شهدت أوغندا آخر انتخاباتها البرلمانية والرئاسية في 14 يناير 2021م, وفاز فيها الرئيس “يويري موسيفيني” الذي يحكم البلاد منذ عام 1986م بفترة ولاية سادسة وبنسبة 58.64 في المئة من الأصوات؛ رغم المخالفات التي سجّلها التحالف الإفريقي لمراقبة الانتخابات، فضلاً عن العيوب التي ذكرتها وزارة الخارجية الأمريكية.
وبهذا الفوز في تلك الانتخابات, سيكون الرئيس “موسيفيني” في عام 2025م عندما تنتهي ولايته الجديدة والحالية قد بلغ من العمر 82 عامًا, ليكون أحد أقدم قادة الدول في إفريقيا والعالم. وهذا يجعل الحديث عن خليفته المحتمَل واردًا في الأوساط السياسية، حتى وإن كان حزبه “حركة المقاومة الوطنية” الحاكم لا يزال يُصرّ على عدم التطرُّق عن الحياة السياسية للحزب بدون “موسيفيني” أو مستقبل البلاد بعده.
على أنّ السكوت عن الحياة السياسية بعد “موسيفيني” لا يعني أن الرئيس نفسه لا يخطو خطوات مريبة تضعه في قفص الاتهامات حول سعيه وراء توريث السلطة لابنه.
ومن وجهة نظر سياسيين من أحزاب المعارضة؛ كان السكوت عن خليفة الرئيس متعمّد وشِبْه متّفق عليه لدى أعضاء الحزب الحاكم؛ لأن بإمكانهم تقديم خطة مفاجئة لإصدار تعديل دستوري يُمهّد الطريق أمام وصول مَن يفضّله الرئيس إلى سدّة الحكم؛ وذلك اعتمادًا على المؤامرة السابقة التي قادها الحزب لإلغاء تحديد السنّ الدستوريّ للمترشح الرئاسي، مما سمح للرئيس “موسيفيني” بتمديد فترات حكمه.
خلفاء محتملون:
يصعب في الوهلة الاولى إمكانية التنبّؤ بالخلفاء المحتملين للرئيس “موسيفيني”؛ لأنه تغلّب باستراتيجياته القمعية للمنافسة القويّة التي واجهتها في انتخابات 2021م الأخيرة والمتمثلة في ظهور المعارض “بوبي واين” في السباق الرئاسي, خاصة أن نتائج تلك الانتخابات أثبتت أن شعبية “بوبي واين” وإعادته لترتيب أوراقه قد يلعبان دورًا حاسمًا في الانتخابات القادمة في عام 2026م.
ومع ذلك, فإن بعض الإجراءات التي اتخذها الرئيس “موسيفيني” تؤشر على أنّه يخطط للمستقبل وأنه يستعدّ لكل الاحتمالات المستقبلية. وقد حدّد مطلعون على دائرته أربعَ مجالات من رجّحوا خروج الخلفية منها أو انتقال السلطة إليها بعد “موسيفيني”, وهي: أفراد من عائلته، وكبار أعضاء حزبه “حركة المقاومة الوطنية” الحاكم، وكبار الجنرالات في الجيش الأوغندي، وكبار السياسيين المعارضين.
ويمكن القول بأن الواقع الإفريقي والسيناريوهات المتكررة في عدة الدول –كالغابون وتوغو وغينيا الاستوائية, إضافة إلى ما يجري الآن في تشاد من تولّي نجل الرئيس الراحل “إدريس ديبي” لرئاسة البلاد-؛ كلها ترجّح كفّة أن يكون الخليفة من عائلة “موسيفيني” نفسه أو من الجيش، بدلاً من الحزب الحاكم أو من السياسيين المعارضين عبر انتخابات؛ وذلك لأن المشهد السياسي منذ ثماني سنوات مضت في أوغندا مليء بإشاعات حول الرغبة في الرئاسة مِن قِبَل زوجة الرئيس الحالي “جانيت موسيفيني”، ونجله الجنرال “موهوزي كاينيروغابا”، وشقيق “موسيفيني” الجنرال “كالب أكاندواناهو” (الملقب بـ “سالم صالح”).
ومما يرجّح كفة نجل “موسيفيني” الجنرال “موهوزي كاينيروغابا” أنه بحلول انتخابات عام 2026م؛ سيكون الرئيس “موسيفيني” قد قضى أكثر من 40 عامًا في السلطة, وسيبلغ “موهوزي” من العمر 51 عامًا، بينما ستبلغ “جانيت” و” كالب” 77 و66 عامًا من العمر على التوالي؛ حيث قد يصعب للحزب الحاكم تقديم شخصية أخرى كبيرة في السنّ مثل “جانيت” أو ” كالب” كرئيس جديد.
وهناك عامل آخر قد يصبّ في صالح “موهوزي كاينيروغابا”, وهو كونه ضمن المؤسسة العسكرية؛ فكونه أحد قادة الجيش الأوغندي يمنحه فرصة التغلُّب على مختلف العناصر، إذا اندلعت أي محاولة انقلاب على والده الرئيس “موسيفيني”. ويمنحه هذا أيضًا فرصة الحصول على دعم الجيش أو مواجهة التحدّي المتمثل في الانقسامات بين الجنرالات حيال قيادته للبلاد بعد والده “موسيفيني”.
الملكية السياسية و”مشروع موهوزي”:
كانت الملكية السياسية و”مشروع موهوزي” من المصطلحات الأكثر شيوعًا في السياسة الأوغندية؛ ففي عام 2013م هرب الجنرال المنشق “ديفيد سيجوسا تينيفوزا” إلى المملكة المتحدة بعد أن كشف عن “مشروع موهوزي” والذي مفاده أن الرئيس “موسيفيني” يهيئ نجله “موهوزي كينيروغابا” لخلافته في الرئاسة الأوغندية.
وحذّر الجنرال المنشق أيضًا من أن معارضي توريث السلطة أو “مشروع موهوزي” يواجهون خطر الاعتقال أو الاغتيال، وهي مزاعم نفاها الجيش الأوغندي وقتذاك بحجة أن “أوغندا ليست مَلَكية تنتقل فيها القيادة من الأب إلى الابن”.
على أن الصعود السريع لـ “موهوزي كينيروغابا” والترقي في الرُّتب واستمرار ترقيته منذ انضمامه إلى الجيش في عام 1998م يثيران دائما تكهنات التوريث؛ إذ تخطّى “موهوزي” رتبتين في عام 2001م وقفز من ملازم ثاني إلى رائد. وعُيِّن في عام 2008م رئيسًا لوحدة القوات الخاصة وتولى في عام 2010م قيادة الحرس الرئاسي الخاص. وفي سبتمبر 2011م تمت ترقيته إلى رتبة عقيد, ثم عميد في أغسطس 2012م وقائد القوات الخاصة بعد انتهائه من برنامج الأمن القومي التنفيذي بكلية الدفاع الوطني بجنوب إفريقيا. وكقائد قيادة القوات الخاصة, كان يتحكم في الكتيبة التي يبلغ قوامها 10,000 فرد, وهي الكتيبة نفسها التي نُشرت لقمع المظاهرات وردع مؤيدي المعارض “بوبي واين” الذي نافس الرئيس “موسيفيني” في الانتخابات الأخيرة.
بل عيّن الرئيس “موسيفيني” نجله “موهوزي” في عام 2017م مستشارًا رئاسيًّا أولًا للمهام الخاصة، وهو المنصب الذي شغله حتى ديسمبر من عام 2020م. وتمت ترقيته أيضًا في عام 2019م إلى رتبة فريق, بينما تشغل والدته “جانيت” منصب وزيرة للتربية والرياضة منذ 6 يونيو 2016م.
جدير بالذكر أن الرئيس “يويري موسيفيني” قد كرّر مرارًا أن قضية وصول “موهوزي” إلى السلطة بيد الشعب الأوغندي, و”نصح” نجله في مقابلة إعلامية في عام 2013م بأن يتبع الإجراءات المنصوص عليها في الدستور إذا كان مهتمًّا بالوصول إلى كرسي الرئاسة؛ في إشارة لما ينص عليه دستور أوغندا لعام 1995م بأن رئيس البلاد يجب أن يكون مُنتخبًا مِن قِبَل المواطنين في تصويت شعبيّ بموجب حق الاقتراع العام للبالغين.
ويُلاحظ أن هناك محاولات في الآونة الأخيرة لتعزيز شعبيته والترويج له على وسائل التواصل الاجتماعي في أوغندا. وكانت آخر هذه المحاولات في يوم الأحد 24 من أبريل 2021م عندما بلغ “موهوزي” سن السابعة والأربعين من عمره؛ حيث انتشر وَسْم الاحتفال بعيد ميلاده لمدة يومين ورافقته تمنيات ورسائل من قبيل “رئيسي القادم 2026″ و”قائدي العام المقبل”, إضافة إلى وسم “مشروع موهوزي” (#MuhooziProject) و “موهوزي كينيروغابا 2026” (#MK2026).
ومهما يكن الأمر, فإن الساحة السياسية في أوغندا بدأت تعتاد ذكر اسم “موهوزي” كخليفة محتمَل لوالده؛ حيث ترتفع نسبة الأشخاص من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الذين يتداولون سجلاته العسكرية ومساهماته في بناء السلام، وتحقيق الاستقرار في أوغندا والكونغو الديمقراطية والصومال وجنوب السودان. وهذا قد يعني أننا أمام مواجهة مستقبلية بين جيل جديد من السياسيين الذين يتصدرهم كلّ من “موهوزي” -المفضّل لدى النخبة الحاكمة والمؤسسة العسكرية– وبين الفنان الشاب المعارض “بوبي واين” الذي يراهن على قاعدته الشبابية ومكانته الشعبية المحلية.
————————-
– للمزيد:
Uganda: Museveni’s son Muhoozi being manoeuvred into place:
Ugandan leader makes son his adviser, critics see succession plan: https://reut.rs/3eRPEjk
Uganda’s President Promotes Son to 2-Star General:
حكيم ألادي نجم الدين، “المشاركة الشبابية في السياسة بإفريقيا: مواجهة حكم الشيوخ والعراقيل الدستورية”, مركز الجزيرة للدراسات:
حكيم ألادي نجم الدين، “رئاسيات أوغندا: هل بإمكان بوبي واين تحقيق حلم الناخبين الشباب؟”، متابعات إفريقية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية:
Is Uganda’s Museveni grooming his son to be Commander-in-Chief?
NRM historicals split on ‘ Muhoozi Project’ :