فاز الرئيس التنزاني “جون بومبي ماغوفولي” بفترة ولايته الثانية والأخيرة ولمدة خمس سنوات, وذلك بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات التي أُجريت في الأسبوع الماضي (28 أكتوبر الماضي)؛ حيث أعلنت اللجنة الانتخابية أن 15 مليونًا (من بين 29 مليون ناخب مسجّل) شاركوا في الاقتراع, وأن “ماغوفولي” حصل على 12,5 مليون صوت؛ أي 84 بالمئة من الأصوات, بينما حصل منافسه الرئيسي “توندو ليسو” من حزب “تشاديما” على 1,9 مليون صوت؛ أي: 13 بالمئة.
وإذا كانت نتائج الانتخابات تؤكِّد بوادر الثقة في الفوز، والتي أظهرها الرئيس “ماغوفولي” وحزبه قبيل الانتخابات؛ فقد أرجع مراقبون عوامل الفوز إلى: سجلات “ماغوفولي” الحافلة بالإنجازات في فترة ولايته المنتهية؛ وفشل أحزاب المعارضة في تفعيل قوة تحالفها؛ ونهج “ماغوفولي” في الحكم منذ توليه المنصب في أكتوبر 2015م.
إنجازات “ماغوفولي”:
من الواضع أن إنجازات الرئيس “جون ماغولي” ساهمت في تعزيز مكانته؛ إذ اكتسب شهرته عندما كان وزير الأشغال العامة السابق، ومنحه مؤيدوه لقب “الجرافة”؛ لنهجه الجادّ وقدرته على إنجاز المشاريع وإنفاذ الأمور. وقد تمكَّن أيضًا من إرضاء الكثيرين بعد توليه المنصب الرئاسي في 2015م؛ من خلال جهوده لمكافحة الفساد، والحدّ من الانحرافات الأخلاقية والفساد المالي لدى مسؤولي القطاع العام, ومحاربة إهدار المال العام عبر رقمنة بيروقراطية الدولة.
وهناك مَن يرى أن إدارة “ماغوفولي” في فترة ولايته الأولى (والمنتهية)؛ بالرغم من أنَّها لم تتحسن من الناحية الاقتصادية؛ نظرًا للتباين بين أرقام الحكومة الاقتصادية وواقع حياة المواطنين؛ إلا أنها قدَّمت الكثير للبلاد فيما يتعلّق بإقامة مشاريع البنية التحتية وتحسينها. كما أن إصلاحاتها في قطاع التعليم مكَّنَتْ العديد من الوصول إلى التعليم وارتفاع نسبة الطلاب المسجلين نتيجة خفض الرسوم المدرسية.
بل واستهدف “ماغوفولي” في برامجه سكّان الريف والمزرعين الذين شهدوا تحسنًا حقيقيًّا في حياتهم في السنوات الخمسة الماضية, أمثال مزراعي الكاجو الذين تضاعفت أرباحهم من هذا المحصول الذي يُزْرَع في خمس مناطق بتنزانيا, وذلك بعدما غيَّرت الحكومة الشروط التي أجبرتهم سابقًا على بيعه بأسعار ثابتة في السوق المحلية، وسمحت لهم بتصدير منتجاتهم.
وإذا كانت جولات “ماغوفولي” في مختلف مناطق تنزانيا وزياراته المتكررة منحته فرصة الإشراف على سير الأعمال، والتعرّف على التحديات، أو ما يعتبره المواطنون أولوية لهم, وأكسبته سُمعة طيبة في حلّ الشكاوى بشكل فوريّ، وإصدار أوامر لممثلي الحكومة المحلية؛ فقد كان أيضًا محلّ ثناء الذين رأوا أن له قرارات قَدَّم فيها رفاهية العوام على غيرها؛ كإلغائه الاحتفالات الباذخة لعيد الاستقلال، وتوجيه تلك الأموال لجهود مكافحة تفشي الكوليرا, وخفض ميزانية عَشاء رسميّ للاحتفال بافتتاح البرلمان، واستخدام تلك الأموال لشراء أسِرَّة المستشفيات, وحَظْر سفر جميع المسؤولين الحكوميين إلى الخارج باستثناء الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء.
حكومة “ماغوفولي” وتعاملها مع المعارضين:
يرى منتقدو حكومة الرئيس “جون ماغوفولي” أنَّ نهجه في الحكم يتَّسم بالشعبوية وعدم التسامح, وأنه أظهرَ هذا النهجَ منذ فوزه بانتخابات 2015م إلى أيام التحضير لانتخابات الأسبوع الماضي؛ حيث اشتكت أحزاب المعارضة من حملات الاعتقالات وتضييق الخناق التي اعتبرها البعض تضييقًا للحيّز الديمقراطي, بما في ذلك منع أحزاب المعارضة من عقد الاجتماعات العامَّة.
وقد عدَّلت السلطات التنزانية قبل انتخابات الأسبوع الماضي قوانين تطلب من محطات الإذاعة والتلفزيون الدولية الحصول على شركاء محليين مرخَّصين لتأمين الحصول على إذن الهيئة التنظيمية لبثّ المحتوى. وقيّدت أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي مع إبطاء منصات مثل “واتساب” و”تويتر” في جميع أنحاء البلاد, وأصدرت لشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية أوامر تعليق خدمات الرسائل الصوتية بالجملة والرسائل القصيرة.
من جانب آخر؛ أبدت المعارضة وجماعات المجتمع المدني فقدانهم للثقة في العملية الانتخابية والقِيَم التي تُحدِّد مصداقيتها؛ حيث أشار مراقبو الانتخابات المحليون والأجانب إلى أن التصويت جاء وسط “مناخ من الخوف والترهيب” ورقابة حكومية مشدَّدة قوَّضت مصداقية الاقتراع، وأدَّت إلى شكاوى عمليات تزوير وانتشار المخالفات.
وقد أشار حزب “ACT Wazalendo” إلى اعتقال خمسة من كبار قادته في زنجبار شبه المستقلة، بمن فيهم رئيس الحزب “سيف شريف حمد”، وتعرّض بعضهم للضرب المبرح, وقتل الشرطة لـ10 أشخاص، وإصابة 50 آخرين بجروح متنوعة قبل الانتخابات وأثناءها.
وقال الحزب: إن مسؤوليه ووكلاءه مُنِعُوا من الدخول إلى مراكز الاقتراع، وإنَّه وَثَّقَ حالات وجود أوراق تصويت معبَّأة مسبقًا والتصويت المتعدِّد. وبالتالي رفضت المعارضة نتائج الانتخابات قبل إعلانها بشكل نهائيّ, وطلب “توندو ليسو” -الذي نجا من محاولة اغتيال بعدما تعرَّض لإطلاق النار عليه في عام 2017م– من المجتمع الدولي -في الخميس الماضي- رفض النتائج.
وعلى الرغم من رفض المعارضة, أعلنت لجنة الانتخابات فوز “ماغوفولي” من حزب “تشاما تشا مابيندوزي” الحاكم, وهو الحزب الذي يهيمن على السياسة التنزانية منذ استقلال البلاد في عام 1961م. كما فاز الحزب أيضًا بأغلبية المقاعد البرلمانية في أكثر الدوائر الانتخابية بالبلاد.
وفي حين نفت لجنة الانتخابات كلّ الاتهامات الموجَّهة إليها، ورفضت مزاعم العبث بصناديق الاقتراع والانحياز لصالح مرشَّح معيَّن؛ فإن دستور تنزانيا لا يمنح أيّ محكمة سلطةَ التحقيق في عمليات التصويت وشكاواها بعد إعلان لجنة الانتخابات فوز مرشحٍ بمنصب الرئيس. وبالتالي ترى المعارضة أن السبيل الوحيد لها هو الخروج إلى الشوارع للمطالبة بإعادة الانتخابات.
