استضافت تنزانيا كبرى المناورات الهندية مع نظرائها من شرق إفريقيا بعنوان “المشاركة البحرية الرئيسية بين إفريقيا والهند “”AIKEYME – Africa India Maritime Engagement لمدة 6 أيام، شملت مشاركة -إضافة إلى الدولتين المضيفتين (الهند وتنزانيا)- ثماني دول أخرى مُطلة على المحيط الهندي (جزر القمر وجيبوتي وإريتريا وكينيا ومدغشقر وموريشيوس وموزمبيق وسيشل وجنوب إفريقيا).
وتضمنت مشاركة ما يقرب من عشر سفن، بما في ذلك المدمرة “INS Chennai“، وسفينة إنزال الدبابات “INS Kesari“، وطائرات المراقبة البحرية بعيدة المدى من طراز “P-8I“ التابعة للبحرية الهندية، و”سفينة دورية بحرية “INS Sunayna“.
وتمت المناورة على مرحلتين متتابعتين؛ مرحلة الميناء، والمرحلة البحرية؛ جرت الأولى بين 13 و15 أبريل، وتضمنت تدريبات على الطاولة، ومركز القيادة تركز على القرصنة وتبادل المعلومات، وتدريبات حول مهارات الملاحة وعمليات الزيارة والصعود والبحث والمصادرة (VBSS)، وتمت الثانية خلال 16 و18 أبريل، وتضمنت تطوير المهارات البحرية، وتدريبات البحث والإنقاذ، وإطلاق النار من الأسلحة الصغيرة، وعمليات المروحيات([1])
وفي ثنايا الحفل الافتتاحي، أشادت وزيرة الدفاع التنزانية “ستيرغومينا لورانس تاكس”، بالمناورات ووصفتها بأنها “بداية مرحلة جديدة في الشراكة البحرية الإستراتيجية بين الهند وإفريقيا”، وأكد سانجاي سيث، رئيس هيئة الأركان العامة البحرية الهندية، على روح التعاون مستشهدًا بالمثل الإفريقي القائل: “إذا أردتَ أن تنطلق بسرعة، فاذهب وحيدًا، وإذا أردتَ أن تذهب بعيدًا، فاذهب معًا”. وأعرب عن أمله في “شراكة تدوم مدى الحياة”.([2])
مبادرات متعددة:
وتكشف حيثيات المناورات البحرية الهندية ودلالاتها عن رغبة الهند بتعزيز شراكاتها وتعميق تعاونها مع القارة الإفريقية. وبداهةً، لا تُعدّ مناورة “AIKEYME” أولى المناورات البحرية الهندية، وإنما حلقة من سلسلة المبادرات الهندية؛ سواء مبادرة “الأمن والنمو للجميع في المنطقة (SAGAR)”؛ التي جرت خلال العقد الماضي أو مبادرة “التقدم المتبادل والشامل للأمن “(MAHASAGAR)؛ التي أُطلقت في مارس 2025م، كما أنها ليست الأخيرة؛ حيث تعتزم الهند إطلاق مناورة إضافية IOS Sagar””، بمشاركة تسع دول: جزر القمر، وكينيا، ومدغشقر، وجزر المالديف، وموريشيوس، وموزمبيق، وسيشل، وسريلانكا، وجنوب إفريقيا؛ حيث سيتم نشر السفينة البحرية الهندية (INS Sunayna) لأكثر من شهر في منطقة جنوب غرب المحيط الهندي، ويتسنى لها زيارة موانئ دار السلام (تنزانيا)، وناكالا (موزمبيق)، وبورت لويس (موريشيوس)، وميناء فيكتوريا (سيشل)، ومالي (جزر المالديف).([3])
أهداف متنوعة:
ويكشف كلّ من تسمية المناورة “AIKEYME” التي تعني “الوحدة” باللغة “السنسكريتية”، واعتزام الهند تكرارها كل عامين عن دوافع الهند من تلك المناورة؛ فالمدقق لحيثيات المناورة البحرية ودلالاتها الزمنية ودولها المشاركة والتي تتمركز في الساحل الشرقي لإفريقيا، يُقدِّر عددًا من الدوافع والأهداف الهندية كما يلي:
1- الظهور كشريك محتمل ومربح
تحاول الهند أن تظهر كشريك محتمل ومربح للأفارقة، لا سيما في الوقت الذي يتصاعد فيه الشعور السائد حاليًّا بأن القارة الإفريقية مُهمَلة وسط تصاعد التنافس الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كما أن دولها باتت في مرمي نيران الحرب التجارية المتصاعدة.([4])
وفي تلك الأثناء، تحاول اتباع مقاربات أكثر عملية لخلق فرص محتملة أمام الهند لزيادة ارتباطها بالقارة عبر التلويح بنهج أكثر استمالة للأفارقة، يُركّز على بناء شراكات طويلة الأمد لبناء القدرات وتنمية المهارات ونقل التكنولوجيا، وهو ما قد يضمن استفادة الدول الإفريقية من الاستثمارات الهندية والتمكن من امتلاك منظومات نموّ مستدامة ذاتيًّا بخلاف النهج الصيني الذي يعتمد مقولة “الموارد مقابل النقد”.([5])
وبالنظر إلى مناورة “AIKEYME”، أشار رئيس الأركان البحرية الهندية “تارون سوبتي” إلى أن المناورة تهدف إلى تعزيز مكانة البحرية الهندية باعتبارها “الشريك الأمني المفضل” و”المستجيب الأول” في منطقة المحيط الهندي.([6])
2- تعزيز الحضور العسكري الهندي
تنظر الهند لمياه الساحل الشرقي لإفريقيا ضمن محيطها الأمني؛ حيث تتطلع إلى الانتشار فيها ومراقبتها، وفي ضوء ذلك، تأتي مناورة “AIKEYME” كأحد المحاولات الهندية لتعزيز حضورها العسكري في المحيط الهندي؛ فالهند تحاول النفاذ عبر تلك المناورات البحرية للولوج إلى القارة الإفريقية وسواحلها البحرية وضمان وجودها لموازنة النفوذ الصيني ولتعزيز مكانتها البحرية.([7])
3- تأمين المصالح الهندية البحرية
لأجل تأمين مصالحها البحرية الهندية، تؤدي الهند أدورًا بشأن رفع قدراتها البحرية وانتشارها في المحيط الهندي لمعالجة التهديد الأمنية البحرية التقليدية وغير التقليدية، تظهر تلك الأدوار في المبادرات والمناورات البحرية مع شركائها الأفارقة في الدول الجزرية لمكافحة الإرهاب والقرصنة وصفقات السلاح، ويجدر القول: إن مناورة “AIKEYME” تُعدّ أحدث التحركات الهندية تجاه إفريقيا لتبادل المعلومات والمراقبة وتعزيز التوافق التشغيلي مع القوات البحرية الإفريقية وفق تصريح نائب الأدميرال سوبتي في حفل الافتتاح.([8])
4- زيادة الصادرات الدفاعية
في ضوء الإحصائيات التي تُقدّر إمدادات الأسلحة الهندية لإفريقيا بنحو 15% فقط من إجمالي صادرات الهند الدفاعية، يدلل تضمن المرحلة الأولى من مناورات “أيكيميي” -مرحلة الميناء- معرضًا دفاعيًّا، شاركت فيه 22 شركة هندية بعرض تقنيات متقدمة، بما في ذلك أنظمة المراقبة والاتصالات؛ أن المناورات البحرية الهندية لا تنفصل عن كونها إحدى الخطوات الهندية للترويج للقدرات البحرية الهندية كقوة بحرية مسؤولة، والمستجيب الأفضل والأمثل لتسويق الصناعات الدفاعية الهندية بما في ذلك: المعدات وصواريخ أرض-جو، والأسلحة الصغيرة والذخائر، والترويج بأنها قادرة على تلبية الطلب الإفريقي على المعدات العسكرية.([9])
5- ترقية شراكات التعاون الدفاعي
يشهد التعاون الهندي الإفريقي في مجال الأمن والدفاع نموًّا مطردًا، يظهر في إنشاء الهند إنشاء أكاديميات للدفاع في إثيوبيا وتنزانيا وإنشائها محطات مراقبة في دول جزرية إفريقية، مثل: مدغشقر وموريشيوس وسيشل وتوطيد شراكات تعاون دفاعي مع دول مثل تنزانيا وموزمبيق، عن تقديم الهند لشركائها الأفارقة خدمات صيانة المعدات ومرافق الأرصفة والسفن والأسلحة والطائرات، وتزوّدهم بالمدرعات والمروحيات القتالية وزوارق الدوريات البحرية([10]).
