أسفرت انتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي التي جرت يوم السبت الموافق 15 فبراير 2025م في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” عن فوز وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف بمنصب رئيس المفوضية، وذلك بعد حصوله على 33 صوتًا في الجولة السابعة من الانتخابات، متغلبًا على المرشح الكيني المخضرم “رايلا أودينجا” زعيم المعارضة الكينية.
كما أسفرت عملية الانتخابات كذلك عن فوز السيدة سلمى مليكة حدادي سفيرة الجزائر بإثيوبيا وممثلة الجزائر الدائمة لدى الاتحاد الإفريقي بمنصب نائب رئيس المفوضية.
وقد جرت هذه الانتخابات خلال أعمال الدورة العادية 38 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، وسط منافسة محمومة للغاية، وخاصة على منصب رئيس المفوضية؛ حيث سعت كينيا لتأمين فوزها بهذا المنصب القاري المُهم، وقامت بالعديد من الجولات والزيارات لرؤساء الدول الإفريقية؛ حتى تضمن تصويتهم لصالح مرشحها، غير أن قواعد اللعبة السياسية لم تكن في صالحها في اللحظات الأخيرة، واستطاع مرشح جيبوتي الفوز بالمنصب تاركًا كينيا ومرشحها غارقين في هزيمة مدوية من العيار الثقيل.
وقد ساهمت مجموعة من العوامل والأسباب في فوز جيبوتي وخسارة كينيا، كما سيكون لهذه النتائج مجموعة من التداعيات الإيجابية والسلبية على كثير من الأطراف، ومن ضمنها: العلاقات العربية الإفريقية.
ومن خلال هذه الدراسة يمكن عرض وتحليل نتائج انتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي وفقًا للنقاط التالية:
أولاً: التعريف بالمرشحين لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي:
وفقًا لقواعد التناوب الإقليمي التي يتبنَّاها الاتحاد الإفريقي؛ فقد كان الترشح لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي من حقّ دول شرق إفريقيا هذه المرة؛ وذلك لأن إقليم غرب إفريقيا شغل هذا المنصب مرتين سابقًا؛ حيث إن السيد “عمارة عيسى” الذي يحمل جنسية ساحل العاج قد تولى منصب أول رئيس للمفوضية بصورة مؤقتة خلال الفترة من يوليو 2002م إلى سبتمبر 2003م، وتلاه رئيس مالي السابق “ألفا عمر كوناري” خلال الفترة من سبتمبر 2003م إلى أبريل 2008م.
كما شغل إقليم وسط إفريقيا المنصب ثلاث ولايات، وذلك قبل عملية الإصلاح الإداري لمؤسسات الاتحاد الإفريقي، وهو يتضح من تولّي “جين بينج” الذي يحمل جنسية الجابون رئاسة المفوضية خلال الفترة من أبريل 2008م إلى أكتوبر 2012م، فضلًا عن تولي “نكوسازانا دلاميني زوما” التي تحمل جنسية جنوب إفريقيا منصب رئيس المفوضية خلال الفترة من أكتوبر 2012م حتى يناير 2017م، وتولي التشادي موسى فكي رئاسة المفوضية ولايتين متتاليتين بدءًا من يناير 2017م حتى فبراير 2025م.
ومِن ثَم وقع الاختيار على دول شرق إفريقيا لتتنافس على منصب رئيس المفوضية، مع منح دول شمال إفريقيا منصب نائب رئيس المفوضية لشغله، وذلك وفقًا لمعايير التنوع والمساواة بين الجنسين؛ لشغل تلك المناصب التي تقضي بأنه إذا انتُخِبَ في منصب رئيس المفوضية ذَكَر، فيجب أن يكون منصب نائب الرئيس مخصصًا لأنثى، ونظرًا لسحب الصومال مرشحتها لرئاسة المفوضية؛ فقد أصبح المرشحون لمنصب رئيس المفوضية ذكورًا، والمرشحات لمنصب نائب رئيس المفوضية إناثًا، وتم استبعاد المرشحين الذكور من عملية التنافس على منصب نائب الرئيس([1])
ونظرًا لأهمية منصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بوصفه أعلى منصب قارّي داخل الاتحاد الإفريقي؛ فقد سعت العديد من دول شرق إفريقيا لشَغْله، ووجدت منافسة محمومة بين المرشحين للتنافس عليه؛ حيث تم الإعلان في البداية عن وجود مرشحين من كينيا، وجيبوتي، ومدغشقر، والصومال، وموريشيوس، وسيشل، وتنزانيا، وجزر القمر، وأوغندا، غير أنه وفقًا للتفاهمات التي تمَّت بين دول شرق إفريقيا؛ فقد تراجعت عدة دول عن تقديم مرشحيها للتنافس على هذا المنصب، كما قامت كلٌّ من سيشل وموريشيوس بسحب مرشحيها لصالح دعم مرشح كينيا، بينما سحبت الصومال مرشحتها لصالح دعم مرشح جيبوتي، وهو ما أدَّى في النهاية إلى اقتصار المنافسة على ثلاثة مرشحين فقط، ويمكن التعريف بهم بصورة موجزة فيما يلي:
1- مرشح كينيا رايلا أودينجا:
وفقًا للسيرة الذاتية التي قدَّمها هذا المرشح للاتحاد الإفريقي لشغل المنصب؛ نجد أنه من مواليد يناير 1945م، ويبلغ عمره 80 عامًا، وحاصل على ماجستير العلوم في الهندسة الميكانيكية وتكنولوجيا المعلومات من جامعة “أتو فون جوريك” بألمانيا، بجانب شهادة في الإدارة العليا من معهد كينيا للإدارة، وحصل على أكثر من دكتوراه فخرية؛ منها دكتوراه في القانون من جامعة نيروبي. وقد تولى منصب الممثل السامي للاتحاد الإفريقي لتطوير البنية التحتية في إفريقيا خلال الفترة من 2018-2023م، كما تولى منصب رئيس وزراء كينيا خلال الفترة من 2008- 2013م، ووزير الطرق والأشغال العامة والإسكان خلال الفترة 2003- 2005م، ووزير الطاقة خلال الفترة 2001 -2002م، وعضو ببرلمان كينيا 1992- 2013م، وأخيرًا مُحاضِر في الهندسة الميكانيكية بجامعة نيروبي خلال الفترة 1970- 1973م، بجانب كونه زعيم المعارضة التاريخي في كينيا، وقد ترشح لانتخابات الرئاسة خمس مرات، ولم يَفُز في أيٍّ منها، وهو يتحدث ويجيد كلٍّ من اللغة الإنجليزية والسواحلية.([2])
2- مرشح جيبوتي محمود علي يوسف:
توضح السيرة الذاتية التي قدَّمها مرشح جيبوتي للاتحاد الإفريقي أنه من مواليد سبتمبر 1965م، أي أن عمره الآن 59 سنة وعدة شهور، وهو حاصل على ميتريز في اللغات الأجنبية التطبيقية الإنجليزية والعربية، من جامعة ليون2 بفرنسا عام 1990م، وحاصل على برنامج تدريبي في الإدارة العامة من المدرسة الوطنية للإدارة العامة من كندا، وامتحان أكسفورد باللغة الإنجليزية من جامعة أوكسفورد، وشهادة ترجمة من مدرسة ليفربول للأعمال من المملكة المتحدة، بجانب شهادة المستوى في اللغة العربية من معهد بورقيبة للغات الحية بتونس.
وقد تولى منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والناطق الرسمي باسم حكومة جيبوتي منذ عام 2005م حتى فوزه بمنصب رئيس المفوضية، كما شغل منصب وزير منتدب لدى وزير الخارجية والتعاون الدولي مكلف بالتعاون الدولي من مايو 2001 حتى مايو 2005م، وقبلها شغل منصب سفير فوق العادة ومفوض لجمهورية جيبوتي في مصر ومندوب دائم لجيبوتي لدى جامعة الدول العربية خلال الفترة 1997-2001م، بجانب شغله في نفس تلك الفترة منصب سفير فوق العادة ومفوض غير مقيم لجيبوتي لدى لبنان وسوريا وليبيا والسودان وتركيا.
وقبل ذلك شغل منصب مدير إدارة العالم العربي بوزارة الخارجية بجيبوتي خلال الفترة 1996- 1997م، وسبقها بشغل منصب نائب مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية خلال الفترة 1993 -1995م، وهو عضو في اللجنة التنفيذية والأمين العام المساعد لحزب التجمع الشعبي للتقدم الحزب الحاكم بجيبوتي منذ 2015م حتى الآن، فضلاً عن كونه عضوًا مناوبًا في الجمعية الوطنية بجيبوتي منذ فبراير 2023م، وقد منحه رئيس جيبوتي وسام نجمة جيبوتي الكبرى برتبة قائد في 2012م، وكذلك مُنح وسام الخدمات المقدمة لعملية إتلانتا لمكافحة القرصنة من الاتحاد الأوروبي في 2017م، وهو يجيد خمس لغات تحدثًا وقراءة وكتابة، وهي اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والصومالية والعفرية.([3])
3- مرشح مدغشقر ريتشارد راندرياماندراتو:
توضح سيرته الذاتية أنه من مواليد مارس 1959، أي أنه يبلغ من العمر الآن 66 عامًا، وهو حاصل على ماجستير في السياسة الدولية من مركز دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية من جامعة بروكسل الحرة عام 1992م، وحاصل على دبلوم الدراسات السياسية من معهد الدراسات السياسية بفرنسا عام 1983م، وحاصل أيضًا على البرنامج التنفيذي في التمويل الدولي من كلية إدارة الأعمال بجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1999م.
وقد تولى منصب وزير خارجية مدغشقر لفترة قصيرة امتدت من 16 مارس إلى 18 أكتوبر 2022م؛ حيث تمت إقالته من منصبه بسبب اتخاذه قرارًا منفردًا بالتصويت لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين غزو روسيا لأوكرانيا دون الالتزام بقرارات حكومة بلاده التي ترفع راية عدم الانحياز.
كما شغل منصب وزير الاقتصاد والمالية خلال الفترة 2019- 2021م، وقبلها شغل منصب المستشار الخاص لرئيس الوزراء من يوليو 2018 إلى فبراير 2019م، فضلًا عن شغله منصب المستشار الخاص للرئيس للعلاقات الدولية خلال الفترة 2016- 2018م. وقد شارك في تأليف عدة كتب تتعلق بالتنمية الاقتصادية وإدارة المخاطر، وهو يجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية.([4])
ثانيًا: إجراءات الترشح والحملة الانتخابية وقواعد التصويت:
1-إجراءات الترشح:
لقد تم فتح باب الترشح يوم 6 مايو 2024م، وذلك لمدة ثلاثة شهور انتهت في تاريخ 6 أغسطس 2024م، ليكون هو آخر موعد للترشح في انتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي. وعقب غلق باب الترشح تم تقييم ملفات المرشحين المتقدمين للتنافس على المناصب بالمفوضية مِن قِبَل لجنة من الشخصيات الإفريقية البارزة، التي تتألف من 5 شخصيات، يمثل كل إقليم من أقاليم القارة الخمسة شخصية واحدة، وتتلقى مجموعة الشخصيات الإفريقية البارزة المساعدة الفنية من شركة استشارية إفريقية مستقلة، يتم اختيارها بموجب عطاء مفتوح، على أن تقوم بمراجعة أولية لطلبات المرشحين وتفحص السِّير الذاتية لهم وفقًا لمعايير تقوم على النزاهة والشفافية والعدالة.
وفي 7 أغسطس 2024م تم إعلان القائمة النهائية للمرشحين المقبولين لرئاسة المفوضية، وهم المرشحون الثلاثة الذين عرضنا سِيَرهم الذاتية أعلاه، بجانب مرشح دولة موريشيوس أنيل كومار جايان وزير خارجيتها الأسبق، البالغ من العمر 76 عامًا، والذي قام بالانسحاب لصالح دعم مرشح كينيا بعد المحادثات التي تمت بين رئيس كينيا ويليام روتو، ورئيس وزراء موريشيوس الجديد نافينشاندرا رامغولام؛ حيث أكد الأخير دعمه لمرشح كينيا، وبالتالي تم سحب مرشح موريشيوس.([5])
2-الحملة الانتخابية:
لقد قام المرشحون الثلاثة لرئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي بحملة انتخابية قوية، وخاصةً مرشحي كينيا وجيبوتي؛ حيث قاما بزيارة العديد من رؤساء الدول والحكومات في أقاليم القارة الخمسة، بل امتدت حملتهم الانتخابية إلى خارج القارة، وذلك خلال مشاركاتهم في المؤتمرات الدولية والأممية والقيام بالدعاية على هامش تلك المؤتمرات، ومحاولة استقطاب الرؤساء الأفارقة للتصويت لصالحهم.
وانطلاقًا من ذلك نجد أن مرشح كينيا قد استطاع الحصول على دعم رسمي من مجموعة شرق إفريقيا EAC)) التي تضم ثمانية دول في عضويتها ممثلة في كلٍّ من (رواندا، وأوغندا، وكينيا، وبوروندي، وتنزانيا، وجنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال)، وقد تم إعلان ذلك الدعم خلال حفلٍ استضافته دار الرئاسة بنيروبي في 27 أغسطس 2024م، حضره رؤساء جنوب السودان، وتنزانيا، وأوغندا، ورئيس وزراء بوروندي، ووزير خارجية رواندا، بجانب حضور رئيس تنزانيا الأسبق جاكايا كيكويتي، ورئيس نيجيريا الأسبق أولوسيجون أوباسانجو، ورغم عضوية الصومال في هذه المنظمة الإقليمية إلا أنها لم تشارك في هذا الحفل، وقامت بدعم مرشح جيبوتي، وسحبت مرشحتها فوزية يوسف آدم وزيرة الخارجية السابقة، والتي قامت بلقاء أودينجا، وأعلنت عن دعمها الشخصي له بسبب سحب الحكومة الصومالية لترشيحها، كما أعلنت حملة أودينجا عن وجود دعم له مِن قِبَل 28 دولة إفريقية، لكنَّ التقارير قلَّلت هذا الدعم إلى 19 دولة فقط، وهو ما جعل استطلاعات الرأي والتنبؤات المستقبلية تتوقع أنه هو صاحب الفرصة الأكبر في الفوز في الانتخابات حتى النهاية، ويُذْكَر أن المبلغ المخصص لتمويل حملة أودينجا قد بلغ نحو 20 مليون دولار على حد تصريحات الصحافة الكينية.([6])
وفيما يخص حملة مرشح جيبوتي؛ فقد قام بالعديد من الزيارات للعديد من رؤساء الدول والحكومة في إفريقيا، والتي بلغت نحو 30 زيارة، كما قام بالعديد من الزيارات الدولية أيضًا للحصول على دعم الدول الإفريقية، وقد أسفرت حملته عن إعلان جامعة الدول العربية عن دعمها لترشيحه لرئاسة الاتحاد الإفريقي، وكذلك أعلنت منظمة التعاون الإسلامي عن دعمها لترشيحه، ونظرًا لأن مرشح جيبوتي بلاده من الدول الناطقة بالفرنسية فقد أشارت التقارير إلى أنه قد حظي بدعم العديد من الدول الإفريقية الفرنكوفونية كذلك.([7])
ورغم استمرار حملة مرشح جيبوتي حتى النهاية؛ إلا أنها تعرضت لبعض الدعاية الإعلامية المضللة؛ حيث تم الإعلان أكثر من مرة عن انسحاب مرشح جيبوتي من السباق، وهو ما جعله يُصدر بيانات ينفي فيها هذه الإشاعات، كما تم تداول إشاعات أخرى داخل كينيا تقول: إن مرشح جيبوتي رفض رشوة بقيمة 6 مليارات شلن كيني للتنحي ودعم أودينجا، وهو ما جعل مرشح جيبوتي يغرد عبر حسابه على منصة إكس داعيًا أنصاره إلى عدم الانشغال بالأخبار الكاذبة، واصفًا إياها بالمحاولات التافهة لتشتيت انتباه أنصاره، وردًّا على سؤال من قسم التحقق من الحقائق في وكالة فرانس برس حول مزاعم الرشوة؛ رفض يوسف ذلك ووصفه بأنه صراع داخلي بين الكينيين، مضيفًا أن خلافاتهم الداخلية لا تعنيه.([8])
وفيما يتعلق بحملة مرشح مدغشقر فقد كانت هي الأضعف مقارنةً بحملات منافسيه، رغم سيرته الذاتية القوية وتعليمه المميز وتخصُّصه في العلوم السياسية؛ حيث قام ببعض الزيارات المحدودة لعدد من الدول الإفريقية قبل أسبوع من الانتخابات، وتم استقباله من باب الحياء مِن قِبَل الزعماء الأفارقة؛ لأنه كان قد جاء بعد فوات الأوان وطرق الأبواب متأخرًا، ورغم ذلك فقد أعلنت مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) التي تضم في عضويتها 16 دولة يوم 12 فبراير 2025م عن دعمها لمرشح مدغشقر في الانتخابات وذلك قبيل يومين من إجراء الانتخابات، لكن إعلانها هذا جاء متأخرًا للغاية ولم ينفع مرشح مدغشقر.([9])
3-المناظرة الإفريقية:
لقد اجتمع المرشحون الثلاثة وجهًا لوجه في مناظرة القيادة الإفريقية المعروفة باسم “مجادالا إفريقيا”، والتي تعني المناظرة الإفريقية باللغة السواحلية، وذلك يوم الجمعة 13 ديسمبر 2024م في مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والتي تم بثها على قنوات تابعة للاتحاد الإفريقي؛ حيث عرض كل مرشح من الثلاثة رؤيته المستقبلية في حالة فوزه بمنصب رئيس المفوضية، وقد كان مرشح جيبوتي هو أكثرهم تميزًا خلال المناظرة؛ حيث أظهر قدراته اللغوية، وتحدث خلال المناظرة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، مؤكدًا أنه قادر على التواصل مع كافة الدول الإفريقية دون مترجم عكس مرشحي كينيا ومدغشقر، وقد كان تميزه خلال المناظرة واستعراضه لقدراته اللغوية وإظهار تنوعه الثقافي من العوامل التي جعلته منافسًا قويًّا على هذا المنصب.([10])
