تستعدّ جمهورية بنين لإجراء الانتخابات الرئاسية في 11 أبريل 2021م لولاية مدتها خمس سنوات. وقد أعلن الرئيس منتهي الولاية “باتريس تالون” في يناير الماضي ترشُّحه فيها بغية الحصول على ولاية ثانية في منصبه, وسيواجه فيها منافسَيْنِ فقط؛ وهما الوزير السابق “الحسن سومانو” من حزب “FCBE” ، والمعارض المنشق “كورنتين كوهاوس”.
ولعلَّ ما يميّز هذه الانتخابات أن جميع الاحتمالات تُعزّز فوز “تالون” فيها, ممَّا يعني خروجًا عن المألوف في تاريخ بنين الانتخابي كدولة يفضّل ناخبوها مرشحين مستقلين سياسيًّا على مرشحين من المؤسسات السياسية؛ فدولة بنين التي تعرف اليوم بأحد نماذج الديمقراطية المستقرة في إفريقيا شهدت آخر انقلاباتها العسكرية في عام 1972م عندما استولى المقدم “ماتيو كيريكو” على السلطة، ومكث فيها قرابة عقدين من الزمن.
وفي عام 1990م انتقلت بنين إلى الديمقراطية بعدما وافق “كيريكو” على إنهاء نظامه. وفي انتخابات مارس 1991م فاز “نيسيفور سوغلو” (وهو رئيس وزراء سابق) على “كيريكو” بنسبة 67.7 في المئة من الأصوات, ليكون “سوغلو” أول رئيس ديمقراطي للبلاد؛ رغم أنه من مواليد دولة توغو المجاورة، وتلقّى تعليمه في فرنسا مع خبرات عمل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
على أن “كيريكو” تمكّن من استثمار تأثيره، وعاد إلى السلطة بشكل ديمقراطي, ليحكم بنين من عام 1996م حتى عام 2006م عندما صوّت أغلبية الناخبين لشخص مستقلّ سياسيًّا، وهو “توماس بوني يايي” – الخبير الاقتصادي الذي لم يكن لديه خبرة سياسية مسبقًا، وخاض الانتخابات كمرشّح مستقل تحت حملة “التغيير”.
أما في انتخابات عام 2016م, فقد فضَّل الناخبون المرشح المستقلّ سياسيًّا على المرشح المنتمي إلى المؤسسة السياسية؛ إذ بعد حكم الرئيس “يايي” لعقد من الزمن واختيار الاقتصادي “ليونيل زينسو” مِن قِبَل تحالفه السياسي “FCBE”(Cowry Forces for Emerging Benin) ليكون خليفته الرئيس “يايي”, إلا أن الناخبين انتخبوا “باتريس تالون”، وهو مستقل سياسيًّا وقتذاك ومشهور بأعماله التجارية.
“تالون” وإدارة الممارسات السياسية كالأعمال التجارية:
لقد أتى ترشح الرئيس “باتريس تالون” لانتخابات أبريل 2021م بعد تراجعه عن وعوده السابقة خلال حملته لرئاسيات عام 2016م بأنه في حالة فوزه سيحكم لفترة ولاية واحدة فقط، وأنه سيعدّل الدستور لإلزام جميع المرشحين في المستقبل بـ”فترة رئاسية واحدة غير قابلة للتجديد”. وقد حاول بالفعل تعديل الدستور وإدخال الفترة الرئاسية فيه بعد تولّيه المنصب, ولكنه عُورِضَ مِن قِبَل البرلمان, مما يعني فشل مخططه رغم دعم مؤيديه داخل بنين وخارجها.
وبغضِّ النظر عن فشله في إدخال الفترة الرئاسية الواحدة ضمن الدستور أو تراجعه عن عدم ترشحه لفترة ثانية؛ فإن سجّل “تالون” الرئاسي حافل بإنجازات كثيرة ومواقف مثيرة للجدل. وقد حظي بالثناء والإشادة من الذين قالوا: إنه يقدّم نموذجًا بديلاً للحكم ونمطًا جديدًا للمواطنين الذين سئموا من إعادة تدوير الوجوه القديمة في العمليات والمؤسسات السياسية.
ففي حملاته الانتخابيَّة وحكمه منذ قرابة خمس السنوات الماضية, كانت صورته كرجل أعمال كبير له علامته التجارية وشعاره السياسي. وكان يدير بنين كمسؤول تنفيذي من القطاع الخاص. وسعى إلى إجراء إصلاحات قائمة على الليبرالية الاقتصادية لتعزيز القطاعات الخاصة وتنمية البلاد.
ومن الواضح أيضًا من خلال تعامله مع المعارضة وتقييد حقوق العمال في الإضراب أنه مُستعدّ لفعل أي شيء لتحقيق أهدافه ما دامت المؤشرات الاقتصادية إيجابية.
إنجازات “تالون“:
تحفل إدارة الرئيس “باتريس تالون” بعد خمس سنوات بسجل اقتصاديّ جيِّد تعضده مؤشرات الاقتصاد الكلي, ومعدل النمو الذي حقّقته بنين داخل منطقة “الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا“(UEMOA) ، والذي قدّر في عام 2019م بـ7 في المائة. وكانت بنين من بين الدول القلائل التي حافظت على نموّ إيجابيّ في عام 2020م رغم جائحة كورونا وتداعيات إغلاق الحدود من قبل نيجيريا التي تعتبر أحد شركائها التجاريين الرئيسيين.
وحقَّق قطاع الطاقة أيضًا تقدُّمًا ملحوظًا وخروجًا عما كان يعانيه قبل عام 2016م؛ من حيث العجز المزمن والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والديون الضخمة لمورِّدي الطاقة المجاورين، وخاصة نيجيريا. واليوم بعد خمس سنوات خفَّضت الحكومة هذه الديون بشكلٍ كبيرٍ وانتقلت بنين من الاعتماد المطلق بنسبة 90 بالمائة في عام 2016م إلى بدايات الاكتفاء الذاتي في الطاقة مع وصول قدرتها المركبة 181.5 ميجاوات والتي تُغطّي حوالي 60 بالمائة من احتياجات بنين الحالية.
يُضاف إلى ما سبق أن برنامج “الكشف عن بنين” الذي تعهَّد به الرئيس “باتريس تالون” في عام 2016م بعد توليه المنصب كان يهدف إلى استثمار 13.78 مليار يورو لإصلاحات هيكلية ولاستئناف التنمية في البلاد. ويشمل البرنامج مجالات تطوير رئيسية كالاتصال ومحو الأمية الرقمية والإدارة الذكية. وقد تم تركيب 2000 كيلومتر من الألياف الضوئية عبر بنين في عام 2016م، مما ساعد البلاد على مضاعفة تغطيتها للإنترنت. كما تم إنشاء شبكة تضم أكثر من 40 نقطة رقمية مجتمعية في أماكن عامة لتمكين المواطنين الوصول إلى الإنترنت.
ولرقمنة الوكالات الحكومية؛ أطلقت حكومة “تالون” في مارس 2020م بوابة الخدمات العامة الوطنية الإلكترونية لتوفير الوصول إلى 70 خدمة معاملات، مثل طلبات جواز السفر أو تصاريح البناء, ولتوفير إرشادات واضحة ومتجانسة لأكثر من 500 خدمة عامة أخرى.
وتبع ذلك إطلاق منصة التعلم الإلكتروني لطلاب الجامعات الحكومية، وإنشاء موقع إلكترونيّ للاطلاع على نتائج الامتحانات العامة الوطنية. إضافة إلى وكالة خدمات وأنظمة المعلومات (ASSI) والتي تُعتبر الوكالة المركزية للدولة والمسؤولة عن تنفيذ المشاريع الرائدة في الحكومة الرقمية؛ حيث توفّر المساعدة الاستراتيجية والتشغيلية لجميع المنظمات الحكومية، وتضمن تماسك نظم المعلومات وتوحيد الخدمات عبر الإدارة العامة.
تعزيز السلطة وإقصاء المعارضة:
رغم الإنجازات الاقتصادية والمشاريع التنموية؛ فإن الرئيس “تالون” في نظر منتقديه سلطويٌّ يخطّط منذ عام 2019م لفوزه في انتخابات أبريل القادمة من خلال إخلاء الساحة السياسية من المنافسين المحتملين. واتُّهِمَ “تالون” أيضًا بالانخراط في جهود تعزيز سلطته السياسية وتعيين صديقه ومحاميه السابق “جوزيف دجوجبينو” رئيسًا للمحكمة الدستورية.
وقد شرعت إدارة “تالون” وحزبه قوانين انتخابية جديدة تتطلب دفع رسوم تسجيل باهظة لتقديم أي شخص ترشُّحه للانتخابات، مما قلل من عدد أحزاب المعارضة التي شاركت في الانتخابات التشريعية في أبريل 2019م. وأدَّى قطع الوصول إلى الشبكة العنكبوتية يوم الانتخابات إلى فقدان مرشحي المعارضة قدرتهم على التنظيم وانخفاض قياسي في إقبال الناخبين. وهي إجراءات أدت في النهاية إلى احتجاجات دموية في عام 2019م.
على أنَّ حكومة “تالون” رغم الاحتجاجات والشكاوى ضدها لم تتراجع عن تنفيذ إجراءات أخرى “قمعية”؛ إذ اعتمدت بنين في نوفمبر 2019م قانونًا انتخابيًّا جديدًا صعَّب من دخول مرشحي المعارضة إلى الانتخابات؛ حيث إن القانون الجديد يشترط أن يكون لمرشّح الرئاسة ونائب الرئيس ما لا يقل عن ستة عشر (16) برلمانيًّا أو عمدة لرعاية ترشُّحه ودعمه, وهو شرط لا يمكن للمعارضة الوفاء به, وبالتالي لا يمكن للمعارضة خوض الانتخابات القادمة؛ لأن تمثيلها في الحكومة أو البرلمان ضئيلٌ جدًّا. ويفسّر ما سبق أيضًا سبب وجود منافسَيْنِ فقط لمواجهة “تالون” في هذه الانتخابات, مع الإشارة إلى أن المنافِسَيْنِ لا يُشكِّلان تهديدًا انتخابيًّا ذي مغزى له.
جدير بالذكر أن 20 مرشحًا محتملاً قدّموا أوراق ترشُّحهم بشكل رسمي للرئاسيات القادمة في بنين، ولكنَّ مفوضية الانتخابات رفضت ملفاتهم ما عدا الثلاثة الذين قالت: إنهم استوفوا المتطلبات الضرورية. واليوم وجد العديد من شخصيات المعارضة أنفسهم بين الفرار من بنين والعيش في المنفى أو تحمّل منعهم من تولّي المناصب في البلاد. إضافة إلى أن حكومة بنين منذ يوليو 2020م فرضت قيودًا شديدة على وسائل الإعلام عبر الإنترنت, وأصدرت في يناير 2021م توجيهًا بمنع وسائل الإعلام المحلية من بثّ الانتخابات الرئاسية, ولكنَّ سريان التوجيه الإعلامي بدأ بعد فترة وجيزة من انتهاء الرئيس “تالون” من جولته الإعلامية في جميع أنحاء البلاد.
وعلى ما سبق, يمكن القول بأن المرجّح ألا تأتي نتائج انتخابات 11 أبريل الرئاسية بالمفاجآت؛ لأن بطاقة الاقتراع محسومة لصالح الرئيس “تالون”. وقد حذَّرت عدة شخصيات معارضة المجتمع الدولي والأمم المتحدة من أن الشروط المفروضة مِن قِبَل الحكومة ستقوّض مصداقيَّة الانتخابات.
وإذا كان “تالون” يفاخر بأنَّ أكبر إنجازه هو “خلق ديناميكية”, وأنه قد يكون غير محبوب لدى الناس؛ فإن الملاحَظ من جولته الإعلامية الأخيرة عبر البلاد أنه أدرك ضرورة عودته إلى حالة الحملة قبل انتخابات 2016م؛ حيث أظهر الاستماع للناس والتعاطف معهم، ولو كان مجرد حساب سياسي لتأمين ولاية أخرى، وكأنه أمام حقيقة مفادها: لا تُدَار الدولة بأكملها كالأعمال التجارية.
__________________________
للمزيد:
A tale of two countries: How Benin and Mongolia are fast-tracking digital government: https://bit.ly/3sSgnAW
Benin has a new president: Patrice Talon, an ironic outsider politician: https://wapo.st/3dHysLO
Benin is moving from chronic power shortage to energy self-sufficiency: http://bunnaj.com/1976/
Benin President Patrice Talon to face two rivals in April election: https://bit.ly/3ww27Qx
Benin: President Patrice Talon’s re-election bid faces little threat from a divided opposition: https://bit.ly/3cThXNh
Benin: President Talon Announces His Candidacy for Second Term: https://bit.ly/2PWQkdj
Benin: Soldiers shoot at protesters in post-election unrest: https://bit.ly/31Pjrlu
Benin’s democratic crisis is deepening, but no one is paying attention: https://bit.ly/3cXeJs4
Mohammed VI, Paul Kagame, Patrice Talon: Three distinct leadership styles: https://bit.ly/2Q2QIa2
President Patrice Talon And His Government Launch The “Revealing Benin” Programme: https://bit.ly/31RDPlZ
What Are the Stakes of the Upcoming Elections in Benin? https://bit.ly/3movqjk