومال تمثل ظروفًا استثنائية، وأن فترة ولاية الرئيس “فرماجو” قد انتهت بالفعل منذ مطلع فبراير الماضي، ومن ثَمَّ فهو لا يمتلك سلطات كاملة منذ ذلك التاريخ، ويبقي وُجُوده بمثابة تسيير أعمال لحين إجراء الانتخابات الرئاسية، ومِن ثَمَّ فلا يجوز التعويل كثيرًا على النصوص الدستورية الخاصة بسلطاته في مواجهة رئيس الحكومة؛ حيث يعد الأخير هو صاحب السلطات الكبرى خلال الفترة الانتقالية لحين الانتهاء من إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
بوادر الأزمة:
يمكن إرجاع بوادر الأزمة الراهنة بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء إلى القرار الصادر عن الأخير بتوقيف مدير جهاز الاستخبارات الوطنية NISA “فهد ياسين” (المقرَّب للرئيس فرماجو) عن العمل، واستبداله بالجنرال “بشير محمد جامع” (المدير السابق لجهاز الاستخبارات في الفترة 2013-2014م)، وهو ما أثار حفيظة “فرماجو”، والذي عمد في اليوم ذاته إلى الإعلان بأن قرار رئيس الحكومة غير قانوني وأمر “فهد ياسين” بالاستمرار في منصبه، وتقديم التقرير التفصيلي بشأن قضية “إكرام تهليل”، قبل أن يعلن في اليوم التالي قبول استقالة “ياسين”، مع تعيين مدير مخابرات إقليم بنادر العقيد “ياسين عبد الله” خلفًا له، فضلًا عن قراره بتعيين “فهد ياسين” مستشارًا للأمن القومي لمكتب رئيس الجمهورية، ودعا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي في الـ18 من سبتمبر الجاري.([5])
وقد لاقت خطوة إقالة “فهد ياسين” دعمًا واسعًا مِن قِبَل العديد من الأطراف الفاعلة في الداخل الصومالي، فقد أعلن “اتحاد مرشحي الرئاسة” (وهو ائتلاف يتضمن 14 مرشحًا للانتخابات الرئاسية بمن فيهم رئيسان سابقان للصومال) بيانًا أكد خلاله على دعمه لقرار إقالة مدير جهاز الاستخبارات الوطنية، وكذا أصدرت حكومات الولايات الفيدرالية بيانات منفصلة رحَّبت فيها بإقالة “ياسين”، وهو الأمر ذاته بالنسبة لشيوخ عشيرة “الهوية” (أحد القبائل الخمس الكبرى في الصومال، وتمثل الأغلبية في العاصمة مقديشيو).
وقد جاءت هذه التطورات في أعقاب قضية مقتل موظفة المخابرات الصومالية “إكرام تهليل فارح” (مديرة وحدة الأمن السيبراني)، وهي القضية التي تفجرت بعد التقرير الذي أصدره جهاز الاستخبارات الصومالي في الـ3 من سبتمبر الجاري، والذي أعلن خلاله مقتل موظفته السابقة على يد حركة الشباب، وكانت “فارح” قد اختفت منذ 26 يونيو الماضي بعدما تم استدعاؤها إلى مقر المخابرات، بيد أن بيان المخابرات الذي حاول تحميل حركة الشباب مسؤولية خطف موظفته وقتلها أثار حالة من الزخم والتساؤلات حول مدى صحة هذه الادعاءات، وقد ازدادت هذه الشكوك بعدما نشرت الحركة بيانًا في اليوم التالي نفت من خلاله تورطها في اختفاء “إكرام فارح”، وهو ما تمخَّض عنه تصاعد في وتيرة الاحتقان الداخلي، فضلًا عن بعض حالات الاختطاف لعددٍ من أقارب رئيس جهاز المخابرات الصومالية “فهد ياسين”، وهي التطورات التي فسَّرها البعض باعتبارها “ثأر قَبَلي” بين عشيرتي “فارح” و”ياسين”، وهو ما دفَع رئيس الوزراء “حسين روبلي” إلى إعطاء مهلة 48 ساعة فقط لرئيس جهاز الاستخبارات لتقديم تقرير مقنع حول القضية، غير أن الأخير أرسل طلبًا لرئيس الوزراء لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني للاستماع إلى التقرير الكامل، وفي أعقاب ذلك أصدر “روبلي” مرسومًا أعلن خلاله وقف “فهد ياسين” عن عمله، وتعيين بديل له.([6])
أفرزت هذه التطورات حالة من الاستنفار والتصعيد الحادّ، وقد تمثلت أبرز ملامحه في التوتر الأمني الذي شهده محيط مقر المخابرات الصومالية (يسمى بخبر خديجة)، وارتبطت حالة التوتر هذه بالنشاط العسكري المشبوه لقوات ما يسمى بـ”طوفان”، وهي الوحدة التي تتبع بشكل مباشر لمدير جهاز المخابرات المقال “فهد ياسين”؛ حيث شكَّل الأخير هذه القوات من العناصر المنشقة عن حركة الشباب، (وكانت هذه القوات قد شاركت قبل عدة أشهر في محاولة الرئيس “فرماجو” فرض تمديد فترة ولايتة لمدة عامين بالقوة)؛ حيث شهد محيط جهاز المخابرات بعض التوتر بين قوات الحماية الخاصة بالمقر وقوة “طوفان”، قبل أن تضطر الأخيرة إلى الانسحاب إلى مركز “غودكا جلعو” التي تمثل مقر هذه القوات والقريبة من مقر جهاز الاستخبارات الصومالي. وتجدر الإشارة إلى أن التوترات التي عمدت “طوفان” إلى إثارتها كانت تستهدف منع وصول مدير الجهاز الجديد المعين مِن قِبَل رئيس الوزراء “حسين روبلي”، فيما أعلنت وحدتا “ورن” و”غاشان” دعمهما وانصياعهما لقرارات رئيس الوزراء (يتشكل جهاز الاستخبارات الصومالي من ثلاث وحدات هم “طوفان” و”ورن” و”غاشان”).([7])
تمزيق الحكومة واللعب بالنار:
نشرت صحيفة الـ”واشنطن بوست” Washington Post تقريرًا بشأن التطورات الراهنة في الداخل الصومالي؛ حيث أشار التقرير إلى أن تصاعد حدة التوتر بين الرئيس ورئيس الحكومة في مقديشيو تمخض عنه “تمزيق الحكومة” الصومالية، فضلًا عما يُمثّله من فرصة سانحة أمام الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها حركة الشباب، خاصةً وأن هذه المواجهات السياسية بين عناصر الحكومة الصومالية ربما تتحول إلى أزمة أمنية متفاقمة في مقديشيو سوف تسعى حركة الشباب إلى استغلالها لتوسيع رقعة انتشارها، الأمر الذي يهدّد مكتسبات الشركاء الدوليين في الصومال خلال السنوات الماضية، كما أنه يُقوّض أيّ ثقة في الحكومة الفيدرالية بشأن حفظ الأمن والاستقرار.([8])
ولعل الهجوم الأخير الذي قامت بها حركة الشباب في مطار “بولوبورتي” Bulaburte في وسط البلاد يُعزّز من هذا الطرح، فقد شنَّت الحركة هجومًا كبيرًا على المطار أسفر عن تدميره بالكامل بما في ذلك نقطة التفتيش الرئيسية وصالة انتظار الركاب.([9])
كذلك، أشار تقرير آخر نشرته “مجموعة الأزمات الدولية” Crisis Group تحت عنوان “السياسيون الصوماليون يلعبون بالنار”، إلى أن التوتر الراهن والمتصاعد بين الرئيس الصومالي ورئيس وزرائه ربما يفرز صراعات جديدة على المستويات الفيدرالية الأدنى، فضلًا عن تصاعد احتمالات تجدد المواجهات المسلحة مرة أخرى في البلاد، وألمح إلى أن الاشتباكات المحتملة هذه المرة ربما تنشب بين فصائل متناحرة داخل المؤسسات الحكومية، وهو الأمر الذي يعكس مُؤشرات خطيرة بشأن مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، فضلًا عن التداعيات المحتملة لحالة الاحتقان الراهن –حتى في حالة عدم نشوب مواجهات مسلحة- على الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية المقبلة، ودعا إلى ضرورة تدخل الشركاء الدوليين وتوقيع عقوبات صارمة وسريعة على الأطراف التي تسعى لتأجيج المشهد. ([10])
نهاية الوفاق وبداية التصدع:
في الواقع، ظلت العلاقات بين رئيس الوزراء “حسين روبلي” والرئيس “محمد عبد الله فرماجو” تشهد حالة من الانسجام والتقارب، خاصةً وأن “فرماجو” هو من كان قد عمد إلى تعيين “روبلي” في رئاسة الحكومة في سبتمبر 2020م؛ وذلك بعد عزل رئيس الحكومة السابق “حسن علي خيري”، ومنذ ذلك الحين رجَّحت التقارير بأن رئيس الوزراء الجديد سيعمد إلى تنفيذ أجندة “فرماجو”، ولن يتبنَّى أي مواقف خلافية معه، ولعل هذا ما جعل البعض يتشكك في مدى حيادية “محمد حسين روبلي” عندما تم تكليفه في مايو الماضي بتولي مهام الأمن في البلاد وقيادة الاستعدادات الخاصة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية عبر الدخول في حوار شامل مع كافة الأطراف الداخلية.
لكن، بدأت العلاقات التوافقية بين الرجلين تشهد منحًى آخر منذ ذلك الحين، وربما يُعْزَى جزء كبير من هذا الأمر إلى الضغوطات التي مارسها الشركاء الدوليون على الأطراف الداخلية للعمل على حلحلة الملفات الخلافية، والعمل على التحضير لإجراء الانتخابات في أسرع وقت، ويبدو أن هذا الأمر دفع رئيس الوزراء إلى محاولة الالتزام بالحيادية في إدارة المرحلة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات والبعد بشكل تدريجي عن فلك الرئيس “فرماجو” لتجنُّب أيّ اتهامات مِن قِبَل المعارضة بشأن تهيئة الأجواء لإعادة انتخاب “فرماجو” مرة أخرى، والذي كان من الممكن أن يهدّد بنسف الجهود الخاصة بتهدئة الاحتقان الداخلي وتجنب تكرار المواجهات المسلحة.
كذلك، يبدو أن الموقف الضعيف الذي بات يعاني منه الرئيس الصومالي المنتهية ولايته شجّع رئيس الوزراء على تجنُّب إثارة غضب قوى المعارضة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، ومن ثم العمل على تبنّي الموقف الحيادي الذي يضمن له درجة كبيرة من الدعم الداخلي والخارجي.
بالتالي، تعكس المعطيات الأخيرة في الداخل الصومالي أن الترتيبات التي تم التوصل إليها بين “فرماجو” و”روبلي” في أعقاب الأزمة الأمنية الطاحنة في أبريل الماضي قد تآكلت، وأن حالة الاستقطاب الداخلي آخذة في التنامي بشكل مثير للقلق، خاصةً بعدما فشلت كافة محاولات التوسط بين الرجلين والتي قام بها بعض الفواعل الداخلية، ومن ثَمَّ فالمشهد أصبح غامضًا، وتغلب عليه سمة الصراع على السلطة، ولعل هذا ما عكسته التطورات التي أعقبت تعيين الرئيس ورئيس الوزراء لشخصيتين منفصلتين في رئاسة جهاز الاستخبارات؛ حيث سعى كل منهما (“بشير محمد جامع” و”ياسين عبد الله”) للإسراع في الدخول لمقر الجهاز وإحكام السيطرة عليه، وهو الأمر الذي تمخَّض عنه بعض مؤشرات الانقسام والتشظي داخل وحدات جهاز المخابرات وبين كبار قياداته.
كما أعقب ذلك قيام رئيس الوزراء “حسين روبلي” بإقالة وزير الأمن الداخلي “حسن حندوبي جمعالي”، وعيَّن بدلًا منه “عبد الله محمد نور”، وهي الخطوة التي لاقت اعتراضًا آخر مِن قِبَل الرئيس الصومالي، ما جعل البعض يطرح فكرة إمكانية إقدام الرئيس “فرماجو” على مطالبة حليفه رئيس مجلس النواب (المنتهية ولايته) بالدعوة للتصويت على سحب الثقة من الحكومة، بَيْدَ أنَّ هذه الخطوة يُتوقع أن تُلاقي معارضةً شديدةً، فضلًا عن الشكوك في مدى شرعيتها، خاصةً وأن البرلمان الحالي انتهت فترة ولايته بالفعل منذ نهاية العام الماضي. في المقابل تعكس تحركات رئيس الوزراء محاولاته لتعزيز سيطرته على الشؤون المالية من خلال الإعلان بأنه لا يمكن لأيّ طرف أن يسحب أي أموال من البنك المركزي الصومالي دون موافقته، ومن ثَمَّ تعكس المعطيات الراهنة استمرارية الصراع الداخلي وتحوّلها لمعركة “تكسير عظام” واحتمالية تأجج مزيد من العنف في الفترة المقبلة.([11])
في النهاية: يبدو أن فصولًا جديدة من الصراع الداخلي بين الرئاسة ورئاسة الحكومة سوف تفرض نفسها خلال الفترة المقبلة، مما يمثّل تهديدًا كبيرًا بالنسبة للأوضاع الأمنية الهشَّة في البلاد، مع تنامي احتمالات عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر، وبالتالي فثمة حاجة مُلِحَّة لدور فاعل مِن قِبَل الشركاء الدوليين للضغط على الأطراف التي تسعى لتأجيج الأوضاع، والدفع بالبلاد في نفق الحرب الأهلية مرة أخرى، وربما تزداد الأمور تعقيدًا في ظل الخلافات القائمة بشأن ترتيبات العملية الانتخابية في البلاد؛ خاصةً فيما يتعلق بمسألة اختيار المندوبين المنوط بهم انتخاب أعضاء مجلس الشعب.
وكذا لا يمكن قراءة التوتر الأخير بين رئيس ولاية جلمدغ الصومالية “أحمد عبدي كاريه” (المعروف بـ”قرقور”) ورئيس الوزراء “حسين روبلي” بمعزل عن الصراعات الراهنة على هرم السلطة التنفيذية في البلاد، وبالتالي حتى وإن كان هذا التوتر الأخير بين “قرقور” و”روبلي” قد تم حلحلته بَيْدَ أنَّ المشهد الداخلي في الصومال يبقى قابلًا للتفجُّر في أيّ وقت، في ظل حالة الاستقطاب والاستنفار الحادة التي باتت تهيمن على السياق العام.
[1]– مجلس الأمن قلق جراء الأزمة في الصومال ويدعو للحوار، الشرق الأوسط، 18 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[2]– واشنطن تحض رئيس الصومال ورئيس الوزراء على حل “خلافهما” لمنع تأجيل الانتخابات، وكالة مونت كارلو الدولية، 21 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[3]– رئيس وزراء الصومال يرفض قرار تعليق سلطاته.. “غير قانوني”، العربية، 17 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[4]– معاوية فارح، روبلي يقصف جبهة فرماجو: قراره باطل ويأخذ الصومال للمجهول، العين الإخبارية، 17 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[5]– فرماجو وقتيلة المخابرات.. محاولات “مستميتة” لحماية ياسين، العين الإخبارية، 8 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
-[6] معلومات خطيرة حول لغز مقتل موظفة مخابرات بالصومال.. شكوك تحيط بمدير الجهاز، سبوتنك، 6 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[7]– توتر أمني بمحيط مقر المخابرات الصومالية: فهد ياسين يحشد قواته، العين الإخبارية، 8 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[8]– Rachel Chason and Omar Faruk, How an intelligence officer’s disappearance in Somalia has ripped the government apart, The Washington Post, September 18, 2021م, available on: https://wapo.st/2VWJ0Sr
[9]– الأزهر يسلط الضوء على تدمير حركة “الشباب” الصومالية لمطار “بولوبورتي”، صدى البلد، 21 سبتمبر 2021م، متاح على الرابط التالي:
[10] -Somalia’s Politicians Play with Fire – Again, Crisis Group, 14 SEPTEMBER 2021م, available on: https://bit.ly/3C3w7W2
[11]– Somalia’s Politicians Play with Fire – Again, Crisis Group, 14 SEPTEMBER 2021م, available on: https://bit.ly/3C3w7W2