عصام زيدان
باحث في الشؤون السياسية
على مدار الأشهر السابقة في عام 2020م, ومنذ 22فبراير عُقدت نحو 7 انتخابات رئاسية في دول إفريقيا جنوب الصحراء, كانت نتائجها متوقعة إلى حد كبير؛ بالنظر إلى تاريخ القارة وماضيها في تمرير الانتخابات لصالح الرؤساء على كراسي الحكم.
رؤساء لا يفقدون الصلاحية:
أجريت 7 انتخابات رئاسية حتى كتابة هذا التقرير في 5-12-2020, فاز فيها من الرؤساء المنتهية ولايتهم خمسة, وهي كالتالي:
-توغو: أجريت في 22 فبراير, وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته فور غناسينغبي (54عاما) بنسبة 72,36%.
-غينيا: أجريت في 18 أكتوبر, وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته ألفا كوندي، (82عاما)، بنسبة 59,49%.
-تنزانيا: أجريت في 28 أكتوبر, وفاز الرئيس المنتهية ولايته جون ماجوفولى (61عاما) بنسبة 84,39 %.
-كوت ديفوار: أجريت في 31 أكتوبر, وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته حسن واتارا (78عاما) بنسبة 94.27%.
-بوركينافاسو: أجريت في 22 نوفمبر, وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته روش مارك كريستيان كابوري (63عاما) بنسبة 57.87% من الأصوات.
وفاز مرشح الحزب الحاكم في دولة فقط من السبعة, وهي:
بوروندي: حيث أجريت الانتخابات في 20 مايو, وفاز مرشح الحزب الحاكم إيفاريست ندايشيمي(52عاما) بنسبة 68.72%, وربما يعود ذلك إلى أن الرئيس المنتهية ولايته بيار نكورونزيزا قد وافته المنية قبل اجراء الاقتراع الانتخابي.
وفاز مرشح المعارضة في انتخابات واحدة، وهي:
سيشيل: حيث أجريت الانتخابات في23 أكتوبر, وفاز مرشح المعارضة وافيل رامكالاوان (59عاما) بنسبة 54,9%.
ويلاحظ كذلك على هذه الانتخابات الرئاسية أن نتائجها دون التسعين بالمائة:
وكان الاستثناء في الكوت ديفوار فقط, حيث فاز فيها الرئيس المنتهية ولايته حسن واتارا بنسبة 94.27%, وربما يعزو ذلك إلى مقاطعة المعارضة للانتخابات, وهي ظاهرة انتخابية إيجابية إلى حد كبير في دول إفريقيا جنوب الصحراء, وتوحي بوجود عملية تنافسية إلى حد كبير، ولو في إطار الاقتراع، وليس الوصول إلى المنصب الرئاسي.
وباستثناء الرئيسين: ألفا كوندي في غينيا, والحسن واتارا في الكون ديفوار, فإن متوسط أعمار الرؤساء في بقية الدول السبع التي أجريت فيها الانتخابات في الخمسينيات, وهو ما يعني -إذا استصحبنا قاعدة البقاء طويل الأجل لرؤساء غالب الدول في إفريقيا جنوب الصحراء- أن يكون أمامهم فترات طويلة في سدة الحكم وعلى كرسي الرئاسة, ومع ذلك فإن انخفاض متوسط اعمار الرؤساء يعد ظاهرة إيجابية في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
معارضة ما بعد الانتخابات:
ويلاحظ أن المعارضة في كافة الانتخابات السابقة كان لها موقف سلبي من الانتخابات أو من نتائجها, إلا في بوركينافاسو, حيث أقر زعيم المعارضة زيفيرين ديابري لاحقا بالهزيمة بعد اتهام بالتزوير واسع النطاق قبل اعلان النتائج النهائية.
-ففي توجو اعلن مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية رفضه القاطع لنتائج الانتخابات، وقال جان بيار فابر (69عاما) مرشح اتحاد قوى التغيير “لن اعترف بهذا الفوز المزعوم لفور غناسينغبي”، مؤكدا فوزه في هذه الانتخابات وحصوله على ما بين 55% الى 60% من الأصوات، ومهددا بالنزول الى الشارع.
