نشرت مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية (SWP) دراسة مطولة بعنوان “متغيرات جديدة وعلاقات دولية صعبة”؛ تضمنت عدة محاور تتعلق بمسائل مُلِحَّة سياسيًّا وشديدة التعقيد في سياق التنافس النظامي، والتحوُّلات الاقتصادية والتكنولوجية التي يعود تاريخها إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي تخلق علاقات (قوة) جديدة على المستويات الوطنية والأوروبية والعالمية. والتي أظهرت علاقات متشابكة وعصية، تحديدًا، مع تلك الدول سواء في أوروبا والقارة الأمريكية وفي “الجنوب العالمي”، التي لها أهمية حثيثة بالنسبة للمصالح الألمانية، سواء في سياقها المادي أو السياسي.
وفي أحد محاور الدراسة وتحت عنوان “الجنوب العالمي: التباينات العالمية ومطالب الإصلاح”؛ تطرقت كلّ من “ميلاني مولر/Melanie Müller ” و”كلوديا تسيلا/ Claudia Zilla” إلى الانتقادات التي وجَّهتها العديد من دول الجنوب العالمي تجاه التعددية التي شهدها العالم وتزايدت حدتها بقوة خلال السنوات الأخيرة.
بقلم: ميلاني مولر – كلوديا تسيلا
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
لقد تزايدت حدة الانتقادات التي وجَّهتها العديد من دول الجنوب العالمي[1] تجاه التعددية التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة. وعادةً ما أُثِيرت ثلاث إشكاليات: تتمثل الأولى في أن مؤسسات النظام الدولي ما هي إلا نتاج نظام عالمي عفا عليه الزمن، ولم تعُد تعكس بشكلٍ كافٍ توازن القُوى الفعلي؛ والثانية أن التعددية المؤسسية الحالية تُعزّز التفاوتات غير العادلة؛ والثالثة أن دول الشمال العالمي مستعدّة لخرق القانون الدولي وإضعاف الاختصاص الدولي من أجل مصالحها الخاصة، في حين تطالب دول الجنوب العالمي بالمشاركة البنَّاءة في نظام قائم على القواعد. وبالتالي فإن الممارسة متعددة الأطراف الحالية ليست فعَّالة أو عادلة.
وتدين الديمقراطيات في الجنوب العالمي، تحديدًا، مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، كلاً من الأُسُس المادية غير المتكافئة للأنظمة المعيارية، وكذلك التطبيق غير المتكافئ للقانون داخل هذه الأنظمة. وبالتالي، فهي ترى الحاجة إلى تطبيق إصلاحات طويلة الأمد، ولكن في الوقت نفسه تلتزم، من حيث المبدأ، بالتعددية والقانون الدولي.
وعلى الرغم من أنه لا تكاد توجد ديمقراطية في الشمال العالمي أو الجنوب العالمي تعمل حصريًّا على تعزيز حقوق الإنسان والقانون الدولي والأنظمة الدولية من خلال سياستها الخارجية، فمن منظور الجنوب، تعمل الجهات الفاعلة الغربية مثل ألمانيا والاتحاد الأوروبي، في الأساس، كسلطات معيارية دون التفكير، نقديًّا، في سلوكها الذي ينحرف عن المسار، ومسؤوليتها عن التفاوتات والظلم القائم الذي يكمن وراء العديد من المشكلات العالمية.
إن الجمع بين السياسة الخارجية التي تُحرّكها المصالح والخطاب المُحمَّل بالشعارات إنما هو ما يُثير حفيظة الجنوب العالمي تحديدًا. ففي السنوات الأخيرة، تحدَّثت الحكومة الألمانية بكثافة عن إصلاح المؤسسات متعددة الأطراف. في حين أنه من الصعب أن ينجح ذلك إلا إذا أخذت الدول في الشمال العالَمي مخاوف دول الجنوب العالمي على محمل الجدّ وعدّلت مسار سياساتها وفقًا لذلك.
