تواصل الصين وروسيا توسيع دائرة نفوذهما، وتعزيز وجودهما في جميع أنحاء إفريقيا؛ على أمل التفوُّق على الولايات المتحدة، وهو تحرُّك يخشاه المسئولون الأمريكيون، ويصفونه بأنه جزءٌ من جهد كبير من كلتا الدولتين لإعادة تشكيل النظام العالمي.
وعلى مدى أشهر، كان خبراء الأمن الأمريكيون يتحدثون عن إعادة ظهور “منافسة القوى العظمى”؛ حيث يرون الصين وروسيا تبذلان قصارى جهدهما لمواجهة الولايات المتحدة في كل مناطق العالم؛ بما فيها إفريقيا.
وفي حين ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ الجهود التي تبذلها بكين وموسكو على الصعيدين العالمي والإفريقي، واستراتيجياتهما تهدف إلى حرمان الولايات المتحدة من “الوصول” إلى مناطق الصراع في أوقات الأزمات، وإلى الأسواق التجارية في أوقات السِّلم, إلا أنَّ النسبة الكبرى من الإفريقيين ينظرون إلى الصين وروسيا كبديلين قابلين للحياة، وصديقين يمكن للدول الإفريقية الوثوق بهما، والاعتماد عليهما.
النفوذ الصيني المتنامي في إفريقيا:
يتزايد الدور الذي تلعبه الصين في مختلف المجالات في القارة الإفريقية؛ حيث أعطت بكين الأهمية لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الدول الإفريقية على أساس أيديولوجية “التضامن بين دول العالم الثالث”؛ فتوسَّع نفوذ الصين منذ عام 2001م، وركزت طموحها الكبير في القارة على الساحة الاقتصادية, ووضعت نصب عينها الموارد الطبيعية الغنية في إفريقيا التي تستفيد منها لتغذية نموِّها الاقتصادي المحلي.
إنَّ نَهْجَ الصين تجاه إفريقيا يُمَثِّل تحديًا رئيسًا لـ”المصالح الأمريكية” التي دائمًا ما يلخِّصها المسئولون الأمريكيون في “تعزيز الديمقراطية، والحكم الرشيد، والتنمية المستدامة في إفريقيا”؛ وذلك لأنَّ التمويل الصيني يتدفق إلى إفريقيا دون “قيود”؛ الأمر الذي جعل بكين بديلاً سهلاً عن “المساعدة الإنمائية المشروطة” من الغرب والمؤسسات المالية متعدِّدة الأطراف، مما يقلِّل من جهد الغرب للتحكم في الدول الإفريقية ومؤسساتها على أساس مزاعم تشجيع التنمية المستدامة والنظم الديمقراطية طويلة الأجل.
إذن, فالمخاوف من النفوذ الصيني المتزايد في إفريقيا ليست جديدة، بل حذَّرت المخابرات الأمريكية في سبتمبر 2017م من أن أول قاعدة عسكرية خارجية للصين -في دوراليه بدولة جيبوتي في شرق إفريقيا- قد تكون الأولى التي سيتبعها العديد من نوعها.
وعلى حدّ تعبير مسئول استخبارات أمريكي في ذلك الوقت: “تسعى الصين لبناء [قواعد عسكرية] حول العالم، وخَلْق مناطق جديدة من المصالح الأمنية المتداخلة والمتضاربة المحتملة بين الصين والولايات المتحدة”.
وبالنسبة للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (USAFRICOM)، فإنَّ الموقف الأكثر إثارةً للقلق هو الوضع في جيبوتي؛ حيث موطن معسكر ليمونير، الذي يُعتبر هو الجهاز العسكري الوحيد الدائم للولايات المتحدة في القارة الإفريقية ومركز العمليات الأمريكية لمكافحة الإرهاب.
وبالإضافة إلى القوة العسكرية للصين في إفريقيا، بما في ذلك قوات حفظ السلام التي يبلغ قوامها 2500 جندي، فإنَّ المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الصين للدول الإفريقية والوعود بالتنمية لنَيْل دعم دول مثل جيبوتي، وضمِّها إلى دائرة نفوذها تصيب الأمريكيين بالهستيريا.
ففي إثيوبيا, كانت القطارات الأنيقة التي تجوب الشوارع المزدحمة في أديس أبابا على طول السكك الحديدية الخفيفة الجديدة في المدينة؛ من المشاريع المهمة التي أسَّستها وموّلتها الصين. كما أن مقر الاتحاد الإفريقي الفضّي الشاهق بُنِي أيضًا مِن قِبَل الصين.. وكذلك نظام الطريق الدائري الجديد حول المدينة, وخط السكة الحديد الجديد الذي يربط بين إثيوبيا وجيبوتي.
“الصينيون يبنون المرافق هناك (في جيبوتي)، هم يبنون مركزًا للتسوق، وبنوا ملعبًا لكرة القدم؛ هكذا يقول قائد القوات الأمريكية في إفريقيا, توماس والدهاوزر, للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي، وأضاف: “لقد بنوا البنية التحتية للاتصالات في جيبوتي”.
“عندما نتحدث عن النفوذ والوصول، فهذا مثال كلاسيكي,” يتابع الجنرال؛ فـ”لن نسطيع أبدًا صرف أموال هائلة كالتي يصرفها الصينيون (في إفريقيا).”
الاهتمام الروسي بإفريقيا:
زار وزير خارجية روسيا, سيرغي لافروف إفريقيا – في وقت متزامن مع زيارة وزير الخارجية الأمريكى – في الأسبوع الماضي، بدءًا من زيمبابوي؛ حيث تقوم موسكو بتنمية العلاقات الاقتصادية، واستثمارات تقدر بثلاثة مليارات دولار في تعدين البلاتين، بينما تسعى أيضًا إلى إقامة علاقات عسكرية مع هذه الدولة الإفريقية الجنوبية.
ووفقًا لمسئولين روس؛ فإن خطواتهم تجاه إفريقيا تمثل بداية فقط لما هو قادم.
“تنظر البلدان الإفريقية إلى تطوير التعاون في المجال العسكري والفني كأداة لضمان سيادتها واستقلالها، ومقاومة ضغوط الدول الغربية”؛ هكذا قال أندريه كيمركسي، مدير إدارة إفريقيا في وزارة الخارجية الروسية لوكالة “تاس” الشهر الماضي.
“إننا نقوم بتدريب الأفراد العسكريين وأفراد الشرطة لعمليات حفظ السلام”؛ أضاف كيمركسي.
وبحسب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عقب الاجتماع مع رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي محمد يوم الجمعة الماضية: “تعتزم روسيا توسيع علاقاتها مع الاتحاد الإفريقي في جميع المجالات، كما أنها مستعدة لإقامة المزيد من وسائل التعاون”.
“إن قلقنا سيكون قدرتهم (أي الروس) على التأثير، وأن يكونوا على الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وأيضًا قدرتهم على الضغط علينا.. من خلال قيامهم بدور بارز”؛ قال والدهاوزر قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا.
الصين وأمريكا في إفريقيا: وجهان لعملة واحدة؟
في مسعى لإنهاء الجدل الذي أثارته تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول القارة, وإبداء للمخاوف الأمريكية عن النفوذ الصيني المتنامي في إفريقيا, أكَّد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون على أن الولايات المتحدة ما زالت تولي اهتمامًا كبيرًا بقارة إفريقيا.
بل واتهم وزير الخارجية الأمريكى الأسبوع الماضي – أثناء جولته الإفريقية التي تشمل خمس دول- الصين “بتشجيع التبعية” فى نهجها تجاه القارة.
“الاستثمار الصيني قادِر على التعامل مع فجوة البنية التحتية في إفريقيا، ولكنَّ أسلوبه أدَّى إلى تصاعد الديون، وعدد قليل -إن وُجِدَ- من الوظائف في معظم البلدان. وعندما يقترن ذلك بالضغوط السياسية والضريبية، فإن هذا يهدِّد الموارد الطبيعية لإفريقيا واستقرارها الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل”؛ يشير تيلرسون في خطاب قبل ساعات من مغادرته لإثيوبيا.
إن تصريحات وزير الخارجية الأمريكى تعطي عدة تفسيرات؛ أهمها أن الإدارة الأمريكية تعترف نسبيًّا بفشل سياساتها تجاه الدول الإفريقية, والتي كانت نتيجتها أن لجأت هذه الدول إلى الصين لسدّ حاجاتها.. غير أن فشل سياسات أمريكا أيضًا لا يعني أن النموذج الصيني مثالي– حتى وإن كان أفضل من نظيره الأمريكي.
بل يرى الكثيرون في إفريقيا وخصوصًا جنوب صحرائها -بعد سلسلة أحداث- أن نظرة المؤسسات الصينية تجاه إفريقيا لم تخلُ من العنصرية, والكبريائية التي يشكون منها في علاقاتهم مع الغرب؛ رغم “الصداقة العميقة”، والتعاون الاستثماري بين الصين وإفريقيا.
ومن جانب آخر, أعرب مسئولون أمريكيون عن مخاوفهم بشأن ارتفاع الديون التي تتكبدها بعض الدول الإفريقية مع قبولها المتزايد للقروض الصينية. ووفقًا لبعض التقديرات الأمريكية، فإن دولة جيبوتي تدين بأكثر من 1.2 مليار دولار إلى الصين.
غير أن الحقيقة هنا أن الصين -على عكس الولايات المتحدة- تظهر دائمًا في القارة مع دفتر شيكات سخي. وهي الدولة الوحيدة الراغبة في تحمُّل المخاطر بالاستثمار في الدول التي يتجنبها المستثمرون من الغرب.
“إنهم على استعداد للقيام بالأعمال التجارية”؛ قال براهيما كوليبالي، وهو باحث إفريقي في معهد بروكنجز. “إنهم مستعدون لإقامة شراكة مع أي دولة ترغب في الشراكة معها بطريقة تجعلها منطقية بالنسبة لهم وتعزز جدول أعمالهم”.
وعلى الرغم من الاتهامات, والتكهنات بإعاقة الدول الإفريقية بالديون والاستيلاء على سيادتها ومواردها وأسواقها المحلية, إلا أن الصين تنكر بشدة ممارستها لكل ما سبق، وتجادل بدلاً من ذلك بأن “كرمها” يوضِّح التزامها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم.
المصادر:
- Sun, Y., & Thornton, J. L. (2012). China in Africa: Implications for US Competition and Diplomacy. Brookings Institution.
- VOA: China, Russia Mounting Growing Challenge to US in Africa. Written by: Jeff Seldin. Published on: March 07, 2018. Retrieved from URL: https://goo.gl/LhVN5m.
- VOA: Tillerson Works to Ease US Tensions with Africa. Written by: Nike Ching. Published on: March 08, 2018. Retrieved from URL: https://goo.gl/1g3dhn
- The Economic Times: China builds ambitiously in Africa as US sounds alarm. Published on: March 09, 2018. Retrieved from URL: https://goo.gl/X9eYYs