نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
مُقَدِّمَة:
في سرد إنساني مُلهِم ومستوحًى من قصة حقيقية؛ يأخذنا كتاب “فتى مالاوي الذي استثمر الرياح” The Boy Who Harnessed the Wind في رحلة مع “ويليام كامكوامبا”، المخترع الصغير من إحدى القرى النائية في مالاوي، الذي واجَه تحديات قاسية بسبب الجفاف المدمّر الذي ضرب قريته، وألقى بآثاره على أسرته ومجتمعه.
ورغم العقبات، لم يستسلم كامكوامبا، بل لجأ إلى المكتبة المُهمَلة في قريته؛ حيث وجد ضالته، وبدأ في قراءة كتب العلوم سرًّا، لتُولّد لديه فكرة بناء طاحونة هوائية من مواد بسيطة متوفرة في بيئته.
لم يكن هذا الاختراع مجرد وسيلة لتوليد الكهرباء لمنزله، بل أصبح شريان حياة لقريته؛ حيث مكَّن السكان من تشغيل مضخة مياه للري، مما أعاد للأرض خصوبتها، ومنح الأمل لمجتمع بأكمله في مواجهة قسوة الطبيعة.
أولًا: أهمية الكتاب
تكمن أهمية هذا الكتاب في تسليطه الضوء على دور التعليم في انتشال الأمم من أزماتها، وإبراز كيف يمكن للإبداع والسعي وراء الأحلام أن يُحدثا تحولًا جذريًّا في حياة الأفراد والمجتمعات. فرغم قسوة الظروف، يظل الأمل حاضرًا، مؤكدًا أن التغيير الإيجابي ممكن حتى في أصعب الأوقات.
تقدم قصة هذا الكتاب -من خلال مسيرة كامكوامبا الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، عندما ابتكر طاحونة هوائية أنقذت قريته من الجفاف-؛ نموذجًا ملهمًا لقوة الابتكار والإرادة الصلبة في تجاوز العقبات وتحقيق التغيير، رغم محدودية الموارد وظروف البيئة الصعبة المحيطة.
جدير بالذكر أن الكتاب لاقى استحسانًا ملحوظًا، وهو ما دفع بعدم الاكتفاء بنسخة الكتاب الإنجليزية أو العربية، بل تُرجِم لأكثر من 12 لغة. بما يُؤكّد الصدى والأثر الذي تركه الكتاب ولا يزال. كما كان الكتاب ضمن أكثر الكتب مبيعًا في نيويورك تايمز. واستمرارًا لهذا النجاح فقد تم تحويل قصة الكتاب إلى فيلم دراما من إنتاج نتفيلكس، صدر عام 2019م، حاملًا نفس اسم الكتاب The Boy Who Harnessed the Wind.
ثانيًا: الأفكار الرئيسية للكتاب
يقدم الكتاب سردًا مشوقًا وذا طابع إنساني مُلهم، لقصة فتى من مالاوي، تواجه قريته موسم جفاف شديد يُهدِّد حياة السكان؛ نظرًا لاعتمادهم الكامل على الزراعة كمصدر رئيس للرزق والغذاء.
وسط هذه الظروف القاسية، يتمكن الصبي، البالغ من العمر 13 عامًا، من ابتكار طاحونة هوائية تساعد أهل قريته على تجاوز أزمة الجفاف، بما يمكنهم من الزراعة على مدار العام حتى في غياب الأمطار. يستعرض الكتاب هذه الرحلة عبر مراحل ومحطات متعددة نوضحها فيما يلي:
1- الفقر والعوز: كيف شكَّلت الظروف الصعبة رحلة ابتكار الفتى الإفريقي؟
يستهل الكتاب بسرد تفاصيل أحد مواسم الكريسماس القاسية في مالاوي، التي يطلق عليها قلب إفريقيا الدافئ؛ حيث واجه ويليام كامكوامبا وعائلته أزمة غذائية حادة نتيجة ندرة الذرة، مما أجبر السكان على بيع ممتلكاتهم من أجل البقاء.