ومن خلال تقديم المزيد من الدعم لمطالب الجنوب العالمي، يمكن لألمانيا أن تُقدّم، في المقابل، المزيد من المساهمة من أجل التغلُّب على الصراعات الدولية كالتي تتعلَّق بـ(سوء التوزيع). وذلك من شأنه أن يعطي انطباعًا مُنافيًا للصور الذهنية المنتشرة بكثافة عن ألمانيا بكونها القوة المُعرقِلة، والتي تُقوِّض شرعيتها المعيارية وتؤثر على علاقاتها مع دول مُهمَّة في الجنوب العالمي مثل: البرازيل أو الهند أو جنوب إفريقيا، الأمر الذي ربما أسهم في زيادة فرص ألمانيا في تلقّي الدعم من هذه الجهات الفاعلة في إطار القضايا ذات الصلة.
وتكشف ثلاثة أمثلة عن انتقادات دول الجنوب العالمي بشأن توقعات مرتبطة بممارسات ألمانيا.
عواقب الوباء والتوزيع العادل للقاحات:
إنّ محور اهتمام العديد من بلدان الجنوب العالمي يتمثّل في إنشاء هياكل تعمل على الحدّ من عدم التوازن في القوة والموارد بين مناطق العالم. فقد أصبحت الحاجة إلى تضييق هذه الفجوة واضحة بقوة خلال جائحة كورونا، التي كانت لها عواقب مدمرة على بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. فقد كانت هذه البلدان محرومة من الوصول إلى الأقنعة الطبية الواقية واللقاحات.
ومع “إعلان الدوحة” لعام 2001م، وافق المجتمع الدولي على أن يكون أكثر “مرونة” في التعامل مع براءات الاختراع في حالات الطوارئ؛ من أجل تمكين البلدان في مناطق مختلفة من العالم من شراء المستلزمات الطبية بتكلفة مناسبة. ومع ذلك، لم يُستخدَم هذا الخيار أثناء جائحة كورونا؛ إذ لم يكن لدى العديد من البلدان في الجنوب العالمي إمكانية الوصول إلى اللقاحات لفترات زمنية طويلة.
وقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى تم العثور على آلية إعادة توزيع عالمية مع اقتراح إنشاء كوفاكس. وظلت الاختلالات الرئيسية في إمدادات اللقاحات قائمة. وفي عام 2021م، وصف الرئيس الجنوب إفريقي “سيريل رامافوزا” هذه الثغرة بأنها “فصل عنصري للقاحات”[2].
كما اتخذت الهند وجنوب إفريقيا نهجًا استباقيًّا، وقدمت اقتراحًا إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2020م حول كيفية تصميم الإعفاء المؤقت من براءة اختراع اختبارات فيروس كورونا ولقاحات كورونا. ولكن على الرغم من أن البرلمان الأوروبي أيَّد الاقتراح، لم تتمكن المفوضية الأوروبية من تمرير دعمه في منظمة التجارة العالمية، ويرجع ذلك إلى أن ألمانيا عارضته بسبب مصالحها الاقتصادية الخاصة[3].
وعقب عدة جولات من المفاوضات في منظمة التجارة العالمية، تم التوصل إلى حل وسط في عام 2022م، على الرغم من أن ذلك ينطبق فقط على لقاحات كورونا وليس على العقاقير الأخرى ذات الصلة. ووفقًا لذلك، يمكن للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية إصدار تراخيص إلزامية دون موافقة حاملي براءات الاختراع ودون مخاوف “التصويت ضدها مِن قِبَل محكمة وطنية أو منظمة التجارة العالمية”[4].
ويستند هذا الإجراء التنظيمي، في النهاية، إلى بند موجود بالفعل في إعلان الدوحة، والذي كان من الممكن تنفيذه، في وقت سابق، من حيث المبدأ. ومرة أخرى، لم يتمكن أعضاء منظمة التجارة العالمية من الاتفاق على اعتماد اقتراح موسَّع من جانب جنوب إفريقيا والهند، والذي انضمت إليه أكثر من ستين دولة. وقد أدى مثل هذا التصرف، مرة أخرى، إلى تأجيج انتقادات الجنوب العالمي لمنظمة التجارة العالمية.
ضريبة الثروة العالمية على الأثرياء:
ومن بين المطالب الأخرى التي تطالب بها دول الجنوب العالمي: توفير الموارد المالية اللازمة للتعامل مع الأزمات العالمية. ويرجع ذلك إلى الاتجاه نحو تزايد التفاوت في الدخل وتناقص التدرج الضريبي. وقد طرحت الرئاسة البرازيلية لمجموعة العشرين اقتراحًا لفرض ضريبة على المليارديرات دوليًّا أثناء قمة “ريو دي جانيرو” في نوفمبر 2024م. وقد طوَّر هذا المفهوم الخبير الاقتصادي الفرنسي “جابرييل زوكمان”، الذي يوضح أيضًا الطرق التي يمكن بها للحكومات الوطنية فرض مثل هذه الضريبة[5].
وإذا زادت الضريبة العالمية على المليارديرات من الضريبة السنوية الحالية على الثروة البالغة 0.3 في المائة لتصل إلى 2 في المائة، فإن المجتمع العالمي سيكون لديه ما يقرب من 200 إلى 250 مليار دولار أمريكي تحت تصرُّفه كل عام، والتي يمكن استثمارها، على سبيل المثال، في برامج مكافحة التفاوت الاجتماعي والمجاعات أو التكيف مع تغير المناخ[6].
إن البلدان التي تعاني من الفقر والتفاوت الاجتماعي و/أو التي لم تتمكَّن من تحقيق الاستقرار بعد جائحة كورونا -أي العديد من البلدان في الجنوب العالمي- تدعم بشكل خاص المبادرة البرازيلية. كما تُعدّ الحكومة الألمانية واحدة من الدول المُعرقِلة لذلك؛ لأنها لا تُمثّل موقفًا موحدًا، في حين تدعم وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الفيدرالية (BMZ) فرض ضريبة على المليارديرات، عارضت وزارة المالية الفيدرالية (BMF) المبادرة. وعلى المستوى الدولي، يلفت تناقُض الموقف الألماني النظر بالتأكيد، خاصة وأن بعض الدول الأعضاء الأوروبية -مثل فرنسا وإسبانيا- تدعم الاقتراح.
التطبيق العالمي للقانون الدولي:
إن الانتقادات التي يُوجِّهها الجنوب العالمي، والتي تستهدف عمومًا ظاهرة عدم التوازن في القوة والفجوة بين الادعاءات الخطابية الرنانة والعمل والأداء الفعلي، موجَّهة، تحديدًا، ضد ممارسة تطبيق القانون الدولي والاختصاص الدولي. وفي الوقت الحاضر، يُسهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في اتساع هوة الاغتراب بين العديد من دول الجنوب العالمي وألمانيا.
إن دعم ألمانيا الواضح لإسرائيل، استنادًا إلى المسؤولية التاريخية، والإعلان عن أن أمن إسرائيل هو سبب وجود ألمانيا، يُقابَل بالرفض ويثير الاحتجاج. وهناك اتهامات موجهة للسياسة الألمانية، التي تشمل أيضًا تسليم الأسلحة إلى إسرائيل، بعدم التعاطف مع العديد من الضحايا الفلسطينيين والأشخاص الذين يعانون من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة.
وفي سياق هذا الصراع، تمثل بعض الدول في الشمال العالمي، بشكل انتقائي، المبادئ العالمية ولا تمتثل بالكامل لتطبيق القانون الدولي، وفقًا لهذه الانتقادات. بالإضافة إلى ذلك، لم تبذل ألمانيا سوى جهود ضئيلة للغاية للحد من العنف وتطبيق آليات حلّ النزاعات غير العسكرية.
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024م، أثار الرئيس البرازيلي “لويس إيناسيو لولا دا سيلفا” مشكلة انتشار النزاعات المسلحة، والاتجاه المتسارع نحو إعادة التسلح والاستخدام المتزايد للقوة العسكرية. وأدانت الحكومة البرازيلية الأعمال الإرهابية التي نفَّذتها حماس على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023م، واعترفت بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وهو حقّ منصوص عليه في القانون الدولي. ومع ذلك، فإنها تنتقد إسرائيل لانتهاك مبدأ المساواة في الدفاع عن النفس، وبالتالي القانون الدولي في ممارسة هذا الحق. ولا تدين البرازيل العدد الهائل من المدنيين الذين قُتلوا وجُرحوا وتدمير البنية التحتية المدنية فحسب، بل تدين أيضًا الهجمات على منظمات الإغاثة الإنسانية في غزة وعلى بعثة مراقبي الأمم المتحدة والمساعدة (اليونيفيل) في لبنان.
وتدعم البرازيل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا في ديسمبر 2023م أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لانتهاكها اتفاقية الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فضلاً عن الطلب الإضافي بإجراءات سريعة لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في نفس المنطقة. ولم تقرّر محكمة العدل الدولية بعد ما إذا كانت تصرفات إسرائيل في قطاع غزة تُشكّل إبادة جماعية. ومع ذلك، فإن قراراتها الأولية توضح أنها تعتبر الادعاء بأن إسرائيل تنتهك حقوق الفلسطينيين المحمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية كجزء من عمليتها العسكرية منطقيًا ومُبررًا[7].
وقد لاقت المبادرة الجنوب إفريقية ترحيبًا في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك مِن قِبَل العديد من الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا[8].
وتعتبر الحكومة الألمانية أن الادعاءات الجنوب إفريقية لا أساس لها من الصحة، وأعلنت أنها تنوي دعم إسرائيل كطرف ثالث في الإجراءات الرئيسية. وفيما يتصل بطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” ووزير الدفاع المُقال يوآف جالانت، قدمت الحكومة الألمانية بيانًا وديًا للمحكمة يحتوي على اعتراضات تكاملية ربما تؤدي إلى تأخير الإجراءات[9].
وقد ردّت الحكومة الألمانية على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات الاعتقال المطلوبة في 21 نوفمبر 2024م [10] ببيان أعلنت فيه عن مراجعة دقيقة للخطوات المحلية[11].
إن حقيقة أن دولة طرفًا في نظام روما الأساسي لا تعترف بشكل لا لبس فيه بالطبيعة المُلزمة لقرار المحكمة الجنائية الدولية تسبب في دهشة العديد من بلدان الجنوب العالمي. بالإضافة إلى ذلك، لم تُوقّع ألمانيا على خطاب دعم الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، الذي أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي شخصًا غير مرغوب فيه؛ على عكس البرازيل وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى 102 دولة أخرى والاتحاد الإفريقي.
وفي بلدان الجنوب العالمي، أصبح الانطباع راسخًا بقوة أن ألمانيا تُرجّح كفة التضامن مع الدولة الإسرائيلية على حساب التطبيق العالمي للقانون الدولي. حتى أن الرئيس الناميبي الراحل “هاجي جينجوب” اتهم ألمانيا بأنها “غير قادرة على تعلُّم الدروس من تاريخها القاسي”[12]. والواقع أن ألمانيا مُعرَّضة حاليًّا لخطر الإضرار بمصداقيتها كجهة فاعلة دولية ملتزمة بالتطبيق الكامل لحقوق الإنسان وحل النزاعات سلميًا وإقرار التعددية والقانون الدولي.
الاستنتاجات والتوصيات:
إن بناء علاقات اقتصادية وسياسية مستقرة مع الدول المهمة لألمانيا، وإن كانت تنتقدها في الوقت الراهن، يصبّ في مصلحة ألمانيا تمامًا، مثل: إصلاح المؤسسات الدولية، والحفاظ على النظام القائم على القواعد. ونظراً للتوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، يتعين على ألمانيا توسيع محفظتها من الدول الشريكة بدلاً من تقييدها. ومن خلال تحسين العلاقات مع دول الجنوب العالمي -على المستوى الثنائي، ولكن أيضًا على المستوى الأوروبي- يمكن صياغة تحالفات سياسية على المدى المتوسط؛ حيث تدعم القوى متوسطة الحجم في الشمال العالمي والجنوب العالمي بعضها البعض من أجل الحفاظ على درجة معينة من الاستقلالية عن تطلعات القوى الكبرى أو توسيعها.
إن الحكومة الفيدرالية لا بد أن تتعامل مع هذه الدول بشكل أكثر كثافة، وأن تعمل معًا على إجراء الإصلاحات. وإن إعادة التنظيم والهيكلة الشاملة لمنظمة التجارة العالمية، والتي كان من المفترض الانتهاء منها بحلول عام 2024م، تعرقلها حاليًّا الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، في حين يدعمها الاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ. وفي مثل هذه الحالات، لا ينبغي للحكومة الفيدرالية والاتحاد الأوروبي الاسترشاد بالمصالح الاقتصادية قصيرة الأجل (كما في حالة حصار نظام براءات الاختراع) في تحديد مواقفهما فحسب، بل يتعين عليهما أيضًا أن يُلبِّيا متطلبات الحل المستدام فيما يتعلق بالمشكلات العالمية، وأن يستخدما مزايا التعاون طويل الأجل مع الدول في مناطق أخرى من العالم. ومن خلال “ضريبة المليارديرات” أيضًا، تستطيع الحكومة الفيدرالية أن تُصحّح الانطباع بأنها تُعرقل سير الأمور إذا ما دعمت الاقتراح أو اقتربت من الحكومة البرازيلية، وعرضت عليها العمل المشترك لتطوير مقترحات بديلة طموحة وقابلة للتطبيق، بعد إقرار ذلك صراحة في الإعلان النهائي لمجموعة العشرين في “ريو دي جانيرو”. وبذلك، يمكنها أن تُثبت حُسن نواياها وكونها ملتزمة بتحقيق المزيد من العدالة العالمية في الشراكة.
وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يجب على الحكومة الألمانية أن تُبدي قولاً وفعلاً أنها لا تتحمَّل مسؤولية تاريخية تجاه دولة إسرائيل فحسب، بل إنها تدافع أيضًا عن الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وإنفاذ القانون الدولي. وهذا يتطلَّب سياسة أكثر تقييدًا وتقنينًا لتصدير الأسلحة. وإن حجم شحنات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل بالتحديد يُقوِّض التوقعات المعيارية التي تضعها ألمانيا على إسرائيل فيما يتعلق باستخدام الأسلحة والعنف. وعلاوة على ذلك، يتعين على ألمانيا أن تمتنع عن اتخاذ قرارات من شأنها أن تُلْحِق الضرر بسمعة وفعالية القضاء الدولي والأمم المتحدة.
ولكن المشاركة الألمانية لا بد أن تتجاوز هذه القضايا، وذلك أن الهياكل الأكثر عدالة -أي توزيع أكثر توازنًا وتمثيلاً للسلطة والمصالح على المستوى الدولي-، تخدم الحوكمة العالمية الفعّالة. وهي تعمل على تعزيز شرعية الأمم المتحدة وفعالية التعددية وقدرتها على حل المشاكل. والتعاون النشط مع جنوب إفريقيا، التي ستتولى رئاسة مجموعة العشرين من البرازيل في عام 2025م، وأعلنت أن إحياء التعددية وإصلاح الحوكمة العالمية يشكلان محور رئاستها. وهنا ويجب على ألمانيا -مثل الاتحاد الأوروبي- أن تستغل هذه الفرص بنشاط لتطوير المزيد من مقترحات الإصلاح الملموسة. وينبغي للاتحاد الأوروبي وألمانيا أن ينظرا إلى المبادرات التي تتخذها بلدان الجنوب العالمي كفرصة للتعاون، وبالأخص، النظر في التأثير المتوسط وطويل الأجل على بناء التحالفات مع الشركاء في الجنوب العالمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نعني دولًا من المناطق الجغرافية لإفريقيا وأمريكا اللاتينية/ منطقة البحر الكاريبي وآسيا. في الأساس، هذه هي دول مجموعة الـ77 دون الصين، التي لم تعد تندرج تحت هذه الفئة بسبب صعودها كقوة عظمى.
[2]-»Cyril Ramaphosa Says the World Must End Vaccine Apartheid«, in: The Economist (online), 8.11.2021, <https:// www.economist.com/the-world-ahead/2021/11/08/cyril- ramaphosa-says-the-world-must-end-vaccine-apartheid> (Zugriff am 17.10.2024).
[3] -Denis M. Tull / Claudia Zilla, »Den Worten Taten folgen lassen: Außenpolitik gegenüber Afrika und Lateinamerika«, in: Günther Maihold et al. (Hg.), Deutsche Außenpolitik im Wan- del. Unstete Bedingungen, neue Impulse, Berlin: Stiftung Wissen- schaft und Politik, September 2021 (SWP-Studie 15/2021), S. 53 – 56, doi: 10.18449/2021S15.
[4]-Michael Bayerlein / Pedro A. Villarreal, »Strategische Bedeutung mittlerer Mächte im Gesundheitsbereich«, in: Barbara Lippert / Stefan Mair (Hg.), Mittlere Mächte – einfluss- reiche Akteure in der internationalen Politik, Berlin: Stiftung Wissenschaft und Politik, Januar 2024 (SWP-Studie 1/2024), S. 87 – 90 (88), doi: 10.18449/2024S01.
[5] Gabriel Zucman, A Blueprint for a Coordinated Minimum Effective Taxation Standard for Ultra-high-net-worth Individuals, Juni 2024, <https://gabriel-zucman.eu/files/report-g20.pdf> (Zugriff am 17.10.2024). Für Deutschland wurden Studien zu dieser Thematik unter anderem vom Deutschen Institut für Wirtschaftsforschung (DIW) und dem Netzwerk Steuer- gerechtigkeit verfasst.
[6] G20 Rio de Janeiro Leader Declaration, November 2024,<https://www.consilium.europa.eu/media/l11hh2mb/g20-rio-de- janeiro-leaders-declaration-final.pdf> (Zugriff am 19.11.2024).
[7] Former Head of ICJ Explains Ruling on Genocide Case against Israel Brought by S Africa«, BBC, 26.4.2024, <https://www.bbc.com/news/av/world-middle-east-68906919> (Zugriff am 13.11.2024).
[8] International Court of Justice, »Application of the Con- vention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide in the Gaza Strip (South Africa v. Israel)«, Presse- mitteilung, 9.10.2024, <https://www.icj-cij.org/sites/default/ files/case-related/192/192-20241009-pre-01-00-en.pdf> (Zugriff am 13.11.2024).
[9] Kai Ambos, »Staatsräson vor Völker(straf)recht?«, Ver- fassungsblog, 19.8.2024, <https://verfassungsblog.de/amicus- curiae-deutschland-istgh-israel/> (Zugriff am 13.11.2024).
[10] Internationaler Strafgerichtshof (IStGH), »Situation in the State of Palestine: ICC Pre-Trial Chamber I Rejects the State of Israel’s Challenges to Jurisdiction and Issues War- rants of Arrest for Benjamin Netanyahu and Yoav Gallant«, Press Release, 21.11.2024, <https://www.icc-cpi.int/news/ situation-state-palestine-icc-pre-trial-chamber-i-rejects-state- israels-challenges> (Zugriff am 24.11.2024).
[11] Erklärung der Bundesregierung zum Beschluss des Internationalen Strafgerichtshofs«, Pressemitteilung 293, 22.11.2024, <https://www.bundesregierung.de/breg-de/ aktuelles/erklaerung-der-bundesregierung-zum-beschluss- des-internationalen-strafgerichtshofs-2321638> (Zugriff am 24.11.2024).
[12] Jasko Rust / Martina Schwikowski, »Namibia: ›Deutsch- land lernt nicht aus der Geschichte‹«, Deutsche Welle (online), 22.1.2024, <https://www.dw.com/de/namibia-deutschland- lernt-nicht-aus-der-geschichte/a-68034829> (Zugriff am 13.11.2024).
………………………………
رابط التقرير: https://www.swp-berlin.org/10.18449/2024S24/#hd-d37170e1607