4- قواعد التصويت:
وفقًا للنظام الأساسي لمفوضية الاتحاد الإفريقي يُنتَخب رئيس المفوضية مِن قِبَل مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية بصورة سرية، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويلزم لفوز المرشح حصوله على أغلبية ثلثي أصوات رؤساء الدول الإفريقية البالغ عددها 55 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي، بحيث تصل عملية التصويت إلى 7 جولات لحين حصول مرشح واحد على أغلبية الثلثين المطلوبة للفوز، ففي حالة عدم حصول أيّ مرشح على أغلبية الثلثين بعد الجولات الثلاثة الأولى من التصويت، يتم حصر الجولات التالية على المرشحين الاثنين الذين حصلا على أعلى عدد من الأصوات، ويتم استبعاد المرشحين الآخرين الحاصلين على أقل عدد من الأصوات، ثم تُجرَى ثلاث جولات أخرى، حتى تحقيق أغلبية الثلثين المطلوبة، على أن يتم استبعاد المرشح الحاصل على أقل عدد من الأصوات بعد الجولة السادسة، وتصعيد المرشح المتبقي إلى جولة سابعة وإجراء تصويت جديد عليه منفردًا، فإذا حصل على أغلبية الثلثين في الجولة السابعة يتم انتخابه رئيسًا للمفوضية، وإذا لم يستطع الحصول على هذه الأغلبية يتم تعليق الانتخابات، ويتولى نائب رئيس المفوضية المنتخب مهام الرئيس مؤقتًا، وإذا كان تعليق الانتخابات خاصًّا بمنصب نائب رئيس المفوضية، فيتم تعيين أقدم المفوضين من حيث طول مدة الخدمة أو بحسب الأكبر سنًّا إذا تساوت طول مدة الخدمة في منصب نائب الرئيس مؤقتًا لحين إجراء انتخابات جديدة.([11])
ونظرا لأن هناك 6 دول تم تعليق عضويتها في الاتحاد الإفريقي بسبب خضوعها لعقوبات من قبل الاتحاد وهي كلٌّ من (السودان، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، والجابون، وغينيا كوناكري)، وبالتالي حرمانها من عملية التصويت في انتخابات المفوضية فقد أصبح عدد الدول التي لها حق التصويت في الانتخابات 49 دولة، وبالتالي فإن نسبة الثلثين المطلوب تحقيقها تمثلت في 33 دولة، كما يُشار إلى وجود بعض الادعاءات التي تم ترويجها، والتي تشير إلى مساعي موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الذي كان يتولى رئاسة المفوضية أثناء العملية الانتخابية للبقاء في رئاسة المفوضية لعدة شهور أخرى من خلال اتفاقه مع عدة دول للامتناع عن التصويت وتعطيل الانتخابات، وهو ما لم يحدث.
ثالثًا: تحليل نتائج انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي:
لقد أجريت العملية الانتخابية يوم السبت الموافق 15 فبراير 2025م بقاعة نيلسون مانديلا بمقر الاتحاد الإفريقي بإثيوبيا، وقد جرت الانتخابات على 7 جولات سرية، ويمكن عرض الأصوات التي حصل عليها مرشح كل دولة من خلال الجدول التالي:
جدول نتائج انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي
المصدر: من إعداد الباحث
وتحليلاً للجدول السابق نجد أن مرشح كينيا كان متقدمًا في الجولة الأولى والثانية على مرشح جيبوتي ومدغشقر وفقًا للتوقعات الأولية المعلنة، لكنه تراجع في الجولة الثالثة، وهو نفس السيناريو الذي حدث مع أمينة محمد مرشحة كينيا لرئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي في 2017م أمام موسى فكي محمد، كما نجد أن مرشح مدغشقر تراجع أداؤه الانتخابي في الجولات الثلاثة الأولى، وهو ما جعله يخرج من المنافسة وفقًا للقواعد المنظِّمة للعملية الانتخابية، ومع اقتصار المنافسة بين مرشح كينيا ومرشح جيبوتي فقد تم تحسين أداء مرشح جيبوتي، وذلك بدءًا من الجولة الثالثة؛ حيث تغير السلوك التصويتي للقادة الأفارقة لصالحه، ومع استمرار تقدُّمه على مرشح كينيا وتصاعد الأصوات الحاصل عليها حتى الجولة السادسة، فقد انسحب مرشح كينيا وفقًا للقواعد الانتخابية، وصعد مرشح جيبوتي للجولة السابعة الأخيرة، وفي هذه الجولة حالفه الحظ وحصل على عدد 33 صوتًا وهي نسبة الثلثين المطلوبة للفوز بالمنصب.([12])
وعلي إثر تلك النتيجة دخل مرشح كينيا في حالة من الذهول، وحققت جيبوتي انتصارًا ثقيلًا على كينيا، لتُعوِّض خسارتها التي مُنِيَت بها في الانتخابات التي جرت في يونيو 2020م المخصَّصة لعضوية مجلس الأمن الدولي بالمقعد غير الدائم لعامي 2021- 2022م؛ حيث استطاعت كينيا الحصول على 129 صوتًا مقابل حصول جيبوتي على 62 صوتًا خلال عملية تصويت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك في الجولة الثانية.([13])
كما يُعدّ هذا الفوز كذلك تعويضًا لخسارة جيبوتي في ترشحها لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في انتخابات 2021م؛ حيث كانت جيبوتي قدمت السيدة حسناء بركات داود وهي محامية ووزيرة سابقة للتنافس على هذا المنصب، لكن مرشحة رواندا الدكتورة مونيك نسانزاباغانوا هي التي فازت بهذا المنصب.([14])
وعقب إعلان فوز مرشح جيبوتي بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، توجَّه بالشكر للرؤساء الأفارقة كما أدَّى القسم المطلوب لتولي مهام عمله، والتي من المقرر أن يشغلها بصورة رسمية في 15 مارس المقبل، كما ألقى رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله الذي كان حاضرًا في قمة الاتحاد الإفريقي كلمة عبَّر فيها عن شكر بلاده للدعم الذي حصلت عليه، شاكرًا أيضًا مرشَّحَي كينيا ومدغشقر، واعدًا بتعزيز علاقات التعاون بين بلاده وكل دول القارة، معلنًا دعمه للأمن والسلام في ربوع إفريقيا.([15])
رابعًا: أسباب فوز مرشح جيبوتي وخسارة مرشحي كينيا ومدغشقر:
لقد كان هناك مجموعة من الأسباب والعوامل التي أدَّت إلى فوز مرشح جيبوتي محمود علي يوسف وخسارة كل من مرشحي كينيا ومدغشقر، ويمكن عرض هذه الأسباب فيما يلي:
أ- أسباب فوز مرشح جيبوتي:
1- صِغَر سنّ مرشح جيبوتي مقارنةً بسن مرشح كينيا:
حيث إن سن مرشح جيبوتي يبلغ 59 عامًا ونصف، بينما مرشح كينيا يبلغ سنه 80 عامًا، أي أنه أكبر من مرشح جيبوتي بعشرين سنة، وهو ما يعني أنه قد لا يستطيع القيام بمهام المفوضية التي تطلب كثرة السفر إلى الخارج لتمثيل القارة في المحافل الدولية، وكذلك حاجة العمل إلى مرشح أصغر سنًّا يتمتع بقدرات صحية تُؤهّله لمتابعة تطورات وقضايا القارة بصورة لحظية، بالإضافة أن قارة إفريقيا قارة شابة، ولا يصح أن يمثلها شخص عجوز، كما أنه في حالة موته لكبر سِنّه ستضطر الدول الإفريقية إلى عقد انتخابات جديدة لرئاسة المفوضية ينفق من أجل تنظيمها الكثير من الموارد المالية، وهو ما يعني أن عملية انتخابه كانت تمثل مخاطرة كبيرة لذلك كان عامل صغر سِنّ مرشح جيبوتي نقطة قوة لصالحه عززت من فرصة فوزه.([16])
2-التنوع الثقافي والتعدد اللغوي لمرشح جيبوتي:
حيث إن مرشح جيبوتي لديه تنوع ثقافي وهوياتي كبير فهو يجمع بين الهوية العربية والإفريقية والإسلامية والفرنكوفونية، كما أن قدرته على إجادة خمس لغات في وقت واحد وهي العربية والفرنسية والإنجليزية وهي من بين اللغات الرئيسية للاتحاد الإفريقي، بجانب إجادة اللغتين الصومالية والعفرية كلغات إفريقية محلية، عززت من صورته الإيجابية داخل دول القارة، خاصة بعد إبراز مواهبه في مناظرة إفريقيا وتحدثه خلال المناظرة باللغات الثلاثة، مما جعله يتغلب على عقدة الصراع والانقسام بين الأنجلوفون، والفرنكوفون، أو بمعنى آخر كسر الحاجز ووضع حدًّا للصراع الحاضر دائمًا داخل المؤسسات الإفريقية وقت الانتخابات بين الدول الناطقة بالإنجليزية والدول الناطقة بالفرنسية ومحاولتها إنجاح مرشح ينتمي إلى كتلتها الثقافية، ونظرًا لقدرة مرشح جيبوتي على التحدث بهاتين اللغتين فقد جعل نفسه محل إعجاب لكلا الكتلتين، كما أن تحدثه باللغة العربية جعله أيضًا محل تأييد من أغلب الدول العربية الإفريقية، وذلك بخلاف مرشح كينيا الذي لا يجيد سوى اللغتين الإنجليزية والسواحلية، ومرشح مدغشقر الذي لا يجيد سوى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وبالتالي فإن قدرتهما على التواصل مع كلّ دول القارة أقل من قدرات مرشح جيبوتي.([17])
3-خبرة مرشح جيبوتي الدبلوماسية وإدراكه لقضايا القارة:
حيث يتمتع مرشح جيبوتي بخبرة دبلوماسية كبيرة؛ نظرًا لتوليه منصب وزير الخارجية في بلاده منذ عام 2005م حتى الآن؛ أي تولى هذا المنصب لمدة عشرين عامًا متواصلة اكتسب خلالها الكثير من الخبرات، واطلع على العديد من القضايا الدولية والإقليمية والقارية بصورة جيدة، فمن خلال مشاركاته في المجالس التنفيذية للاتحاد الإفريقي استطاع متابعة القضايا ذات الأولوية التي يهتم بها الاتحاد الإفريقي والرؤساء الأفارقة، فضلًا عن أن مقر الاتحاد الإفريقي الموجود بإثيوبيا اللصيقة بجيبوتي يجعله مطلعًا على أغلب مجريات الأمور داخل الاتحاد، كما أن مشاركاته في مجلس وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية ساعدته أيضًا في فهم القضايا العربية والملفات الشائكة التي على رأس اهتمام المنطقة، فضلًا عن مشاركاته في منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة والمنظمة الدولية للفرنكوفونية، وحلوله محل رئيس جيبوتي أحيانًا في تلك اللقاءات، وهو ما أكسبه العديد من الخبرات والمزايا التي جعلته محل تقدير من الدول الإفريقية، وشكَّلت عاملًا قويًّا في فوزه.([18])
4- حصوله على تأييد إقليمي ودولي كبير:
حيث حصل مرشح جيبوتي على دعم إقليمي ودولي كبير داخل وخارج إفريقيا، فنجد أنه حصل على دعم من إثيوبيا الجارة الملاصقة له، والتي تعتمد بصورة رئيسية على موانئ جيبوتي في عمليات الاستيراد والتصدير التي تحتاج إليها، كما أن جارتها الصومال دعمت مرشح جيبوتي كذلك وسحبت مرشحتها، بجانب دعمه إقليميًّا من دولتين لهما ثقل إقليمي في شمال إفريقيا، وهما مصر والمغرب، فضلًا عن استفادة مرشح جيبوتي من كونه عربيًّا، وبلاده عضو في الجامعة العربية، والتي أعلنت عن دعمها الرسمي له، وأوصت الدول العربية والإفريقية بدعمه، وكذلك لكون مرشح جيبوتي مسلم فقد استفاد من دعم منظمة التعاون الإسلامي التي أعلنت عن دعمه رسميًّا، ودعت الدول الإفريقية المسلمة إلى انتخابه، وبجانب ذلك فنظرًا لأن جيبوتي دولة عضو في منظمة الفرنكوفونية فقد استفادت من دعم الدول الإفريقية الفرنكوفونية.([19])
كما أن موقع جيبوتي الدولي واستضافتها للعديد من القواعد العسكرية الأجنبية ربما يكون أسهم في دعم مرشح جيبوتي، وذلك من خلال قيام القوى الدولية كفرنسا والصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان بتوصية الدول الحليفة لها في إفريقيا بالتصويت لصالحه، خاصةً أن القوى الغربية مازالت هي المُموِّل الأكبر لميزانية الاتحاد الإفريقي، وبالتالي لها دور قوي في اختيار قيادات أجهزة الاتحاد الإفريقي، وخاصة فرنسا التي تحرص على دعم وصول الدول الإفريقية الفرنكوفونية لرئاسة الأجهزة التنفيذية للمنظمات الدولية الإفريقية، ويذكر أن مرشح جيبوتي الفائز هذه المرة هو خامس شخص من دولة إفريقية فرنكوفونية يفوز بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، علمًا بأن جيبوتي بها قاعدة عسكرية فرنسية، وأصبحت هي أهم قاعدة عسكرية لفرنسا في الخارج بعد تراجع وجودها العسكري في دول الساحل الإفريقي ودول وسط وغرب إفريقيا؛ حيث كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد قام بزيارة لجيبوتي في ديسمبر 2024م، وجدد اتفاقيات فرنسا معها ووعد بدعمها، وقد تكون فرنسا قدمت دعمًا كبيرًا لمرشح جيبوتي لمعرفتها به جيدًا خلال فترة توليه وزارة الخارجية الجيبوتية ودراسته بها في المرحلة الجامعية.([20])
5-تبنّي جيبوتي لسياسة خارجية سلمية ومتوازنة:
حيث تتبنى القيادة السياسية في جيبوتي سياسة خارجية تقوم على احترام سيادة الدول وعدم تدخلها في شؤونها الداخلية، والعمل على تسوية الخلافات بين دول المنطقة بصورة سلمية، وهو خلاف ما تقوم به كينيا مؤخرًا؛ حيث انخرطت في بعض النزاعات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا كالنزاع في السودان، والنزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتعاملها مع تلك النزاعات بمعايير مزدوجة والانحياز لصالح أحد طرفي النزاع مما جعلها محلاً للنقد مِن قِبَل بعض الدول الإفريقية، وهو ما أدى إلى دعم مرشح جيبوتي على حساب مرشح كينيا.
ب-أسباب خسارة مرشح كينيا:
تتعدد الأسباب التي أدت إلى خسارة مرشح كينيا، رغم ما تم تسويقه أنه المرشح الأوفر حظًّا طوال فترة حملته الانتخابية، ويمكن عرض هذه الأسباب فيما يلي:
1-كبر سِنّ مرشح كينيا رايلا أودينجا:
حيث إن كِبَر سنّ رايلا أودينجا كان أكبر نقطة ضعف له، وذلك لأنه قد بلغ سن الثمانين، وهو ما يجعله غير قادر على أداء الكثير من مهام رئاسة المفوضية كما أسلفنا، ونقطة ضعفه هذه استفاد منها مرشح جيبوتي بصورة أساسية.
2-عدم توافق شخصية أودينجا مع توجهات الرؤساء الأفارقة:
نظرًا للخلفية السياسية لمرشح كينيا رايلا أودينجا والدور الذي لعبه لسنوات كزعيم للمعارضة في البلاد، وما منحه ذلك من قوة شخصية، جعلته ينظر إلى نفسه نظرة الزعيم السياسي، ومِن ثَم تعامله مع رؤساء الدول والحكومات بطريقة ندية، وأنه ليس أقل منهم، بل قد يسعى في حالة فوزه لإجبارهم على تنفيذ بعض القرارات أو التراجع عن البعض الآخر، وخاصة التصدي لتلك القرارات المتعلقة بتعديل الدساتير للبقاء في السلطة، وهو ما لا يتفق مع توجهات رؤساء القارة؛ حيث إنه منذ المرور بتجربة انتخاب رئيس مالي الأسبق ألفا عمر كوناري رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي فإن الرؤساء الأفارقة يرغبون في عدم تولي شخصية سياسية قوية رئاسة المفوضية؛ وذلك لأن ألفا عمر كوناري تعامل بشدة وضغط في بعض القضايا على خلاف رغبات رؤساء القارة، ومِن ثَم أصبح هناك توجُّه يقضي بعدم دعم أيّ مرشح له قوة تأثيرية عليهم، أي أنهم يُفضِّلون نموذج قيادات ضعيفة لإدارة مؤسسات ضعيفة تحقيقًا للمصالح الشخصية.([21])
3-الخوف من تدخل رايلا أودينجا في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية:
لقد عانى رايلا أودينجا من الظلم في بلاده؛ حيث تعرَّض للسجن لمدة 8 سنوات دون محاكمة خلال الفترة 1982- 1991م، وقد أثرت هذه التجربة في نفسيته، وجعلته يرفض الظلم، ويسعى للتغيير دائمًا، كما أن تجربة سقوطه في انتخابات الرئاسة خمس مرات مع تشكيكه في النتائج أثَّرت أيضًا على طريقة نظره للأمور في دول القارة، وخوفًا من قيام أودينجا بالتدخل في الأزمات والقضايا الداخلية في الدول الإفريقية كدعمه مثلاً لزعماء المعارضة في دولة ما، واستخدام منصبه في دعمهم للوصول للسلطة أو إصدار قرارات تشكك في نزاهة الانتخابات في إحدى دول القارة، فإن تلك الهواجس قد تكون دافعًا لتراجع الرؤساء الأفارقة عن دعمه.([22])
4-عدم توافق الخطاب السياسي الشعبوي لمرشح كينيا مع توجهات الاتحاد:
حيث يتبنى الاتحاد الإفريقي فكرة الدبلوماسية القارية الهادئة، وهو ما قد يختلف مع خطاب رايلا أودينجا الشعبوي؛ حيث تعوَّد على إلقاء الخطب الإثارية التي يستطيع من خلالها حشد الجماهير، ولكن خطابه السياسي هذا قد لا يكون مناسبًا للتعامل به على الساحة الدولية، وتمثيل دول القارة الإفريقية؛ حيث إن فكرة الاستعراض الإعلامي قد تسبب مشاكل للقارة، وتعود بالضرر على علاقاتها الخارجية في الوقت الذي تتوتر فيه الأجواء الدولية بعد التحولات التي تشهدها المنظومة الدولية بعد عودة ترامب، وقد يكون هذا السبب من ضمن أسباب تراجع دعم أودينجا، وعلى النقيض من ذلك فإن مرشح جيبوتي يكاد هو النموذج الذي يتبنَّى فكرة الدبلوماسية الهادئة؛ حيث تعوَّد عليها بحكم عمله وزيرًا للخارجية في بلاده لمدة 20 عامًا.([23])
5-إدراك الزعماء الأفارقة أن ترشحه مجرد صفقة سياسية:
حيث يدرك الرؤساء الأفارقة أن ترشيح رايلا أودينجا لرئاسة المفوضية رغم سنه الكبير مجرد صفقة سياسية؛ لإبعاده من المشهد السياسي المحلي في كينيا، وخاصةً بعد الضغوط التي سبَّبها للرئيس الكيني ويليام روتو، مع إدراكهم أن التحالف بينهما بمثابة تحالف مؤقت، لذلك نظروا إلى عملية ترشيحه على أنها ليست جدية وإنما لمجرد الخلاص من أودينجا، ومحاولة نقل مشاكله الداخلية إلى الرؤساء الأفارقة على الساحة القارية، وهو ما جعلهم يتبنون سلوكًا تصويتيًّا عقابيًّا ضده، ودعم مرشح جيبوتي.([24])
6-تصاعد أخطاء كينيا في سياستها الخارجية إقليميًّا ودوليًّا:
حيث ارتكبت كينيا العديد من الأخطاء في سياستها الخارجية مؤخرًا مما جعلها محلًّا للنقد مِن قِبَل العديد من الدول الإفريقية، ومن ذلك تدخلها في الصراع السوداني، ودعمها لميلشيات الدعم السريع المتمردة على الحكومة السودانية، بجانب اتهام كينيا بالانحياز لرواندا في تورطها في دعم حركة 23 مارس المتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية، وبالإضافة إلى ذلك قيام النظام الكيني بإدانة حركات المقاومة في فلسطين وإعلان دعمه للكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية، مع تغافل النظام الكيني عن المجازر المروعة التي حدثت ضد المدنيين في غزة، وهو ما جعل ثقة القادة الأفارقة في النظام الكيني ومرشحه تتراجع.([25])
ج-أسباب خسارة مرشح مدغشقر:
أما ما يتعلق بأسباب خسارة مرشح مدغشقر فتتمثل فيما يلي:
1-ضعف حملته الانتخابية وعدم معرفته مِن قِبَل زعماء القارة:
حيث لم يقم مرشح مدغشقر بحملة انتخابية قوية منذ بداية الترشح، ولم يقم بالدعاية المطلوبة، مما جعل مسألة ترشُّحه توصف بأنها ليست جدية، وكذلك فإنه على عكس المرشح الكيني والجيبوتي المعروفين بصورة جيدة داخل دول القارة وفي مختلف أقاليمها، فإن مرشح مدغشقر غير معروف بصورة كبيرة لقِصَر المدة التي تولاها في وزارة الخارجية في بلاده، وعدم احتكاكه بمجريات الأحداث على الساحة الإفريقية إلا في نطاق ضيق.
2-موقفه الفردي في التصويت ضد روسيا قد يكون أثَّر عليه:
حيث كانت عملية طرده من منصب وزير الخارجية في بلاده بسبب تبنيه لقرار فردي دون الالتزام بقرارات حكومة بلاده بمثابة الشبح الذي يُلاحقه، وهو ما قد يكون سببًا في عدم دعمه مِن قِبَل القادة الأفارقة الذين يرغبون في انتخاب ممثل لهم يلتزم بالقرارات التي يتخذونها ولا يتبنى قرارات بصورة منفردة تمثل رأيه فقط، كما أن تصويته ضد روسيا قد يكون جعل حلفائها الأفارقة يمتنعون عن دعمه، وخاصة في ظل تقارب العديد من دول القارة مع روسيا مؤخرًا.
3-عدم دعمه خارجيًّا وتفضيل مرشح جيبوتي عليه:
رغم أن مدغشقر دولة فرنكوفونية مثل جيبوتي إلا أنها لم تحظَ بدعم الدول الفرنكوفونية وخاصةً فرنسا لوجود خلافات بين البلدين في أكثر من مسألة، من بينها اتهام رئيس مدغشقر لفرنسا بالتورط في وضع مخطط لاغتياله، وكذلك وجود خلاف بين البلدين يتعلق بطلب مدغشقر استرداد الجزر المتناثرة في المحيط الهندي التي تحتلها فرنسا، ولهذا لم يحظَ مرشح مدغشقر بدعم فرنسا وحلفائها في القارة.
خامسًا: تداعيات نتائج انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي:
لقد أسفرت نتائج انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي عن مجموعة من التداعيات عقب الإعلان عنها، كما سيكون لها مجموعة من التداعيات المستقبلية، ويمكن عرض هذه التداعيات من خلال النقاط التالية:
1-التداعيات المتعلقة بكينيا:
لقد اعترف مرشح كينيا رايلا أودينجا عقب إعلان النتيجة النهائية بهزيمته، مؤكدًا أن أصدقاءه الذين وعدوه بالتصويت له قد أوفوا بوعدهم، كما قام بتهنئة مرشح جيبوتي، وكذلك قام الرئيس الكيني ويليام روتو بتهنئة مرشح جيبوتي ووعده بالتعاون معه، غير أنه في الداخل الكيني سادت حالة من الجدل، واختلفت ردود الفعل في البلاد؛ حيث نظمت بعض الحركات والتيارات الكينية احتفالات بسقوط أودينجا متهمةً له بخيانة المعارضة بعد تحالفه مع ويليام روتو مقابل الحصول على منصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في حين أعلنت حركات أخرى عن سخطها من الهزيمة، متهمةً ويليام روتو بعدم جديته في دعم أودينجا، ودعت إلى تغيير قواعد الفوز في انتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي، كما دعا آخرون إلى إقالة رئيس مخابرات كينيا بسبب الهزيمة، ووقف تمويل كينيا لميزانية الاتحاد الإفريقي، ودعوة الحكومة للانسحاب من عضوية الاتحاد بعد خسارتهم للمرة الثانية في انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي.([26])
ولعل التداعيات الأكثر شدة هي تلك التي ستقع على كل من أودينجا وروتو، فمن ناحية أودينجا فرغم توجيه دعوات له باعتزال المشهد السياسي بعد إخفاقه خمس مرات في انتخابات الرئاسة الكينية، وإخفاقه هذه المرة في انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي؛ إلا أن البعض يرى أنه سيواصل عمله السياسي مع حزبه، وسيسعى للترشح لانتخابات الرئاسة الكينية في 2027م، ومن ناحية روتو فإن السيناريو الأخير سيشكل ضربة كبيرة في رأس ويليام روتو؛ لأنه سعى للخلاص من أودينجا وإخراجه من المشهد الداخلي من خلال مساعدته للفوز بمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ولكنَّ الحظَّ لم يبتسم لكلاهما، ولربما ينفك تحالفهما عن قريب ونرى تجدد الخلاف بينهما مرة أخرى.
2-التداعيات المتعلقة بجيبوتي:
إن عملية انتخاب وزير خارجية جيبوتي رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي سوف تسفر عن مجموعة من التداعيات على المستوى الداخلي والإقليمي والقاري والدولي، فداخليًّا سوف تحدث عملية تعديل وزاري في حكومة جيبوتي، وإما أن تكون عملية تعديل صغيرة من خلال تعيين شخص جديد محل وزير الخارجية الفائز بمنصب رئيس المفوضية، أو تعديل وزاري موسَّع؛ لأنه كان من المنتظر حدوث تعديل وزاري شامل عقب الانتخابات الرئاسية التي تمت في أبريل 2021م، وهو ما لم يحدث، كما أنه من المنتظر عقد انتخابات رئاسية جديدة في جيبوتي في العام المقبل 2026م، وسوف يعقبها غالبًا تغيير الحكومة، ومن المتوقع أن يسعى الرئيس الحالي للترشح لولاية رئاسية سادسة، قد يسبقها تعديلات دستورية عن طريق البرلمان، وسيتم دعمها مِن قِبَل رئيس المفوضية الجيبوتي الجديد.
أما إقليميًّا فسوف تتصاعد مكانة ودور جيبوتي في تسوية النزاعات المشتعلة في المنطقة كالنزاع في الصومال والسودان وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية، كما أنها يمكن أن تستخدم حلفاءها مثل مصر للعب دور أكبر في تسوية النزاعات الإقليمية، مع احتمالات حدوث خلاف في وجهات النظر مع بعض دول الجوار في حالة قيام رئيس المفوضية باستخدام منصبه في دعم بلاده في خلافها الحدودي مع إريتريا، أو دعم الوحدة السياسية للصومال، ورفض المساعي الإثيوبية للحصول على قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال الانفصالي، أو حتى دعم مصر في قضية سد النهضة، وهو ما قد يُزعج إثيوبيا وحلفاءها.
وقاريًّا سوف تتمكن جيبوتي من رفع مكانتها القارية، وخاصة في ظل التعدد الثقافي واللغوي لرئيس المفوضية الجيبوتي، والحصول على مزايا متعددة وتحالفات جديدة داخل القارة الإفريقية.
ودوليًّا يمكن أن تشارك جيبوتي بدور أكبر في القضايا الدولية المعروضة على الساحة الدولية، وتعمل على إزالة التهميش الذي عانت منها لسنوات؛ بسبب كونها دولة صغيرة.
3-التداعيات المتعلقة بتشاد:
نظرا لأن موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي السابق يحمل جنسية تشاد فمع انتهاء مهامه في رئاسة المفوضية قد يرجع للعمل السياسي في تشاد؛ حيث من المحتمل أن يبحث عن مكافأة سياسية مِن قِبَل محمد إدريس ديبي بسبب الدعم والغطاء السياسي الذي قدَّمه له من خلال عمله في الاتحاد الإفريقي، وقد تكون تلك المكافأة متمثلة في منصب وزاري أو مستشار خاص للرئيس، أو تشكيل حزب سياسي جديد، وقد ينضم موسى فكي للمعارضة، ويسعى لتولي رئاسة تشاد، مع معرفته بمخاطر تلك المسألة؛ لأن منازعة رأس النظام على كرسي السلطة في تشاد بمثابة منازعته على رأسه شخصيًّا، وقد يفقد المنافس حياته، كما حدث لزعيم المعارضة التشادية السابق يحيى ديلو.
4-التداعيات المتعلقة بالاتحاد الإفريقي:
لقد أطلقت بعض الأقلام على الفترة التي تولى فيها التشادي موسى فكي رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي مصطلح “العهد المظلم للاتحاد الإفريقي”؛ بسبب تراجع دور الاتحاد خلال السنوات الثماني التي تولى فيها رئاسة الاتحاد، مع سماحه لإسرائيل بعضوية الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب، وتراخيه في تسوية الأزمات المندلعة في القارة، واتباعه لمعايير الكيل بمكيلين وفقًا لمصالحه الشخصية، وعلى رأسها دعم النظام السياسي الحاكم في بلاده تشاد، وعدم طرده من الاتحاد الإفريقي مثلما حدث مع باقي الدول التي انتهكت قواعد الاتحاد، وتغافله عن عملية توريث السلطة لمحمد إدريس ديبي بعد مقتل والده إدريس ديبي؛ وذلك نظرًا لأنه ينتمي إلى مجموعة الزغاوة الإثنية التي ينتمي إليها قادة النظام الحاكم في تشاد، كما أن موسى فكي نفسه قد صرح مؤخرًا بأن نحو 93% من قرارات الاتحاد الإفريقي لم يتم تنفيذها، وبالتالي فإن عملية تجديد الدماء داخل الاتحاد الإفريقي وتولي قيادة جديدة للاتحاد قد تُسهم في إعادة تفعيل الاتحاد الإفريقي، وإكمال عملية الإصلاح لمؤسساته، مع جعله قادرًا على القيام بدوره في إحلال السلم والأمن بدول القارة وتسوية الأزمات والصراعات المسلحة في دول القارة؛ من خلال تبنّي رؤية جديدة تقوم على الدراسات العلمية المقدمة من أهل التخصص والخبرة بقضايا القارة الإفريقية.([27])
5-التداعيات المتعلقة بالعلاقات العربية الإفريقية:
نظرًا لأن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الجديد متعدّد الهويات؛ فهو عربي وإفريقي في نفس الوقت مع تحدثه باللغة العربية واللغات الفرنسية والإنجليزية؛ فإنه سوف يكون قادرًا على تعزيز علاقات التعاون بين العرب والأفارقة، كما أنه يمكن أن يقوم بتحريك الجمود الكائن في مؤسسات التعاون العربي الإفريقي، وعلى رأسها القمة العربية الإفريقية الخامسة التي تم تأجيلها ثلاث مرات حتى الآن ولأجل غير مسمى، كما يمكن أن يلعب رئيس المفوضية دورًا مهمًّا في تسوية القضايا الخلافية بين الدول العربية والإفريقية مثل الصراع المسلح في السودان، والصراع بين مصر وإثيوبيا المتعلق بقضية سد النهضة، أو حتى الصراع بين الصومال وإثيوبيا والحفاظ على وحدة الصومال، ومنع الاعتراف بإقليم أرض الصومال الانفصالي.([28])
6-التداعيات المتعلقة بالعلاقات الإسرائيلية الإفريقية:
إن فوز كل من جيبوتي والجزائر بمنصب رئيس ونائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يمثل طعنة كبيرة للكيان الصهيوني الإسرائيلي؛ وذلك لكون هاتين الدولتين من أشد الدولة الداعمة للقضية الفلسطينية، والرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما سيُشكّل خطرًا كبيرًا على مصالح إسرائيل في المنظمات الدولية الإفريقية، وأهمها الاتحاد الإفريقي؛ حيث كانت هاتان الدولتان “جيبوتي والجزائر”، من الدول الرافضة لعضوية إسرائيل بالمراقبة في الاتحاد الإفريقي، وساهمت في سحب قرار عضويتها كمراقب في الاتحاد الإفريقي، وبالتالي لن تستطيع إسرائيل خلال السنوات الأربعة المقبلة التي تتولى فيها جيبوتي والجزائر رئاسة المفوضية، السعي إلى إعادة عضويتها كمراقب في الاتحاد، كما أن أنشطة إسرائيل وتغلغلها داخل القارة ستكون في خطر إذا ما تم التضييق عليها مِن قِبَل الاتحاد الإفريقي، ولهذا فإن هذا الفوز سيكون له تداعيات سلبية على علاقات إسرائيل مع إفريقيا، وهو ما سيصبّ في صالح دعم القضية الفلسطينية، ويعزز العلاقات العربية الإفريقية.
سادسًا: تحليل نتائج انتخابات نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي:
أ-التعريف بالمرشحات لمنصب نائب رئيس المفوضية:
فيما يخص انتخابات نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي؛ فقد كان هناك أربع مرشحات لهذا المنصب من دول شمال إفريقيا؛ حيث خصص لها منصب نائب رئيس المفوضية احترامًا لمبدأ التناوب، وكذلك خصص المقعد للإناث؛ لأن رئيس المفوضية ذكر؛ وذلك احترامًا لمبدأ المساواة بين الجنسين، وقد تنافس على هذا المنصب كل من:
1-مرشحة مصر: الدكتورة حنان مرسي وهي حاصلة على دكتوراه في الاقتصاد، وكانت تشغل منصب نائب الأمين التنفيذي وكبير الاقتصاديين بمفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، ويبلغ عمرها 50 عامًا.
2-مرشحة ليبيا: السفيرة نجاة المهدي الحجاجي، وهي حاصلة على ماجستير في الإعلام من جامعة القاهرة، وكانت تشغل منصب المندوبة الدائمة لليبيا لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، ويبلغ عمرها 73 عامًا.
3-مرشحة الجزائر: سلمى مليكة حدادي، وهي حاصلة على ماجستير في القانون، وتشغل منصب سفير فوق العادة ومفوض للجزائر لدى إثيوبيا، والممثلة الدائمة لدى الاتحاد الإفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا منذ أغسطس 2024م حتى الآن، ويبلغ عمرها 47 عامًا.
4-مرشحة المغرب: لطيفة أخرباش، وهي حاصلة على دكتوراه في الحقوق والاقتصاد من جامعة باريس 2، وقد شغلت منصب رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري بالمغرب، ويبلغ عمرها 65 عامًا.
ب-تحليل نتائج انتخابات نائب رئيس المفوضية:
لقد أجريت انتخابات نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي خلال أعمال قمة الاتحاد الإفريقي عقب الانتهاء من انتخابات رئيس المفوضية، ونظرًا لانسحاب مرشحة ليبيا من المنافسة؛ فقد اقتصرت المنافسة بين المرشحات الثلاث من مصر والجزائر والمغرب، ونظرًا لتوتر العلاقات بين المغرب والجزائر فقد كان السباق محمومًا للغاية، وقد سبق بمعركة إعلامية واتهامات متبادلة في إعلام كلا البلدين، كما تعرَّضت مصر للنقد مِن قِبَل الجزائر والمغرب لقيامها بتقديم مرشحة لها ومنافستهما على هذا المنصب، ومع بدء عملية التصويت فقد حدث نفس السيناريو الذي حدث في انتخابات رئيس المفوضية، ويمكن عرض نتائج التصويت في الجدول التالي:
جدول نتائج انتخابات نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي
المصدر: من إعداد الباحث
وتحليلًا للجدول السابق نجد أن مرشحة الجزائر استطاعت الفوز منفردة في الجولة السابعة بعد حصولها على نسبة الثلثين المطلوبة للفوز، وتغلُّبها على مرشحة المغرب بعد انسحابها بعد الجولة السادسة وفقًا للقواعد، وهو ما زاد من حدة التوتر بين البلدين، وأشعل الحرب الكلامية بينهما، مع اتهام كلّ من البلدين للآخر إعلاميًّا بشراء الأصوات داخل الاتحاد الإفريقي، ودفع ملايين الدولارات للفوز بالمناصب داخل مفوضية الاتحاد الإفريقي، كما قللت المغرب من فوز الجزائر بالمنصب مدعيةً أنها كانت تركّز على دعم مرشح جيبوتي لرئاسة المفوضية، وأعلنت أن جيبوتي حليفة للمغرب خاصة بعد افتتاحها قنصلية جيبوتية في منطقة الداخلة ووادي الذهب في فبراير 2020م، مع اعترافها بمغربية الصحراء، وقلَّلت أيضًا من مهام مرشحة الجزائر، وادعت أن منصبها ليس له أهمية، وبرَّرت كذلك هزيمتها أمام الجزائر بادعائها أن الدول الستة المعلق عضويتها في الاتحاد الإفريقي دول صديقة وحليفة تقليدية للمغرب، وإذا كانت موجودة كان سيسمح تصويتها للمغرب بحسم النتيجة لصالحها([29])
ويذكر أن المغرب كانت تدعم مرشح جيبوتي لرئاسة المفوضية، في حين أن الجزائر كانت تدعم مرشح كينيا بسبب موقف جيبوتي من قضية الصحراء، ونظرًا لأن رئيس المفوضية جيبوتي الجنسية، ونائبته جزائرية الجنسية، فقد تحدث بعض الخلافات المستقبلية، وخاصةً في الأمور المتعلقة بقضية الصحراء، ويمكن إرجاع فوز مرشحة الجزائر بسبب خبرتها الدبلوماسية وتنوعها الثقافي؛ حيث إنها ناطقة بالعربية والإنجليزية والفرنسية، مع حصولها على دعم من الدول الفرنكوفونية، فضلاً عن دعم كينيا وجنوب إفريقيا لها، وهو ما سهَّل لها عملية الفوز في النهاية.
كما نلاحظ أن مرشحة مصر خرجت من السباق بعد نهاية الجولة الثالثة وفقًا للقواعد، وهو ما يوضح ضعف الدعم المقدَّم لمرشحة مصر خلال قمة الاتحاد الإفريقي بعد حصولها على صوتين فقط في الجولة الثالثة، وهذه الخسارة لمصر تأتي بعد سنوات من خسارتها في انتخابات رئاسة البرلمان الإفريقي التي جرت في عام 2018م، وهو ما يعني أن هناك حاجة إلى إعادة صياغة سياساتها الخارجية مع دول القارة الإفريقية ومع الاتحاد الإفريقي؛ لأنها تُعدّ من أكبر دول القارة وأبرزها في إقليم شمال إفريقيا بجانب دعمها وتمويلها للاتحاد الإفريقي، ونظرًا لأن إقليم شمال إفريقيا هو الذي سيُخصّص له منصب رئيس المفوضية في انتخابات فبراير 2033م، وذلك بعد انتخابات فبراير 2029م؛ حيث سيحق لرئيس المفوضية الحالي المنتمي لشرق إفريقيا الترشح لولاية أخرى مدتها 4 سنوات في 2029م، وذلك إذا سارت الأمور بصورة طبيعية، ولم يتم تقديم موعد الانتخابات لأيّ ظرف طارئ، وهو ما يعني أنه يجب على مصر الاستعداد الجيد لانتخابات 2033م من الآن حتى لا يضيع منها هذا المنصب القاري المُهم، وعليها الاستعانة بالخبراء والمتخصصين في الدراسات والشؤون الإفريقية لصياغة سياسة خارجية جديدة مع القارة الإفريقية تُؤهّلها لاستعادة دورها ومكانتها القارية من جديد، وتأمين الفوز بالمقاعد القارية والإقليمية داخل المؤسسات الإفريقية، مع الخروج من تحت ظل القوى الإقليمية وخاصة الخليجية التي تعاظم نفوذها داخل القارة الإفريقية على حساب مصر.
ج-تداعيات فوز الجزائر بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي:
في ظل انتزاع الجزائر لمنصب نائب رئيس المفوضية من المغرب، يمكن أن يكون هناك تداعيات سلبية جديدة على العلاقات المغربية الجزائرية، وذلك بعد تصاعد الحرب الكلامية بينهما، وكذلك تجدد الخلاف حول قضية الصحراء مرة ثانية، وهو ما قد يرفع حالة التوتر بين البلدين، ويمكن أيضًا أن تحدث انفراجة في العلاقات بين البلدين، وإعادة تطبيعها وإنهاء القطيعة الدبلوماسية بينهما، وذلك إذا ما قام رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الجديد المدعوم من المغرب بالتنسيق مع نائبته التي تحمل الجنسية الجزائرية، والقيام بوساطة لتسوية الخلافات بين البلدين، وقطع فتيل التوتر فيما بينهما؛ لأنهما بلدان شقيقان تجمعهما العروبة والإسلام والمصالح المشتركة، ولكنْ فرَّقهم الاستعمار والقوى الخارجية المستفيدة من عدم وحدتهم.
سابعًا: نتائج انتخابات مفوضي مفوضية الاتحاد الإفريقي:
لقد تم خلال الدورة العادية 46 للمجلس التنفيذي لوزراء خارجية الاتحاد الإفريقي التي عقدت يوم 12 فبراير 2025م انتخاب 4 من أصل 6 مفوضين؛ حيث يتم انتخاب مفوضي مفوضية الاتحاد الإفريقي الستة من قبل المجلس التنفيذي، وذلك لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ونظرًا لأن رئيس المفوضية من شرق إفريقيا ونائبته من شمال إفريقيا فإن المفوضين الستة الباقين سيتم انتخابهم من الأقاليم الإفريقية الثلاثة الباقية، وهي إقليم وسط وجنوب وغرب إفريقيا؛ حيث يحق لتلك المناطق تقديم مرشحين اثنين على الأقل امرأة ورجل لشغل تلك المناصب، وقد قام المجلس التنفيذي بالفعل بانتخاب 4 مفوضين، وهم كما يلي:
1- أُعيد انتخاب السفير بانكول أديوي من نيجيريا، عن إقليم غرب إفريقيا، لرئاسة مفوضية الشؤون السياسية والسلام والأمن.
2- انتخاب السيد موسى فيلاكاتي، من إيسواتيني، عن إقليم جنوب إفريقيا، لرئاسة مفوضية الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق والبيئة المستدامة.
3- انتخاب السيدة ليراتو ماتابوج، من جنوب إفريقيا، عن إقليم جنوب إفريقيا، لرئاسة مفوضية البنية التحتية والطاقة.
4- انتخاب السفيرة أما توم أمواه، من غانا، عن إقليم غرب إفريقيا، لرئاسة مفوضية الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية.
5- تم تأجيل انتخابات مفوضية التنمية الاقتصادية والتجارة والسياحة والصناعة والتعدين.