على أن الشرطة في تنزانيا ألقت القبض على قادة وشخصيات من الأحزاب المعارضة في تنزانيا قبل تنظيم المظاهرة المخطَّط لها ضدّ نتائج الانتخابات، وأغلقت المناطق التي كان من المقرَّر أن تبدأ فيها. وكان من بين المعتقلين “فريمان مبوي” رئيس حزب “تشاديما” المعارض, و”غودبليس ليما” العضو السابق في البرلمان, و”إسايا مويتا” عمدة دار السلام السابق, و”بونيفاس جاكوب” العمدة السابق لبلدية أوبونغو.
وقال بيان مشترك من “توندو ليسو” مرشح الرئاسة من حزب “تشاديما” و”زيتو كابوي” زعيم حزب “ACT Wazalendo“: إنّ “مبوي” وقادة “تشاديما” الآخرين يواجهون الآن تهمة “جرائم متعلقة بالإرهاب، مما يعني أنهم لن يكونوا مؤهَّلين للإفراج عنهم بكفالة”, كما أن هناك العشرات من أعضاء ACT Wazalendo ما زالوا رهن الاحتجاز في منطقة زنجبار. ودعا البيان الدول الأخرى إلى إدانة الحكومة التنزانية “لسلوكها الاستبدادي”.
ماذا عن مقترح فترة ولاية ثالثة؟
يرى البعض أن فوز الحزب الحاكم في تنزانيا بفترة رئاسية ثانية، وبأغلبية المقاعد البرلمانية قد يُمهِّد الطريق أمام تحقيق الحزب لمقترح تعديل الدستور؛ بهدف تمديد فترة ولاية الرئيس “ماغوفولي”.
على أن “ماغوفولي” نفسه قد سبق أن رفض الفكرة في ديسمبر 2019م، متعهدًا باحترام الدستور الذي ينصّ على مدة فترتين لمنصب الرئيس. وفي وقتٍ سابقٍ من العام الجاري ردَّ “ماغوفولي” على صديقه والرئيس التنزاني السابق “علي حسن مويني” الذي أثار الموضوع، وأشاد بإنجازات “ماغوفولي” وبرامجه الوطنية التي تتطلب تمديد فتراته الرئاسية, قائلاً:
“لماذا لم تمدِّد أنتَ فترة ولايتك في المنصب؟ لماذا لم يُمدِّد الرئيسان (السابقان) مكابا وكيكويتي فترة ولايتهما؟”
وإذا كان إصرار “ماغوفولي” على احترام الدستور والقوانين التي تحكم البلاد بعد انتهاء مدته تعتبر خطوة جيّدة, خاصةً بعدما جادل بأنَّ لدى التنزانيين -البالغ عددهم 55 مليونًا- القدرة على قيادة البلاد؛ فإن تكرار إثارة الفكرة مِن قِبَل زعماء حزبه يُثير شكوك الذين يرون إمكانية قبوله للمقترح؛ نظرًا لما شهدته عدة دول في إفريقيا جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة من تمديد الفترات الرئاسية.
ومهما يكن قرار الرئيس “ماغوفولي” بشأن الولاية الثالثة؛ فإنَّ فوزه في انتخابات الأسبوع الماضي يمنحه منصة لمواصلة خططه لمشاريع البنية التحتية الطموحة، بما في ذلك إحياء شركة الطيران الوطنية، وبناء خطوط السكك الحديدية، وبناء سدّ لتوليد الطاقة الكهرومائية وغيرها من البرامج التنموية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– للمزيد:
As Tanzania’s President Wins a Second Term, Opposition Calls for Protests: https://nyti.ms/328EAHP
One year to go for Tanzania’s President Magufuli and the reviews are mixed:
Tanzania arrests opposition leaders, foiling post-election protests: https://reut.rs/3jRVlxd
Tanzania presidential election: Who are the main candidates?:
Tanzania’s Magufuli Wins Landslide Re-election:
Tanzanian election leaves a highly polarised society with an uncertain future:
Tanzanian Opposition Press for Single Presidential Candidate:
The third term call for Magufuli refuses to die: