أجَّلَ حزبُ المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا مناقشةَ مصير “إيس ماغاشولي”؛ أعلى مسؤول في الحزب؛ بسبب ملفات الفساد. وقد رفض “ماغاشولي” التنحّي عن منصبه رغم تقرير هيئة النزاهة بالحزب الذي طلب منه التنحّي في الشهر الماضي، ما يعني مزيدًا من تأزُّم الصراعات داخل الحزب وضآلة فرصة الرئيس الجنوب إفريقي “سيريل رامافوسا” لقطع الطريق أمام “ماغاشولي”، وتوحيد صفوف أعضاء الحزب.
وإذا كان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم قد أشار في بيانه يوم 21 يناير الماضي إلى أنَّ بند جدول الأعمال الخاص بقضية “ماغاشولي” قد تمَّ تأجيله لمدة ثلاثة أسابيع؛ كي يتسنَّى للمسؤولين الستة الكبار في هيئة النزاهة الاجتماع لوضع اللمسات الأخيرة على المبادئ التوجيهية بشأن تنفيذ قرار تنحّي “ماغاشولي”، ونظر اللجنة التنفيذية الوطنية فيه؛ فإنَّ تأجيل مناقشة القضية بمثابة انتصار مؤقَّت لـ “ماغاشولي” الذي يقود تكتّلاً مؤثّرًا يعمل على الإطاحة بالرئيس “سيريل رامافوسا”.
“ماغاشولي” واتهامات الفساد:
في نوفمبر 2020م أصدرت الشرطة بجنوب إفريقيا مذكرة توقيف بحق “إيس ماغاشولي” لـ21 تهمة احتيال وفساد تشمل منح عقد حكومي بقيمة 16 مليون دولار في عام 2014م؛ وذلك نتيجة لفضيحة تدقيق المنازل ذات الأسقف المصنوعة من الأسبستوس عندما كان “ماغاشولي” رئيس إدارة مقاطعة “فري ستيت”, ليكون أكبر مسؤول في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم يواجه مُساءَلة قضائية منذ أن تولَّى “رامافوسا” رئاسة جنوب إفريقيا في عام 2018م.
وإذ نفى “إيس ماغاشولي” مرارًا ارتكابه لأيّ خطأ؛ فإن تفاصيل لائحة اتهام سلطة الادعاء الوطنية الموجَّهة لـ “ماغاشولي” تضم عددًا من الإكراميات التي يُزْعَم أنه قَبِلَها أو استلمّها آخرون من رجل الأعمال “إغناتيوس مبامباني” نيابةً عنه. ومن بينها 53,550 راندًا (عملة جنوب إفريقيا) مدفوعة إلى “ريفيلو موكوينا”، رئيسة قسم الشؤون القانونية السابقة في دائرة الإيرادات بجنوب إفريقيا كرسوم دراسية لابنتها, و250,000 راند لتغطية رسوم سفر الوفد لكوبا.
كما تزعم الدولة أنه في يونيو 2015م قَبِلَ “ماغاشولي” مبلغ 470,000 راند تم دفعه بناءً على طلبه لشركة “M-TAG Systems” لشراء 200 جهاز لوحي إلكتروني من “إغناتيوس مبامباني”. بينما تم إنفاق 300,000 راند آخر على الأجهزة اللوحية في معاملتين أُخريين. إضافةً إلى عقود ومِنَح وتُهَم احتيال أخرى عدَّها القضاء الوطني ضد “ماغاشولي”.
وقد أوصت هيئة النزاهة بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في شهر ديسمبر 2020م بأن التُّهَم الموجَّهة لـ”ماغاشولي”، وانتظار حكم المحكمة يفرضان على “ماغاشولي” أن يتنحى عن منصب الأمين العام للحزب. ولكنَّ “ماغاشولي” وأنصاره داخل الحزب الحاكم يرفضون فكرة تنحّيه عن المنصب.
وإذا كانت اللجنة التنفيذية الوطنية (NEC) التابعة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي قد سبق أن قررت في أغسطس 2020م أنه يجب على مسؤولي الحزب المتهمين بالفساد أخذ إجازة بشكل فوريّ أثناء التحقيق في المزاعم الموجَّهة إليهم، وهو قرار لم يُذْعِن “ماغاشولي” له حتَّى الآن؛ فقد قدّمت هيئة النزاهة بالحزب توصياتها بشأن القضية إلى اللجنة التنفيذية الوطنية التابعة للحزب بشأن ما إذا كان ينبغي تأديب الأعضاء بسبب الأخطاء والارتكابات المتصورة في الحكم أو الإساءة إلى سُمْعة الحزب.
ومن المقرَّر أن تعود قضية الفساد والاحتيال إلى المحكمة في 19 فبراير القادم مع ظهور “ماغالوشي” والمتهمين الآخرين أمام المحكمة، مع توقّع إحالة القضية إلى المحكمة العليا في التاريخ نفسه.
تعمُّق الانقسامات داخل الحزب:
رأى الكثيرون أن الاتهامات الموجَّهة لـ”إيس ماغاشولي” الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم ستُوقِد نيران التنافس بينه وبين الرئيس “رامافوسا” رئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، وأنها ستعمِّق الصدع داخل الحزب الذي يحكم جنوب إفريقيا منذ نهاية حكم “الأقلية البيضاء” في عام 1994م؛ وذلك لأن كلاً من “رامافوسا و”ماغاشولي” ينتميان إلى فصائل متنافسة داخل الحزب, بل ويُعتبر الأخير حليفًا قويًّا للرئيس السابق “جاكوب زوما”.
ويرى البعض أن محاكمة “ماغاشولي” قد تعني أيضًا تعزيزًا لجهود الرئيس “رامافوسا” الذي اتخذ موقفًا صارمًا بشأن محاربة الفساد والكسب غير المشروع منذ أن أصبح زعيمًا للحزب في ديسمبر 2017م. بينما يرى آخرون أن “رمافوسا” يتعرَّض لضغوطات كبيرة ومعارضات من مؤيدي “ماغاشولي” الذين يرفضون الجهود المبذولة لإقالته بشدة.
ويمكن تتبُّع هذه الانقسامات بين الجانبين إلى مؤتمر عام 2017م في جوهانسبرج عندما انتُخِبَ “رامافوسا” رئيسًا للحزب بهامش ضئيل على “نكوسازانا دلاميني زوما”, المرشَّحة المفضَّلة لدى الرئيس السابق “جاكوب زوما” الذي استقال لاحقًا من رئاسة البلاد بعد ضغوط من الحزب.
وتتركَّز النقاط الرئيسية لهذه الانقسامات على سياسات حكومة “رامافوسا” الحالية التي يرى مؤيدو “زوما” و “ماغاشولي” أنها تخرق اتفاقات الوحدة من عام 2017م، وتَحُدّ من الوصول إلى موارد الدولة مع ملاحقة الشخصيات. ولذلك اتهموا “رامافوسا” بالفشل في تنفيذ قرارات المؤتمر والإخفاق في الحفاظ على تماسك الحزب الحاكم.
بل في خضمّ كلّ التكهنات حول مساعي الرئيس “سيريل رامافوسا”, فإنَّ هناك مجموعات من منتقديه ومعارضيه داخل الحزب تدّعي أن خطة “رامافوسا” هي الإطاحة بأمين عام الحزب “آيس ماغاشولي”؛ أي كما فعل مع سيّده وسلفه الرئيس “جاكوب زوما”.
وهو ادّعاء نفاه “رمافوسا” ساخرًا عندما قال: “هذه (التهمة بالسعي وراء الإطاحة بماغاشولي) لم تكن أُمنيتي قط. لم تسمعها من فمي قط. أنا أرفض هذه الفكرة، وهذه ليست الطريقة التي أتعامل بها مع الرفاق, وهي ليست الطريقة التي أعمل بها. ليست هذه هي الطريقة التي أتصرّف بها إطلاقًا. نعم, أعلم أن بعض الناس يعتقدون ذلك، لكنَّه لم يكن أبدًا جزءًا من طريقة معاملتي مع الناس”.
وقد اعترف “رامافوسا” نفسه بصعوبة مهمة توحيد أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم؛ حيث قال في مقابلة مع إذاعة محلية في منتصف شهر يناير 2021م: “إن وحدة الحزب تنزلق من بين أصابعنا”, مُحذِّرا خلال خطاب آخر في عيد ميلاد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في 8 يناير 2021م من أن “وحدة الصفوف داخل الحزب لا يمكن استخدامها لحماية المتورطين في ارتكاب مخالفات من المحاسبة”.
من جانب آخر, لجأ الرئيس “رامافوسا” إلى ردّ دبلوماسيّ عندما سُئِلَ عمَّا إذا كان تنحّي “ماغاشولي” عن منصب الأمين العام للحزب سيؤدّي إلى استعادة الوحدة بين أعضائه؛ حيث قال: “حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أكبر بكثير منا جميعًا. إنه أكبر منّي ومن أيّ شخص آخر. لقد كان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في الوجود لفترة أطول بكثير منا جميعًا، وهو وسيلة ثمينة يجب علينا تعزيزه”.
تنحّي “ماغاشولي” وتحديات “رامافوسا”:
اتخذ حلفاء آخرون لـ “ماغاشولي” موقفًا مفاجئًا في ديسمبر الماضي خلال اجتماع اللجنة التنفيذية الوطنية التابعة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي, وذلك عندما قالوا: إن “ماغاشولي” لن يتنازل عن منصبه إلا إذا كان جميع القادة الآخرين المتورطين سابقًا في ارتكاب مخالفات مختلفة بما في ذلك الرئيس “رامافوسا” سيستقيلون عن مناصبهم أيضًا.
وقد جادل حلفاء “ماغاشولي” بأن الرئيس “رامافوسا” نفسه يُواجه قضية في المحكمة حول جمعه 400 مليون راند لتمويل حملته لرئاسة الحزب في عام 2017م؛ حيث يخترق فِعْله هذا قواعد الحزب والتي لا تسمح بجمع الأموال للحملات الداخلية. ولذا اتُّهِمَ “رامافوسا” بشراء الأصوات وبكونه عميلاً محتملاً لمموّلي حملته.
يُضاف إلى ما سبق أن هناك من الحلفاء من لجأوا إلى اعتبارات قانونية لدَحْض المزاعم الموجَّهة لـ “ماغاشولي” مع استشارة المحامين الذين قالوا: إنّ هيئة النزاهة واللجنة التنفيذية التابعتين للحزب الحاكم لا تملكان الصلاحية الدستورية لفرض بند التنحّي على أيّ عضو من الحزب.
وعليه, يتضح أن “ماغاشولي” يضع كل الخيارات المتاحة على المائدة؛ إذ رفض مرارًا فكرة مغادرة منصبه, وقال لأنصاره: “إنه لن يتنحَّى إلا إذا طُلِبَ منه ذلك مِن قِبَل المكاتب التنفيذية للحزب”. وهذا يُؤشّر على قوة قاعدته الشعبية داخل الحزب وتمتعه بسلطة كبيرة لتقسيم قرارات اللجان التنفيذية، وقلبها ضد “رامافوسا” قبل الانتخابات القادمة لقيادة الحزب.
وتعني الانقسامات أيضًا داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في ظل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في جنوب إفريقيا أن الرئيس “رامافوسا” أمام تحديات جسيمة عالقة في الوسط بين تحقيق التوازن كرئيس للأمة وزعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
وفي المقابل تُتيح هذه التحديات لـ “ماغاشولي” وأنصاره فرصة تأخير فكرة التنحّي والمماطلة فيها بهدف شراء الوقت حتى يحين وقت انتخابات قيادة الحزب التي قد تكون حدثًا مصيريًّا لمستقبل “سيريل رامافوسا” كرئيس للحزب وجنوب إفريقيا.
________________
للمزيد ينظر:
Cyril goes or Ace stays: Showdown expected at ANC NEC meeting as factions clash:
Ramaphosa: I’m not plotting against Ace:
Ramaphosa makes three big bets: Ace Magashule suspension, a basic income grant and NHI :
Ramaphosa vs Magashule battle heats up inside the ANC: report:
‘It is very clear that Ramaphosa is under attack from Magashule and others’ :
South Africa’s Ace Magashule: Arrest warrant issued for ANC official: https://bbc.in/3c71sNH
South Africa: Ramaphosa rival Magashule plays the long game: