روضة علي عبد الغفار
صحفية متخصصة بالشأن الإفريقي
رغم أن العام الماضي 2024 كان حافلًا بأحداث الشرق الأوسط وقضايا العالم العربي، إلا أن إفريقيا لم تهدأ ساحتها سواء من قضاياها المشتعلة أو من الاشتباك مع القضايا العربية والإسلامية، تحاول إفريقيا تمثيل نفسها بالصورة التي تريدها ولازالت تُثبت أنها ساحة زاخرة على كافة المستويات، وأنها حاضرة بثقلها الاستراتيجي وورقة رابحة للشريك الأقوى..
بانتهاء عام 2024م نسلط الضوء على أهم قضايا والأحداث الفارقة في العام المنقضي، ونلقي نظرة على موازين القوى داخل القارة السمراء في الفترة الماضية، وكيف لأحداث الشرق الأوسط أن تؤثر على إفريقيا؟ وما هي أهم التحديات والفرص في العام الجديد 2025م وأهم القضايا التي يجب على القادة الأفارقة العمل عليها؟ هذا وأكثر تتناوله “قراءات إفريقية” في هذا التحقيق..
2024م في ميزان الديمقراطية..
سطرت إفريقيا في العام الماضي إنجازات على المستوى السياسي والديمقراطي، حيث كان عامًا مزدحمًا بالانتخابات، وقد سجلت عدة دول بالقارة تجارب ديمقراطية جيدة؛ منها الانتخابات الرئاسية في جزر القمر والسنغال وغانا، والانتخابات العامة في زيمبابوي وجنوب إفريقيا وبوتسوانا والكونغو الديمقراطية وموزمبيق.
وتختلف الدول الإفريقية في مدى التزامها بمبادئ الديمقراطية، فهناك دولة بوتسوانا التي أسفرت نتائج الانتخابات بها في أكتوبر الماضي عن هزيمة تاريخية للحزب الحاكم منذ الاستقلال وفوز الحزب المعارض، إلا أنه تم الالتزام بالممارسة الديمقراطية والانتقال السلس للسلطة، وأيضًا انتخابات دولة غانا في ديسمبر الماضي؛ التي فاز بها الرئيس السابق جون ماهاما على نائب الرئيس الحالي وعاد إلى السلطة بعد منافسة شديدة.
وتأتي دولة السنغال كأحد أهم التجارب الديمقراطية في العام الماضي، حيث يقول خبير الشؤون الإفريقية د. بدر شافعي، لـ “قراءات إفريقية” أن التجربة السنغالية كانت تجربة إفريقية فريدة حيث أصر المجتمع المدني على إجراء الانتخابات في موعدها رغم رغبة الرئيس السنغالي في تأجيل الانتخابات، لكن كان هناك حالة من الوعي لدى السنغاليين وأصبحت السنغال نموذجًا للتداول السلمي للسلطة.
وأردف “شافعي” أنه رغم وجود بعض النماذج الديمقراطية الناجحة إلا أن الانتخابات الإفريقية بصفة عامة أصبحت انتخابات شكلية وامتدادًا للأحزاب الحاكمة، والكثير من الرؤساء يلجأ إلى التمديد لولاية ثالثة رغم أن معظم الدساتير الإفريقية تنص على ولايتين فقط، فيحدث نوع من الانقلاب الديمقراطي على الحكم، وأضاف أنه رغم وجود مقترح في منظمة إيكواس بعدم التمديد لولاية ثالثة للرؤساء، لكن لم يؤخذ به لعدم موافقة معظم الأعضاء.
وقد كان انشقاق دول الساحل عن المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا من أهم أحداث العام الماضي، والتي لم تُعرض إيكواس لخطر التفكك فقط ولكن هددت جميع المجموعات الإقليمية في القارة أن تسلك دولٌ منها ذات الطريق.
في هذا الصدد يقول د. بدر شافعي أن الإيكواس حققت نجاحات فيما يتعلق بالتكامل الاقتصادي وحريه التنقل بين الدول الأعضاء الـ15، وكانت من المنظمات السبّاقة فيما يتعلق بتحقيق الأمن اللازم لعملية الاستقرار الاقتصادي، لكن محاولات الانشقاق التي دعت لها النيجر ومالي وبوركينا فاسو أدى إلى خلخلة وضعف هذه المنظمة غير القادرة على اتخاذ قرارات قوية فيما يتعلق بمواجهة الانشقاقات.
ويرى “شافعي” أن هذه الدول الثلاث ضربت مواثيق الايكواس بعرض الحائط وفرضت انشقاقها كأمر واقع، وقد فشلت محاولات اعادتها لأن مثل هذه القرارات تحتاج لإرادة سياسية شبه موحدة من الدول الأعضاء ليس فقط على المستوى الاقتصادي ولكن ربما أيضًا التدخل العسكري.
ويعتقد “شافعي” أن نيجيريا؛ التي كانت تقود المجموعة وتتدخل بالنسبة الأكبر من القرارات، أصبحت منشغلة بالأوضاع الاقتصادية الداخلية والمشكلات الأمنية الخاصة بجماعة بوكو حرام، مما أدى إلى حدوث اشكالية في الدولة الرائدة داخل المنظمة.
إفريقيا بين الشرق والغرب..
مع تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط والتحولات الإقليمية يؤثر ذلك بدوره على أولويات الدول الكبرى، كما تؤثر نتائج هذه الصراعات على موازين القوى من جهة أخرى، وتقف إفريقيا كساحة استراتيجية يحاول جميع الأطراف بسط نفوذهم بها.
وعن أولويات الدول الكبرى وسط الأحداث المتصاعدة، يوضح الباحث في الدراسات الأمنية، أحمد مولانا، في حديثه لـ “قراءات إفريقية” أن القارة الإفريقية ليست ضمن الأولويات الأمريكية؛ التي تركز بشكل أساسي على منطقه المحيط الهندي والهادئ ومواجهة الصعود الصيني، يلي ذلك الاهتمام بأوروبا والشرق الأوسط، وقد ظهر ذلك في فترة ترامب الأولى التي لم يزر خلالها القارة الإفريقية، وأيضًا في عهد بايدن كان الحضور الأمريكي ضعيفًا في إفريقيا مقارنة بأماكن أخرى.
أما فرنسا وحضورها في منطقة الساحل والصحراء أشار “مولانا” أنه في ظل خلافات بينها وبين الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كانت هذه فرصة جيدة لتركيا لتشغل هذه المساحة الفارغة، خاصة مع النيجر بعد زيارة رئيس وزراء النيجر لتركيا في بداية العام الماضي، واستقبال وزير الدفاع التركي نظيره من النيجر في ديسمبر الماضي.
ويرى “مولانا” أن تركيا تمثل بديل جيد لفرنسا بالنسبة لدول منطقه الساحل والصحراء، فهي تستطيع أن توفر طائرات مسيرة وأسلحه متطورة دون اشتراطات سياسية مقارنه بالقيود الغربية على صفقات السلاح.
وقال إن الحضور التركي يُشكل شبه مثلث في القارة الإفريقية؛ في شمال القارة في ليبيا، وفي القرن الإفريقي في الصومال، ثم الجهة الأخرى غربًا في النيجر، وأن تركيا تستند على رصيد سابق من علاقتها مع إفريقيا من وقت الحضور العثماني في القارة، لوجود موروث تاريخي وحضاري مشترك باعتبار أن هذه الدول ذات أغلبية مسلمة، وبالتالي يتنامى الدور التركي في مقابل تقلص الدور الفرنسي.
وبالحديث عن الدور الروسي يعتقد “مولانا” أن روسيا رغم حرصها على التواجد في إفريقيا إلا إن انشغالها بملف أوكرانيا ثم التطورات الأخيرة في سوريا، والتهديدات التي تواجهها القواعد العسكرية الروسية في سوريا بالأخص قاعدة حميميم الجوية، ستؤثر بشكل كبير على تواجدها في إفريقيا لأنها كانت تعتمد على هذ القواعد لتوفير اللوجستيات.
وعليه فإن تركيا هي التي لديها مساحة للتمدد في إفريقيا، في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي وانحسار النفوذ الفرنسي والتحديات التي تعيق التواجد الروسي، بحسب “مولانا”.
وتلقي أحداث الشرق الأوسط بظلالها وآخرها انتهاء حكم بشار الأسد في سوريا، يؤكد الباحث في الدراسات الأمنية أن انتصار الثورة السورية هي إضافة كذلك لرصيد تركيا ولحضورها، وبالتالي سيعزز من الأدوار التي تقوم بها في القارة الأفريقية، وستمثل نموذج مغري للعديد من الدول الإفريقية؛ لأن الدول تراهن عادة على الأطراف الناجحة وليس المتراجعة.
وعليه يتوقع “مولانا” أن يكون لدول إقليمية مثل تركيا والإمارات والسعودية ومن بعدهم قطر دور أكبر في القارة الإفريقية، بالتوازي مع الحضور الصيني العملاق في الجانب الاقتصادي.
القارة السمراء على أبواب 2025م..
الكثير من الفرص تنتظر إفريقيا في العام الجديد، وأيضا العديد من التحديات والمخاطر التي تتطلب رؤية واضحة لدى الأفارقة، كما يحمل العام الجديد جملة من التغييرات أبرزها تغير الإدارة الأمريكية وعودة ترامب.
يوضح أستاذ العلوم السياسية، د. حمدي عبد الرحمن، أن أهم الفرص أمام إفريقيا في عام 2025 هو زيادة مكانة إفريقيا وظهورها في النظام الدولي نتيجة التغيرات الجيوستراتيجية التي يشهدها العالم، فالاتحاد الإفريقي أصبح العضو 21 في مجموعة العشرين، كما تتولى جنوب إفريقيا حاليًا رئاسة المجموعة وبالتالي يمكن الاستفادة من وضعها في موقع الرئاسة لدعم القضايا الإفريقية والجنوب العالمي وقضايا المناخ وتخفيف عبء الديون، وهذا يجعل إفريقيا في قلب الخطاب العالمي المرتبط بهذه القضايا.
وأضاف أن بروز مجموعة البريكس ولاسيما بعد توسعها وانضمام مصر وإثيوبيا، يُمَكنها من البحث عن حلول مبتكرة لقضايا مثل “الدولرة” والمبادلات التجارية دون استخدام الدولار.
وأشار “عبد الرحمن” في حديثه لـ “قراءات إفريقية” أن وجود العديد من الشركاء الدوليين يمثل فرصة لمكانة إفريقيا في النظام الدولي بسبب تنوع شراكاتها الدولية، فالصين كشريك مهم، وعودة روسيا إلى دول الساحل، بالإضافة إلى دول أخرى شرق أوسطية مثل دول الخليج واستثماراتها في إفريقيا.
وبالحديث عن الفرص الاقتصادية في العام الجديد، والتوقعات بنمو الاقتصاد الإفريقي بأكثر من 4% في 2025م وفقا لتقديرات البنك الدولي، يعتقد “عبد الرحمن” أن هناك تفاوتات بين الأقاليم الإفريقية وأن الإقليم الأفضل أداءً سيكون إقليم شرق إفريقيا، حيث يمكن أن يصل حجم النمو الاقتصادي في دول مثل روندا وأوغندا وتنزانيا وجيبوتي إلى نحو 6%، ويتوقع أن يحدث استقرار في التضخم وتقلبات العملة في الاقتصادات الكبيرة مثل نيجيريا وأنغولا ومصر.
وعن التحديات أمام القارة السمراء يرى “عبد الرحمن” أن أهمها قضايا الأمن والحوكمة، واستمرار حالة عدم اليقين في دول الساحل التي أعلنت خروجها من مجموعة الإيكواس، ويكمن التحدي في انسحاب القوات الغربية والولايات المتحدة من الدول الثلاث واستمرار التوتر بين هذه الدول ومجموعة الايكواس، وأيضًا عدم وضوح برنامج الانتقال للحكم المدني في هذه الدول وتكريس الحكم العسكري.
وأردف أن المشهد الأمني في 2025م قد تسيطر عليه قضايا الدول الفاشلة أو الهشة، والصراعات الأهلية وظهور الجماعات المسلحة وتناميها، وتمدد النظم العسكرية التي تحظى بخطاب شعبوي مناهض للغرب.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن عودة ترامب تمثل تحدي وفرصة بالنسبة لإفريقيا، حيث أن ترامب له سياسيات انعزالية ويقوم منطقُه على مفهوم الصفقات، وبالتالي يتجنب التفاعلات متعددة الأطراف. وأوضح أن هناك مخاوف من عدم تجديد قانون النمو والفرص المتوقع تجديده في 2025، أو أن يتم تجديده بشروط ليست في صالح الدول الإفريقية، وأن قضايا المناخ قد تتأثر بسبب نظرة ترامب السلبية لهذه القضايا.
وبحسب “عبد الرحمن” تكمن الفرصة في عودة ترامب؛ أن تحاول الدول الإفريقية تعزيز التكامل الإقليمي والقاري وبالتالي عدم الاعتماد على الصين أو الولايات المتحدة؛ وأن تخرج من حِدة هذه الثنائية، وهذا يقودنا إلى رابطة “عدم الانحياز” لتعظيم مكانة وقوة إفريقيا في النظام الدولي.
وختامًا..
تبقى إفريقيا قارة غنية على كافة المستويات ويجلو ذلك في التكالب الدولي عليها، وفي بداية عام 2025م هل تقترب إفريقيا خطوة من امتلاك مواردها وخيراتها لتكون في يد أبناءها؟