الناشر: نادي فالداي الروسي
ترجمة: مروة أحمد عبد العليم
باحثة في الشأن الروسي
في الوقت الذي تسعى فيه جنوب إفريقيا إلى تحقيق أهدافها العالمية؛ أصبحت تصورات الأفارقة عن روسيا محاصرةً بين أجندات ومفاهيم متنافسة.
كما أن خصوصيات رؤية روسيا داخل جنوب إفريقيا تتحدَّد، من ناحية، بالسرد العالمي، الذي يميل إلى النظر إلى روسيا من خلال منظور غربي، ومن ناحية أخرى، برغبة جنوب إفريقيا في التعددية القطبية.
في هذا الشأن تكتب أرينا موريسان وسانوشا نايدو عن كيفية تعامل النخبة والمواطنين العاديين في جنوب إفريقيا مع روسيا، وما إذا كان من الممكن تغيير رأيهم وكيفية القيام بذلك.
عند مناقشة رؤية إفريقيا، غالبًا ما يَنظر المراقبون الخارجيون إلى اتصالاتها الخارجية بطريقة محددة، إنهم غالبًا ما يُضلِّلهم السرد العالمي السائد حول شرعية الجهات الفاعلة الخارجية في القارة، كما أن تطلعات الجهات الإفريقية الحكومية وغير الحكومية إلى التصرُّف بشكل مستقل في الشؤون الدولية غالبًا ما تكون مكتومة أو مُهمَّشة.
ومع مرور الوقت، أصبح السؤال حول مَن هم شركاء إفريقيا الدوليون الموثوق بهم سؤالًا حول شرعية توقعات الجهات الفاعلة الإفريقية من القوى الخارجية، ويبدو أن المراقبين الخارجيين يشيرون إلى أن إفريقيا غير قادرة على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن كيفية تأطير تفاعلاتها مع الجهات الفاعلة الخارجية، والأسوأ من ذلك هو أن الحوار لم يَعُد يدور حول المساواة في التفاعل بقدر ما أصبح يدور حول كيفية تحديد مَن يحق لإفريقيا التفاعل معه.
وهذا لا يؤدي إلى خلق التوترات فحسب، بل يُعزّز فكرة أن الجهات الإفريقية الفاعلة بحاجة إلى النظر في أهمية اتصالاتها الخارجية على المستويات الوطنية والإقليمية والقارية، ولكن هذا لا يعني أن الدول الإفريقية تتوقف عن التعاون مع أولئك الذين لا يتشاركون معها الانتماء الأيديولوجي.
لكنَّ فكرة أن الحكومات الإفريقية لها الحق في أن تكون عملية في علاقاتها الخارجية؛ يراها كثيرون فكرة ضارة، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع شركاء مثل الصين وروسيا.
على هذه الخلفية، فإن جنوب إفريقيا ليست استثناء. في الواقع، وجدت البلاد نفسها في الآونة الأخيرة في مأزق حقيقي، وأُجبرت على إثبات أن سياستها الخارجية تم تطويرها بشكل مستقل، وأنها دولة مستقلة ذات سيادة، ولها الحق في متابعة مصالحها الوطنية كما تراه مناسبًا، وتمتد هذه المعضلة إلى السياسة الداخلية؛ حيث تختلف وجهات النظر بشأن مدى فائدة عضوية جنوب إفريقيا في مجموعة البريكس. وتتم مناقشة موقفها في الأمم المتحدة أو علاقاتها مع روسيا من حيث مدى فائدتها للهوية الدولية للبلاد، وغالبًا ما ترتبط مثل هذه الآراء بفكرة أن الوضع الراهن لا يزال قائمًا، وأننا لا ينبغي أن نتوقع حدوث تغييرات نظامية عالمية. ومن الأمثلة النموذجية على ذلك صورة روسيا في جنوب إفريقيا وتأثير الديناميكيات العالمية عليها، فضلًا عن الاختلافات في النهج بين النخب وعامة الناس، واختيارهم وتفسيرهم للمعلومات وعند تقييم تصورات جنوب إفريقيا عن روسيا، حددنا المجموعة التالية من العوامل المحددة.
الدعم التاريخي خلال النضال التحريري:
لقد أرست العلاقة التاريخية بين المؤتمر الوطني الإفريقي والاتحاد السوفييتي الأساس لاستمرار العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين روسيا وجنوب إفريقيا في حقبة ما بعد الفصل العنصري. فهناك حنين مرتبط بالامتنان للدعم العسكري والمالي والسياسي الذي قدَّمه الاتحاد السوفييتي للدول التي تناضل ضد الحكم الاستعماري والفصل العنصري.
وقد كان افتقار روسيا إلى التاريخ الاستعماري يُنظَر إليه إلى حدّ كبير كعامل في التزامها بمحاربة الإمبريالية من أجل تقرير مصير شعوب إفريقيا، وعلى وجه الخصوص، قدَّم الاتحاد السوفييتي الدعم للمؤتمر الوطني الإفريقي وجناحه المسلح، أومكونتو وي سيزوي، بينما أصبح العديد من قادة وأعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي الذين تمتعوا بالدعم السوفييتي في المنفى فيما بعد جزءًا من النخبة في جنوب إفريقيا، وقد لعبوا، من خلال تقلُّدهم مناصب قيادية، بما في ذلك في مجال الأعمال والأوساط الأكاديمية، دورًا مهمًّا في تشكيل تصورات روسيا، لكنّ السؤال هو ما الذي يعرفه الجيل الجديد من أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي عن روسيا؟
في الانتخابات الوطنية لعام 2024م في جنوب إفريقيا، ظهرت قضايا السياسة الخارجية أكثر من أيّ وقت مضى، وأصبح الصراع في أوكرانيا موضوعًا مهمًّا للنقاش والمناظرة بالنسبة لمعظم الأحزاب السياسية. وفي الواقع، قامت الأحزاب بعرض مواقفها تجاه روسيا على الناخبين، وكان معظم الانتقادات موجهًا إلى المؤتمر الوطني الإفريقي بسبب تأثيره الأيديولوجي الكبير على سياسة الحكومة، مما كان له تأثير سلبي على العلاقات مع الغرب. ومن الملاحظ أن:
1) مواقف أبطال النضال من أجل التحرير بدأت تفقد تأثيرها على الرأي العام.
2) يتم استخدام قضايا السياسة الخارجية للتأثير على مواقف الناخبين تجاه القضايا الداخلية، ولكن العلاقات التاريخية بين المؤتمر الوطني الإفريقي وروسيا لم تعد تلعب دورًا خاصًّا.
وفي حين تعمل روسيا نفسها جاهدةً على خلق صورة إيجابية من خلال العلاقات الثنائية، فإنها تتلقى مساعدة كبيرة في هذا الصدد من سلوك الولايات المتحدة وأوروبا، التي تعمل بنشاط على تشكيل تصورات إيجابية لموسكو في إفريقيا؛ حيث تلعب الولايات المتحدة وأوروبا دورًا مهمًّا في تنمية القارة، ولكنَّ كثيرين ينتقدون تصرفاتهما باعتبارها استغلالية وأنانية أو تتجاهل مصالح إفريقيا، كما أن وضع روسيا كقوة موازنة لسياساتهم في مجالات مهمة مثل التعاون العسكري والتجارة والدعم الدبلوماسي يُصوّرها كلاعب إستراتيجي قادر على ملء الفراغات في القوة أو الثغرات التي خلَّفتها جهات عالمية أخرى، ويتردد صدى هذا الأمر أيضًا في جنوب إفريقيا، ولكن جزئيًّا بطريقة متضاربة؛ إذ يرى البعض روسيا لاعبًا خطيرًا، في حين يشيد بها آخرون لمحاربتها الهيمنة الغربية.
المصادر الإعلامية في جنوب إفريقيا:
بشكل عام، إن إطلاع الجمهور في جنوب إفريقيا على العلاقات الدولية والسياسة الخارجية ليس بالأمر السهل، وتعتبر مصادر المعلومات والوصول إليها ذات أهمية كبيرة هنا. وإن الأخبار في جنوب إفريقيا حول روسيا (والعلاقات الدولية بشكل عام) تتشكل من مصادر دولية من وسائل الإعلام الغربية والشرقية، على الرغم من وجود تأثير أقوى من وسائل الإعلام الغربية؛ مثل: بي بي سي، سكاي نيوز، سي إن إن، رويترز، بلومبرج، وهلم جرا.
ونتيجة لذلك، تميل التغطية الإعلامية في جنوب إفريقيا للسياسة الخارجية لجنوب إفريقيا إلى التركيز على عدم انسجام الحكومة مع الإجماع العالمي. وفي الوقت نفسه، فإن التصور الثقافي لوسائل الإعلام الغربية، الذي يصور البلدان الإفريقية على أنها بلدان تعاني من الصراعات والفقر وعدم الاستقرار، يُغذِّي الرغبة في إيجاد روايات بديلة. ومع ذلك، فإن تأثير RT International وSputnik ضئيل وفي حالة قناة RT، تم إيقاف البثّ عبر الأقمار الصناعية على قناة DSTV التلفزيونية الفضائية بسبب العقوبات، ولكن يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت.
لقد أصبح الجمهور في جنوب إفريقيا محاصرًا بين روايات متنافسة، وهو مهتم بالبلاغة أكثر من المعلومات ويصبح الوضع أكثر تعقيدًا بسبب إمكانية الوصول إلى الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي. ففي عام 2024م، وجدت لجنة المنافسة في جنوب إفريقيا أن 77٪ من المستجيبين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة أساسية للوصول إلى الأخبار، مع احتلال فيسبوك وتيك توك وواتساب ويوتيوب المرتبة الأعلى، علاوة على ذلك، فضّل معظم المستخدمين قراءة العناوين والمقتطفات فقط، متجاهلين أيّ شيء آخر وأُجري الاستطلاع بسبب مخاوف من أن مصادر وسائل التواصل الاجتماعي، المدفوعة باعتبارات السوق، قد تؤدي إلى تشويه أو تقويض قواعد المنافسة.
وهذا بالطبع لا يعكس مستوى معرفة الناس بالعلاقات الدولية، ولكنه يؤكد افتقار السكان ككل إلى الوعي وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة أفروباروميتر في عام 2022م، فإن تصورات الجنوب إفريقيين للقوى الأجنبية تدهورت بشكل واضح في الآونة الأخيرة. وعند سؤال المشاركين عن شعورهم تجاه النفوذ السياسي والاقتصادي الروسي في جنوب إفريقيا، قال 11% منهم: إنه إيجابي للغاية، وقال 13%: إنه إيجابي إلى حد ما، وقال 9%: إنه ليس إيجابيًّا ولا سلبيًّا، وقال 7%: إنه سلبي إلى حد ما، وقال 15%: إنه سلبي للغاية، ولكن الاستنتاج الأكثر صدى هو أن 42% يفتقرون إلى المعرفة اللازمة لقول أي شيء.
ومن المثير للاهتمام أنه عند التوزيع حسب الانتماء الحزبي (انظر الشكل أدناه)، من الواضح أن مستوى الآراء الإيجابية حول نفوذ روسيا هو نفسه بين مؤيدي المؤتمر الوطني الإفريقي وحزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية (24٪)، بينما بين مؤيدي التحالف الديمقراطي هو أعلى قليلًا (27٪)، أي أعلى بنسبة 3٪ من مستوى الآراء الإيجابية حول نفوذ الاتحاد الأوروبي ويبدو أن هذا الأخير يُبدِّد الاعتقاد السائد بأن أنصار الأحزاب السياسية متجانسون في آرائهم ويتبعون أيديولوجية الحزب وتفكيره.
المصدر: أفروباروميتر
تحدي للنظام الاقتصادي والمالي العالمي:
تعتقد النُّخب في جنوب إفريقيا أن روسيا تمثل تحديًا حقيقيًّا للبنية الاقتصادية والمالية القائمة، كما أن الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي واليورو قد خلق ظروفًا جيواقتصادية أصبحت فيها هذه العملات قادرة على العمل كأسلحة، وإخضاع البلدان الأخرى للمصالح الغربية، وفي حين يدرك الاتحاد الأوروبي أن الاستخدام العدواني للقوة من خلال العملة قد يُشجّع الجهات الفاعلة الأخرى على البحث عن بدائل طويلة الأجل، يبدو أن الولايات المتحدة تعمل فقط على زيادة الضغوط المالية. فمنذ الإدارة الأولى لدونالد ترامب، كانت واشنطن ترسل إشارات صارمة إلى العالم النامي في الدفاع عن نفسها باعتبارها اللاعب العالمي المهيمن، وبالنسبة لأولئك الذين لا يسيطرون على ديناميكيات اقتصاد الدولار، أصبحت الحياة أكثر تكلفة بكثير، وهو ما يجعل رغبة روسيا في إنشاء أنظمة دفع بديلة ذات أهمية كبيرة، لكن كل هذا لا يجد صدى خارج وسائل الإعلام والمناظرات الضيّقة بين النخبة، لذا لا يَفهم عامة الناس في جنوب إفريقيا الدور الروسي في هذا الصدد.
خاتمة:
إن الاتفاقات المنتهكة، والسياسات غير المتسقة، والتنافسات الجيوسياسية، والترتيبات الدولية غير العادلة، وفشل المؤسسات متعددة الأطراف في حلّ المشكلات، كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم حالة انعدام الثقة العالمية، ويبدو هذا واضحًا من التراجع العام في الرأي الإيجابي في جنوب إفريقيا تجاه القوى الأجنبية. فهناك رغبة واضحة في المجتمع لإقامة نظام عالمي متعدّد الأقطاب وفي الوقت الذي تسعى فيه جنوب إفريقيا إلى تحقيق أهدافها العالمية، تجد تصورات الناس عن روسيا نفسها محاصرة بين أجندات ومفاهيم متنافسة، كما أن التصور الخاص لروسيا داخل جنوب إفريقيا يتحدد، من ناحية، بالسرد العالمي، الذي يميل إلى رؤية روسيا من خلال منظور غربي، ومن ناحية أخرى، برغبة جنوب إفريقيا في التعددية القطبية.
وفي الوقت نفسه، هناك عجز واضح في المعلومات المتعلقة بروسيا، وذلك أن الكثير من الطريقة التي يتم بها تصوير موسكو تتشكل من خلال تجميع القصص الإخبارية العالمية من وسائل الإعلام الدولية وجزء من المشكلة يتعلق بنقص المتخصصين الروس في جنوب إفريقيا.
ونتيجة لهذا، يميل بعض الخبراء إلى تقديم آرائهم بشأن روسيا باعتبارها رأيًا سائدًا، في حين يُنظَر إلى أولئك الذين يسعون إلى تصوُّر أكثر توازنًا لروسيا باعتبارهم “متعاونين مع موسكو”. ومع ذلك، وكما تشير دراسة أفروباروميتر، فإن المشكلة الأكثر أهمية هي الافتقار إلى المعلومات حول كيفية إدراك المجتمع في جنوب إفريقيا لروسيا، وليس فقط من جانب النخب التي تحاول فرض آرائها على المواطنين العاديين، وهنا يصبح سياق انعدام الثقة العالمي جزءًا من التصورات المتنافسة لصورة روسيا في جنوب إفريقيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: https://ru.valdaiclub.com/a/highlights/obraz-rossii-v-yuzhnoy-afrike