لقد مرت ليبيريا بفترات عصيبة في السنوات الأخيرة: من حروب أهلية متداخلة إلى تفشي مرض إيبولا. كما أنها مرّت أيضا بفترات السلام والبناء والإصلاح, لتكون الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر هذا العام (الأسبوع الماضي) وتعد الثالثة منذ انتهاء الحرب الأهلية فى عام 2003, اختبارا هاما لهذه الدولة الأفريقية في عدة نواحي أهمّها: إدارة أمنها للمرة الأولى منذ انسحاب بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (1).
ففي يوم الثلاثاء الماضي توجّه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب من يخلف الرئيسة الين جونسون سيرليف التي تتخلى عن منصبها بعد 12 عاما. حيث مكثت الزعيمة البالغة 78 عاما مدة ست سنوات مرتين (ولايتين) في السلطة – وهي الحد الذي ينص عليه الدستور. لتصبح أول زعيم ليبيري منتخب ديموقراطيا يسلّم السلطة لزعيم آخر منتخب منذ 73 عاما.
وعلى الرغم من أن المتوقع قبل الانتخابات, أنه سيتم الإعلان عن نتائج مؤقتة في غضون يومين بعد إجرائها, إلا أن اللجنة الانتخابية لم تعلن عن أي شيئ منذ الثلاثاء وما زال أمام الهيئة حتى 25 أكتوبر للتأكيد النهائي للنتائج والإعلان عن جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية – إذا لزم الأمر ذلك. أما النتائج الجزئية, فما زالت تشير إلى أن نجم كرة القدم السابق جورج ويا يحقق تقدما مبكرا (2).
إرث سيرليف بين الثناء والانتقاد
تعدّ إلين جونسون سيرليف, الخبيرة الاقتصادية المدربة في جامعة هافارد أول امرأة منتخبة في المنصب الرئاسي بأفريقيا عندما فازت في انتخابات عام 2005، وثاني امرأة إفريقية تفوز بجائزة نوبل للسلام (مع ليما غبوي).
وورثت سيرليف في عام 2005 عندما أدت اليمين الدستورية لولايتها الأولى، بلدا دمرته الحرب الأهلية التي دامت 14 عاما وأسفرت عن مقتل أكثر من 250,000 شخص، والفساد المستشري، والاقتصاد المضطرب، وديونا بحوالي 4.5 مليار دولار استغرق خمس سنوات لمحوها.
وفي عام 2011، كانت واحدة من ثلاث نساء حصلن على جائزة نوبل للسلام(3) ؛ وبعد أربعة أيام من الجائزة أعيد انتخابها رئيسة للبلاد لمأمورية ثانية. غير أنها واجهت تحديات تشمل اندلاع وباء الإيبولا وانهيار أسعار السلع الأساسية في عام 2014. والذي أدى إلى انخفاض الإيرادات الحكومية بنسبة 12 في المائة في العام التالي، وقد أصيب أكثر من 10 آلاف شخص بالفيروس بين عامي 2014 و 2015، وتوفي ما يقرب من 5000 شخص (4). وخفضت بعض الشركات نشاطاتها. كما أن عددا من الشركات المحلية أغلقت أبوابها لأنها لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين الدوليين. وانكمش الاقتصاد بنسبة 0,5٪ في عام 2016 (5).
كانت الزعيمة الليبيرية رئيسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (ايكواس) عندما توسطت فى قضية تسليم السلطة سلميا من الرئيس الغامبي السابق يحيى جامع الذي كان يحكم منذ انقلاب عام 1994, وخسر انتخابات عام 2016 لصالح آداما بارو ولكنه رفض التنحي بدعوى خروقات وتلاعب في العملية الانتخابية. فقوبل اعتراض جامع للنتائج بإدانات المؤسسات والهيئات داخل أفريقيا وخارجها.
ووافقت الولايات المتحدة في عام 2015 على “منحة” قيمتها 257 مليون دولار لليبيريا بموجب برنامجها الخاص بتحدي الألفية، الذي قالت سيرليف إنها تعتزم تكريسه لتوسيع قدرة البلاد على الطاقة التي لا يحصل عليها إلا حةالي 2% من عدد سكان ليبريا البالغ عددهم 4.3 مليون نسمة.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2017 عن تمويل يصل إلى 27 مليون دولار في ليبيريا من أجل برنامج السماح لتعلم الفتيات, وهي مبادرة أطلقتها ميشيل و باراك أوباما لتعزيز تعليم الفتيات.
وفي ردة فعلها للرئيس (المنتخب) دونالد ترامب تجاه إفريقيا, قالت سيرليف فى نوفمبر الماضى إنها قلقة إزاء سياساته, مشيرة إلى أن ليبيريا، الدولة التي أسسها “العبيد الأمريكيون” المحررون فى القرن التاسع عشر (6)، كانت لها علاقة طويلة وتاريخية مع الولايات المتحدة وهي تتوقع أن تستمر هذه العلاقة. لكنها كانت قلقة من الاستثمارات واحتمال تخفيض البرامج الخاصة التي وضعها الرئيس أوباما والرئيس جورج بوش قبله (7).
من جانب آخر, تعرضت إلين جونسون سيرليف لضربة صادمة من المقربين لحكومتها. حيث قررت صديقتها ليما غبوي الحائزة على جائزة نوبل للسلام (مع سيرليف)، ترك منصبها كرئيسة للجنة السلام والمصالحة الحكومية(8) في أواخر عام 2012- بعد عدم قدرتها لتملّك صمتها. فشنت هجوما لاذعا على سجلّ رئيسة ليبيريا.
وكان انتقاد ليما غبوي حينها تركز على محاباة حكومة سيرليف، التي تظهر جليا في تعيين ثلاثة من أبنائها وأحد أخواتها لمناصب حكومية رئيسية. وكان أهم هذه الوظائف في شركة النفط الوطنية الليبيرية التي كان يرأسها ابنها، روبرت سيرليف حتى عام 2013. وترأس عمليات الاستكشاف القياسية مع شركتي شيفرون و إكسون موبيل الكبيرتين اللتين أكسبتا الحكومة أكثر من 120 مليون دولار، غير أن شركة النفط الوطنية الليبيرية انهارت في عام 2015، بعد عامين من مغادرة روبرت سيرليف, مما يجعل الكثير من الليبريين يزعمون أن الانهيار كان بسبب ذهاب مال الشركة إلى جيبه.
كما أن غبوي ترى أن سيرليف لم تفعل ما يكفي لمعالجة الفقر في ليبيريا. فـ”في فترة ولايتها الأولى، قامت بتطوير البنية التحتية، ولكن, ما هي البنية التحتية الجيدة إذا لم يكن لدى الناس ما يكفي من الطعام، والفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في النمو، فأنت فقير جدا أو غني، وليس هناك طبقة وسطى (في البلاد)” (9).
ولم تكن الانتقادات مقتصرة على صديقة سيرليق فقط, لأن تلك القضايا – يقول مسؤول في منظمة غير حكومية دولية تعمل في ليبيريا في مقابلة مع صحيفة ديلي مافريك – “يتم مناقشتها في كل قطاعات المجتمع الليبيري”, مضيفا: “لقد كان هناك صيحات عامة .. على أن (مدراء) جميع المناصب العليا في الحكومة هم أصدقاء وأقرباء. وقد طغى الفساد على البلاد، والفجوة بين الأغنياء والفقراء ضخمة، ويخصص وزراء الحكومة بدلات شهرية قدرها 30,000 دولار شهريا، بينما يبلغ متوسط موظف الخدمة المدنية 100 دولار.”
لقد دافعت الرئيسة الليبيرية سيرليف عن قرارها بتعيين ابنها روبرت قائلة: “أنا أقف إلى جانبه. أنا أقبل الانتقادات لذلك. وأعتقد أنه أمر غير عادل، ولكن نعم، هناك شيء عن المحسوبية ونحن جميعا نحاول احترامها. كنت في حاجة إلى شخص أثق به في ذلك الفضاء، وعندما تكون جميع عمليات التحقيق (في قضية شركة النفط) متاحة فسيدركون أنه تم الحكم عليه خطأ”.
