رشا السيد عشري
باحثة في الشأن الإفريقي
بالرغم من الإشكاليات التي واجهت السدود الكينية، وكانت لها آثار مُدمّرة على كينيا؛ إلا أنَّ العديد منها تميّز بالدقة الفنية وسلامة بنائه وصلابته، ممّا انعكس بالإيجاب على الوضع الاقتصادي للدولة ومعيشة السكان، ودفع كينيا لإقامة العديد من المشاريع، وذلك في إطار الإصلاحات الرئيسية في البنية التحتية وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية، لا سيما مع انخفاض فترات الجفاف، والحَدّ من تدمير الغابات، وتوفير إمدادات الكهرباء، وغيرها، بما ساهم في تعزيز التنمية المستدامة في مناطق متعدِّدة بكينيا، لا سيما في المجال الزراعي.
أولاً: القطاع الزراعي والثروة الحيوانية
أدَّت إصابة القطاع الزراعي بالركود لسنوات طويلة إلى تأثيرات سلبية على الأمن الغذائي؛ حيث كان القطاع الزراعي ينمو بمعدل أقل من 2% سنويًّا، مقابل نحو 4% أو أعلى من ذلك في الثمانينيات؛ حيث بلغت حالة انعدام الأمن الغذائي 41% في 1995- 1997م.
ومِن ثَمَّ ظهرت أُطُر متعدِّدة لحماية الأمن الغذائي في كينيا؛ من خلال اتِّباع نظام جديد تمثَّل في زيادة الإنتاج الزراعي، وزيادة مساحة الغابات في إطار مبادرات الإصلاح الاقتصادي في الدولة، وذلك من خلال الحدّ من الأضرار الناتجة عن البنية المتهالكة للسدود، وترشيد المياه بها، واستخدامها في موضعها، خاصة في زيادة مساحة الأراضي الزراعية، وتفادي فترات الجفاف باستخدام المياه المخزَّنة، وذلك في إطار الإصلاحات الفنية لتلك للسدود([1]).
كما سعت كينيا إلى زيادة مساحة الغابات، وإعادة تأهيلها بعد تدمير أجزاء منها جراء الفيضانات؛ حيث زرعت اللجنة الوطنية ودائرة الغابات الكينية أكثر من 3 آلاف شتلة في غابة غاتاري Gatare، فضلاً عن زيادة مساحة المراعي التي تعتمد عليها الثروة الحيوانية، والتي ساهمت في زيادة أعداد رؤوس الماشية وحمايتها من الجفاف في ظل توفير مورد دائم للمياه([2]).
أيضًا كانت مصادر التخزين الرئيسية للمياه، مثل السدود والمياه الجوفية، لم تُجَدَّد بشكلٍ كافٍ؛ بسبب فشلها في تخزين المياه نتيجة المشكلات الفنية، وهو ما أثَّر على نمط الحياة الزراعية مع تغيُّر المناخ، والذي أدَّى في كثير من الأحيان إلى قلة الأمطار خاصةً على المدى القصير، ومِن ثَمَّ شرعت الدولة -خاصة في ظِلّ الرؤية التنموية 2030م- لاستغلال تدفقات الفيضانات من خلال توجيه السدود والخزانات إلى المناطق التي تعاني من الجفاف؛ من خلال عمليات نقل بين الأحواض والخزانات إلى تلك المناطق، خاصةً مع تفاقم عوامل تغيُّر المناخ والتي أثَّرت على الزراعة والمراعي، ما أدَّى إلى انخفاض تدفقات الأنهار وأصبحت معظمها موسميَّة، وأدَّى أيضًا لوجود نزاع على المياه بين القبائل للزراعة ورعاية الماشية، وخاصةً في المجتمعات التي تعيش حول تلك الأنهار، ما اقتضى وضع استراتيجية لفضّ النزاعات بين القبائل، وتحقيق توازن تنموي([3]).
إنَّ توجُّه سياسات كينيا التنموية إلى الاستخدام المستدام للأراضي، وحماية خزانات المياه ومصادرها، يحتاج لمزيدٍ من العمل للتخلُّص من تلك الآثار السلبية على الموارد المائية، لذلك تشرع كينيا في ضمان توفير مرافق الصرف الصحي في المراكز الحضرية، وفي مناطق المستوطنات غير الرسمية، مع إلزام الصناعات التي تُلوّث المسطحات المائية بدفع الضرائب؛ حيث ينصّ قانون المياه لعام 2002م على عقوبات صارمة تتضمّن السجن لمديري الشركات التي تلوّث المسطحات المائية، وعدم السماح ببعض الأنشطة التي تضرّ بالمسطحات المشاطئة على طول المجاري المائية، وكذلك قانون إدارة البيئة البحرية لعام 1999م، الذي ينصّ على التوزيع العادل للموارد المائية، بالإضافة لتسهيلها إنشاء رابطات محلية لمستخدمي الموارد المائية تعمل كمحكّمين في حالة حدوث نزاعات؛ ومن ثَمَّ تُواجه حكومة كينيا حاليًا التحدّي المتمثّل في إنفاذ تلك القوانين والعمل بها.
تأثير السدود الرملية على القطاع الزراعي
تُعتبر السدود الرملية من أهمّ السدود الكينية؛ لما لها من آثار إيجابية على الموارد المائية؛ حيث تقوم تلك السدود باحتجاز وتخزين المياه لاستخدامها خلال فترات الجفاف وأوقات عدم هطول المطر، لذلك أُقيم أكثر من ألف سدّ رمليّ في شرق إفريقيا، منها نحو 120 سدًّا من ذلك النوع في كينيا لتخزين ملايين الجالونات من المياه عبر احتجازها في أكوام من الرمل مع إمكانية الحصول عليها عندما تجف الأنهار، ومِن ثَمَّ مثَّلت تلك السدود أهميةً كبيرة للسكان لا سيما في مقاطعات كيتوي وماتشاكوس وماكوني لتخزين المياه لري المحاصيل الزراعية، والشرب في ظل الفيض الموسمي للأنهار([4]).
وفي منطقة ناكورو يوجد سبعة سدود تستخدمها إحدى المزارع التجارية لتخزين المياه، إلا أنه مع هطول الأمطار الموسمية الغزيرة؛ فقد أثَّرت قوة اندفاعها وغزارتها على بنية السدود الضعيفة منها، خاصةً وأنها لا تملك منفذًا، ما يوضّح أن تغيّر الطبيعة الجغرافية للأنهار وتزايد معدلات هطول الأمطار قد أثَّر بدوره على بنية السدود الضعيفة داخل الدولة لا سيما وأن بعضها مازال يعاني من مشكلات فنية أيضًا قد تؤدّي إلى انهيارها.
وبالرغم من ضعف البنية لدى بعض تلك السدود، فقد أثبتت الدراسات الهيدرولوجية التي أجراها معهد ACACIA أن السدود الرملية لها تأثير إيجابي على توافر المياه؛ فهي تزيد من حجم المياه الجوفية التي يمكن الوصول إليها، وتطيل الفترة التي تكون فيها تلك المياه متاحة للسحب، كما يتيح الرمل الموجود خلف السد سرعة الترسيب للمياه الجوفية، ويحميها من التبخّر الزائد والتلوث. وبطبيعة الحال تعاني العديد من الأُسَر في المناطق التي لا توجد فيها سدود؛ لأنها تضطر إلى قطع مسافات كبيرة للحصول على المياه من الأماكن الرئيسية؛ لأن الاستخدام المتزايد للمياه بالإضافة إلى الوقت المُهدَر في جلبه يؤدّي إلى تغييرات اقتصادية واجتماعية، وذلك في انخفاض حصاد المحاصيل الزراعية وتدهور الوضع الاجتماعي من انخفاض مستوى التعليم، وذلك على عكس الأُسَر التي تعيش في مناطق بها سدود([5]).
وهناك العديد من البرامج التي هدفت إلى تعزيز التنمية في البدان النامية لا سيما في كينيا خاصة في المجال الزراعي، مثل برنامج ADAPTS، وهو عبارة عن مبادرة من معهد الدراسات البيئية (IVM) في جامعة فريجي بأمستردام، الهدف الرئيسي للبرنامج هو زيادة قدرات البلدان النامية على التكيُّف عن طريق إدراج اعتبارات تغيُّر المناخ والتكيف في إدارة المياه على النطاق المحلي؛ حيث يحدّد البرنامج أولاً أنشطة إدارة المياه المحلية الناجحة ويُقيّم مدى ملائمة هذه الأنشطة في ظل الظروف الحالية والمستقبلية.
وقد اتَّخذ مشروح السدود الرملية في كيوتو كأحد المشاريع التي حددت فاعلية البرنامج، كذلك مؤسسة ساسول (SASOL)، وهي منظمة غير حكومية محلية في كيتوي Kitui، تساعد في تصميم وبناء السدود الرملية الصغيرة باستخدام المواد الخام (مثل الحجر والماء والرمل)، لزيادة قدرة تخزين الأنهار الموسمية، وتهدف إلى تقليل المسافة إلى مصادر المياه لمنطقة Kitui، وتحسين توافر المياه بشكل عام؛ حيث طوّرت ساسول حوالي 500 سدّ، ووفرت المياه لـ150 شخصًا لكل سدّ، وذلك بإجمالي 67.500 شخص([6]).
ويوضّح الشكل رقم (1) مواقع السدود وحالتها في مقاطعة كيتوي؛ حيث تتميز المنطقة بوجود العديد من السدود الرملية الصالحة للاستخدام، وهو ما انعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان. وذلك في ظل التدفقات العالية للأنهار المتعددة في شهري أبريل ومايو ونوفمبر وديسمبر، بجانب النهرين الرئيسيين وهما نهر تانا وأثي.
الشكل رقم (1) مواقع السدود وكثافتها وحالتها في مقاطعة كيتوي
Source: S. Brouwer, MSc., An Assessment of the Social and Economic Effects of the Kitui Sand Dams, Institute for Environmental Studies (Nairobi: Institute for Environmental Studies, No.1, 2008), p,9.
أما الجدول التالي (رقم1) فيوضح أن الأُسَر الموجودة في المناطق التي بها سدود لديها العديد من الامتيازات في المجال الزراعي؛ مقارنةً بالأُسَر التي تقطن في مناطق ليس بها سدود؛ حيث وُجِدَ أنَّ 31% من أساليب الزراعة تتوفر للأُسَر المعتمدة على السدود (1.96 طريقة في المتوسط)، مقارنة بنسبة 24% لدى الأسر التي ليس لديها سدود (1.63 طريقة في المتوسط)، وهو ما يعطي تأثيرًا إيجابيًّا على إنتاج المحاصيل الزراعية([7]).
جدول رقم (1) الإمكانيات الزراعية بالمناطق التي بها سدود مقارنةً بالمناطق المفتقرة للسدود
Source: S. Brouwer, MSc., An Assessment of the Social and Economic Effects of the Kitui Sand Dams, Institute for Environmental Studies (Nairobi: Institute for Environmental Studies, No.1, 2008), p,23.
ومن ثَمَّ ترتب على وجود العديد من السدود الرملية عدد من المزايا التي انعكست على المجال الزراعي بالإيجاب، تمثلت في الآتي([8]):
1- إمكانية الوصول إلى المياه وتوافرها، والحصول عليها من المصدر الثانوي المتمثل في السدود، والتي تحتفظ بالمياه بدرجة كبيرة في حالة الجفاف، إلا أنَّ البعض الآخر مازال يعاني من انهيار بعضها أو مواجهتها للمشكلات الفنية.
2- ازدياد استخدام المياه مع زيادة إمكانية الحصول عليها؛ حيث وُجِدَ أنَّ السكان الذين يعتمدون على السدود زاد فيها معدل استهلاك المياه من 70746 إلى 243739 لترًا، في حين أن الأُسَر التي توجد بمناطق ليس بها سدود يقل فيها استخدام المياه، وذلك مع تعدُّد استخدام المياه سواء في الاستخدام المنزلي، المحاصيل المروية والمطرية، أو الثروة الحيوانية والصناعة.
3- انعكست زيادة السدود في المناطق على زيادة مساحة الأراضي الزراعية؛ حيث بلغت الأراضي المروية بالسدود نسبة 7.5٪ من إجمالي الأراضي، مقارنة بالأراضي التي ليس بها سدود، والتي بلغت نسبة 1.3٪، ناهيك عن زيادة المحاصيل الزراعية، بما فيها مشاتل الأشجار، والتي تُستخدم كحطب الوقود، وحرق الفحم، والبناء، ومولدات الرياح، والنباتات، وإنتاج الفواكه والخضروات.
4- زيادة بناء السدود انعكس على زيادة مستوى دخل الفرد، وذلك في ظل تقسيم العمل واستخدام القروض الصغيرة للاستثمار وقيام المشروعات الصغيرة.
ويوضح الجدول التالي (2) التغيُّر في نسبة الدخل القومي وفقًا للزراعة في المناطق التي بها سدود، والتي تمثل نِسَبًا مرتفعة من الدخل، مقارنةً بالتي ليس بها سدود، وتمثل انخفاضًا كبيرًا في نِسَب الدخل؛ حيث مثّلت إجمالي الأُسَر 77.2٪ في الحالتين.
جدول رقم (2) التغيُّر في الدخل القومي وفقًا للمزارعين
Source: S. Brouwer, MSc., An Assessment of the Social and Economic Effects of the Kitui Sand Dams, Institute for Environmental Studies (Nairobi: Institute for Environmental Studies, No.1, 2008), p, 37.
ثانيًا: استراتيجية تنموية لمواجهة فترات الجفاف
في إطار مواجهة الجفاف سعت كينيا لبناء سد إتاريItare ، وهو أكبر مشروع لإمدادات المياه في الدولة، والذي يهدف إلى دعم وتوصيل المياه لمدينة ناكورو والقرى المجاورة؛ حيث يضرب الجفاف تلك المنطقة بشكلٍ كبيرٍ.
يبلغ مساحة السد والخزان الذي سيُبْنَى خلفه حوالي 700 فدان/280 هكتار، وبتكلفة 38 مليار شلن كيني (حوالي 370 مليون دولار)، ويُعْتَبَر أكبر خزّان للمياه في كينيا؛ حيث يُعدّ المشروع أحد أهمّ المشاريع الرئيسية لإمدادات المياه في إطار رؤية 2030م، وهي السياسة الإنمائية الوطنية طويلة الأجل للحكومة الكينية؛ والتي صرَّحت أنَّ السّدّ -المقرَّر أن يكتمل في عام 2020م- سيوفّر 100 مليون لتر من المياه يوميًّا لـ 800 ألف شخص في منطقة ناكورو والقرى المحيطة بها شرق مجمع ماو، عبر خط أنابيب طوله 114 كيلو مترًا (72 ميلاً)، كما أنه سيزيد من إمدادات المياه، وسيوفر فرص عمل، مع تحسين شبكة الطرق؛ ومن ثَمَّ اعتبر هذا المشروع أحد أهم الإصلاحات الرئيسية في إطار مواجهة الجفاف الذي تواجهه الدولة، وسبيلاً نحو تعزيز قطاع الزراعة في المنطقة من خلال بناء السدود([9]).
على صعيدٍ آخر، عزَّزت الحكومة جهودها للحدّ من فقدان المياه، لذلك شرعت الدولة في إعادة تأهيل سد ساسومو للاستفادة من 12 مليون متر مكعب من المياه، وذلك في ظل تطوير سدود التخزين في منطقة مجمعات أبيرداريس، كما بدأت العديد من برامج الحفاظ على المياه لا سيما في كيسومو، وإعادة تأهيل خطوط أنابيب باريتشو Baricho ومازيما Mzima ومارير Marere، مما سيضاعف المعروض من 90 ألف متر مكعب يوميًّا إلى 180 ألف متر مكعب، ومنع فقدان 40% من المياه، فضلاً عن تخصيص الحكومة أموالاً لتحسين مرافق المياه والصرف الصحي في ليزيولو وميرو ونييري ومورانغا وإيمبو([10]).
أيضًا اتجهت كينيا إلى مجال الزراعة المروية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة من أجل تحسين سُبُل المعيشة للمجتمعات المتضررة من الجفاف، وذلك بمساعدة المنظمات الإغاثية مثل منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، ما دفَع السكان إلى الإنتاج الزراعي الموجَّه تجاريًّا إلى بعض المناطق القريبة.
وذلك في ظل تعزيز اعتماد الابتكارات المناخية التكنولوجية الذكية؛ حيث تم إنشاء المشروع من خلال أنظمة ريّ تعمل بالطاقة الشمسية لتعزيز إنتاج الغذاء باستخدام كميات أقل من المياه والطاقة، وبالمقارنة مع المضخات البديلة التي تعمل بالديزل، توفّر التكنولوجيا التي تعمل بالطاقة الشمسية حلاً طويل الأمد وفعّالاً للري من حيث التكلفة مع الحد الأدنى للصيانة والإصلاح، إلى جانب أنه يوفر 80% من المياه المستخدمة في الري بالطرق التقليدية، وذلك من خلال بناء المزيد من السدود التي توفر كميات أكبر من المياه مع مراعاة الدقة الفنية لبنائها، وتركيب شبكات الري والخدمات([11]).
وتشير عددٌ من الدراسات إلى احتمالات تحقيق كينيا لمعدلات نموّ اقتصادية مرتفعة؛ ففي تقرير للبنك الدولي صدر في مارس 2015م، توقّع ارتفاع معدل نموّ اقتصاد كينيا في الفترة من 2015-2017م إلى 6-7%، الأمر الذي يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًّا في إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك نتيجة السياسات الاقتصادية التوسعية، والتي تمثلت في الاستثمار العام في البنية التحتية مثلما في مجال الطاقة ومجال السكك الحديدية، بناء السدود، تركيب شبكات الري والخدمات، فضلاً عن السياسة المالية التوسعية، التي ساهمت في تمويل مشروعات البنى التحتية الكبرى دون الضغط على التمويل المحلي([12]).
من ناحية أخرى؛ شرعت الحكومة بالتعاون مع الشركات في إنشاء قنوات وسدود في منتصف المجري لتحويل مياه الفيضانات لتجنُّب فقدان الحياة البشرية والممتلكات في المصبّ. لذلك قال رئيس المجلس الكيني للثروة الحيوانية في 2018م: “إن القنوات ستقوم بتحويل المياه الداخلية التي يمكن استخدامها خلال فترات الجفاف للري والمواشي والاستخدام المنزلي”([13]).
في المقابل فإن قلة هطول الأمطار دفعت كينيا للبحث عن المياه الجوفية لسدّ احتياجاتها من الماء لا سيما في عمليات الري؛ خاصةً وأن 70% من المياه تُخصَّص للزراعة، مع إدخال محاصيل مقاومة للجفاف لتوفير المياه، لذلك سعت الحكومة في موسم الجفاف لحفر الآبار، ونقل المياه بالشاحنات في أماكن استراتيجية للاستخدامات البشرية والحيوانية، وهو ما تطلب تشييد المزيد من البنية الأساسية، مثل حفر المزيد من الآبار، السدود، وخطوط الأنابيب، وشبكات الري لتقريب المياه للسكان([14]).
ثالثًا: تعزيز الطاقة الكهرومائية
تُعتبر الطاقة الكهرومائية أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في كينيا؛ حيث توفّر حوالي 677 ميغاوات من إجمالي سعة الشبكة المثبتة؛ ومنذ عام 2007م تم تطوير محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 60 ميغاوات في مقاطعة سندوميرو، حيث يعتمد 470 ميغاوات أو نحو 70 من الطاقة الكهرومائية من نهر تانا فقط. وتُقدّر إمكانات الطاقة الكهرومائية ذات الأهمية الاقتصادية المتاحة لتطوير الطاقة على نطاق واسع بـ1500 ميغاواط، منها 1،310 ميغاواط للمشروعات؛ حيث تم تحديد 434 ميغاواط في حوض بحيرة فيكتوريا، و264 ميغاواط في حوض وادي ريفت، و109 ميغاواط على حوض نهر أثي، و604 ميغاواط على حوض نهر تانا، و146 ميغاواط في حوض نهر إيواسو نغيرو الشمالي؛ كما تم تحديد 420 ميغاواط أخرى على أحواض نهر تانا وأواسو نيرو. ومع ذلك فإن تكاليف التوليد المتوقعة لهذه الإمكانيات تستبعدها حاليًا من خطة تطوير الطاقة الأقل تكلفة([15]).
بالرغم من تأثير كارثة انهيار السدود على توليد الطاقة الكهرومائية، إلا أن الحصة المتزايدة من الطاقة الكهرومائية في شبكة الطاقة الوطنية تحل محل مولدات الكهرباء الحرارية، التي تعتمد علي الديزل والمكلفة أيضًا، لذلك شرعت الدولة في الاعتماد على السدود، لا سيما التي تم بناؤها حديثًا لتوليد الطاقة الكهرومائية، والتي تُعتبر مصدرًا أساسيًّا لإنتاج الكهرباء؛ وذلك بالإضافة إلى شركة توليد الكهرباء الوطنية (KenGen)، والتي تولد حوالي 1630 ميغاواط من الكهرباء، وتعمد إلى زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 3330 ميغاواط، إلا أن 50% يأتي من الطاقة الكهرومائية المعتمدة على السدود، وذلك بالرغم من حالة الجفاف التي تُصيب الدولة في ظل وجود سدود غير قادرة على تشغيل توربيناتها بشكلٍ جيّد ما يؤثّر على إنتاج الكهرباء للدولة.
يمكن القول: إن هذه السدود تعتمد عليها العديد من محطات توليد الكهرباء في الدولة، فمثلاً يُعتبر سد ماسينغا من أهم السدود في توليد الطاقة الكهربائية؛ حيث تبلغ محطة كهرباء ماسينغا حوالي 40 ميغاواط، لذلك يتم نقل الطاقة المولدة منها إلى محطة طاقة كامبورو Kamburu ، لنقلها إلى نيروبي، ويبلغ سعة خزان السد نفسه 1.56 مليار متر مكعب من المياه، كما تبلغ سعة محطة طاقة كامبورو Kamburu حوالي 94.2 ميغاواط؛ وذلك بالإضافة إلي محطة كهرباء جيتارو، التي تبلغ سعتها 225 ميغاوات، ومحطة كنداروما Kindaruma ، والتي تبلغ سعتها 44 ميغاواط، كذلك محطة كهرباء كيامبيرى Kiambere، والتي تبلغ سعتها 144 ميغاواط([16]).
هذا بالإضافة إلى نظام بيكو هيدرو Pico hydro، وهو نظام توليد يعمل بالطاقة الكهرومائية، وينتج ما يصل إلى 5 كيلو واط من الطاقة الكهربائية، والتي تعتمد عليه 325 أسرة، وتموّله المفوضية الأوروبية، كما تعتمد عليه أيضًا 150 أسرة أخرى بتمويل محليّ، ويقتصر على المنازل التي تقع على بُعد كيلو متر واحد من التوربينات الخاصة بالسدود، خاصةً في المناطق المرتفعة في كينيا ذات الأمطار المعتدلة أو المرتفعة، مثل مقاطعتي أبيرداريس وكيرنيجا([17]).
وبالرغم من تلك القدرة التشغيلية ونِسَب الطاقة الكهرومائية التي تعتمد عليها الدولة في كثيرٍ من المقاطعات، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه تلك المشروعات، والتي تمثلت في عدم توفر الأدوات الرئيسية التي تدعم زيادة المرونة في نظام الطاقة، مثل توفر خرائط الفيضانات، ووجود وإنفاذ إرشادات بناء وتسخين محطات توليد الطاقة، وخطط الطوارئ للاستجابة لأحداث الطقس السيئة، لذلك سعت كينيا إلى الحدّ من الإجراءات السياسية والمؤسسية التي حالت دون تطوير واستخدام مصادر الطاقة المتجددة لتلبية احتياجات الطاقة للمجتمعات الفقيرة.
لذلك يتم دَعْم العديد من المشاريع مثل وكالات تمويل التنمية المستدامة كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لبناء سدود لتوليد الطاقة الكهرومائية؛ حيث تشرع كينيا لبناء 57 سدًّا لتوليد الطاقة الكهرومائية، كما تم إبرام عقود لبناء تلك السدود بتكلفة 7 مليارات دولار؛ وذلك من أجل توصيل الكهرباء إلى معظم المناطق الكينية لا سيما المناطق الريفية، وكذلك الحدائق الوطنية والمناطق البرية، كما تُبرم كينيا العديد من الاتفاقيات مع الدول المجاورة لإمداد الطاقة لا سيما إثيوبيا، وذلك بالرغم من الإشكاليات التي تدور حول مدى خطورة بناء السدود الإثيوبية على بحيرة توركانا، إلا أن كينيا (كما يرى بعض الخبراء) تتغاضى عن مدى خطورة بناء تلك السدود الإثيوبية على البنية التحتية وإمدادات المياه رغبةً في الحصول على الطاقة الكهربية[18].
ومن ثَمَّ اعتُبِرَتْ تلك الاستراتيجيات بمثابة خطة تنموية لتعزيز الطاقة الكهربية في العديد من المناطق الكينية، بالرغم من الصعوبات التي تُواجه الدولة، سواءً من ناحية التمويل الخارجي أو من ناحية تراجع بنية السدود التي تضمن في حالة جودتها الحصول على نِسَب كبيرة من إمدادات الطاقة الكهربية.
خاتمة:
تحاول كينيا اتباع سياسات تنموية تحول دون التعرُّض لخطر الفيضانات أو الجفاف، كما أنها تعتمد على استراتيجية تعزيز النشاط الاقتصادي لا سيما في المجال الزراعي، الذي يُعتبر عصب الاقتصاد الكيني، والذي يعتمد عليه80% من معيشة السكان، لذلك اعتبر التوجُّه نحو تعزيز بنية السدود ومراعاة الدقة الفنية لها أحد أهم السياسات التي تحاول كينيا اتباعها للحيلولة دون التعرض لخطر انهيارها؛ إلا أن التحديات التي تواجهها، التي تتمثل في ضعف بنيتها، مع الفساد السياسي والفقر الاقتصادي، وعدم وجود استراتيجية فعَّالة لاستغلال تدفقات الأنهار عبر تلك السدود الحديثة، مع وجود سلبيات فنية أخرى؛ كُلّ هذا حَالَ دون الوصول لمستوى متوازن من استغلال المياه المهدرة، والاستفادة من وجود العديد من السدود التي من المفترض أن تكون أحد أهم الوسائل في تعزيز الموارد المائية والتنمية الاقتصادية، وهو ما يفرض تحديًا جمًّا أمام كينيا في تفعيل سياسات اقتصادية على رأسها تعظيم البنية التحتية لتلك السدود للاستفادة من إمكانيتها، بالإضافة لتعظيم سياستها التنموية للوصول لأهداف التنمية المستدامة لخطة 2030م.
[1] – فاو، كينيا، الفصل الثامن، منظمة الأغذية والزراعة (فاو): http://www.fao.org/docrep/008/x8731a/x8731a10.htm
[2]–Ndung’u gachane, govt to spend sh18.7bn on road repairs, Daily Nation, transport cs macharia says, may 13 2018.
تم من خلال التعاون مع المزارعين في كينيا وتنزانيا في المدارس الحقلية تحديد وتطوير نُظُم زراعية مرنة ذكية مناخيًّا تتكيف مع الظروف المحلية؛ حيث تم تدريب نحو 2500 مزارع في كينيا وتنزانيا، (46% منهم من النساء)، على الزراعة الذكية مناخيًّا، وإنتاج 33500 شتلة مزروعة، و44 مشتلاً، و235 منحدرًا للحفاظ على التربة والمياه، هذا بالإضافة إلى مصنعين لمعاملة الغاز الحيوي لإنتاج الطاقة المتجددة من روث الحيوانات، و300 مصنع يعمل بكفاءة استهلاك الطاقة للحدّ من إزالة الغابات، انظر: مكتب منظمة الأغذية والزراعة للاتصالات المؤسسية (فاو)، ترجمة، حمزة بحري، 70 عامًا على إنشاء منظمة الأغذية والزراعة (1945-2015م) (واشنطن: منظمة الأغذية والزراعة فاو، 2015م)، ص 106.
[3]– john rao nyaoro, the workshop on climate change and trans boundary water conflict in Africa, institute for security studies (Iss), (Mombasa: institute for security studies, 29-30 September, 2009), p.1-4.
https://issafrica.s3.amazonaws.com/site/uploads/29SEP09KEYNOTE.PDF
[4] – فريدريك نزويلي، السدود الرملية لإحياء الأرض الميتة، صحيفة الاتحاد، 25 سبتمبر 2013م:
[5] -S. Brouwer, MSc., An Assessment of the Social and Economic Effects of the Kitui Sand Dams, Institute for Environmental Studies (Nairobi: Institute for Environmental Studies, No.1, 2008), p. 1-5.
[6]– Ibid: 5-10.
[7] –Ibid: 23-25.
[8]– Ibid: 24-42.
[9] –Wesley Langat, feature-Huge dam to shore up Kenya’s urban water – but may threaten Maasai Mara, Reuters, APRIL 26, 2017.
بالرغم من الانتقادات التي وُجِّهَتْ لبناء السدّ ومدى خطورته على النظام الإيكولوجي من قبل الخبراء، إلا أن رئيس مشروع مياه سد إتاري، مايكل كيبروتو سانغ، قد صرح “أن أيّ أخطار أو أخطاء قد تظهر سيتم معالجتها”، حيث قال كارلوس تشيلوغيت، مسؤول الاتصالات في مجلس خدمة المياه في ريفت فالي: إنَّ المجلس اتخذ جميع الخطوات اللازمة، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية الهيدرولوجية، وتقييمات الأثر البيئي، وإنشاء هياكل الاشتباك لإشراك المجتمعات المحلية في القرارات المتعلقة بالسد.
[10]– john pinecrest , Dams in Kenya – Water Dams in Kenya, information cradle, 15 October, 2019.
[11] – موقع الإغاثة الإسلامية عبر العالم، تطوير حياة المزارعين في كينيا من خلال تكنولوجيا الري بالطاقة الشمسية، موقع الإغاثة الإسلامية عبر العالم، 22 أبريل, 2018م: hettps://islamic-relief.me/news/15/
[12] – المركز المصري للبحوث والدراسات الأمنية، طامحة في الريادة على مستوى القارة السمراء.. كينيا.. الواقع السياسي وآفاق المستقبل، المركز المصري للبحوث والدراسات الأمنية، 4 يوليو 2017م: https://cutt.us/3mkKy
هناك مجموعة من الإصلاحات الأخرى التي جعلت الاقتصاد الكيني من أوائل اقتصاديات القارة، وذلك من خلال تخفيف الضوابط القانونية، وسنّ قوانين لمكافحة الفساد، وإجراء إصلاحات شاملة للقطاع المصرفي. ما أدَّى إلى ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 21 مليون دولار أمريكي في عام 2005م إلى 514 مليون دولار في عام 2013م، والتي تمثلت في إنتاج البذور، الخدمات البيطرية، بناء السدود، تركيب شبكات الري والخدمات، إنتاج الزيوت الصالحة للأكل مثل عباد الشمس وبذور اللفت، والسمسم، وجوز الهند وزيوت الذرة، الثروة الحيوانية والمواد البترولية؛ حيث ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.1% في الفترة ما بين 2004 و 2014م.
[13] –charles wanyoro, abdimalik hajir, masinga dam spillage sets stage for cheaper power, Daily Nation , may 17 2018.
https://www.nation.co.ke/news/1056-4566510-c02r3n/index.html
[14] – البنك الدولي، تحسين إمدادات المياه يعني تمكين المرأة في كينيا، أبريل ، 2010م:
http://web.worldbank.org/archive/website01259/WEB/0__C-291.HTM
[15] –ENERGY PEDIA, Hydropower Potential in Kenya, ENERGY PEDIA, 11 June 2015.
https://energypedia.info/wiki/Hydropower_Potential_in_Kenya
See: Kenya Energy Situation, Energypedia , February 2019.
[16]– Hydropower Stations in Kenya, ENERGY PEDIA, April 2015
https://energypedia.info/wiki/Hydropower_Stations_in_Kenya#Overview
[17] -Energypedia , Hydropower Potential in Kenya, Loc.cit
[18] -Adam welz, how kenya’s push for development is threatening its famed wild lands, . The Yale School of Forestry & Environmental Studies, April 24, 2019.
https://e360.yale.edu/features/how-kenyas-push-for-development-is-threatening-its-prized-wild-lands