أعلن الرئيس الكاميروني بول بيا تغيير الحكومة في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضية، وعَيَّن وزارة جديدة، حرص في تشكيلها على اختيار مسؤولين من مناطق البلاد الناطقة بالإنجليزية (أو الأنجلوفونية) في مناصب عليا؛ في محاولة لمعالجة الأزمة الانفصالية في هذه الدولة الواقعة وسط إفريقيا.
لقد تفاقمت تداعيات الأزمة بالمناطق الأنجلوفونية في الكاميرون؛ الأمر الذي أدَّى إلى حدوث حالة طوارئ للاجئين، وتصاعد التوترات مع الدول المجاورة، وتهديد اقتصادي يتمثل في عرقلة إنتاج الكاكاو العالمي.
وفي الأشهر الأخيرة فرَّ أكثر من 15 ألف شخص من المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية – الناطقة بالإنجليزية – إلى نيجيريا المجاورة؛ حيث كثَّفت الحكومة الكاميرونية حملتها على حركة مؤيدة للاستقلال.
كما قُتل عشرات الأشخاص على يد قوات الأمن، بل وتعدَّت القوات الكاميرونية حدودها بالعبور إلى نيجيريا سعيًا وراء المتمردين في ديسمبر الماضي. كما قَتَلَ المشتبه بأنهم انفصاليون أكثر من 10 من رجال الشرطة.
خلفية سريعة للأزمة:
اندلعت الاحتجاجات في المناطق الناطقة بالإنجليزية من الكاميرون في عام 2016م، بعد مطالبة سكان هذه المناطق بالمزيد من الحكم الذاتي من الحكومة الناطقة بالفرنسية. وكان أصل الأزمة قائمًا على فرض اللغة الفرنسية في محاكم المناطق الإنجليزية ومدارسها، إضافة إلى شكاوى سكان المنطقة من التهميش الاقتصادي والتخصيص الضعيف للموارد.
ردَّت الحكومة على هذه الاحتجاجات بإغلاق شبكة الإنترنت، واعتقال المتظاهرين. وأدَّى إعلان الانفصاليين استقلالهم – وتسمية دولتهم الجديدة بـ”أمبازونيا” في أكتوبر الماضي- إلى شنّ حملة عسكرية مكثَّفة وهجمات عنيفة، مما أدَّى إلى فرار عدد كبير من اللاجئين من المنطقة.
ففي الكاميرون – كغيرها من الدول الإفريقية المجاورة لها – دائماً ما يدور النقاش الذي يؤدِّي إلى الصراعات حول السلطة السياسية. وعلى مدى عقود، ظلت العديد من الدول الإفريقية محكومة مِن قِبَل زعماء أقوياء تجاهلوا شكاوى المعارضة وحقوق الأقليات. غير أن تطورات السنوات الأخيرة – بدءًا من غامبيا إلى توغو وغابون – قد تعني بأن هناك جيلاً جديدًا من الذين يطالبون بأنظمة أكثر مجتمعية وتشاركية، بهدف تحسين إدماج كل المجموعات التي تتكون منها هذه الدول وإشراكها في الحكم.
“الموضوع المشترك هنا هو تعب النظام”؛ يقول فونته أكوم، الباحث البارز عن السلام والأمن في غرب إفريقيا بمعهد الدراسات الأمنية، وهو مركز أبحاث بجنوب إفريقيا. مضيفًا أنَّ “هناك تحركًا في المنطقة لاستجواب السلطة والتظاهر لصالح نسخة جديدة من الدولة؛ حيث يُسمح بمشاركة المواطنين وتُشجَّعُ هذه المشاركة”.
جدير بالذِّكر أنَّ الكاميرون المعروفة اليوم، كانت منذ أكثر من قرن مضى من الزمان “الكاميرون الألمانية”. وعندما فقد الألمان “مستعمراتهم” الإفريقية بعد الحرب العالمية الأولى، قسَّم البريطانيون والفرنسيون هذه الأراضي فيما بينهم. وبعد أربعة عقود، في الاستقلال، تم جمع النصفين – الإنجليزي والفرنسي – معًا, وسرعان ما استولى أعضاء الغالبية الناطقة بالفرنسية على مقاليد الأمور السياسية. وعلى الرغم من أن الحكومة ثنائية اللغة في الظاهر، إلا أنَّ التوترات المرتبطة باللغتين قد طالت البلاد منذ ذلك الحين.
كفاحٌ من أجل الحياة السياسية:
إذا كانت اللغة هي منطلق هذه الأزمة الأنجلوفونية، فمن السهل -إذًا – القول بأن لها جذورًا مشتركة مع العديد من الصراعات الإفريقية الأخرى؛ حيث يحاول هؤلاء الذين يشتكون من التهميش بذل المزيد من المقاومة؛ لتعبيد طريقهم إلى الحياة السياسية بعد سنوات أو عقود من الوضع المزعوم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
فالكاميرون التي تبلغ مناطقها الأنجلوفونية نحو خُمس البلاد، لم يكن لها قطّ رئيس أو وزير مالية أو وزير دفاع من المناطق الناطقة بالإنجليزية. وقبل التغيير الحكومي الأخير, يوجد وزير واحد فقط ناطق بالإنجليزية من بين 35 وزيرًا في الحكومة الحالية. إضافة إلى أنَّ سكان هذه المناطق يرون أن التهميش يتجاوز اللغة والثقافة، مشيرين إلى أوجه الاهتمام التفاوت الكبير في الإنفاق العام بين الشرق الناطق بالفرنسية والغرب الناطق بالإنجليزية في البلاد.
وقد تولي الرئيس بول بيا -البالغ من العمر 85 عامًا، والذي وُلِدَ في ما كان يعرف بـ”الكاميرون الفرنسية” – السلطة منذ عام 1982م، وهو ما جعلت مدة حكمه الأطول إفريقيًّا – وفي المرتبة الأولى بعد الإطاحة بالرئيس الزيمبابوي السابق روبرت موغابي في ديسمبر 2017م.
ففي خطاب العام الجديد -في العام الماضي 2017م-، ألقى الرئيس بول بيا اللوم ومسئولية الخسائر في الأرواح على “المتطرفين مثيري الشغب”؛ قائلاً: “هل أنا بحاجة إلى تكرار هذا؟” يتساءل بيا؛ “الكاميرون واحدة وغير قابلة للتجزئة! وستبقى كذلك”.
احتجاز المدرسين:
قامت السلطات الأسبوع الماضي باعتقال أكثر من 200 معلم في العاصمة الكاميرونية ياوندي؛ بسبب اعتزام المعلمين إجراء احتجاج للمطالبة بزيادة أجورهم، وتسريع دفع إعاناتهم المالية.
وقال أحد المدرسين المتضررين: إن مدفوعاتهم التي وُعِدَ بها منذ عام 2017م لم يتم دفعها، مما حمَلهم على الخروج للمطالبة بحقوقهم.
ونقلت “بي بي سي إفريك” عن قائد المدرسين قوله: “إننا نطالب بالإفراج عن زملائنا. البعض منا ينتظر منذ سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات (للحصول على قرار بشأن الأجور)، ولكن هناك عدم التزام من قبل السلطات”.
وفي الوقت نفسه، تشير التقارير إلى أنه حتى الأسبوع الماضي (1 مارس 2018م), قاطَع زعماء نقابات المعلمين اجتماعًا مع وزراء الحكومة في ياوندي؛ إذ كانوا يطالبون – أولاً – بالإفراج الفوري عن زملائهم المعتقلين.
تغيير مجلس الوزراء:
في محاولة تبدو كخطوة لتهدئة الأوضاع, أعلنت الحكومة عن تعديل وزاري, بتعيين سياسيِّين من المناطق الناطقة بالإنجليزية في مناصب حكومية عليا.
وقال بيان حكومي أصدرته إذاعة الدولة في وقت متأخر من مساء الجمعة: إن الرئيس بيا أنشأ وزارة جديدة للامركزية والتنمية المحلية, وعيَّن بول أتانغا نجي الذي ينحدر من المنطقة الشمالية الغربية المضطربة كوزير للإدارة الإقليمية. كما أن مسؤولاً ناطقًا بالإنجليزية – وهو بولين نالوفا ليونغا إيغبي – سيقود وزارة التعليم الثانوي.
وأضاف البيان أن لويس بول موتاز سيترأس وزارة المالية. وبينما تمَّت إقالة ثلاثة مساعدين مقربين من الرئيس بيا في التغيير الحكومي، فإن رئيس الوزراء فيلومين يانغ – وهو موالٍ للرئيس، وينحدر أيضًا من المنطقة الناطقة بالإنجليزية – سيحتفظ بمنصبه.
وبالرغم من أوامر إعادة تشكيل مجلس الوزراء الذي أعلنها بيا، فإنه لم يتضح بعدُ ما إذا كان السكان والانفصاليون في المناطق الناطقة بالإنجليزية سيرتضون بهذا التغيير في الحكومة الكاميرونية الجديدة – وخصوصًا أنه من المقرَّر أن تُجْرَى انتخابات رئاسية في أكتوبر القادم.
و”إذا كان هناك رد ثقيل على الأزمة التي يمكن معالجتها من خلال الحوارات، من خلال التنمية، من خلال التعليم – فهذه مجرد لعبة ستخسرها الحكومة في نهاية المطاف”؛ هكذا قالت إيلاريا أليغروزي، باحثة تدرس الكاميرون في منظمة العفو الدولية.
وأضافت “أن ذلك سيزيد من خيبة أمل المواطنين، ويدفع الناس للانضمام إلى الجماعات المسلحة [المقاتلة من أجل استقلال المناطق الأنجلوفونية]”.
ولكن بالنسبة لكثير من الشبان الكاميرونيين، فإن المعركة ليست عن الاستقلال في حد ذاته, ولكنها عن الاعتراف بالوجود واللغة والثقافة، والمساواة في توزيع الموارد والأدوار والمهام السياسية والقيادية.
المصادر:
– Konings, P.J.J. & Nyamnjoh, Francis. (1997). The Anglophone Problem in Cameroon. The journal of modern African studies : a quarterly survey of politics, economics and related topics in contemporary Africa, 35, 2, 207 – 229.
– Quartz: Cameroon’s Anglophone crisis is threatening to spin out of control. Written by Abdi Latif Dahir. Published on January 14, 2018. Retrieved from URL: https://goo.gl/5FdfmP
– CS Monitor: In Cameroon’s Anglophone crisis, a stitched-together nation pushes at the seams. Written by Ryan Lenora Brown. Published on January 26, 2018. Retrieved from URL: https://goo.gl/Ve2Lxa
– Africa News: Two Anglophones get top positions in Cameroon cabinet reshuffle. Published on March 3, 2018. Retrieved from URL: https://goo.gl/Q9xiYa