لم تكن الاشتباكات التي اندلعت أكثر من مرَّة في الآونة الأخيرة بين مؤيدي الرئيس الكيني “أوهورو كينياتا” ونائبه “وليام روتو” في بلديَّتَيْنِ بكينيا، سوى إشارة للأزمة الجارية بين الرجلين منذ نهاية الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2017م، وتحرّك الرئيس “كينياتا” نحو التحالف مع خصمه والمعارض السابق “رايلا أودينغا”.
وتُهدّد الأزمة الحالية أيضًا اتفاقية عام 2012م التي أوصلت الرئيس “كينياتا” إلى السلطة مع “روتو” كنائبٍ له؛ حيث كان الرجلان قبل ذلك الاتفاق على جانبين مختلفين في انتخابات عام 2007م، ووجّهت إليهما لوائح اتّهام مِن قِبَل المحكمة الجنائية الدولية؛ لدورهما المزعوم في الأزمة التي أعقبت تلك الانتخابات.
بل وأدَّى تأكيد لوائح الاتهام في يناير 2012م مِن قِبَل المحكمة الجنائية الدولية إلى تقريب المسافة بين الرئيس “كينياتا” ونائبه “روتو” في عام 2013م؛ حيث تعهّد “كينياتا” بدعم نائبه في نهاية فترتي ولايته في عام 2022م.
وقد ألغت المحكمة الجنائية الدولية لوائح الاتهام الموجّهة لـ”كينياتا” في عام 2014م و”روتو” في 2016م – أي بعد فورهما بانتخابات 2013م. وتحرّك الرجلان إلى تعميق تحالفهما بدمج حزبهما لتشكيل حزبٍ حاكمٍ واحدٍ شَهِدَا من خلاله انتصارين انتخابيين.
وقد بدأ التصدّع في الصداقة بين الرئيس “كينياتا” ونائبه “روتو” بعد فوز “كينياتا” بفترة ولايته الثانية والأخيرة في عام 2018م وتقارب في مارس من العام نفسه مع “رايلا أوديغا” -المُعارض وخصمه السياسي الذي ترشَّح منذ عام 1997م للرئاسة الكينية في جميع الدورات الانتخابية باستثناء دورة واحدة-؛ إذ أبرما اتفاقات هدنة جديدة معروفة بـ”مبادرة بناء الجسور” (BBI) جاءت بـ “أودينغا” وحزبه المعارض “الحركة الديمقراطية البرتقالية” (ODM) إلى الحكومة من جانب كينياتا فقط. وهذا يعني نهاية فعلية لشراكة كينياتا مع نائبه “روتو”.
موقف “روتو” من تحالف “كينياتا” و”أودينغا”:
إنَّ موقف مؤيدي نائب الرئيس الكيني “وليام روتو” مؤدَّاه أنَّ تحرّك الرئيس “أوهورو كينياتا” وتحالفه مع “رايلا أودينغا” كان بمثابة حيلة لإبعاده عن معادلة الرئاسيات القادمة في عام 2022م, خاصةً وأن بعض حلفاء “كينياتا” الرئيسيين ينادون علنًا في الأشهر الأخيرة بترشيح “أودينغا”، ودعمه في تلك الانتخابات. ولذا تعهَّد “روتو” بمواصلة جهود مناهضتهم قائلاً: “سأهزمهم”.
على أنَّ “رايلا أودينغا” نفسه لم يُعْلِن بعدُ نيته لخوض الانتخابات القادمة؛ حيث دعا بدلاً من ذلك إلى بدء إجراء استفتاء من العام الحالي حتى عام 2022م على التعديلات الدستورية التي اقترحتها فِرَق “مبادرة بناء الجسور”، والتي تشمل تغيير هيكل السلطة التنفيذية، وعودة منصب رئيس الوزراء (الذي كان موجودًا مرتين في تاريخ كينيا المستقلة)، ومنصبَيْن لنائب رئيس الوزراء ومنصب زعيم المعارضة.
وإذا تأخَّرت عمليات تعديل الدستور والاستفتاء عليها بسبب أزمة كورونا الحالية، وطلب رئيس القضاة في سبتمبر الماضي من الرئيس “كينياتا” بحلّ البرلمان؛ فإنَّ التحوّلات السياسية الجديدة قد أتت بنتيجتين:
أولاً: أصبح للرئيس “كينياتا” سيطرة أقوى على الهيئة التشريعية الكينية؛ حيث لا توجد فيها حاليًا معارضة. وهذا إذ قد يُفيده في السنتين المتبقيتين من رئاسته، إلا أنه قد يضرّ بسمعة الهيئة التشريعية التي تُطلَب منها الاستقلالية عن السلطة التنفيذية.