يصف المؤلفان مشاهد مؤلمة؛ حيث اضطر البعض إلى بيع أدوات مطبخهم، في حين كانت أسرة كامكوامبا تطحن آخر دلو من الذرة، ولم يتبقَ لهم سوى اثنتي عشرة وجبة. بلغ الوضع من السوء حتى أدى إلى إلغاء احتفالات عشية عيد الميلاد، ما ترك الصبي غارقًا في مشاعر الحزن والغضب أمام الواقع القاسي المتمثل في الجوع الذي خيّم على أسرته خلال هذا الموسم.
2- بلا تعليم رسمي.. لكنه أضاء قريته
من خلال السرد البليغ لبرايان ميلر، الذي تعاون مع ويليام كامكوامبا في تأليف هذا الكتاب، يُلقي العمل الضوء على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها سكان مالاوي، وذلك عبر تتبُّع رحلة ويليام في مواجهة العقبات، مثل صعوبة الوصول إلى التعليم، وتأثير نقص الكهرباء على الحياة اليومية. وعلى امتداد الكتاب، تتجلى عزيمته وذكاؤه في سعيه الحثيث للتغلب على هذه التحديات وتحقيق أحلامه، لبناء طاحونة هوائية.
في البداية، قُوبلت محاولاته بالتشكيك والدهشة مِن قِبَل مجتمعه، لكن سرعان ما تبدَّدت الشكوك عندما نجحت تجاربه في توليد الكهرباء، ما جذَب أنظار أهل قريته ولفت الانتباه إلى إنجازه. ومع تزايد الاهتمام باختراعه، بدأ الزوار يتوافدون إلى قريته، ما مَكَّنه من توسيع مشاريعه الكهربائية داخل منزله بمساعدة عائلته. لقد كان حلم ويليام يتجاوز مجرد توليد الكهرباء؛ إذ سعى إلى تحسين حياة مجتمعه، مبتكرًا حلولًا جديدة لمواجهة التحديات التي تُعيق تقدّمه.
خلال هذه الأجواء تطورت أفكار ويليام حول استخدام الطاقة بعد اكتشافه لدينامو الدراجات؛ حيث أصبح مهتمًّا بتوليد الكهرباء. كانت هذه التجارب دافعًا له لابتكار حلول لبناء الطاحونة الهوائية في مسعاه لتوفير الكهرباء. عزم الفتى الإفريقي البسيط الذي لم يكمل بعدُ تعليمه الأساسي، ليس فقط لإنقاذ عائلته من الفقر، بل أيضًا لتحفيز المجتمع ومَن حوله نحو التغيير الإيجابي والابتكار.
3- الوجه الآخر لحكومة مالاوي:
يشير الكتاب هنا، أنه رغم انتشار ممارسات للفساد الحكومي وعدم اكتراث الدولة بالشكل الكافي لاحتياجات المواطنين في بعض الأوقات، إلا أنها أنشأت متجرًا بالقرية كان له أهمية كبيرة بالنسبة لأهل المجتمع أثناء المجاعة. فقد كان بمثابة مصدر حيوي للغذاء خلال فترة من ندرة المطر واليأس الذي أصابهم. كما أتاح للناس فرصة الوصول إلى الذرة، وهو غذاء أساسي لهم بالقرية، كان حاسمًا لبقائهم على قيد الحياة. وقد وفَّرت الذرة الفائضة المتاحة في المتجر الحكومي شريان حياة للمجتمع، مما سمح لهم بشراء الإمدادات الغذائية الأساسية بسعر مخفض، وبالتالي تخفيف بعض الصعوبات الناجمة عن المجاعة.
وقد أكَّدت الطوابير الطويلة من الرجال والنساء والأطفال المنتظرين خارج المتجر على الدور المُهمّ الذي لعبه في توفير القُوت خلال فترة المجاعة الواسعة النطاق. وفي جوهره، كان المتجر الحكومي رمزًا الدعم؛ حيث وفَّر وسيلة للمجتمع للحصول على الإمدادات الغذائية الأساسية وتحمَّل التحديات التي جلبتها المجاعة. لكن نعود ونؤكد أن دور الحكومة خلال المجاعة، ربما اقتصر على مساعدات مؤقتة، فلم تُركّز على معالجة الأسباب الجذرية للمجاعة، وهي نُدرة الأمطار وتأثيرها الممتد على الزراعة والغذاء، ومن هنا برز دور الفتى الإفريقي وحلوله المبتكرة طويلة المدى.
4- من طفل مكافح إلى رمز عالمي:
من متابعة مسيرة الفتى المالاوي كامكوامبا بعد نجاح اختراعه وانتشاره في بلدته، فقد ذاع صيته، وحصل على مِنَح دراسية مكّنته من استكمال تعليمه في مالاوي، ثم واصل دراسته في أكاديمية القادة الإفريقية، قبل أن ينال شهادة في الدراسات البيئية من كلية دارتموث بالولايات المتحدة.
والمفارقة أن هذا الشاب، الذي كاد يُطرَد نهائيًّا من المدرسة بسبب عجز أسرته عن دفع المصروفات، وقد تعرَّض سابقًا للفصل عدة مرات، وحُذِّر من عدم قبوله في أيّ مدرسة أخرى بالقرية.
تعكس هذه القصة بوضوح أهمية إتاحة التعليم للجميع دون تمييز، بغض النظر عن الظروف المادية، فقد يكون التعليم هو طوق النجاة، ليس فقط للفرد، بل للقرية والبلد بأكملها.
ويؤكد كامكوامبا ذلك بنفسه في إحدى خطاباته، قائلًا: “بعد انقطاعي عن الذهاب إلى المدرسة، لجأت إلى المكتبة، وقرأت كتابًا بعنوان “استغلال الطاقة”، ومنه تعلّمت عن طواحين الهواء، وبعد محاولات عديدة، نجحت في بنائها.”
خاتمة:
في الختام، يقدم كتاب “فتى مالاوي الذي استثمر الرياح”؛ صورة قوية عن الإرادة الإنسانية والإصرار في مواجهة الصعاب. من خلال رحلة ويليام كامكوامبا، نرى كيف أن التحديات التي تبدو مستعصية ولا حل لها مثل ندرة الأمطار والفقر، ونقص التعليم، والظروف المعيشية القاسية يمكن أن تتحوَّل إلى فرص للإبداع والتغيير.
لا يقتصر النص على تسليط الضوء على معاناة الأفراد في البلدان النامية كمالاوي، بل يبرز أيضًا قدرة الإنسان على التفوق بالرغم من الظروف الصعبة بفضل العلم والعزيمة والابتكار.
إن قصته تُمثّل مصدر إلهام لكل مَن يُواجه صعوبات في الحياة، وتؤكد على أن الأمل والإصرار يمكن أن يفتحا أمامنا أبوابًا جديدة، حتى في أصعب الأوقات. كما تبرز أهمية العلم فيما يمكن أن يُحقّقه لخروج القارة من أزماتها، بشكل أوسع نطاقًا، وليس فقط مالاوي، محل تركيز الكتاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الكتاب بالإنجليزية:
William Kamkwamba, Bryan Mealer, The boy who harnessed the wind: Creating currents of electricity and hope, (New York & London: HarperCollins Publishers, 2009).
مصدر الكتاب بالعربية:
شادي الرواشدة (مترجم)، ويليام كامكوامبا وبرايان ميلر، الفتى الذي طوّع الرياح.. توليد تيارات من الكهرباء والأمل، (الرياض: العبيكان للنشر، 2014م).