6- تم تأجيل انتخابات مفوضية التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار. وسيستمر المفوضان الحاليان لتلك المفوضيات، وهما السفير ألبرت موشانجا، والبروفيسور محمد بلحسين على التوالي، في العمل في مناصبهما الحالية حتى إجراء الانتخابات.([30])
خاتمة:
في نهاية هذه الدراسة يمكن القول: إن المفوضين الجدد الذين تم انتخابهم لعضوية مفوضية الاتحاد الإفريقي وعلى رأسهم رئيس المفوضية ونائبته سيكون عليهم عبء كبير جدًّا خلال الفترة المقبلة؛ وذلك بسبب التحديات الدولية والقارية التي تتصاعد في الوقت الذي يتولون فيه مناصبهم، وذلك يتضح من الحرب التجارية التي تشنها الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي ستؤثر على دول القارة الإفريقية بالطبع، فضلاً عن وقف المساعدات المقدَّمة لإفريقيا، مع تصاعد الأزمات والحروب الداخلية؛ حيث لا يزال الصراع المسلح في السودان بلا تسوية في ظل تصاعد الصراع المسلح في شرق الكونغو، والذي يوشك أن يتحول إلى حرب إقليمية، فضلاً عن الحمل الكبير المتعلق بكيفية التعامل مع إرث رئيس المفوضية السابق موسى فكي، الذي صرح بأن نحو 93% من قرارات الاتحاد لم يتم تنفيذها، وبجانب كل ما سبق ضرورة العمل على تأمين موارد مالية ضخمة من أجل القدرة على حلول التمويل الإفريقي محل التمويل الأجنبي للاتحاد الإفريقي، حتى يحدث تحرُّر من التبعية للخارج والقدرة على اتخاذ القرارات بحرية دون الخضوع لضغوط خارجية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
)[1](-African Union Commission Elections 2025 , at , https://au.int/en/auc-leadership-elections .
)[2](– African Union Commission Elections 2025 Candidates’ Curriculum vitae and Vision Statement ,CV, Raila Amolo Odinga ,at , https://au.int/en/AUC_Elections_2025_Candidates .
)[3](– African Union Commission Elections 2025 Candidates’ Curriculum vitae and Vision Statement , CV, Mahmoud Ali Youssouf , at , https://au.int/en/AUC_Elections_2025_Candidates
)[4](– African Union Commission Elections 2025 Candidates’ Curriculum vitae and Vision Statement, CV , Richard Randriamato ,at , https://au.int/en/AUC_Elections_2025_Candidates
)[5](–” L’Afrique recherche des leaders visionnaires pour les élections de la Commission de l’Union africaine de 2025 ” , at , https://au.int/fr/pressreleases/20240524/lafrique-recherche-des-leaders-visionnaires-pour-les-elections-de-la , 24/5/2024 .
)[6](– ” EAC leaders in Nairobi for Raila Odinga African Union Commission bid launch ” , at , https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/eac-leaders-raila-odinga-african-union-commission-bid-launch-4740444 , 27/8/2024 .
)[7](– ” La place de l’Afrique se trouve dans le Sud global », dixit Mahmoud Ali Youssouf ” , at , https://human-village.org/spip.php?article1770 , 2/2025.
)[8](– Roche Fabrice Sossiehi ; ” Djibouti dément avoir retiré son candidat à la présidence de la Commission africaine ” , at , https://www.norafrik.com/politique/54743.html , 15/2/2025.
)[9](– Garry Fabrice Ranaivoson ; ” PRÉSIDENCE DE LA COMMISSION DE L’UA – La SADC soutient le candidat malgache ” , at , https://www.lexpress.mg/2025/02/presidence-de-la-commission-de-lua-la.html , 14/2/2025 .
)[10](– ” Mjadala Afrika: The AU Chairperson Elections & 2024 Candidate Debate ” , at , https://nkafu.org/mjadala-afrika-the-au-chairperson-elections-2024-candidate-debate , 16/12/2024 .
)[11](– Washington Mito ;” AU Reveals AUC Election Dates and How Voting Will Be Conducted ” at , https://nairobileo.co.ke/news/article/19022/au-reveals-auc-election-dates-and-how-voting-will-be-conducted , 28/1/2025 .
)[12](-” Djibouti’s Foreign Minister Mahmoud Youssouf beats Raila to win AUC chair race ” , at , https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/djibouti-mahmoud-youssouf-beats-raila-au-chairman-election-4928410 , 15/2/2025 .
)[13](– Margaret Besheer ; ” Kenya Wins UN Security Council Seat by 2 Votes ” , at , https://www.voanews.com/a/africa_kenya-wins-un-security-council-seat-2-votes/6191352.html , 18/6/2020 .
)[14](-” Addis Abeba : Lancement de la candidature de Mme Hasna Barkat Daoud au poste de vice-présidente de la Commission de l’Union Africaine ” , at , https://www.lanation.dj/addis-abeba-lancement-de-la-candidature-de-mme-hasna-barkat-daoud-au-poste-de-vice-presidente-de-la-commission-de-lunion-africaine , 27/1/2021.
)[15](-” Le Président Guelleh se réjouit de l’élection de son candidat à la tête de la Commission de l’Union africaine ” , at , https://www.lanation.dj/le-president-guelleh-se-rejouit-de-lelection-de-son-candidat-a-la-tete-de-la-commission-de-lunion-africaine , 16/2/2025.
)[16](– Augustine Passilly ; ” Les dirigeants africains ont élu le Djiboutien Mahamoud Ali Youssouf président de la Commission”, at , https://www.lepoint.fr/afrique/les-dirigeants-africains-ont-elu-le-djiboutien-mahamoud-ali-youssouf-president-de-la-commission-16-02-2025-2582504_3826.php#11 , 16/2/2025 .
)[17](– ” Djibouti’s Foreign Minister Youssouf elected to head African Union “, at , https://www.france24.com/en/live-news/20250215-mahmoud-ali-youssouf-outsider-elected-to-head-african-union-commission , 15/2/2025.
)[18](– ” Le Djiboutien Mahamoud Ali Youssouf, nouveau président de la Commission de l’Union africaine ” , at , https://www.lemonde.fr/international/article/2025/02/15/le-djiboutien-mahamoud-ali-youssouf-nouveau-president-de-la-commission-de-l-union-africaine_6548450_3210.html , 15/2/2025.
)[19](– Mwangi Maina ; ” Djibouti’s Mohamoud Youssouf secures key endorsement from Egypt as AUC chair race hots up ” , at , https://eastleighvoice.co.ke/djibouti%20auc-djibouti%20auc%20candidate-raila%20auc-raila%20auc%20bid-raila%20auc%20chair/111390/djibouti-s-mohamoud-youssouf-secures-key-endorsement-from-egypt-as-auc-chair-race-hots-up , 3/2/2025.
)[20](– Christophe Châtelot ; ” Emmanuel Macron en visite à Djibouti, dernière emprise opérationnelle française en Afrique ” , at , https://www.lemonde.fr/international/article/2024/12/20/emmanuel-macron-en-visite-a-djibouti-derniere-emprise-operationnelle-francaise-en-afrique_6459039_3210.html , 20/12/2024 .
)[21](– Opportunities for the Next AU Commission Chairperson in an Era of Shifting Geopolitics ” , at , https://www.wilsoncenter.org/blog-post/opportunities-next-au-commission-chairperson-era-shifting-geopolitics , 5/2/2025 .
)[22](– Andrew Wasike ;” African Union leadership: Who can fix Africa’s problems? ” , at , https://www.dw.com/en/african-union-leadership-who-can-best-fix-africas-problems/a-71587733 , 12/2/2025 .
)[23](– Mwangi Maina ; ” Djibouti’s Quiet Diplomatic Coup Over Kenya ” , at , https://kenyanforeignpolicy.com/djiboutis-quiet-diplomatic-coup-over-kenya , 16/2/2025.
)[24](– Aaron Stanley ; ” Opportunities for the Next AU Commission Chairperson in an Era of Shifting Geopolitics ” , at , https://www.wilsoncenter.org/blog-post/opportunities-next-au-commission-chairperson-era-shifting-geopolitics , 5/2/2025 .
)[25](-Giles Muhame ; ” Why Raila Odinga Lost the AU Chairmanship Race to Djibouti’s Ali Youssouf ” , at , https://chimpreports.com/why-raila-odinga-lost-the-au-chairmanship-race-to-djiboutis-ali-youssouf , 17/2/2025 .
)[26](– Ezra Nyakundi ; ” ODM MP Calls For Resignation Of 2 Gov’t Officials After Raila’s AUC Loss ” , at , https://nairobileo.co.ke/news/article/19310/odm-mp-calls-for-resignation-of-2-govt-officials-after-railas-auc-loss , 16/2/2025 .
)[27](– ” Union africaine: Moussa Faki Mahamat se retire sur un bilan en demi-teinte ” , at , https://www.rfi.fr/fr/afrique/20250214-union-africaine-moussa-faki-mahamat-se-retire-sur-un-bilan-en-demi-teinte-commission , 14/2/2025 .
)[28](– ” Arab-African Summit postponed amid Gaza unrest ” , at , https://www.arabnews.com/node/2404891/saudi- , 7/11/2023 .
)[29](-” Après le sommet de l’UA, des questions et des leçons à tirer ” , at , https://medias24.com/2025/02/17/apres-le-sommet-de-lua-des-questions-et-des-lecons-a-tirer/ , 17/2/2025 .
)[30](–” H.E. Mahmoud Ali Youssouf, H.E. Ambassador Selma Malika Haddadi, and 4 Commissioners elected to leadership positions in the African Union Commission elections” , at , https://au.int/en/pressreleases/20250216/he-mahmoud-ali-youssouf-he-ambassador-selma-malika-haddadi-and-4 , 16/2/2025.