د. جيهان عبد السلام
أستاذ الاقتصاد – كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
مقدمة:
عُقدت القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي في إفريقيا يومي 3 و4 أبريل 2025م في العاصمة الرواندية “كيغالي”، بمشاركة أكثر من 1000 ممثل عن 95 دولة، بينهم رؤساء دول، وصُنّاع سياسات، وقادة أعمال، ومستثمرون وأكاديميون.
وساد “كيغالي” حالة من الحماس والترقُّب قبل انطلاق القمة التي تضع مجموعة واعدةً من الفُرَص الاقتصادية والابتكارات أمام القارة الإفريقية.
وتمحورت القمة حول رؤية تسخير الذكاء الاصطناعي ليس كتقنية بعيدة المنال، بل كقوة دافعة لتحقيق تحوُّل شامل ومستدام في جميع أنحاء القارة، قوة تعكس قِيَمها وتَحْمي شعبها وتُعزّز إمكاناتها.
وركَّزت مناقشات القمة على فكرة رئيسية؛ وهي: سُبُل الاستثمار في المهارات والمعرفة الرقمية والابتكار، بما يُمكِّن شباب إفريقيا المتمرسين في مجال التكنولوجيا من قيادة القارة نحو مستقبل تنافسي عالمي قائم على الذكاء الاصطناعي، يُلبِّي الاحتياجات المحلية. إضافةً إلى ذلك، تُوفِّر موارد الطاقة المتجددة الوفيرة في إفريقيا أساسًا مستدامًا لتشغيل مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية التي ستدعم هذا التحول. ومع ذلك، ومع تسارع القارة نحو عصر الذكاء الاصطناعي، لا بد من معالجة التحديات الحرجة التي تدور حول كيفية ضمان السلامة، وبناء الثقة العامة، والوصول إلى البيانات.([1])
ومن هذا المنطلق، يستهدف هذا المقال تحليل مخرجات القمة، مع التركيز على وضع القارة في مجال الذكاء الاصطناعي، والمزايا الاقتصادية والتنموية التي يُحقّقها التحول نحو تبني تطبيقاته. مع تسليط الضوء أيضًا على أهم عقبات التحول التكنولوجي نحو الذكاء الاصطناعي، والتي حاولت القمة وضع حُلول لبعضها. وذلك من خلال المحاور التالية:
أولًا– مرتكزات القمة ومخرجاتها:
تُعدّ هذه القمة خطوة محورية نحو تموضع إفريقيا كفاعل رئيسي في النظام الرقمي العالمي، وتعكس التزام القارة بالتحوُّل الرقمي الشامل، وتعزيز الابتكار، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ أكَّد الرئيس الرواندي “بول كاغامي” على أهمية أن تكون إفريقيا ليس مجرد سوق للذكاء الاصطناعي، بل أن تصبح لاعبًا فاعلًا في هذا المجال الحيوي. ولتحقيق ذلك تحتاج القارة إلى تأسيس بنية تحتية قوية، وتدريب كوادرها، وتعزيز الذكاء الاصطناعي الشامل.
وأبرزت القمة مخاوف بشأن تأثير الأتمتة والذكاء الاصطناعي على التوظيف، خاصةً بالنسبة للنساء وفي قطاعات معينة؛ حيث تشير الدراسات إلى أن النساء سيَكُنّ أكثر عُرضة لفقدان وظائفهن بسبب الأتمتة بحلول عام 2030م. وناقش المشاركون كيفية حماية سوق العمل وخلق فرص عمل موازية. كما شدَّد المشاركون على أهمية تطوير أُطُر تنظيمية وأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لضمان الشفافية، وحماية الخصوصية، وتعزيز الابتكار المسؤول([2]).
وقد نتج عن القمة عدة نتائج مُهمَّة من شأنها دَفْع عجلة تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالقارة، يتمثل أهمها فيما يلي:
- إطلاق مجلس إفريقيا للذكاء الاصطناعي: إذ تم تأسيس هذا المجلس ليكون منصة تنسيقية بين الدول الإفريقية للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعزيز تبادل الخبرات والممارسات الفعَّالة.
- إطلاق مبادرة “الذكاء الاصطناعي من أجل إفريقيا”: وتهدف هذه المبادرة إلى تسريع التحول الرقمي في القارة؛ من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية، وتوفير التدريب، وتوحيد السياسات.
- تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية: من خلال إنشاء صندوق استثماريّ لدَعْم مشاريع الذكاء الاصطناعي. كما تم الإعلان عن استثمارات بقيمة 60 مليار دولار لتطوير البنية التحتية الرقمية في إفريقيا، بما في ذلك شبكات الإنترنت عالية السرعة، ودعم الشركات المحلية، وتعزيز البحث العلمي والتطوير.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت القمة تعاونًا بين دولة الإمارات العربية المتحدة ورواندا في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات؛ حيث تم بحث تنفيذ مشاريع مشتركة لتعزيز البنية التحتية الرقمية في رواندا. كما أعلنت كل من شركة “كاسافا تكنولوجيز”، وشركة “وانفيديا” الرائدتان في هذا المجال عن تأسيس أول مصنع للذكاء الاصطناعي بإفريقيا.
ثانيًا– وضع الذكاء الاصطناعي في إفريقيا:
يبرز الذكاء الاصطناعي كمُحرّك رئيسي للتحول الاقتصادي العالمي، والدول الإفريقية تُدرك تمامًا إمكاناته، ومع وجود العديد من الشركات والمبادرات الناشئة، تنطلق القارة الإفريقية بثبات نحو تبنّي هذه التقنية. ففي عام 2023م، أظهرت بعض الدول استعدادها لدَمْج الذكاء الاصطناعي في سياساتها الاجتماعية والاقتصادية، مستفيدةً من بيئة سياسية مواتية، واستثمارات في البنية التحتية، وتركيز متزايد من المواهب المتخصصة. ويكشف التصنيف الذي وضعته شركة “أكسفورد إنسايتس” عن تسلسل هرمي واضح بين الدول الإفريقية من حيث جاهزية تبنّي الذكاء الاصطناعي. واستند التصنيف إلى 39 مؤشرًا عبر عدة ركائز رئيسية؛ هي: “الحكومة”، و”قطاع التكنولوجيا”، و”البيانات والبنية التحتية”، و”القطاع الخاص”.
وتتصدر موريشيوس ومصر وجنوب إفريقيا التصنيف، مما يُبرز التزامها بتطوير منظومات بيئية مواتية للابتكار التكنولوجي. وقد استثمرت هذه الدول في سياسات حكومية تقدمية، مما عزَّز نمو الشركات الناشئة والشركات التي تُركّز على الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا تزال هناك تفاوتات في جميع أنحاء القارة، كما يتضح من انخفاض تصنيف بعض الدول، مثل كوت ديفوار. وتؤكد هذه الفجوات على أهمية اتباع نَهْج إستراتيجي وشامل لإعداد البلدان الإفريقية لتبني الذكاء الاصطناعي (الجدول 1)([3]).
جدول رقم (1) الدول الإفريقية العشرة الأكثر تفعيلاً لتقنيات الذكاء الاصطناعي في العام 2023م
– Fahd Azaroual , Artificial Intelligence in Africa: Challenges and Opportunities, ( Morocco: Policy center for The New South , May.2024), P.9.
وتجدر الاشارة هنا إلى اعتماد إستراتيجية الاتحاد الإفريقي القارية للذكاء الاصطناعي عام 2024م كمؤشر على عزم القادة الأفارقة تسخير البيانات والتكنولوجيا لتنمية إفريقيا. وتشمل الإستراتيجية خطة تنفيذية لمدة خمس سنوات (2024– 2029م) لدعم الدول الأعضاء في دمج الذكاء الاصطناعي في خطط التنمية الوطنية، وإنشاء إستراتيجيات وطنية منسجمة، وتطوير سياسات للاحتفاظ بمواهب الذكاء الاصطناعي وجذبها، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتسريع الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي. وكجزء من هذه المبادرة، تم إقرار “الميثاق الرقمي الإفريقي” الذي يهدف إلى تسريع التحول الرقمي في إفريقيا من خلال إطلاق العنان لإمكانات التقنيات الرقمية الجديدة، وتعزيز التعاون الرقمي بين أصحاب المصلحة داخل إفريقيا ومع الشركاء الدوليين، بما يتماشى مع المعايير والممارسات العالمية)[4](.
ثالثًا– الأهمية الاقتصادية والتنموية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا:
يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تحويل الصناعات، ودَفْع النمو الاقتصادي، وإيجاد حلول لتحديات تتراوح من الرعاية الصحية إلى تغير المناخ. إذ يتوقع تقرير “الفرصة الرقمية لإفريقيا” الصادر عن شركة جوجل، أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ كبير يصل قدره 30 مليار دولار في اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2030م.
وفي دراسة للبنك الدولي توقَّع أنه بحلول عام 2030م، يمكن أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 1.5 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا –أي: حوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي-؛ إذا تمكَّن من الاستحواذ على 10% فقط من سوق الذكاء الاصطناعي العالمي سريع النمو([5]).
وفي دراسات أخرى من المتوقع أن يُولِّد الذكاء الاصطناعي 2.9 تريليون دولار أمريكي لإفريقيا بحلول عام 2030م، إلى جانب نصف مليون وظيفة جديدة سنويًّا، ومسار للخروج من براثن الفقر لأكثر من 11 مليون شخص([6]).
كما يشهد قطاع الخدمات الرقمية في إفريقيا نموًّا متسارعًا، مع ابتكارات في التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية وتكنولوجيا الهاتف المحمول، والتي كان للذكاء الاصطناعي دور مُهِمّ فيها. وعلى مدار العقد الماضي وحده، تضاعف حجم المعاملات والتمويل في منظومة التكنولوجيا الإفريقية عشرة أضعاف تقريبًا؛ حيث تم استثمار ما يقارب 20 مليار دولار أمريكي في حوالي 3000 صفقة، 68% منها خلال السنوات الثلاث الماضية. من الواضح أن الفرصة لإفريقيا لم تكن يومًا أكبر من أيّ وقت مضى، ليس فقط للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية وحلّ التحديات المجتمعية الرئيسية، بل أيضًا لتصبح لاعبًا أكثر أهمية في اقتصاد الذكاء الاصطناعي العالمي([7]).
كما يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي بقطاعات تنموية مختلفة بالقارة، الزراعة (49%)، والعمل المناخي (26%)، والطاقة (24%). وتجدر الاشارة هنا إلى أهمية القطاع الزراعي الإفريقي؛ إذ يُشغّل قطاع الزراعة 52% من القوى العاملة في إفريقيا، ويُسهم بنسبة 17% في المتوسط في الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويُنتج صغار المزارعين ما يصل إلى 80% من الغذاء، والذين غالبًا ما يستخدمون التقنيات التقليدية، ويفتقرون إلى الوصول إلى المعلومات التي من شأنها أن تُساعد في تحسين الإنتاج.
