مقدمة:
شهد شهر نيسان/ أبريل 2025م اهتمامًا إسرائيليًّا ظاهرًا للعيان بعددٍ من القضايا التي تخص القارة الإفريقية، وهي في المجمل ذات صلة بملفات إستراتيجية مهمة، ترتبط بمجمل السياسات الأمريكية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه القارة، والتي يبدو أنه تُقلق إسرائيل؛ إذ تؤشر على انحسار النفوذ الأمريكي لصالح حضور قويّ للصين وروسيا، ولا يُستثنَى من ذلك قضية الرسوم الجمركية التي يبدو أنها دفعت بلدًا محوريًّا مثل كينيا لتغيير اتجاه البوصلة الاقتصادية نحو بكين.
كما سلَّطت الصحافة العبرية الضوء على قضية شائكة تتعلق بمحاولات الحوثيين في اليمن مدّ نفوذهم إلى منطقة القرن الإفريقي من بوابة قبيلة العفر، والتي تنتشر في 3 دول، وتعاني حالة من الفقر ومشكلات أخرى، الأمر الذي دفع الإعلام العبري للتحذير بشكل مبكّر من تلك المحاولات؛ حال صحتها.
فيما انشغل الإعلام العبري أيضًا بقضية بلدة أورانيا بجنوب إفريقيا، والتي يقطنها البيض، ويتطلعون إلى الاستقلال، مستلهمين في ذلك تجربة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، من زاوية أن إقامة إسرائيل عام 1948م جاءت على الرغم من الوسط العربي الرافض، ومِن ثَم وجدوا أن ما يتطلعون إليه ممكن لو ساندتهم الإدارة الأمريكية.
ويُسلّط المقال الأول بصحيفة ماكور ريشون العبرية للكاتب يسرائيل شاماي، الضوء على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه القارة الإفريقية، والعوامل التي تؤدي إلى تقليص الدور الأمريكي بالقارة. ويرى المقال المنشور في 15 نيسان/ أبريل 2025م، أن تلك السياسات قد تدفع إفريقيا نحو أذرع الصين وروسيا والتنظيمات التي يصفها بـ«الإرهابية»، ويعتقد أن ثمة مخاطر تَطال الأمن القومي الأمريكي، لو أقدمت واشنطن على غلق سفارات وقنصليات بالقارة، في وقتٍ تُعدّ فيه بوابة لعمل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وتسهم في عملياتها ضد الإرهاب، ويعرب عن خشيته جراء احتمال فقدان واشنطن ثروات كبيرة من المواد الخام والمعادن المهمة واليورانيوم، ويرى أن الرسوم الجمركية الجديدة تدفع دولًا محورية، منها كينيا، نحو تعزيز التعاون مع الصين.
ويزعم المقال الثاني، للكاتبة ليؤور بن آري، بصحيفة يديعوت أحرونوت، والمنشور في 25 نيسان/ أبريل 2025م، أن جماعة الحوثي في اليمن، تحاول جاهدةً استقطاب أبناء قبيلة العفر السُّنية، التي تقطن منطقة القرن الإفريقي، وأن الفقر والكفاح من أجل الاستقلال حوَّل تلك القبيلة إلى هدف جذاب بالنسبة للحوثيين، الذين يسعون لتجنيد أبنائها، في إطار رغبتهم في امتلاك موطئ قدم هناك، وتستند في ذلك إلى عدة شهادات، منها شهادة أحد أبناء قبيلة العفر، كان قد فرَّ من إريتريا عبر اليمن، طالبًا اللجوء في أوروبا، والذي يقول: إن الحوثيين نجحوا في تجنيد العديد من المواطنين الأفارقة.
أما المقال الثالث بصحيفة يديعوت أحرونوت فقد ركَّز على أورانيا؛ وهي تلك البلدة الصغيرة الانفصالية الواقعة في وسط جنوب إفريقيا، والتي ترغب في الاستقلال، وتنشد دعمًا أمريكيًّا من الرئيس دونالد ترامب، للاعتراف بها، وهو الملف الذي تناقلته وسائل إعلام عديدة حول العالم، إلا أن الصحيفة العبرية ركَّزت على مواقف لزعماء ما تسمى “حركة أورانيا”، والذين قارنوا بين تطلعات الاستقلال وبين إقامة إسرائيل عام 1948م في وسط عربي يعارض وجودها، وفق اللهجة التي استخدمتها الصحيفة.
التهديد الأمني الأكثر خطورة: الولايات المتحدة تدفع إفريقيا باتجاه الصين وروسيا([1])
استغربت صحيفة ماكور ريشون العبرية، عبر مقال منشور بتاريخ 24 نيسان/ أبريل 2025م، اتجاه الرئيس دونالد ترامب لغلق سفارات وقنصليات لبلاده في أنحاء متفرقة من قارة إفريقيا، ضمن سياسة يسعى لتعميمها لتشمل مناطق أخرى منها أوروبا. وفي المجمل يسعى ترامب لغلق 27 سفارة وقنصلية أمريكية في دول أوروبية وإفريقية وغير ذلك، واقتبست تصريحًا صدر عن الرئيس السابق لشعبة إفريقيا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، دارل بلوكر، والذي يعتقد أن الخطوة تحمل زخمًا لخطر كبير، سيطال الأمن القومي الأمريكي، وسيشعر به الجيل الحالي.
ولا يشك المسؤول الاستخباري الأمريكي السابق بأنه في حال تخلت بلاده عن قارة إفريقيا لصالح الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، والتنظيمات الإرهابية الدولية، فإنها تخاطر بفقدان مراكز ثِقَل، كانت تُتيح لأجهزة الاستخبارات الأمريكية الاطلاع على المستجدات واستباق المخاطر.
وذهبت الصحيفة العبرية إلى أن تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي بين دول إفريقيا وبين روسيا والصين سيتطور ليشمل تعزيز أوجه التعاون الأمني، بصورة تتعارض مع المصالح الأمنية والاستخبارية الأمريكية، وأعربت عن قناعتها بأن الانخراط الروسي-الصيني في القارة الإفريقية سيُتيح لهما الفرصة لنشر طائرات مُسيَّرة من دون طيار، الأمر الذي يُشكِّل خطرًا على الجناح الجنوبي لحلف الناتو مستقبلًا.
ويعتقد كاتب المقال، يسرائيل شاماي، أن التطورات المشار إليها، ستضع صعوبات أمام الولايات المتحدة فيما يتعلق بإقامة قواعد عسكرية جديدة في إفريقيا، ما ينعكس على حربها على الإرهاب، ومن ذلك حربها على تنظيم داعش في منطقة الساحل، وسيُصعِّب حصولها على المعلومات الاستخبارية، مشيرًا إلى أن العام الماضي شهد قيام موسكو وبكين بتعزيز وجودهما بشكل كبير في عددٍ من دول القارة الإفريقية، مثل النيجر، وبوركينا فاسو، والكونغو، كما عززتا تعاونهما الأمني مع هذه الدول.
وأوضح الكاتب أن هناك شخصيات استخبارية أمريكية على قناعة بأن غلق السفارات والقنصليات بالقارة يعني غلق محطات لوكالة الاستخبارات المركزية ذاتها، ولا سيما أذرعها العملياتية السرية، مستشهدًا بكتاب هينري كرومبتون، المسؤول الأمريكي السابق في مجال مكافحة الإرهاب، والذي وصف القارة الإفريقية بأنها “حلبة صيد ثمين” بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي تبحث عن عملاء من كوريا الشمالية، أو روسيا، أو الصين، أو دول قمعية أخرى لتجنديهم، في وقت يصعب للغاية الوصول إليهم في بلدانهم؛ على حد قوله.
ويقتبس الكاتب الإسرائيلي أيضًا عن كرومبتون قوله: إن السفارات الأمريكية في إفريقيا “تُعدّ غطاءً دبلوماسيًّا ضروريًّا للغاية لنشاطات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إضافةً إلى العمليات الدفاعية، وأن غلق السفارات سيُصعِّب مهمة تجنيد عملاء، لا سيما من روسيا، وبالتحديد أولئك الذين أعربوا عن سَخَطهم جراء الحرب في أوكرانيا ويُبْدُون استعدادًا للتعاون”.
وذهب الكاتب إلى أن هناك قضية أخرى على صلة بالوصول إلى الموارد الطبيعية، فهناك العديد من دول إفريقيا تُعدّ من أغنى البلدان بالمعادن في العالم، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تمتلك أكثر من 70% من احتياطيات العالم من الكوبالت، وتفتخر بمكامن الماس، واحتياطيات النحاس، والقصدير، والتنتالوم، والتنجستن، والذهب الوفيرة. ولا يقل عنها أهمية دول أخرى مثل: ناميبيا، والنيجر، وجنوب إفريقيا، وهي من بين عشر دول حول العالم غنية باليورانيوم.
وأضاف الكاتب: إن تخلّي ترامب عن إفريقيا لصالح روسيا والصين من شأنه أن يمنحهما القدرة على إغراق أوروبا بأعداد أكبر من المهاجرين بطرق مختلفة، وهو الأمر الواقع الذي سيتفاقم بفعل المشكلة الأساسية الكبرى، وهي مشكلة الإرهاب، التي ستتعمق لو اتخذ الأمريكيون قرارًا بتقليص وجودهم في إفريقيا.
ومن غير المعلوم بعدُ ما إذا كان مشروع القرار الأمريكي الذي نشرته شبكة CNN سوف يُنفَّذ فعليًّا، فوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، نفى وجود نية لإغلاق البعثات الدبلوماسية حول العالم، لكن من ناحية أخرى، هناك مصادر إعلامية تؤكد أن الأمر قيد الدراسة.
ووفق الصحيفة العبرية، فإن نية غلق البعثات الدبلوماسية جاءت كجزء من الحرب التي أعلنها ترامب على “الترهل” الزائد في القطاع العام الأمريكي، وأنه يتعين الانتظار لمعرفة كيف يمكن أن تؤثر تلك السياسات على مصالح البيت الأبيض في إفريقيا.
لكنّ ملف السفارات والبعثات الدبلوماسية واحتمالات غَلْقها لم يكن الوحيد، فالكاتب الإسرائيلي يرى أن تآكل الوجود الأمريكي في إفريقيا يبدو جليًّا أيضًا في غلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وإلغاء أكثر من 80% من البرامج التي كانت تحت رعايتها، بعد أن كانت أغلب البلدان الإفريقية تستفيد بدرجة أو بأخرى من المساعدات التي تقدّمها الوكالة، بما في ذلك الكونغو، وكينيا، وأوغندا، وزامبيا، والصومال، ونيجيريا، وغيرها.
وفي بلد مثل ناميبيا، الدولة الثالثة في العالم من حيث مخزون اليورانيوم، تقول الصحيفة: إن المواطنين شعروا بالغضب إزاء قرار الولايات المتحدة وقف الدعم الذي تقدّمه للبلاد لمكافحة الإيدز، كجزء من برنامج بيبفار PEPFAR))، أمَّا في نيجيريا فهناك انتقادات لقرار الحكومة الأمريكية بوقف تمويل مشروع يوفر خدمات التغذية لنحو 5.5 مليون طفل.
قضية الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أيضًا من بين أسباب تقليص الدور الأمريكي النَّشط بالقارة، بحسب رؤية الكاتب، والذي يرجّح أن حركة التجارة بين الولايات المتحدة والقارة السوداء لن تنقطع تمامًا، لكنها ستتأثر بشكل كبير، ومن المتوقع أن تسعى الدول الإفريقية إلى تعزيز الشراكات مع الصين، وروسيا، وتركيا، ودول أوروبا، والخليج العربي.
وأردف أنه خلال الـ15 عامًا الأخيرة، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للدول الإفريقية، وبلغ حجم التبادل التجاري مستويات قياسية، بلغت 295 مليار دولار. وفي عام 2023م، صدَّرت الصين بضائع بقيمة 178 مليار دولار إلى إفريقيا، واستوردت بضائع بقيمة 116 مليار دولار فقط من القارة.
وتنظر الصين إلى الدول الإفريقية كشركاء تجاريين محتملين مهمّين، وتسعى العديد من الدول الإفريقية إلى تقليص اعتمادها على التجارة مع الغرب، وبخاصة في ظل التعريفات الجمركية الجديدة، فيما يشير الكاتب إلى أن كينيا تُعدّ نموذجًا مهمًّا على تلك النزعة.
وفسَّر ذلك بأن الرئيس الكيني ويليام روتو، أجرى زيارة إلى بكين عقب إعلان الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، والتقى الرئيس شي جين بينج، ليصبح بذلك أول زعيم إفريقي يحل ضيفًا على بكين منذ فرض إدارة ترامب الرسوم الجمركية، بعد أن كانت كينيا من بين أقرب حلفاء الولايات المتحدة في إفريقيا، وتعد من أكثر الدول من حيث الكثافة السكانية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، مشيرًا إلى أن التقارب الصيني-الكيني ربما يفتح المجال أمام ترسيخ النفوذ الصيني في القارة الإفريقية على حساب الولايات المتحدة.
في موقع إستراتيجي في قلب البحر الأحمر: هذه هي القبيلة التي يحاول الحوثيون إغراءها([2])
تزعم الكاتبة الإسرائيلية ليؤور بن آري، عبر مقالها بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن ثمة مؤشرات على امتداد النفوذ الحوثي إلى منطقة القرن الإفريقي، وتقول: إن الأمر تسبَّب في إثارة قلق إسرائيل، في وقتٍ يعني فيه وصول نفوذ الحوثيين الموالين لإيران، والذين يسيطرون على شمال غرب اليمن، إلى إفريقيا، أنهم سيمتلكون بيئة خصبة للعمل من دون عوائق.
وذهبت الكاتبة إلى أن حالة الفوضى والحروب والفقر التي يعانيها أبناء قبيلة العفر، الذين يقطنون منطقة إستراتيجية، ويقبعون على الطرف الآخر من خليج عدن ومضيف باب المندب قبالة اليمن، تمنح الحوثيين والإيرانيين فرصة كبيرة لاستقطابهم.
وأضافت أن الحكومة اليمنية الشرعية نشرت أخيرًا أدلة مهمة بشأن محاولات الحوثيين، منها توثيق شهادة مواطن إريتري يدعى علي أحمد، ينتمي إلى قبيلة العفر؛ تحدَّث عن قيام الحوثيين بإنشاء خلايا إرهابية تطل على البحر الأحمر في المنطقة، وجنَّدوا البسطاء في صفوفهم. وروى تفاصيل حول نقله إلى اليمن، ومحاولات الحوثيين إقناعه بالفكر المتطرّف، ومنحوه أموالًا مقابل تجنيد المزيد من الأشخاص.
واستعانت الكاتبة بالخبيرة الإسرائيلية إيريت بيك، من قسم تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، والتي حدثتها عن أصول تلك القبيلة، فأشارت إلى أنها منتشرة في عدة دول، أبرزها جيبوتي، وإثيوبيا، وإريتريا، وأن ظروف معيشة كل مجموعة تختلف عن المجموعة الأخرى، وأنهم ينتشرون في أنحاء القرن الإفريقي. واعتنقت قبيلة العفر الإسلام في وقت مبكر من القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ومعظم أفرادها اليوم من المسلمين السُّنَّة، كما أنهم رُحَّل، يجمعون بين الترحال والاستيطان الزراعي، ولديهم أحيانًا صراعات مع السكان الدائمين في أماكن مختلفة، ويعدون مشكلة كبيرة في منطقة القرن الإفريقي، وكلما ازداد عدم الاستقرار وانحسرت الموارد الطبيعية؛ ازدادت الصراعات على الموارد المعيشية.
وترى الكاتبة أن إيران وأذرعها، واستفادتها من الفوضى أو حتى العمل على إشعالها، تعني أنها وجدت هدفًا سهلًا، كما أن أبناء قبيلة العفر في كفاح من أجل الاستقلال مع جيبوتي، وإثيوبيا، وإرتيريا، وقد وعدهم الحوثيون بأن طهران ستدعمهم اقتصاديًّا وعسكريًّا في نضالهم، وتعهَّدوا لهم بأن يصبحوا قوة كبرى وفعَّالة في البحر الأحمر، تمامًا مثلما حوَّلت إيران حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن إلى قوة عسكرية.
ووفق الصحيفة، يُعدّ أبناء العفر أقلية في البلدان الثلاثة حيث يقطنون، ففي إثيوبيا، على سبيل المثال، ثمة إحدى الولايات التي تسمى “ولاية عفر”، ومع ذلك، يُعدّ أبناء قبيلة العفر مجموعة مُهمَّشة لو جرت مقارنتهم بالأمهرية والتيجراي والأورومو.
وتنقل عن الخبيرة إيريت بيك أنه “على الرغم من أن أبناء قبيلة العفر طالبوا في الماضي بالاستقلال عن إثيوبيا، إلا أنهم اليوم لا يعتبرون مجموعة كبيرة تهدّد النظام القائم، وفي بلدٍ يقطنه قرابة 120 مليون نسمة، يُنظَر إلى العفر على أنهم أقلية عددية وجغرافية، وليسوا تهديدًا كبيرًا للدولة الإثيوبية، وينطبق الأمر على الدول الأخرى، فهم أقلية بشكل عام”.
وأوضحت أنه “من الناحية الأيديولوجية، لا يرتبط العفر عمومًا بالتطرف، لكنّ طبيعة الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي حاليًّا والحروب والصراعات وأزمة المناخ التي تُهدّد الأمن الغذائي، كل ذلك يعني أن تقديم وعود لأبناء هذه القبيلة بشأن الأمن الاقتصادي تجذب أيضًا الشباب من العفر إلى المنظمات المسلحة والمتطرفة.
وفي حوار مع الصحيفة العبرية، يقول مصدر ينتمي لقبيلة العفر: إن الحوثيين “جنَّدوا نشطاء أفارقة بالفعل، أغلبهم ينتمون لمجموعات عرقية أخرى، وليسوا من قبيلة العفر على وجه الخصوص، مضيفًا أن الحوثيين يُشكِّلون خطرًا أيديولوجيًّا على دول الجوار، فهم يعملون بشكل هادئ وخفي، مثلما عملت إيران حين صدَّرت التشيع إلى المنطقة، ومِن ثَم فإن هدفهم البعيد هو النفوذ ونشر أفكارهم”.
ويشير المصدر، الذي لم تكشف الصحيفة اسمه، أن الحوثيين يعملون على امتلاك موطئ قدم داخل قبيلة العفر، بسبب الموقع الجغرافي، لكن تلك الخطوة لم تفلح بعد بصورة واضحة، حتى في إريتريا لا يسمحون للحوثيين بالعمل هناك، على الرغم من محاولاتهم بطرق مختلفة.
أحد أبناء القبيلة ذاتها، ويعيش حاليًّا في أوروبا، أخبر الصحيفة العبرية أن الحياة الصعبة في القرن الإفريقي لا تقتصر على أبناء القبيلة، وأنه أُجبر على الهجرة من إريتريا؛ لأن النظام الحاكم هناك لم يترك له خيارًا آخر، ليتمكّن من الوصول إلى أوروبا بعد رحلة عبر القارات شملت اللجوء إلى اليمن.
وروى أن أفرادًا من قبيلته هاجروا أيضًا إلى نيوزيلندا، وفنلندا، والنرويج، والسويد، وهولندا، وقال: إن شعب العفر يتّسم بأسلوب الحياة القَبلي، ولا يتجاوز حدوده إلا نادرًا، وأن من انضموا لجماعة الحوثي هم في الغالب من جنسيات إفريقية أخرى.
ويرجّح آخر تحدَّث أيضًا مع الصحيفة أن أغلب مَن يُجنّدهم الحوثيون هم من الأفارقة الذين توجهوا إلى اليمن أملًا في الانتقال إلى المملكة العربية السعودية طلبًا لحياة أفضل، ويُجنَّد هؤلاء خلال تهريبهم في مناطق الحوثيين، ويتلقون عروضًا مُغرية من الجماعة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر آخر من القبيلة ذاتها أن موقعهم قرب مضيق باب المندب حوَّلهم إلى محط أنظار الكثيرين، وأن هناك مَن يحاولون تشويه صورة قبيلته خشيةَ مطالبتها بدولة مستقلة، ومِن ثَم يُمهِّدون لترسيخ فكرة مستقبلية بأن العفر إرهابيون، وختم بقوله: “نحن مسالمون، لا نعتدي على الآخرين”.
بلدة بيضاء في جنوب إفريقيا تريد أن تصبح دولة بمساعدة ترامب “نحن مثل إسرائيل”([3])
استهلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية تقريرها المنشور بتاريخ 15 نيسان/ أبريل 2025م، بالتذكير بأنه في أعقاب انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، قبل قرابة ثلاثة عقود، عارضت مجموعة من الأفريكانيين البيض، ممن ينحدرون من نسل المستوطنين الهولنديين، حكم الغالبية السوداء، للحد الذي دفع أعضاء تلك المجموعة إلى إنشاء جيب انفصالي؛ حيث المدينة الوحيدة في جنوب إفريقيا التي لا يقطنها إلا البيض، حتى ولو كانوا من عُمَّال الكفاف، مضيفةً أن زهاء 3 آلاف من قاطني مدينة أورانيا (Orania) ينشدون الآن دعمًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصبح مدينتهم دولة.
وفي نهاية آذار/ مارس 2025م، زار زعماء هذه الجالية الولايات المتحدة الأمريكية؛ في محاولة للحصول على اعتراف أمريكي بمدينة أورانيا ككيان مستقل، في وقتٍ تعترف فيه السلطات في جنوب إفريقيا حاليًّا بالمدينة باعتبارها سلطة محلية، ما يعني أن لديها سلطة جباية الضرائب المحلية وتقديم الخدمات، بيد أن سكان أورانيا لا يكتفون بذلك ويتطلعون لتحسين وضعهم بشكل كبير.
الصحيفة العبرية اقتبست تصريحات كان زعيم حركة أورانيا، جوست سترايدوم، قد أدلى بها لوكالات الأنباء، جاء فيها أنه “نظرًا للحضور الأمريكي النشط بجنوب إفريقيا اليوم، أردنا أن نحظى باعتراف”، وفسَّرت المغزى من مصطلح “الحضور النشط” الذي استعان به، بأنه يعني الموجة غير المسبوقة من الدعم الذي قدَّمه الأمريكيون اليمينيون للأفريكانيين القوميين، الذين فقدوا قوتهم الهائلة بنهاية نظام الفصل العنصري عام 1994م، وقت أن أصبح نيلسون مانديلا أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.
ولا يطالب زعماء الحركة بتبرعات أمريكية لصالح ما أسمته الصحيفة الإسرائيلية بـ”المستوطنة” التي تغطي مساحة تبلغ نحو 80 كيلو مترًا مربعًا، وإنما يُبدون اهتمامًا بالاستثمارات الأمريكية لبناء منازل؛ لاستيعاب الزيادة السكانية التي تبلغ 15%، ولتطوير البنى التحتية، ولدعمهم نحو استقلالية الطاقة. كما أبرزت في المقابل موقفًا رسميًّا معارضًا لتلك النزعة الانفصالية، مثل تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا، كريسبين فيري، والذي علَّق بأن أورانيا “ليست دولة، وأنها تخضع لقانون جنوب إفريقيا ودستورنا”.
ورصدت الصحيفة الإسرائيلية البُعْد التاريخي لتلك الحركة، إلا أنها على يبدو سلطت الضوء بشكل خاص على مقارنةٍ عقَدها بعض الزعماء الأفريكانيين، الذين زجَّوا باسم القضية الفلسطينية في الجدل الدائر بشأن أورانيا. وعلى سبيل المثال، تصريح كارل بوخوف، الزعيم السابق لحركة أورانيا، الذي عقد مقارنة بين إعلان إقامة إسرائيل عام 1948م، على الرغم من المعارضة الشديدة من جانب العرب قاطني تلك المنطقة، كما تصف، وبين سعيه لاستقلال أورانيا، وأضافت أن بوخوف، الذي أسَّس والده أورانيا، ويَعتبر الكثيرون جَدَّه هندريك فيرورد، أحد عرَّابِي نظام الفصل العنصري، يحلم بإقليم يمتد حتى الساحل الغربي، على مسافة 1600 كيلو مترًا بعيدًا عن طرفها الحالي.
وبحسب الصحيفة، “في سنوات التسعينيات، وعقب سقوط النظام الأبيض، اشترت مجموعة تضم 300 أفريكاني أورانيا، وقت أن كانت مجرد مشروع مهجور للمياه على نهر أورانج الموحل، وتطلعت لإنشاء وطن قومي للأفريكانيين البيض فقط”، ناقلةً عن بوخوف أن “تلك كانت بداية لشيء ما”.
وأوضحت أن الزعيم السابق لحركة أورانيا شبَّه رغبته في الاستقلال بحالة إسرائيل، التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية في وسط عربي معارض بشدة للخطوة، وذهبت إلى أن زعماء حركة أورانيا، مع ذلك، يشعرون بخيبة أمل؛ لعدم حدوث تقدُّم في قضيتهم، وبعد أن اكتشفوا أن الحل الوحيد الذي يُبدي الأمريكيون استعدادًا لمناقشته هو منحهم الجنسية الأمريكية. كما أن بعض اليمينيين في الولايات المتحدة حاولوا التعاون مع الأفريكانيين بشأن برامج التنوع والاندماج المُتَّبَعة في الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، إلا أنه منذ عودة ترامب إلى الرئاسة، أعلن حربًا شاملة على الأفكار المرتبطة بمفهوم التنوع والمساواة والإدماج.
______________________________________
([1]) يسرائيل شاماي، “التهديد الأمني الأكثر خطورة: الولايات المتحدة تدفع إفريقيا باتجاه الصين وروسيا”، صحيفة ماكور ريشون، 24 نيسان/ أبريل 2025م، على الرابط (بالعبرية): https://www.makorrishon.co.il/international/830569
([2]) ليؤور بن آري، “في موقع إستراتيجي في قلب البحر الأحمر: هذه هي القبيلة التي يحاول الحوثيون إغراءها”، صحيفة يديعوت أحرونوت، 25 أبريل/ نيسان 2025م، على الرابط (بالعبرية): https://www.ynet.co.il/news/article/h1dgwju1xl
([3]) “مقاطعة بيضاء في جنوب إفريقيا تريد أن تصبح دولة بمساعدة ترامب-نحن مثل إسرائيل”، صحيفة يديعوت أحرونوت، 15 نيسان/ أبريل 2025م، على الرابط (بالعبرية): https://www.ynet.co.il/news/article/sjxz7ssaye