وفي هذا السياق، تأتي المناورة الهندية كأحد الخطوات الهندية لتوسيع تلك الشراكات الدفاعية التي اعتادت الهند على إجرائها بصورة مستمرة؛ إذ ترصد الإحصائيات مشاركة القوات البحرية الإفريقية في جميع دورات مناورات الشراكة البحرية الهندية (MPX) السبع والأربعين في غرب المحيط الهندي.([11])
6- مراقبة التحركات الصينية
في غرب المحيط الهندي، أنشأت الهند محطات مراقبة في جزر المالديف وشمال مدغشقر وموريشيوس وسيشل لمراقبة التحركات والأنشطة البحرية، ومع تصاعد التنافس الهندي– الصيني، سواء على جبهات متعددة، من جوارها في جنوب آسيا إلى منطقة المحيط الهندي وتزايد القلق الهندي من التحركات الصينية سواء إرسالها السفن الحربية أو الوصول إلى القواعد البحرية الرئيسية، باتت الهند حريصة على أن تبقى “متيقظة تمامًا” للنشاط التجاري والعسكري الصيني([12]). لعل ذلك ما دفع الهند إلى إنشاء محطات المراقبة وتكثيف علاقاتها مع الدول الجزرية، وتحديدًا موريشيوس وبلا شك، تضمن مناورة “أيكيمي” تعزيز القدرات الهندية الرقابية والاستطلاعية لمراقبة الأنشطة الصينية عن كثب.([13])
آليات أخرى:
جدير بالذكر أن الهند في سبيلها لتعزيز العلاقات مع القارة الإفريقية لا تقتصر على المناورات البحرية فقط، وإنما تُسخّر آلياتها: (الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والثقافية)؛ فلطالما، سعت الهند إلى الترويج لنقاط التفاهم والتقارب الهندي الإفريقي بشأن الحاجة إلى نظام عالمي أكثر إنصافًا، جنبًا إلى جنب دعم التمثيل العادل للأفارقة في الهيئات الدولية ومتعددة الأطراف مثل مجلس الأمن الدولي، كما أنها نجحت في تأمين العضوية الدائمة للاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين خلال رئاستها للمجموعة في 2023م، وحصلت صفة مراقب داخل التكتلات الإقليمية الإفريقية: (الكوميسا، والسادك، والإيكواس)، وطوَّرت علاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا حتى باتت ثالث أكبر شريك تجاري لإفريقيا بعد الصين والاتحاد الأوروبي بقيمة تتخطى 100 مليار دولار وثاني أكبر مقرض وأحد أكبر المستثمرين الخمس في القارة بقيمة 74 مليار دولار.([14])
عوائد مأمولة:
يَعِي المدقق لتحركات الهند وسياساتها تجاه القارة الإفريقية أن مناورة “AIKEYME” لا تثير استغرابًا واسعًا لدى الأروقة السياسية والأكاديمية؛ فعلى نطاق واسع، تُفهَم تلك التحركات الهندية بأنها تحركات من صانع القرار الهندي ونظرته للقارة الإفريقية؛ فالهند تُعوّل من وراء شراكاتها من القارة الإفريقية في أول المقامات؛ إلى الاستفادة من الكتلة التصويتية لدول القارة البالغة 54 دولة في المحافل الدولية، وفي ثاني المقامات؛ الاستفادة من القيمة السوقية والتجارية للقارة باعتبارها سوقًا ضخمًا يضم 1.3 مليار نسمة، وقادر على استقبال الصادرات والاستثمارات الهندية، وفي ثالث المقامات؛ الاستفادة من مواردها الطبيعية وثرواتها المعدنية والتي من شأنها أن تؤمن احتياجات الهند من الطاقة والموارد المعدنية النادرة؛ إذ يمكن لناميبيا والنيجر-اللذين يعدان من أكبر عشرة منتجين بالعالم لليورانيوم- أن يُوفِّرا احتياجات الهند من اليورانيوم، ويمكن لاحتياطات الليثيوم المنتشرة في بلدان مثل زيمبابوي وناميبيا وغانا أن يلبوا طموحات الهند في مجال المركبات الكهربائية التي تستهدف الهند وصولها إلى 30% بحلول عام 2030م.( ([15]
وأن تؤمن احتياطات النحاس وإنتاجه في دول مثل زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية طلب الهند على النحاس المتوقع وصوله 1.433 مليون طن بحلول عام 2026م لتعزيز قطاع الطاقة المتجددة.([16])
خلاصة القول:
يمكن القول: إن مناورات الهند البحرية بما في ذلك مناورة “أيكيمي” قد تفتح آفاقًا جديدة للهند لتمديد نفوذها وحضورها في غرب المحيط الهندي وتمكّنها من النفاذ والتموضع في الساحل الشرقي لإفريقيا، كما أنها ترفع من أُهبة الدول الإفريقية بدرجة أو بأخرى على مكافحة التهديدات الأمنية البحرية من القرصنة والاتجار غير المشروع والصيد غير المنظم وغير المُبلّغ عنه وهي نتائج حال إتمامها تُعزّز من علاقات الهند مع نظرائها الأفارقة وتُعضّد شراكاتها، وخاصةً على الصعيد الأمني والدفاعي والتجاري وفق الأطروحة الرائجة مؤخرًا بشأن كون الهند شريكًا مثاليًّا ومرشحًا مستقبلًا للقارة محلّ الصين، إلا أنه وبمقارنة الأرقام والإحصائيات، يمكن القول: إن تلك الأطروحة لا تزال مستبعدة وغير محتملة على الأقل في المديين: القريب والمتوسط؛ حيث لا تزال التحركات الهندية تجاه إفريقيا بطيئة نسبيًّا، والنفوذ الهندي لا يزال منحصرًا بصورة كبيرة في المناطق الطرفية والدول الجزرية الكائنة في الساحل الشرقي لإفريقيا، كما أن المبادئ التوجيهية العشرة للمشاركة بين الهند وإفريقيا الصادرة عام 2018م لم يعد يُنظَر إليها كرؤية شاملة تجاه القارة بقدر ما هي استمرار للمبادئ التقليدية للشراكة مقارنة بالرؤية الصينية، كما أن الصين -رغم الاستثمارات الهندية والسياسات التجارية- لا تزال هي الدائن والمستثمر والشريك التجاري الثنائي الأكبر لإفريقيا بقيمة 167 مليار دولار.
………………………………
[1] Indian Navy to participate in multilateral maritime exercise with African nations, DD NEWS, 24 march 2025, https://l.muz.kr/xyV
[2]– لتعزيز التعاون الإقليمي… الهند وإفريقيا تجريان مناورات بحرية لأول مرة، الميادين، 15 أبريل 2025م، https://shp.lol/difx
[3] Indian Navy to participate in multilateral maritime exercise with African nations, DD NEWS, 24 march 2025, https://l.muz.kr/xyV
[4] India’s largest naval exercises with Africa flaunt expanded influence, African Busyness, 17 April 2025, https://l.muz.kr/ljf
[5] The Growing Influence Of India Over China In Africa, India west, April 2025, https://l.muz.kr/cyi
[6] India Navy announces maiden India-African exercise, Indian Ocean Ship (IOS) Sagar, the Hindu, March 24, 2025, https://l.muz.kr/8M7
[7] الهند ودول إفريقية تجري أول مناورات بحرية لتعزيز التعاون الإقليمي، الجزيرة، 15 أبريل 2025، https://l.muz.kr/TjL
[8] India, 10 African nations set for first naval joint exercise ‘AIKEYME’ in April, India Today, 24 march 2025, https://l.muz.kr/WxC
[9] India, African nations kick off sea phase of maiden naval drills, Hindustan times, 16 April 2025, https://l.muz.kr/sg7
[10] Indian Navy to hold maiden exercise with 10 African nations in April, business-standard, Mar 24 2025, https://l.muz.kr/TnM
[11]Africa-India Cooperation Sets Benchmark for Partnership, African Center, December 12, 2023, https://l.muz.kr/ZtN
[12] Inaugural Africa India Key Maritime Engagement underway off Tanzania, Defence Web, 17 April 2025, https://l.muz.kr/9fs
[13] India launches biggest-ever joint naval exercises in Africa, MSN, 17 April 2025, https://l.muz.kr/TgH
[14] Is China Losing Africa to India?, news week, Mar 18, 2025, https://l.muz.kr/FpP
[15] Where does India stand in Africa’s $3 trillion opportunity, Economic Times, Jun 19, 2024, https://l.muz.kr/taE
[16] New Pathways in India-Africa Collaborations, Drishtiias, 7 September 2025, https://l.muz.kr/qAe