ومن هنا تضمن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الزراعة خدمات استشارية رقمية مُدعّمة بالتعلم الآلي، والتي تُزوّد المزارعين بنصائح قائمة على البيانات لتبنّي ممارسات زراعية ذكية مناخيًّا وتحسين الإنتاجية. تصل هذه الحلول عادةً إلى المزارعين عبر الأجهزة المحمولة، مما يُسلّط الضوء على أهمية امتلاك الأجهزة، وإتقان المهارات الرقمية، وسهولة الاستخدام، كما تُساعد على تحسين المحاصيل وزيادة الإنتاجية.([8])
كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في “التنبؤ بالأوبئة والفيضانات، وتوفير تشخيصات آلية عبر التصوير الطبي، واكتشاف الأمراض من صور النباتات أو الجلد، وأتمتة تقييمات المتعلمين، وغيرها. وتُقدّم هذه التطبيقات حلولاً لتعويض نقص الموارد البشرية في مجالات مثل الصحة التعليم في إفريقيا. وفي الوقت نفسه، ولا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في قطاع التكنولوجيا فحسب، بل يُعيد بالفعل رسم ملامح مستقبل إفريقيا. فهو يُقدِّم حلولاً للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الرئيسية التي تُواجهها، وقد تُحدث إمكاناته الفريدة نقلة نوعية في القارة([9]). فمثلاً يُستخدم الذكاء الاصطناعي في رواندا لتحسين جودة التعليم. على سبيل المثال، تعاونت الحكومة مع شركة IBM لإطلاق برنامج يُسمَّى “IBM Digital – Nation Africa”، والذي يُقدم دوراتٍ مجانيةً عبر الإنترنت في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وعلوم البيانات للشباب الرواندي. وفي غانا، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة وكفاءة التشخيصات الطبية. وقد طوَّرت شركة ناشئة تُدعى “إم فارما” منصةً مدعومةً بالذكاء الاصطناعي تساعد الصيادلة والأطباء على إجراء تشخيصات دقيقة للأمراض، ووصف الأدوية المناسبة للمرضى. وبالمثل، تُسهّل منصات البيانات، مثل Zenvus في نيجيريا، وصول المزارعين إلى المعلومات الحيوية، مما يؤدي إلى تحسين الإنتاج والمحاصيل الزراعية (فرانسيس وآخرون، 2019). وفي جنوب إفريقيا، هناك أمثلة أخرى على استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاج([10]).
ويمكن للبنية التحتية العامة الرقمية والذكاء الاصطناعي أن يكونا عاملين أساسيين في تمكين التجارة الإقليمية في إفريقيا؛ إذ يُمكن لنظام الدفع والتسوية الإفريقي (DPI) تبسيط التخليص الجمركي، وتمكين المدفوعات عبر الحدود بسلاسة، وتحسين فرص الحصول على تمويل التجارة للشركات الصغيرة والمتوسطة. كما يُعزّز الذكاء الاصطناعي تدفقات التجارة من خلال معلومات السوق، وتحسين سلسلة التوريد، وعمليات التحقق الآلية من الامتثال، مما يُقلِّل من أوجه القصور ومخاطر الاحتيال. أما بالنسبة لدول الشراكة مع إفريقيا مثل مصر وغانا والمغرب وجنوب إفريقيا، فإن دمج البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي يمكن أن يُعزِّز القدرة التنافسية التجارية، ويجذب الاستثمار، ويدعم تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية.([11])
ثالثا– إلى أيّ مدى يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي لتقوية اقتصادات القارة؟
مما لا شك فيه أن إفريقيا مازالت متراجعة عن مواكبة الطفرة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يُؤثّر على قدرتها في الانتفاع بالمزايا الاقتصادية للذكاء الاصطناعي ويعود ذلك إلى عدة أسباب؛ من أهمها ما يلي:
- نقص القدرة الحاسوبية: لقد وجد تحليلٌ أجرته مؤسسة “زيندي”، وهي مجتمع يضم 80 ألف مُطوِّر للذكاء الاصطناعي في 52 دولة إفريقية، أن 5% فقط من مُمارسي الذكاء الاصطناعي في إفريقيا لديهم إمكانية الوصول إلى القدرة الحاسوبية اللازمة للبحث والابتكار. وقد شكَّل ارتفاع تكلفة الأجهزة مقارنةً بمستويات الدخل في إفريقيا أحد العوائق الرئيسية أمام تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال يُمثِّل سعر شراء وحدة معالجة رسومات في كينيا 75% من الناتج المحلي الإجمالي للفرد، مما يجعلها أغلى بـ31 مرة من مثيلتها في ألمانيا، نسبيًّا. وقد أدَّى ذلك إلى اعتماد كبير على خدمات السحابة الأجنبية، مثل Amazon Web Services وGoogle Cloud وMicrosoft Azure – ولكن هذه الخدمات أيضًا باهظة الثمن؛ نظرًا لارتفاع تكلفتها وطول مدة نقل البيانات بين المناطق الجغرافية.([12])
- تراجع مستوى التنمية البشرية: يُواجه دمج الذكاء الاصطناعي في إفريقيا سلسلةً من العوائق التي تُعيق تطويره واستخدامه الفعَّال، وأهمها: ضعف مستويات التنمية البشرية بما يحول دون استخدامات أكثر كفاءة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ إذ يتضح من الشكل رقم (1) أن القارة الإفريقية هي الأقل على مستوى العالم من حيث مؤشر التنمية البشرية.
شكل رقم (1) مؤشر التنمية البشرية لمناطق العالم لعام 2023م
من إعداد الباحثة استنادًا إلى المرجع التالي:
UNDP , Human Development Reports , available at: https://hdr.undp.org-
- تفاقُم الفجوات الرقمية في إفريقيا: هذه التفاوتات تُسهم في الحد من الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتُسهم مشكلات أخرى؛ مثل: نقص البنية التحتية للاتصالات، وانقطاع الكهرباء في بعض المناطق، وارتفاع تكلفة الهواتف الذكية، ونقص المهارات الرقمية؛ في توسيع الفجوة بين من يستطيعون الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومن لا يستطيعون. ويُفاقم هذا الوضع الاختلالات القائمة، ويمنع العديد من الأفراد من الاستفادة من الفرص التي يُوفّرها الذكاء الاصطناعي.
- انخفاض الاستثمار في البحث والتطوير: أصبح الذكاء الاصطناعي مجالًا أساسيًّا للبحث والتطوير في جميع أنحاء العالم. وقد أدَّى التقدُّم في هذا المجال إلى العديد من التطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، في إفريقيا، أدَّى نقص الاستثمار في البحث والتطوير إلى الحد من نمو ابتكارات الذكاء الاصطناعي في القارة. ويمثل عقبة رئيسية أمام قدرة القارة على توليد ابتكارات تلبِّي احتياجاتها الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. فالموارد المالية، العامة والخاصة، محدودة، مما يُعيق إجراء البحوث المتطورة وتطوير التطبيقات المبتكرة. ويُهدّد هذا الوضع بإبقاء إفريقيا على هامش الاقتصاد العالمي للذكاء الاصطناعي، مما يضرّ بنموّها الاقتصادي على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، يمثل نقص المهارات والتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي عقبة رئيسية أمام نموّ الابتكار في القارة. وتفتقر الجامعات الإفريقية إلى الموارد اللازمة لتقديم برامج تدريبية عالية الجودة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يَحُدّ من فرص الطلاب في اكتساب المهارات اللازمة.
كما يَحُدّ نقص البنية التحتية لبحوث وتطوير الذكاء الاصطناعي في إفريقيا من فرص التعاون وتبادل المعرفة بين الباحثين المحليين والدوليين. كما أن مراكز أبحاث الذكاء الاصطناعي المتخصصة نادرة، وكذلك البنية التحتية الكافية للاتصالات والطاقة. ويُعيق هذا الوضع تنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، مما يَحُدّ من التأثير المُحتمل لهذه التقنية على القارة.
رابعًا- كيف يمكن لإفريقيا تبنّي أُسس الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته؟
يُتيح دمج الذكاء الاصطناعي في إفريقيا فرصًا كبيرة، ولكنه يُواجه أيضًا تحديات كبيرة. فبينما تتميز بعض الدول الإفريقية بالتزامها وتقدُّمها في الاستعداد لاعتماد الذكاء الاصطناعي، وتواجه دول أخرى عقبات كبيرة، مثل التفاوتات الهيكلية والفجوات الرقمية. يُبرز هذا التفاوت الحاجة إلى نَهْج شامل ومتكامل لضمان استفادة جميع الدول الإفريقية من الذكاء الاصطناعي، مع سَدّ الفجوة بينها وبين مناطق أخرى من العالم.
وللتغلب على هذه التحديات، والاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا؛ لا بد من تضافر الجهود؛ إذ يُعدّ التبنّي المتزايد للذكاء الاصطناعي في إفريقيا ظاهرةً متطورةً تتطلب فهمًا عميقًا للديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية المؤثرة. ويعتمد هذا التبني على تطوير أنظمة بيئية ديناميكية تشمل خمسة أصحاب مصلحة رئيسيين؛ هم: صانعو السياسات، والجامعات، والشركات الكبرى، والشركات الناشئة، والشراكات متعددة الأطراف. وتلعب هذه الجهات الفاعلة دورًا حاسمًا في تعزيز الابتكار، وتنمية المهارات، وتهيئة بيئة مواتية للدمج الناجح للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
لكن تحقيق هذه الرؤية يتطلب تحسينات جوهرية في الجوانب التالية:
- توفير البنية التحتية الرقمية، فالعديد من مجموعات البيانات الرقمية للقارة مُخزّنة خارج إفريقيا، مما يَحُدّ من الوصول إلى معلوماتها وسيادتها عليها. فهناك حاجة لزيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، والتدريب المتخصص، والبحث والتطوير. وتوسيع شبكات الإنترنت عالية السرعة في المناطق الحضرية والريفية.
- تُعدّ السياسات الحكومية الثاقبة، والشراكات الإستراتيجية بين القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، ضرورية لتهيئة بيئة مواتية للابتكار والنمو الاقتصادي القائم على الذكاء الاصطناعي. ومن خلال العمل معًا، يُمكن للدول الإفريقية تحويل التحديات الحالية إلى فرص، وتمهيد الطريق لمستقبل يُسهم فيه الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في التنمية المستدامة، وتحسين نوعية الحياة لجميع الأفارقة.
- وضع أُطُر قانونية لحوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وآمِن، وبما يضمن حماية البيانات الشخصية وضمان الخصوصية.
- تحسين برامج التدريب أمرٌ ضروريّ، لا سيما في ظل هجرة الأدمغة العالمية إلى مواهب الذكاء الاصطناعي. ولضمان عدم تخلُّف إفريقيا عن الركب، لا بد من بناء شراكات قوية عبر منظومة واسعة من الشركاء، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الكبرى والمنظمات غير الحكومية والحكومات ومشغِّلو شبكات الهاتف المحمول.
- إدماج مناهج الذكاء الاصطناعي والبرمجة في مراحل التعليم الأساسية والجامعية.
- دعم مبادرات تدريب الشباب والمهنيين على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- كما أن المشاركة الفعَّالة في المنتديات العالمية ستكون محورية في تحديد الأطر التنظيمية التي تُعزّز التطوير الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وتحمي المصالح المجتمعية، وتدعم المُضي قُدمًا نحو حلول مستدامة تعود بالنفع على جميع المجتمعات الإفريقية.
خاتمة:
مع التقدم المتسارع في التكنولوجيا، تتَّجه إفريقيا إلى مرحلة جديدة من التنمية تعتمد على الابتكار والتحول الرقمي. ويُعدّ الذكاء الاصطناعي أحد المحرّكات الكبرى التي ستُعيد تشكيل مستقبل القارة الإفريقية في مختلف القطاعات. وتُعدّ هذه القمة خطوة محورية نحو تموضع إفريقيا كفاعل رئيسي في النظام الرقمي العالمي، وتعكس التزام القارة بالتحول الرقمي الشامل، وتعزيز الابتكار، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما تمثل علامة فارقة في مسيرة التحول الرقمي للقارة؛ حيث أبرزت الإمكانات الكبيرة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز مكانة إفريقيا كمشارك فاعل في الاقتصاد العالمي الرقمي؛ ومن خلال إطلاق مبادرات إستراتيجية مثل “مجلس الذكاء الاصطناعي الإفريقي”، وتأسيس شراكات مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، تؤكد القارة عزمها على توطين التكنولوجيا وبناء منظومة ابتكار مستدامة وشاملة.
ومع استمرار الجهود في تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز القدرات البشرية، وصياغة سياسات تنظيمية رشيدة، تُفتح أمام إفريقيا آفاق جديدة لتحقيق نهضتها التكنولوجية والتنموية الشاملة. ولكن لم تكن القمة هى الحل الأمثل نحو تحركات محسوبة لتبنّي أُسُس الذكاء الاصطناعي، فما زالت القارة بحاجة إلى وضع مرتكزات الذكاء الاصطناعي بها؛ ومن أهمها: وضع إستراتيجيات وطنية والعمل على تنفيذها، فضلاً عن الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين البيئة التنظيمية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.
……………………………
[1]) Kevin Ochieng , “Key takeaways from the Global AI Summit on Africa” , UNDP, APRIL 4, 2025, available at:
https://www.undp.org/rwanda/blog/key-takeaways-global-ai-summit-africa
[2]) Smart Africa , “Steering Committee convenes in Kigali, and endorses the establishment of the Africa Artificial Intelligence” Council” , April 03, 2025, available at: https://smartafrica.org/smart-africa-steering-committee-convenes-in-kigali-and-endorses-the-establishment-of-the-africa-artificial-intelligence-council/
[3]) Fahd Azaroual , Artificial Intelligence in Africa: Challenges and Opportunities, ( Morocco : Policy center for The New South , May.2024), P.9. ,
[4])Abdessalam Jaldi , Artificial Intelligence Revolution in Africa: Economic Opportunities and Legal Challenges, ( Morocco : Policy center for The New South July 2023) , PP.19-20
[5] ) Matt Brittin , “Africa’s AI Moment: Building a future powered by technology and talent” , Oct 28, 2024, available at:
https://blog.google/intl/en-africa/company-news/africas-ai-moment-building-a-future-powered-by-technology-and-talent/
[6]) Vivian Latour , ” AI Summit In Rwanda Signal Africas Push to Join The Global Tech Race” , April 8th, 2025 , available at:
https://international.la-croix.com/world/ai-summit-in-rwanda-signals-africas-push-to-join-the-global-tech-race
[7]) Microsoft , “Amplifying Africa’s role in the global AI economy – why it hinges on mastering these key components” , Feb.2025 , available at:
https://news.microsoft.com/source/emea/features/amplifying-africas-role-in-the-global-ai-economy-why-it-hinges-on-mastering-these-key-components
[8]) Saf Malik , “AI in Africa: driving change, but at what cost?”, Nov.2024 , available at:
https://www.capacitymedia.com/article/2dqrbs3e9gm1aknpgeq68/long-reads/ai-in-africa-driving-change-but-at-what-cost
[9])The Agence Française de Développement (AFD) ARTIFICIAL, ” INTELLIGENCE, A DRIVING FORCE FOR CHANGE IN AFRICA“ , 23 JANUARY 2025, available at:
https://www.afd.fr/en/Artificial-intelligence-Africa
[10]) Fahd Azaroual ,Op.cit , PP.9-10.
[11]) Rob Floyd, et..al , “Digital public infrastructure (DPI) will drive AI for Africa’s economic transformation African Center for Economic” , February 11, 2025 , available at:
https://acetforafrica.org/research-and-analysis/insights-ideas/digital-public-infrastructure-dpi-will-drive-ai-for-africas-economic-transformation/