ثانيًا: تسببتْ بانشقاقات داخل حزب اليوبيل الحاكم بين مجموعة مؤيّدة للرئيس “كينياتا” ومجموعة أخرى مناصرة لنائبه “روتو”. إضافة إلى أنَّ بعض أحزاب المعارضة في البلاد تواجه أزمة داخلية بسبب محاولات السياسيين تعزيز قواعد سلطتهم وتجربة احتمالاتهم قبل موعد الانتخابات.
قضية الولاية الرئاسية الثالثة:
لقد نفَى الرئيس “أهورو كينياتا” مرارًا ما يُثَار حول إمكانية ترشّحه لفترة ولاية ثالثة بعد عملية تعديل الدستور, وأكّد أنه سيسلّم السلطة للفائز في انتخابات أغسطس 2022م. ومع ذلك يواصل بعض حلفائه في تصريحاتهم إثارة مسألة الولاية الثالثة.
ففي منتصف سبتمبر الماضي، أشار عضو البرلمان المؤثّر “فرانسيس أتولي” في مقابلة صحفية إلى احتمال ترشح “كينياتا” لولاية ثالثة. ولكنَّه تراجع فيما بعد عن ذلك قائلاً: إن تصريحاته كانت مجرد رأي شخصيّ وليست موقف مجموعة معينة أو حزب.
يُضاف إلى ما سبق أن موقف نائب رئيس الحزب الحاكم “ديفيد موراثي” وغيره من أنصار الرئيس “كينياتا”؛ أنَّ صفقة 2012 التي أتت بـ “كينياتا” و”روتو” إلى السلطة، ووعد الأول بدعم الأخير في عام 2022م أصبحت باطلة الآن. وأن مسألة تقاعد “كينياتا” في 2022 ليست متعلقة بعمره، ولكنها تتعلق بموافقة الكينيين، وما إذا كان لدى “كينياتا” ما يكفي من الوقت لإنهاء رؤيته ومهمته ووعوده للكينيين.
بل في مقابلة “موراثي” مع إحدى وسائل الإعلام الكينية في 1 سبتمبر 2020م، فإن “أودينغا” – زعيم المعارضة السابق الذي أصبح حليف “كينياتا” المقرَّب -كان الخيار المفضَّل لخلافة الرئيس “كينياتا”- وليس “روتو” نائب الرئيس.
مساعي طَرْد “روتو” من الحزب الحاكم:
لقد أوصى مسؤولون في حزب اليوبيل الحاكم بكينيا في الأسبوع الماضي, بتجريد “وليام روتو” من منصبه كنائب لرئيس البلاد، في خطوة تؤكد اتساع رقعة الخلاف بينه وبين “أوهورو كينياتا”.
وجاء القرار بعد يومين من تصريح “رافائيل توجو” الأمين العام للحزب بأن “روتو” -ومؤيدين له- قد سمح لحلفائه بإهانة الرئيس “كينياتا”، والقيام بأنشطة مخالفة لقوانين الحزب، وأن “روتو” بدأ حملاته الانتخابية للرئاسة بشكلٍ مبكِّر دون تأمين ترشيح الحزب أو موافقته. إضافة إلى غيابه عن مؤتمر الرئيس “كينياتا” بشأن أزمة كورونا والانخراط في تجمُّعات سياسية مختلفة في تَحَدٍّ صريح للرئيس.
ويرى محللون كينيون أن وضع “روتو” الحالي في معادلة الرئاسيات القادمة يعني أنه يتعين عليه إعادة ضبط استراتيجيته في حال نجاح التحالف بين “كينياتا” و”أودينغا”. وأنه سيكون أيضًا المستفيد الأكبر في حالة فشل ذلك التحالف.
أما من وجهة نظر الكاتب الكيني “موريس كيروغا”؛ فإن تزايد المرشحين واتساع قواعد الأحزاب والتحالفات الجديدة ستُقلِّص من خيارات الرئيس “كينياتا”، خاصةً وأن مسألة الاستفتاء على تعديل الدستور لم تُحْسَم بعدُ, بينما يتعيَّن عليه أيضًا في النصف الثاني من ولايته الأخيرة حلّ مشكلة البطالة التي تضاعف معدلها من 5.4٪ إلى 10.8٪ خلال الأشهر الثلاثة الأولى من اندلاع وباء كورونا. إضافة إلى ضرورة التعامل مع الدَّيْن العام المتزايد لكينيا والاقتصاد المتعثر. وسيرغب أيضًا في إنهاء المحادثات التجارية الجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، ومعالجة أخطاء كينيا الجيوسياسية في القرن الإفريقي.
_______________
للمزيد يُنْظَر:
Morris Kiruga. (2020). Kenya: Ahead of the 2022 polls, what options does Kenyatta really have?. The Africa Report:
Macharia Gaitho. (2019). All you need to know about the clash between Kenyatta and Ruto. Aljazeera:
Gideon Keter. (2020).Jubilee hurdles in plot to kick out Ruto. The Star Kenya:
Karuti Kanyinga. (2020). Research Professor, Institute for Development Studies (IDS), University of Nairobi. The Conversation: