في يوم 24 من أغسطس 2021, أدَّى المُعارِض السابق ورئيس زامبيا المنتخب حديثًا “هاكايندي هيشيليما” اليمين الدستورية بعد تحقيق نصر مذهل بأكثر من 59 في المئة من الأصوات تحت راية “الحزب المتحد للتنمية الوطنية”, وذلك في الانتخابات العامة التي أُجريت يوم 12 من أغسطس. كما أدَّت “موتالي نالومانغو” اليمين كثاني نائبة رئيس في تاريخ زامبيا في الحفل الذي حضرته شخصيات كثيرة وقادة دولٍ مثل رئيسة تنزانيا “سامية حسن صولحو”، ورئيس ملاوي “لازاروس تشاكويرا”.
وقبل هذا الفوز, خاض الرئيس الجديد “هاكايندي هيشيليما” خمس انتخابات سابقة في أعوام 2006م و2008م و2011م و2015م و2016م. وقد أقرَّ شاغل المنصب الرئيس السابق “إدغار لونغو” بالهزيمة في هذه الانتخابات الأخيرة بعدما أعلنت اللجنة الانتخابية في زامبيا أنَّ “هيشيليما” هو الرئيس المنتخب في 16 أغسطس 2021م.
ومما يعطي رمزية كبيرة لفوز “هاكايندي هيشيليما” أنه نجح في أنشطته المُعارِضَة للرئيس “لونغو” الذي قمع تحركاته، ومنعه مرارًا من إجراء حملات انتخابية. كما أن هذه هي المرة الثالثة في تاريخ زامبيا؛ حيث يتم تغيير السلطة عبر صناديق الاقتراع بطريقة ديمقراطية وسلمية. وبهذا تنضم زامبيا إلى جانب غانا وملاوي وعدد صغير من البلدان الأخرى التي قلّما تمارس الاستبداد لإبقاء شاغلي المنصب في الكرسي([1]).
ما الذي يعنيه فوز “هيشيليما” للدول الإفريقية الأخرى؟
هناك تفاؤل إعلامي ومزاعم بأن انتصار المعارضة الزامبية المتثمل في فوز “هاكايندي هيشيليما” سيؤثر بشكل إيجابي في حركات المعارضة وعمليات نقل السلطة بإفريقيا، ولكنّ تاريخ المعارضة في القارة ينفي مثل هذا الزعم؛ حيث لا يمكن مقارنة مثل هذا الفوز مع حدث تاريخي آخر مثل أثر إطلاق سراح “نيلسون مانديلا” على الحركات المؤيدة للديمقراطية بإفريقيا في تسعينيات القرن الماضي([2]).
بل بالنظر إلى وصول المعارضة إلى الحكم في كل من نيجيريا في عام 2015م وغانا في عام 2017م وقلة أو عدم تأثيره على حركات المعارضة في إفريقيا؛ فإن ما حدث في زامبيا يصلح لفهم ما يجري في دول إفريقية أخرى, ولكنه لن يغير الواقع السياسي في معظم الدول الإفريقية, وخاصة تلك التي تعاني من أزمة قيادية وصراعات سياسية يُعزّزها تمديد حكامها لولاياتهم الرئاسية ويمرحون في استبداديتهم تجاه مواطنيهم المنتقدين, مثل الكاميرون وأوغندا أو حتى زيمبابوي في السنوات الأخيرة([3]).
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن تراجع أداء المعارضين السابقين بعد وصولهم إلى السلطة في بعض الدول الإفريقية لا يُلْهِم المواطنين العاديين على تأييد ودعم المعارضيين الجدد. وبالتالي لن يتكرر مثل نجاح المعارضة في زامبيا إلا بتوافر الظروف التي أدَّت إليه؛ إذ فاز “هيشيليما” بعد فترة من القمع مِن قِبَل حكومة الرئيس السابق “إدغار لونغو”، والذي أضعف المؤسسات الديمقراطية الرئيسية في البلاد. كما أن قوة الرئيس السابق “لونغو” وتسخيره الآليات الحكومية للتغلب على المعارضين لم يمنعا “هيشيليما” من تغيير استراتيجياته التي مكَّنته من منافسة “لونغو” بفعالية وبطرق مؤثرة.
وتؤكد على ما سبق أرقامُ نتائج الانتخابات الأخيرة؛ حيث كانت التوقعات السائدة قبل انتخابات زامبيا لصالح شاغل المنصب “لونغو” أن يتعادل الزعيمان مما يجبرهما على خوض جولة الإعادة. ولكن النتيجة جاءت خلاف التوقعات؛ حيث حصل المعارض “هيشيليما” على 2.8 مليون صوت (أي: 59 في المئة من الأصوات), وتغلّب على شاغل المنصب “لونغو” بنحو مليون صوت في دولة سجّل فيها 7 ملايين ناخب فقط من المواطنين للمشاركة في الانتخابات.
إخفاقات “لونغو” والتحديات أمام “هيشيليما”:
في خطاب تنصيبه, تعهّد رئيس زامبيا الجديد “هاكيندي هيشيليما” بأن حكومته ستضمن حصول المواطنين على ثلاث وجبات لائقة كل يوم؛ حيث “لا ينبغي أن يذهب أي مواطن زامبيّ إلى الفراش جائعًا”. وأضاف أنه سيركز على إنعاش الاقتصاد، وخلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل([4]).
وفي حين يُنظَر إلى تعهدات “هيشيليما” على أنها ترفع آمال الزامبيين البسطاء فوق استطاعة الواقع الراهن لاقتصاد البلاد؛ فإن الخطاب أيضًا ينمّ عن خلفية “هيشيليما” الذي وُلِدَ لعائلة منخفضة الدخل في جنوب زامبيا. وقد كان رجل أعمال عصاميًّا عمل بجهد في المدرسة للفوز بمنحة حكومية للالتحاق بجامعة زامبيا؛ حيث تخرّج بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال, وواصل دراسته في جامعة برمنغهام البريطانية حيث حصل على ماجستير في إدارة الأعمال, ليعود إلى زامبيا لقيادة عمليات شركة “كوبر وليبراند”. واليوم يشمل سجلّ أعماله إدارةَ الممتلكات والاستشارات المالية والسياحة, وملكيته لواحدة من أكبر قطعان الماشية وتربية المواشي في زامبيا([5]).
على أنه يمكن تلخيص أهم التحديات التي تواجه إدارة “هيشيليما” من خلال النظر العام في إخفاقات حكومة سلفه “لونغو”، والتي أدّت إلى انهيار الثقة العامة. وهذه التحديات تتمثل في إنعاش الاقتصاد وإعادة تعزيز العمليات الديمقراطية من خلال التركيز على أولويات شملتْ معالجة أزمة الديون الاقتصادية الزامبية، ومحاربة الفساد، والحدّ من هيمنة الفرع التنفيذي للحكومة.
وفيما يلي الحديث عن أهم هذه التحديات([6]) بإيجاز:
أولًا: معالجة أزمة الديون الاقتصادية:
كانت الديون الاقتصادية من القضايا الرئيسية التي أدَّت إلى سقوط إدارة الرئيس السابق “لونغو” في زامبيا؛ حيث أثّرت خدمة الديون بشكل سلبي في العائلات والأسر الزامبية؛ فالدين في عهد “لونغو” ارتفع من 36 في المئة إلى 110 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الزامبي, وتخلفت زامبيا عن سداد الفائدة التي تبلغ 42.5 مليون دولار على سندات دولية في نوفمبر 2020م. وكانت من العوامل التي ساهمت في ارتفاع هذه الديون: تقلب أسعار النحاس والجفاف في عام 2019م وتداعيات أزمة كورونا.
وقد أصبحت زامبيا على مدار السنوات الثلاث الماضية مثالاً على المستوى الإفريقي في الابتعاد عن سلبيات الديون الصينية؛ بعدما انتشرت مزاعم بأن الصين قد سيطرت على مفاصل البلاد, خاصة وأن إدارة الرئيس السابق “لونغو” لم تُدِر الملفات المتعلقة بالقروض الصينية بشفافية. إضافة إلى الانتقادات الموجَّهة لحكومته بشأن استخدام تمويل اليوروبوند لمشاريع البنية التحتية مما قوَّض جهود صندوق النقد الدولي حول التفاوض بشأن تخفيف عبء الديون نيابة عن الدائنين التجاريين.
ثانيًا: محاربة الفساد:
اتسمت حكومة الرئيس السابق “لونغو” بعدة قضايا تتعلق بالفساد؛ ففي عام 2017م اكتُشِف أن الحكومة اشترت 42 سيارة إطفاء مقابل 42 مليون دولار أمريكي, واكتَشف مركز الاستخبارات المالية في زامبيا أن مسؤولين رفيعي المستوى غسلوا مليارات من العملة الزامبية (الكواشا) من خلال الفساد والتهرب الضريبي. وأدَّت سوء الإدارة في عام 2018م إلى تعليق الجهات المانحة تمويل 34 مليون دولار أمريكي لبرامج التعليم والرعاية الاجتماعية. واكتُشف مخالفات تقدر بـ17 مليون دولار أمريكي في مخالفات الشراء من قبل وزارة الصحة في خضمّ أزمة كورونا.
ثالثًا: الحدّ من هيمنة الفرع التنفيذي للحكومة:
في عام 2019م قدمتْ حكومة “لونغو” مشروع قانونٍ هدَف إلى تحقيق عدة أمور؛ منها: إزالة إشراف المشرّعين على التعاقدات المتعلقة بالدَّيْن العام. ولكنَّ حكومته فشلت في تحقيق الأهداف لمشروع القانون حيث تضمنت الأحكام الأخرى للمشروع الحدّ من سلطات الجمعية الوطنية لعزل الرئيس, وسُمِحَ المشروع بإقالة القضاة من خلال محكمة يعينها الرئيس؛ بدلاً من لجنة الشكاوى القضائية القائمة.
وعلى الرغم من رفض قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والقانونيين لهذه المحاولة مِن قِبَل حكومة “لونغو”, إلا أن المحاولة أيضًا عززت شعبية المعارضة. وفي أكتوبر 2020م انسحب النواب أعضاء “الحزب المتحد للتنمية الوطنية” من الجمعية الوطنية لمنع تمرير مشروع القانون الذي قدّمته حكومة “لونغو”.
وقد حذّر باحثون سياسيون الرئيس الجديد “هيشيليما” من الاعتبار بالخطوات والمحاولات التي أدت إلى الاستياء العام تجاه الرئيس السابق “لونغو”, كما حذّروه من استغلال منصبه التنفيذي لإسكات هيئة البث المستقلة أو تضييق الخناق على المنافذ الإخبارية الخاصة؛ حيث خلقتْ مثل هذه الممارسات بيئة متحيّزة في أواخر الشهور من عهد الرئيس السابق “لونغو”.
“هيشيليما” والاهتمام الشباب وطبقة الفلاحين والعمال:
من الدروس المستفادة في الانتخابات الأخيرة في زامبيا أن إخراج الشباب من المعادلة السياسية قد يكلف الإدارة القائمة منصبها, وذلك لقوة العلاقة بين الشباب والسياسة ودور الشباب في العمليات الانتخابات([7])؛ فحوالي 54 في المئة من عدد 7,023،499 ناخب مسجّل في الانتخابات كانوا تحت سن 35 عامًا من العمر, وصوّتوا بأعداد كبيرة بسبب معارضتهم للسياسات التي رأوا أنها لا تمثّلهم، وأنها سبب تزايد الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية. ويلاحظ هذا الشعور أيضًا في أن معدل بطالة الشباب في عام 2020م بلغ 22.63 في المئة في زامبيا.
جدير بالذكر أيضًا أن حزب “لونغو” وإدارته أبعد الشباب الحضري والطبقات الوسطى من اهتماماته وبرامجه من خلال قمع المجتمع المدني ومراقبة الحرم الجامعي (جامعة زامبيا). وكان هناك استياء من 12.74 مليار دولار الذي اقترضته الحكومة لتمويل مشاريع حضرية طوباوية للأفيال البيضاء في الوقت الذي كان البسطاء والفلاحون والطبقة العاملة بحاجة إلى تمويلات وتعزيزات تُلبّي حاجاتهم التجارية واليومية. إضافةً إلى أن أنشطة شركات المناجم الكبرى قد دمَّرت سُبُل عيش الفلاحين من خلال الاستحواذ على 60,000 هكتار من الأراضي الزراعية.
وبالنظر إلى نتائج الانتخابات الأخيرة, يلاحظ أن ضآلة عدد الأصوات التي حصل عليها “لونغو” في المناطق التي لم تحظَ باهتمام إدارته, والمناطق الريفية التي تنظر إلى سياسات التعدين على أنها لصالح النخبة التي تسرق وتنهب خيرات البلاد. ولذلك فسّر الكثيرون خسارة “لونغو” وفوز المعارض “هيشيليما” على أنه استعادة السلطة مِن قِبَل المواطنين الزامبيين.
[1] – حكيم ألادي نجم الدين (2021). معضلة التوريث السياسي في إفريقيا. الأفارقة: https://theafrikans.com/4725/
[2] – Sishuwa Sishuwa & Nic Cheeseman (2021). Three lessons for Africa from Zambia’s landslide opposition victory. The African Arguments:
[3] – حكيم ألادي نجم الدين (2020م). الرئاسة المهيمنة ومعضلة تغيير الدستور في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. مركز الجزيرة للدراسات:
[4] – Zambia President Hakainde Hichilema: No-one should go to bed hungry. BBC: https://bbc.in/3gDVeWY
[5] – Hammed J. Sulaiman (2021). Hichilema’s Zambia: New era, new change?. Bunnaj: https://bunnaj.com/3055/
[6] – Danielle Resnick (2021). Four priorities for Zambia after the 2021 elections. The Conversation:
[7] – حكيم ألادي نجم الدين (2020م). المشاركة الشبابية في السياسة بإفريقيا: مواجهة حكم الشيوخ والعراقيل الدستورية. مركز الجزيرة للدراسات: