أعلنت مؤسسة “محمد إبراهيم” أن جائزة “إبراهيم” للإنجاز في القيادة الإفريقية للعام 2020م ستُمْنَح للرئيس النيجري منتهي الولاية “محمد إيسوفو”, وذلك عقب اجتماع لجنة الجائزة المستقلة وتقييم سنوات الحكم والقيادة لـ “محمد إيسوفو” البالغ من العمر 68 عامًا, والذي سيتنحى الشهر المقبل بعد 10 سنوات في المنصب بعد ولايتين رئاسيتين.
وقد سهّل قرار تنحي الرئيس “إيسوفو”، وعدم تمديده لفترته الدستورية (خلافًا لأقرانه في غينيا وساحل العاج) عملية إجراء أول انتقال ديمقراطي بين القادة المنتخبين منذ استقلال النيجر عن فرنسا قبل أكثر من 60 عامًا.
على أنّ منح الرئيس “محمد إيسوفو” هذه الجائزة أعاد إلى الملأ تلك النقاشات حول جائزة “إبراهيم” للقيادة الإفريقية, ومدى واقعية منح رئيس دولةٍ سابق لمبالغ هائلة من الأموال, خاصة وأن الرئيس “إيسوفو” نفسه يتعرَّض لانتقادات من مواطنين بسبب هندسته السياسية، وخطته التي أتت بـ”محمد بازوم”, وزير الداخلية السابق وسَاعِد “إيسوفو” الأيمن, إلى سُدَّة الحكم كرئيس منتخب للنيجر.
ومنذ إعلان مفوضية الانتخابات النيجرية فوز “محمد بازوم” في انتخابات 23 فبراير الماضي بنسبة 55.75 في المئة, اندلعت أعمال عنف؛ حيث إن هناك مزاعم تزوير ومخالفات لصالح “بازوم”, بينما اعتقلت قوات الأمن المئات بمن فيهم المعارض “هاما أمادو” الذي مُنِعَ من الطعن في نتيجة الانتخابات لإدانته بالاتجار بالأطفال, وهي تهمة نفاه “هاما”، ووصفها بأنها ذات دوافع سياسية, ليضطر إلى تأييد المرشح الوحيد المعارض في جولة الإعادة “ماهامان عثمان” الذي حصل على 44.25 في المائة من الأصوات حسب مفوضية الانتخابات.
وإذا كان المعارض “ماهامان عثمان” يشكك في النتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات, ويرى أنه الفائز في تلك الانتخابات بفارق ضئيل, إلا أن الحكومة قد اعتقلت أيضًا رئيس أركان الجيش السابق “موموني بوريما” وهو حليف مقرب من “هاما أمادو” المتهم من قبل الحكومة بـ “قيادة” الاضطرابات في نيامي.
جائزة “إبراهيم” للقيادة ومعاييرها:
تأسست جائزة “إبراهيم” للإنجاز في القيادة الإفريقية على يد “محمد إبراهيم”, رجل الأعمال والملياردير البريطاني من أصل سوداني, في عام 2006م؛ بهدف الاحتفال بالتميُّز في القيادة الإفريقية؛ من خلال تكريم القادة الأفارقة الذين طوّروا بلادهم وانتشلوا مواطنيهم من الفقر ومهّدوا الطريق لتحقيق رخاء مستدام ومُنْصِف, مع ضمان استمرار استفادة بلادهم من خبرتهم بعد مغادرة السلطة من خلال تمكينهم من أداء أدوار أخرى في القارة.
وتُمنَح الجائزة بناءً على قرار لجنة مستقلة تشمل شخصيات بارزة كرئيس دولة سابقة ومسؤولي الحكومات السابقين وخبراء السياسة والتنمية وحائزين على جائزة “نوبل”. وهناك مجموعة من المعايير التي تتبعها مؤسسة “مو إبراهيم” في اختيار الفائزين المحتملين بالجائزة, أهمها:
أ – أن يكون المرشَّح أو الفائز المحتمل رئيسًا تنفيذيًّا سابقًا لدولة أو حكومة إفريقية.
ب- أن يكون قد ترك منصبه في السنوات الثلاث الماضية.
ج – أن يكون منتخبًا ديمقراطيًّا.
د – أن تكون فترة ولايته التي قضاها دستورية.
هـ – وأن يكون قد أظهر قيادة استثنائية أثناء حكمه.
وقد مُنِحَتْ جائزة “إبراهيم” للإنجاز في القيادة الإفريقية في الأعوام التالية:
– 2007م: لكل من “جواكيم شيسانو” لدوره في “قيادة موزمبيق من الصراع إلى السلام والديمقراطية”, ورئيس جنوب إفريقيا السابق “نيلسون مانديلا” (جائزة فخرية).
– 2008م: لـ”فيستوس موجاي” لقيادته البارزة التي مهَّدت الطريق أمام “استمرارية استقرار وازدهار بوتسوانا في مواجهة جائحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) الذي هدّد مستقبل بلده وشعبه”.
– 2011م: لـ”بيدرو بيريس” لدوره في تحويل الرأس الأخضر (كيب فيردي) إلى نموذج للديمقراطية والاستقرار والازدهار المتزايد.
– 2014م: لـ”هيفيكيبنيي بوهامبا” الذي مُنِحَتْ الجائزة؛ لأنه “خلال عقد من رئاسته رسّخ سمعة ناميبيا كديمقراطية شاملة محكومة بشكل جيّد ومستقرة مع حرية إعلامية قوية واحترام حقوق الإنسان”.
– 2017م: لـ”إلين جونسون سيرليف” لخدمتها في ليبيريا “في ظل ظروف صعبة للغاية؛ حيث ساعدت في إرشاد أُمّتها نحو مستقبل سلميّ وديمقراطيّ، ومهّدت الطريق التي يمكن لخليفتها اتباعها”.
– و2020م: لـ “محمدو يوسفو” لجهوده في مواجهة “تحديات تبدو مستعصية على الحل”، تتراوح بين الفقر المدقع إلى التمرد المسلح والتصحر, ولقيادته “لشعبه نحو التقدم؛ حيث انخفض اليوم عدد النيجيريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 40 في المئة، من 48 في المائة قبل عقد من الزمن”. ورغم التحديات القائمة، “أوفى إيوسفو بوعوده للشعب النيجري ومهَّد الطريق لمستقبل أفضل”.
ووفقًا لتقارير من المؤسسة, يُقدَّم للرئيس السابق الفائز بجائزة “إبراهيم” دفعة أولية قدرها 5 ملايين دولار أمريكي تُدفع على مدى عشر سنوات، بالإضافة إلى 200 ألف دولار سنويًّا مدى الحياة. وبهذا المبلغ يعتبر أكبر جائزة في العالم؛ حيث تتجاوز جائزة “نوبل” للسلام البالغة 1.3 مليون دولار.
مبررات منح الجائزة لرئيس دولة سابق:
كانت الانطباعات السائدة في عام 2006م عندما أعلن “محمد إبراهيم” عن جائزته أن مؤسسته تسعى إلى إفساد المسؤولين ووضع الأموال المحتاجة للتنمية في دول ومناطق إفريقية على أيدي رؤساء ومسؤولين كانوا أثرياء بالفعل؛ نظرًا لرواتبهم أو نهبهم لثروات بلادهم أو بناء إمبراطوريات تجارية قائمة على نفوذهم وسنوات بقائهم على سُدَّة الحكم؛ وكأن المؤسسة تتجاهل أولئك المواطنين الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى هذه الأموال لكثرة مشاريع اجتماعية وطنية أكثر تأثيرًا على المواطنين يمكن إنفاقها عليها.
وإذا كانت جائزة “إبراهيم” لم تَسْلم أيضًا من الانتقادات في إعلانها الأخير بسبب إرث الفائز وطبيعة حكمه المثيرة للجدل, أو بسبب الإنجازات التي تنسبها المؤسسة إليه، والتي يرى البعض أن لا أثر لها في أرض الواقع داخل البلاد؛ فقد شبّه آخرون الجائزة بـ “رشوة” تقدّمها المؤسسة للمسؤولين المنتخبين لمجرد قيامهم بمهامهم وواجباتهم التي انتُخِبوا من أجلها.
على أن مؤيّدي مبادرة جائزة “إبراهيم” يرون أن اعتبارها “رشوة” ليس في محلّه؛ ففي الديمقراطيات الإفريقية؛ حيث لا يمكن استبعاد وقوع الانقلابات، ويمكن للقادة الأكثر نفوذًا أن يعدّلوا دستور بلادهم ليخدموا في مناصبهم لعقدين أو أكثر؛ فإن مثل هذه الجوائز بمبالغها المالية قد تحفّز الاستقرار السياسي واقتناع الرؤساء بفتراتهم الرئاسية كما تنصّ عليها القانون. إضافة إلى أن معايير الفوز بالجائزة عالية وصارمة والمبالغ المقدّمة ليست ملكية عامة.
وقد رحّب بالمبادرة كل من “نيلسون مانديلا” رئيس جنوب إفريقيا السابق، و”بيل كلينتون” الرئيس الأمريكي السابق و”كوفي عنان” الأمين العام السابق للأمم المتحدة. كما أقرَّ “محمد إبراهيم” نفسه بصعوبة المعايير وأحقية القادة الأفارقة المتميّزين للتكريم؛ حيث قال: “إنها جائزة للتميز في القيادة, ونحن لا نقلل من معاييرنا”. مضيفًا في مقابلة أخرى أنّك “إذا كتبْتَ رواية جيدة، أو بحثًا في الكيمياء، فستفوز بجائزة نوبل. إذا كان لدينا قائد يخرج 4 أو 5 ملايين شخص من الفقر، فهذا إنجاز أكبر بكثير”.
التأثير في صورة إفريقيا لدى غير الأفارقة؟
لقد منحت مؤسسة “مو إبراهيم” جائزة الإنجاز في القيادة الإفريقية ست مرات فقط منذ عام 2007م, بينما امتنعت عن منحها أو إعلان عدم وجود فائز مستحقّ به وقائد مناسب ثماني مرات (2009م, 2010م, 2012م, 2013م, 2015م, 2016م, 2018م و2019م), رغم وجود قادة متميّزين مؤهّلين في بعض تلك السنوات.
ولأن تقارير مؤسسة “مو إبراهيم” وجائزتها قد أصبحت معيار الحكم لدى بعض الأوساط الغربية والكتاب المهتمين بشؤون إفريقيا, فإنها محل اهتمام الإعلام، خاصة كلما أعلنت عدم وجود فائز مستحقّ. ولذا نوّه محللون أفارقة إلى تداعيات الجائزة في صورة القارة والتصورات السلبية التي تصبّ في صالح الرواية النمطية حول القيادة الإفريقية؛ حيث قد تنعكس على التصورات العامة حول تقدّم الحكم الديمقراطي في إفريقيا.
من جانب آخر, فإن تمديد الفترات الرئاسية أو رفض الرؤساء مغادرة السلطة قد يشيران إلى تراجع الديمقراطية في القارة من وجهة نظر مؤسسة الجائزة أو بعض المراقبين؛ ولكن الحقيقة أن بقاء الحكام على السلطة من خلال تعديل الدستور يُعتبر تقدّمًا كبيرًا في حدّ ذاته نحو الحكم الديمقراطي؛ وذلك لأن غالبية القادة الذين يحاولون البقاء في السلطة كانوا يقومون بذلك في الآونة الأخيرة عبر طرق “ديمقراطية” من خلال التلاعب بالمؤسسات الديمقراطية. وهذه الخطوة, رغم أنها ليست مثالية, فإنها إيجابية لتراجع نسبة الانقلابات العسكرية.
ورغم النقاط المثارة ووجهات النظر المختلفة, فإن الجوائز مثل جائزة “إبراهيم” لن تخلو أبدًا من الانتقادات. وهناك مَن يرى أن جائزة “إبراهيم” لا تزال تحافظ على نسبة مقبولة من النزاهة مقارنة بجائزة “نوبل” للسلام التي دائمًا ما تثير ضجة كبيرة ونقاشات حادّة في جميع أنحاء العالم.
وقد تقلل جائزة “إبراهيم” من الانتقادات الموجَّهة إليها, خاصةً فيما يتعلق بإثراء القادة السابقين الأغنياء أصلاً, وتُعظّم من تأثيرها من خلال توسيع دائرة معايير الاختيار والفوز بها لتشمل منظمات المجتمع المدني ونشطاء في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القارة, مع السعي وراء تعزيز استقلال القضاء وإنفاذ القانون وإدارة الموارد الوطنية وتطوير النظم الانتخابية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد:
Billionaire Defends $5M African Prize: https://wapo.st/30v2ufz
Citation of the Prize Committee of the Mo Ibrahim Foundation: https://bit.ly/30qkZ4y
Ibrahim Prize for Achievement in African Leadership: https://bit.ly/3rw5oMX
Ibrahim Prize for African Leadership Goes to Liberia’s Ellen Johnson Sirleaf: https://nyti.ms/3kXOjcp
Namibian President Pohamba wins $5m African prize: https://bit.ly/3bsUZMr
Niger opposition leader alleges election fraud, declares victory: https://bit.ly/3t32lMr
Niger: Opposition figure Hama Amadou imprisoned amid election unrest: https://bit.ly/3t4zxmR
The African award that seems to pride itself on not finding a winner strikes out again: https://bit.ly/3ekIR1S
The Mo Ibrahim Prize and its Implications for Africa`s Leadership and Democracy: https://bit.ly/2OjXhVc