-وفي غينيا قال مرشح المعارضة سيلو دالين ديالو(68عاما)، إنه فاز بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية, وخرج الآلاف من مناصريه إلى شوارع عاصمة غينيا كوناكري للاحتفال بفوزه بالانتخابات الرئاسية, وبعد فشله في هذا الاستباق للنتائج الرسمية تقدم بشكوى إلى المحكمة الدستورية، لإبطال نتيجة الانتخابات.
-وفي تنزانيا تحدث مرشح المعارضة توندو ليسو عن حدوث “مخالفات على نطاق واسع” في الاقتراع الرئاسي, وعقب ظهور النتائج وقال فريمان مبوي زعيم أكبر حزب معارض “حزب الديموقراطية والتقدم” المعروف باسم “شاديما” “ندعو اولا إلى انتخابات جديدة في أسرع وقت ممكن”.
-وفي الكوت ديفوار حثت أحزاب المعارضة الرئيسية أنصارها بعدم المشاركة فيها بزعم أن الرئيس الحسن واتارا يسعى لفترة ولاية ثالثة في المنصب، وهي مخالفة للدستور الذي ينص على فترتين فقط، ثم أعلنت المعارضة أنها ستشكل حكومة انتقالية, وقال باسكال أفي نجيسان أحد قادة المعارضة ورئيس حزب الجبهة الشعبية الإفوارية إن إحدى مهام الحكومة الانتقالية ستكون تنظيم انتخابات رئاسية عادلة ونزيهة تشمل الجميع.
إشكالية مزدوجة:
إن إشكالية منصب الرئاسية في غالب دول إفريقيا جنوب الصحراء مزدوجة…حيث تكمن الاشكالية في صورتها الأولية في رؤساء يظنون أنهم لا يفقدون صلاحيتهم على الإطلاق, وتمكنوا من مقاليد الحكم لفترات طويلة, وطوعوا الدستور لرغباتهم في البقاء.
وقد يكون صحيحا -وليس عاما- أن بعضهم حقق نجاحات مشهودة في بلدانهم على المستوى الاقتصادي, في صورة نمو مستدام, وخفض لمعدلات الفقر, أو نوعا ما من أنواع الاستقرار الاجتماعي بعد عقود من الإضطرابات الأمنية والعرقية.
ولكن كل ذلك ليس مدعاة ولا مبررا للبقاء طويل الأجل جدا في كراسي الحكم, إذ أن النجاحات الاقتصادية ليست بالضرورة رهينة شخص الرئيس الحاكم, ولا الاستقرار الأمني والاجتماعي معقود على ناصية هؤلاء الحكام.
فإن لكل منهم –لاشك- اخفاقات تذكر, ومساوئ تعد, ولعل أبرزها اخفاقهم في الحفاظ على احترام دستور البلاد, وجعله ألعوبة التغيير المستمر، لاسيما فيما يتعلق بمدة الرئاسة وفترات الحكم, إضافة إلى كبتهم للمعارضة السياسية, وانتزاعهم الفوز بالانتخابات على أفواه البنادق ولهيب الدبابات.
أما الاشكالية الثانية فتتمثل في المعارضة المدجنة, التي ربما لا تكاد تسمع لها صوتا إلا في مرحلة ما بعد الانتخابات, شاكية من تزوير فاضح أو انتهاكات صارخة, ثم هي لا تلوي على شئ, غير انتظار عقارب الساعة حينما تشير إلى الانتخابات القادمة, في مشهد عبثي مكرور.
إن المعارضة السياسية التي تنتظر أن يأتيها كرسي الحكم على طبق من ذهب, ستنتظر طويلا, إذ أن الممارسة السياسية طويلة الأجل, وبناء قواعد مؤيدة من الشباب, والاسهام في حل مشكلات الوطن بصورة جادة, وتحييد الاشكاليات العرقية, والنزاعات الدينية, هي الخطوات الجادة نحو استلام السلطة أو على أقل تقدير المنافسة فيها بصورة حقيقة وجادة.