يقول مثَلٌ ماندينكي: «لا تقسْ اليوم قرون الأبقار التي ستذبحها غداً», أي يجب ألا نعوّل على الأشياء قبل حدوثها؛ لكون الكلمة الأخيرة لم تُنطق بعد، وهذا بالفعل ما يحدث في «الساحل الإفريقي المبتسم» (لقب غامبيا) جغرافياً وطوبوغرافياً.
في تصريحه مؤخراً؛ ذكر مسؤولٌ في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس): أنه بالرغم من أنّ المنظمة ترغب في حلّ أزمة الانتخابات الغامبية ونتائجها سلميّاً؛ فهناك «قوات» في حالة تأهّب، وسيتمّ نشرها «لاستعادة رغبة الشعب»، أما الرئيس النيجيري محمد بخاري فهو يحذّر الرئيس الغامبي المنتهية ولايته «يحيى جامع»؛ مما قد يواجهه إذا أصرّ على البقاء في الحكم بعد انتهاء فترته في 18 يناير 2017م.
غامبيا والسعي نحو الاستقلال:
تعدّ غامبيا ضمن المناطق التابعة لإمبراطوريات مالي القديمة, والتي كتب ابن بطوطة عن شعوبها: «فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم، فهم أبعد الناس عنه، وسلطانهم لا يسامح أحداً في شيءٍ منه. وشمول الأمن في بلادهم…»(1).
لم تكن غامبيا- البلد المسلم الصغير في غرب إفريقيا- مستعمرة بريطانية إلا في عام 1821م، حيث شملت المستعمرة فقط: العاصمة «باثورست»- التي تمّ تغيير اسمها إلى «بانجول» في أبريل 1973م-، وعدداً قليلاً من المستوطنات المنتشرة على طول نهر غامبيا.
وإبّان فترات «التدافع من أجل إفريقيا» في عقد 1880م؛ سعت الحكومة البريطانية إلى منع سيطرة فرنسا على وادي غامبيا, وتمّ التوصل إلى اتفاقٍ بينهما في أغسطس 1889م، أسفر عن الحدود المعروفة اليوم, وعدد سكانها اليوم يقرب من مليونين، أكثر من 95% منهم مسلمون(2).
تشير الكتابات التي تناولت تاريخ غامبيا إلى: أنّ «إدوارد فرنسيس سمال» من الرواد الذين وضعوا النواة الأولى لخريطة الطريق نحو استقلال غامبيا عن بريطانيا(3).
وحتى أواخر عقد 1950م؛ كان يُنظر إلى غامبيا بوصفها أصغر من أن تطالب بالاستقلال.
وفي بداية الستينيات؛ جاءت الحكومة البريطانية بفكرة دمجها مع السنغال, ورفضت الحكومة الغامبية عام 1964م مساعي خبراء الأمم المتحدة لتأسيس اتحاد السنغامبيا، وواصلت غامبيا جهودها للاستقلال، حتى نجحت في 18 فبراير 1965م.
داودا جاوارا.. الرئيس الأول لدولة غامبيا:
فاز «حزب الشعب التقدمي» في الانتخابات العامّة 1962م، وأصبح داودا كايرابا جاوارا رئيس الوزراء في غامبيا، ليبدأ بعد ذلك إجراءات الاستقلال عن بريطانيا بعد ثلاث سنوات.
وعند الاستقلال كانت غامبيا داخل الكومنولث, فتولى داودا جاوارا رئاسة الحكومة، في حين ظلت الملكة إليزابيث الثانية في منصب رئاسة الدولة، وفي أعقاب استفتاء أبريل 1970م أصبحت غامبيا دولة جمهورية، ليصبح جاوارا أول رئيس للبلاد.
أصبحت غامبيا واحدة من الدول الإفريقية القليلة التي تُجرى فيها انتخابات برلمانية ناجحة، فاز حزب جاوارا الحاكم «حزب الشعب التقدمي» في انتخابات متتالية في: 1966م، 1972م، 1977م، 1982م، 1987م، 1992م، في أوضاع وصفها المراقبون بالنزاهة تماماً منذ الاستقلال.
نجَا جاوارا من محاولة انقلاب في 1981م بمساعدةٍ من السنغال المجاورة، مما أوجد الكونفدرالية التي جمعت بين السنغال وغامبيا (من 1981م إلى 1989م)، وأُطلق عليها: «السنغامبيا»، غير أنّ عملية الانقلاب على حكومة جاوارا نجحت في يوليو 1994م بقيادة الملازم الشاب يحيى جامع، ومنح جاوارا وعائلته حق اللجوء للعيش في السنغال، ثم في لندن.
إن تقييم فترات حكم الرئيس جاوارا دائماً ما يُقابل بالتناقضات؛ لأنه بالرغم من الإخفاقات الاقتصادية التي ساهمت في سقوطه السياسي؛ فإنه شخصية تتسم بالحكمة والخبرة والشعبية, لكن حكومته متهمة بالقبلية والفساد.
حاول جاوارا، لسنوات، استعادة «الحكم الديمقراطي»، لكنه لم يلقَ اهتماماً كبيراً لقضيته, وبعد إخفاق تحركاته استسلم للواقع، وكفّ عن النضال.
في أواخر عام 2001م؛ قام الرئيس جامع بمنح جاوارا العفو الوطني، فعاد لغامبيا في 2002م، ومنع جاوارا من المشاركة السياسية، لكنه نشط في الشؤون الإقليمية من خلال عمله مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS).
فترة يحيى جامع:
منذ قيادته للانقلاب، الذي أنهى حكم جاوارا في 1994م, استولى يحيى جامع على سلطة البلاد بمزيجٍ من شدة، وتصرفات يلتبس بها ادعاءات دينية، كما في محاولته الاستمرار في الحكم برغم خسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2016م)، وعلى حدّ قوله مؤخراً: «لا يهمّ ما يقوله الناس عنّي… أنا لا أستمع إلى أي شخص؛ لأنني أعرف ما هو مهم»؛ لأنّ الحكم- وفق قوله-: «بيني وبين الله عز وجل»(4).
لقي الانقلاب الذي قام به آنذاك دعماً شعبيّاً، خصوصاً بين الشباب، حيث رحّبت به أحزاب المعارضة الرئيسية، وأعلن جامع أنّ الجيش سيبقى في السلطة أربع سنوات؛ قبل أن يسلّم السلطة إلى الحكومة المدنية، قوبل إعلان «جامع» بانتقاداتٍ واسعة، وأوصت اللجنة الاستشارية الوطنية (NCC)- التي شكّلها جامع في أعقاب انقلابٍ مضادٍّ غير ناجح في نوفمبر 1994م- في تقريرها في شهر يناير 1995م: أن تكون مدة الفترة الانتقالية عامين.
وبعد نجاته من محاولة انقلاب، بقيادة اثنَيْن من قادة مجلس حكم القوات المسلحة المؤقتة (AFPRC)، وهما: «سبا سبالي» و «ساديبو حيدارا»، في يناير 1995م، قبل جامع توصية اللجنة الاستشارية الوطنية، وعيّن لجنة مراجعة الدستور لوضع دستورٍ جديد.
وعلى الرغم من أنّ حكومة جامع رفضت بعض التوصيات الرئيسية التي جاءت في الدستور الجديد؛ فإنه أقرّ به في النهاية عن طريق استفتاء في أغسطس 1996م، وعُقِدت الانتخابات الرئاسية في الشهر التالي (سبتمبر 1996م)، وقبل هذه الانتخابات بفترةٍ قصيرة؛ أعلن جامع رفع الحظر عن الأحزاب السياسية، على الرغم من استمرارية فرض الحظر على الأحزاب السياسية الموجودة قبل الانقلاب؛ باستثناء حزب PDOIS.
وبعد أن استقال من الجيش الغامبي؛ أعلن أنه سيرشّح نفسه كمرشّح حزب جديد «التحالف من أجل الوطن وإعادة التوجيه والبناء» (APRC)، ساعد الانقسام في صفوف المعارضة، والحملات الانتخابية الفعّالة لمؤسسة الحكومة الموالية, وسيطرته على الإعلام الوطنيّ والآلة المحلية، يحيى جامع في تأمين الفوز بـ 56% من الأصوات؛ مقابل 36% للمعارضين.
كما أنّ هناك نتيجة مماثلة في انتخابات الجمعية الوطنية في يناير 1997م، مع فوز (APRC) بـ 33؛ من أصل 45 مقعداً، وفوز (UDP) بسبعة مقاعد؛ ليصبح الحزب المعارض الرئيسي في البرلمان.
تمّ انتخاب جامع رئيساً لغامبيا في 1996م، ومنذ ذلك الحين فاز بثلاثة انتخاباتٍ رئاسيةٍ لاحقة؛ في: 2001م، 2006م، 2011م، أما انتخابات 2016م؛ فقد هزمه فيها آدم بارو, غير أنّ جامع تراجع بعد اعترافه بالنتائج ووصفه لها بالنزاهة, وهي خطوة يصفها القادة الأفارقة والمسؤولون أنها قد تقوّض الاستقرار والانتقال السّلمي للسلطة.
وخلال فترة حكمه؛ نفّذ جامع العديد من الإصلاحات التنموية والخاصّة بالبنية التحتية، لكنه أيضاً أتى بسياساتٍ توصف من قِبل الإعلام بـ«مثيرة للجدل», منها على سبيل المثال:
1 – في 2011 صرّح بأنه سيحكم غامبيا لـ«مليار سنة»، حيث قال: «سأنجز برامجي إلى الشعب الغامبي، وإذا كان عليّ حكم هذا البلد لمليار سنة فسأفعل؛ إن شاء الله تعالى»(5).
2 – ومن أجل الاستقلال الذاتيّ، والقطع التامّ للعلاقات الاستعمارية البريطانية، قرّر جامع في 2013م سحب غامبيا من رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث)(6).
3 – في كانون الأول من 2015م؛ أعلن دولة غامبيا: جمهورية إسلامية، وذلك: تمشيّاً مع الهوية والقيم الدينية لغامبيا- وفقاً لما قال-، وما يزال يؤيد الحرية الدينية(7).
4 – ادّعى جامع أنه وجد علاجاً لفيروس (الإيدز)، قائلاً: «إنه يمكن علاجه بالأعشاب الطبيعية»، لكن دعواه عرّضته لانتقادات؛ لكونها تفتقر للأدلة العلمية، وخطر تشجيع السلوكيات الخطيرة بشأن معاملة المصابين بهذا المرض(8)
هذا, وقد تكون شعبية الرئيس يحيى جامع داخل قارة إفريقيا متباينة, ما بين مَن يراه زعيماً إفريقيّاً له أخطاؤه, وبين مَن يراه رئيساً يدّعي «القومية» و «الإقليمية» فقط لمصالحه الشخصية.
أما في عيون الغرب، أو مَن يرى بعيونهم, فإنّ يحيى جامع ليس إلا مَن حكم بلاده لعقدَيْن من الزمن, وساهم حكمه في تدهور حالة حقوق الإنسان في غامبيا, وتسبّب بحدوث حالاتٍ حرجة، مثل قتل الطلاب المحتجين والصحافيين، وإعدام الـ «مثليين جنسيّاً»، بالإضافة إلى الاضطرابات الداخلية والقلق الدولي, وتضييق الخناق على المعارضة، وقمع الأصوات.
لكن الحقيقة– برغم احتمال صحّة بعض تلك الانتقادات- أنّ الجهود الكبيرة التي بذلها جامع للتوجّه بعيداً عن الغرب والماضي الاستعماري لغامبيا، هي التي تسبّبت في زيادة الانتقادات في الأوساط الغربية؛ مما جعلتهم يتربصون به قولاً وتصرفاً.
الانتخابات الرئاسية في غامبيا 2016م:
أُجريت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في غامبيا في 1 ديسمبر 2016م، بالطريقة التي تُجرى بها جميع الانتخابات الغامبية منذ 1960م، حيث يتمّ انتخاب عضوٍ واحدٍ لكلّ دائرة، باتباع نظام «الفوز للأكثر أصواتاً»، واستخدام «البراميل والرخام» في عملية التصويت.
وفي حين كانت هناك دعوات وشكاوى، حول إجراءات التسجيل في العملية الانتخابية, فإنّ الوسائل العملية المتبعة ما زالت مرضية للجميع(9).
قبل وأثناء إجراء الانتخابات؛ كان التحليل السائد يؤكد أنّ النتائج ستكون في صالح يحيى جامع، لأسبابٍ معروفة، ولكون الشخصية التي رشحها تحالف الأحزاب المعارضة لا يتمتع بسمعةٍ شعبية، إلا أنّ المرشح آدم بارو، في نتيجةٍ مفاجئة، هزم الحاج الرئيسَ يحيى جامع، وبعد هزيمته قام جامع بالاعتراف بالنتائج في بثٍّ تلفزيونيٍّ مباشر، قائلاً للفائز آدم بارو: «لقد اختارك الشعب الغامبي، وبعد 22 عاماً أنا شاكر لله- عزّ وجلّ- على ذلك»(10).
حصل يحيى جامع على 212.099 صوتاً, وحاز الرئيس المنتخب آدم بارو على 263.515 صوتاً, وفق النتائج المعلنة بعد فرز الأصوات من قِبل لجنة تنظيم الانتخابات المستقلة، وهنّأ جامع الغامبيين بعبارته: «لقد تحدثتم بعبارات لا لبس فيها»، ويقول «جامع» للغامبيين وعلى وجهه ابتسامة عريضة غير عادية: «أريد أن أكون واضحاً جدّاً بأنني لن أحكم أبداً هذا البلد من دون تفويض، ولن أغشّ أبداً»(11).
وبالرغم من خطابه واتصاله بالفائز؛ فقد تكهّن متابعون لشؤون غامبيا أنّ خطوته تلك ليست جديّة، وأنها لا تُحتسب إلا بعد تسليمه السلطة بعد انتهاء ولايته في يناير، وبالفعل.. تراجع جامع بعد أسبوعٍ من صدور التنائج، وبعد اعترافه بها، حتى إن كان البعض يرجعون السبب إلى خطورة تصريحات المعارضة بعد فوزهم وخطواتهم، ليُدخل البلاد في نفق غامض، حيث قال: «بعد تحقيقٍ شامل، قد قرّرت رفض نتائج الانتخابات الأخيرة، فقد شكوت من خروقات خطيرة وغير مقبولة، والتي قيل إنها حدثت خلال العملية الانتخابية»، مطالباً بانتخاباتٍ جديدةٍ بقيادة مسؤولين «أتقياء لله»(12).
ولكن, مَن ذلك الشخص الذي هزم الحاج والزعيم الغامبي يحيى جامع، بعد عقودٍ من الفوز الاضطراري والتشبّث بالحكم الرئاسي؟
آدم بارو.. الرئيس الغامبي المنتخب(13):
لقد ساهم في فوز آدم بارو كون الاقتصاد الغامبيّ في السنوات الثلاث الماضية يعاني عدة مشكلات، مما يصعّب الحياة على الكثيرين من الغامبيين، وتسبّب بمغادرة الآلاف عبر ركوب البحر الأبيض المتوسط للبحث عن حياةٍ أفضل في أوروبا، إضافة إلى الملاحقات من قِبل حكومة جامع لكلّ مَن تسوّل له نفسه لمعارضة خطواته وطبيعة حكمه.
وُلد مرشح المعارضة في 1965م، في قرية مانكمانغ كوند, تقع في أقصى غرب غامبيا، وبمنحة دراسيةٍ التحق بمعهدٍ إسلامي, ثم عمل في شركة الحاج موسى وأبنائه، قبل أن يتولّى منصب مدير المبيعات، وفي 1996م انضمّ إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» (UDP)، وهذا يعني أنه انخرط في السلك السياسي، وهو في سنّ 31 من عمره.
في بداية 2000م؛ سافر إلى بريطانيا للدراسة في مجال إدارة العقارات, وليتمكّن من تغطية رسوم دراسته عمل حارس أمس, وعاد إلى غامبيا بعد حيازته الشهادة، ليؤسّس شركته الخاصّة في 2006م، والتي كوّن منها ثروته.
قبل ترشيحه كمرشح المعارضة؛ تمّ تنصيبه برئاسة حزب (UDP)، الذي يقوده الزعيم «حسينو داربوه» خصْم يحيى جامع التاريخي، والذي حُكم عليه ومسؤولين آخرين بالحزب في أبريل 2016م بالسجن لمدة 3 سنوات, لمطالبته بإزالة الملابسات عن وفاة «سولو ساندينغ» أحد زعماء المعارضة.
تمّ تعيين آدم بارو- أمين صندوق الحزب آنذاك- بعد الانتخابات التمهيدية التي نظّمها تحالف المعارضة مرشّحاً للحزب, وعلى حدّ تعبيره: «تخلينا عن خلافاتنا جانباً للمصلحة العليا للوطن، لقد استاء الغامبيون من سوء إدارة يحيى جامع التي دامت 22 عاماً، والتي سنضع حدّاً لها عبر صناديق الاقتراع».
أزمة ما بعد الانتخابات وتدخّل إيكواس:
إنّ تغيير جامع لموقفه حيال نتائج الانتخابات أثار انتقادات من الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والأمم المتحدة, والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي شكّلت وفداً إلى غامبيا برئاسة رئيسة ليبيريا إيلين جونسون سيرليف، يضمّ: (رئيس نيجيريا محمد بخاري, ورئيس غانا المنتهية ولايته جون ماهاما, ورئيس سيراليون إيرنيست باي كوروما), في محاولةٍ لإقناع جامع بأن يتخلى عن السلطة(14), إلا أنها كانت محاولة فاشلة(15).
أما جيش غامبيا؛ فهم يغيّرون موقفهم تبعاً لموقع جامع- برغم الإدانات الدولية-، فقائد الجيش الجنرال «بادجي» هنّأَ «آدم بارو» وقدّم له ولاءه، ثم تراجع أيضاً بعدما غيّر «جامع» موقفه تجاه الانتخابات، وسرعان ما أمر باستيلاء القوات المسلحة على مقرّ اللجنة الانتخابية.
وكان المراقبون للأوضاع الغامبية يأملون أن يعيد يحيى جامع النظر في رفضه لنتائج الانتخابات، خصوصاً بعد زيارة لجنة وساطة (إيكواس) له، لكنه زاد الطين بلة، ومضى قُدماً بعد أيامٍ من الزيارة ليصرّح: بأّنّ وفد (إكواس) «غير مرحّب به في غامبيا»، وأنه سيدافع عن بلده وعن نفسه حتى النهاية(16).. «لست جباناً.. لا يمكن انتهاك حقّي،. هذا هو موقفي، لا يمكن أن يحرمني من هذا النصر إلا الله القدير», مضيفاً: «كان اجتماع إيكواس بالفعل إجراءً شكليّاً، قبل أن يأتوا… قالوا إنّ جامع يجب أن يتنحى. لن أتنحى»(17)!
بل اتهم جامع القوى الاستعمارية الغربية باستنزاف خيرات إفريقيا، وأنها هي السبب الرئيس في كلّ المشكلات التي تعيش فيها القارة، فمَن يقف في وجه هذه القوى الاستعمارية، «أو يحاول وقف استنزافها لخيرات القارة، تتم شيطنته، ويُعتبر غير مرغوبٍ فيه من طرف هذه القوى»(18).
زادت حدّة التوتر، وبدأت الآراء تتناول ما قد ينتج عن الأزمة في حال إصرار جامع على مواصلة الحكم الرئاسي, وفجأة ظهر بيانٌ للرئيس النيجيري محذرّاً إياه؛ بأنّ كلّ محاولته للبقاء في الحكم، بعد انتهاء فترته في 18 يناير 2017م، «ستواجه بمقاومةٍ شرسة؛ لأنّ كلّ شيء تمّ إعداده لطرده من الحكم بالقوة عند الحاجة».
فما الذي تم إعداده؟ ومن الذي سينفذه؟
أشار بيانٌ صدر عن القمّة الأخيرة العادية الـ50 لسلطة رؤساء الدول والحكومات لـ(إيكواس)، التي أُقيمت في أبوجا، أنّ كلّ قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، اتفقوا جميعاً على أنهم لن يسمحوا لـ«جامع» بالبقاء في الحكم, كما أنهم اتخذوا قراراً بحضور تنصيب الرئيس المنتخب آدم بارو في 18 يناير 2017م؛ طبقاً لدستور غامبيا.
وجاء في البيان:
أنّ المجموعة «تدعو الرئيس جامع إلى احترام نتائج التصويت، والكفّ عن أيّ عمل من شأنه أن يعرّض للخطر عملية الانتقال السّلميّ للسلطة إلى الرئيس المنتخب»(19).
أما عمّن سينفذ العمليات في حال عدم تراجعه، أو ترْك السلطة في الوقت المحدّد؟ فإنّ الجواب في تصريح رئيس لجنة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا, مارسيل آلان دي سوزا, إذ قال: إنّ السنغال «سترأس العمليات في حال تقرّر تدخّل عسكريّ في غامبيا», مؤكدّاً أنّ المجموعة مستعدة «لاستخدام القوة بغامبيا إذا رفض يحيى جامع التنحي عن السلطة في 19 يناير».
وإذا كانت السنغال لم تؤكد أو تنفي هذا التصريح الأخير لـ«مارسيل آلان»؛ فإنّ ذلك يفيد باستعداد وتأهب قوات السنغال للقيام بالعملية في حال لم يبق سوى الحلّ العسكري.. ولكن السؤال هو: هل ستقاتل القوات الغامبية في صفّ زعيمهم يحيى جامع, أو أنهم سيتراجعون وينضمون لصفوف الشعب الغامبي لتفادي خسائر محتملة؟ وهل سيتنحى جامع قبل الموعد المحدّد في يناير حفاظاً على ما تبقّى من أنفاسه, أو أنّ له خططاً غير معلنةٍ لمساعدته– وفق ما تتداوله بعض المصادر الغامبية-؟
الهوامش والاحالات:
(1) رحلة ابن بطوطة، ص 376.
(2) Hughes and D. Perfect, A Political History of The Gambia, 1816–1994 (Rochester, NY: University of Rochester. Press, 2006), 6–40.
(3) فيديو على موقع يوتيوب عن حياة “إدوارد فرنسيس سمال”, تاريخ المشاهدة: 20-12-2016م.
https://www.youtube.com/watch?v=gpFV1-z5EPM
(4) Yahya Jammeh: devout and erratic leader of Gambia, (تاريخ التصفح: 12/24/2016).
https://www.yahoo.com/news/yahya-jammeh-devout-erratic-leader-gambia-031448965.html
(5) Gambia’s Yahya Jammeh ready for ‘billion-year’ rule, تاريخ التصفح: 14-12-2016م
http://www.bbc.com/news/world-africa-16148458
(6) Gambia Withdraws from Commonwealth, تاريخ التصفح: 15-12-2016م
http://www.voanews.com/a/gambia-withdraws-from-the-commonwealth/1761959.html
(7) الجزيرة: رئيس غامبيا يعلن بلاده جمهورية إسلامية, تاريخ التصفح: 12-12-2016م
https://goo.gl/X7Zc16
(8) In Gambia, AIDS cure or false hope? تاريخ التصفح 11-12-2016م
http://www.physics.smu.edu/pseudo/AIDSgambia.html
(9) History Compass 6/2 (2008): 426–438, 10.1111/j.1478-0542.2008.00513.x, Journal Compilation © 2008 Blackwell Publishing Ltd
(10) قراءات إفريقية: انتخابات غامبيا الرئاسية: لماذا خسر الرئيس “يحيى جامع”.. ؟
https://goo.gl/3LfB2D
(11) المصدر السابق.
(12) أفريكا عربي: رئيس غامبيا «جامع» يعلن رفضه لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
http://afrikaar.com/16055/
(13) قراءات إفريقية: غامبيا: من هو آدم بارو الذي أطاح بيحيى جامع بعد 22 عاماً في الحكم؟
https://goo.gl/JgQK2i
(14) قادة دول غرب إفريقيا يصلون إلى غامبيا لإقناع الرئيس “جامع” بالتنحي, تاريخ الزيارة 19-12-2016م, الرابط:
http://afrikaar.com/16176/16176/
(15) رئيسة ليبيريا: لم نصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة جامبيا, تاريخ الزيارة: 19-12-2016م, الرابط:
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN1422MG
(16) fatunetwork: Yahya Jammeh insists he will not step down, تاريخ التصفح: 22-12-2016م
http://fatunetwork.net/2016/12/21/yahya-jammeh-insists-he-will-not-step-down
(17) المصدر السابق.
fatunetwork: Yahya Jammeh insists he will not step down. تاريخ التصفح: 22-12- 2016م
http://fatunetwork.net/2016/12/21/yahya-jammeh-insists-he-will-not-step-down
(18) يحيى جامع: الحل في إعادة الانتخابات، وسأدافع عن بلدي ونفسي, تاريخ التصفح: 23-12-2016م.
http://www.alakhbar.info/news/19379-2016-12-21-01-16-51.html
(19) What ECOWAS leaders agreed on Boko Haram, Gambia, Guinea-Bissau, Mali, others
1.تاريخ التصفح: 24-12-2016م.
http://www.premiumtimesng.com/news/headlines/218340-ecowas-leaders-agreed-boko-haram-gambia-guinea-bissau-mali-others.html