كما أنها انتقدت النفاق الأميركي في عدم تساؤل أي مسؤول أمريكي عن المحاباة في عهد الرئيس دونالد ترامب عندما أعطى زوج ابنته جاريد كوشنر وابنته ايفانكا ترامب أدوار كبار المستشارين في البيت الأبيض. “أنا لا أسمع انتقاد الولايات المتحدة. كان هناك شخص (هنا في ليبيريا) جاء للعمل ليجعل بلدا فقيرا أفضل في حين لديك هناك…” وأضافت وهي تخرج “سنترك الأمر.( 10)”.
من هم مرشحو الانتخابات الرئاسية في ليبيريا؟
لقد خاض عشرون مرشحا( 11) سباق أعلى منصب في ليبيريا. كما سيختار الليبيريون 73 نائبا لمجلس النواب لمدة ست سنوات. ولن يتم إجراء أى انتخابات لمجلس الشيوخ هذا العام.
إن القائمة الطويلة للمرشحين الذين يتنافسون على أعلى وظيفة في البلاد تضم شخصيات – أهم ما يقال عنهم أن مستواهم السياسي شبه المتوسط. وكان من بينهم قائد حرب سابق سيئ السمعة لاتهامه بالتعذيب وقتل رئيس حاكم؛ نجم كرة قدم عالمي؛ عارضة أزياء سابقة, فضلا عن مجموعة من الأشحاص ورجال الأعمال.
وعلى الرغم من أن إلين جونسون سيرليف قد تكون محترمة في عالم التنمية والاقتصاد وخصوصا خارج أفريقيا, إلا أنها لا تحظى بشعبية كبيرة في ديارها. الأمر الذي أدى بنائبها جوزيف بواكاى – الذى يتنافس مع 19 مرشحا آخر – أن ينأى بنفسه عنها فى حملته عشية الانتخابات التى جرت فى 10 أكتوبر. لأنه “إذا قمت بإيقاف سيارة سباق في المرآب لمدة 12 عاما، فإنها ستصدأ,” قال بواكاى فى نقاش رئاسى عقد قبل الانتخابات. وكأنه يشبه نفسه بالسيارة التي تم إيقافها بجانب الرئيسة لمدة 12 سنوات دون جدوى.
كان عدم مشاركة الرئيسة سيرليف في مسيرة حملة نائبه الانتخابية أدى إلى ظهور الخلافات الداخلية بينهما للملإ. لكن سيرليف تقول إنها لم تحضر الحدث بسبب التحضيرات لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أواخر سبتمبر.
وقد عمل السياسي المخضرم بواكاي كوزير للزراعة تحت قيادة قائد الحرب تشارلز تايلور قبل أن يصبح نائب مرشحة حزب الوحدة سيرليف عندما فازت بالرئاسة في انتخابات 2005 على نجم كرة القدم جورج أوبونغ ويا في جولة الإعادة. غير أن العديد من الليبيريين الشباب الذين يأملون التغيير السياسى ادّعوا أن تلك الانتخابات سرقت من نجم كرة القدم والسياسي المبتدئ ويا الذى فاز فى الجولة الأولى ولكنه فشل فى الحصول على 50 فى المائة من الأصوات التي تنص عليها الدستور كحد أدنى للفوز بالرئاسة.
صحيح أن جورج ويا معروف في عالم كرة القدم لقدراته الرياضية، لإعلانه أول لاعب في العالم عام 1995 من قبل فيفا. ولكنه في الانتخابات الماضية لم يكن قادرا على استغلال الثغرات في حكومة سيرليف وتوظيف شهرته الكروية في الساحة السياسية.
إن أرقاما صدرت من اللجنة الوطنية للانتخابات خلال يومين ماضيين من الانتخابات, تشير إلى تقدم جورج ويا في 11 مقاطعة من أصل 15 مقاطعة، أما منافسه الرئيسى، نائب الرئيسة الحالى جوزيف بواكاي فهو يتقدم فى مقاطعة واحدة فقط, وهو في المركز الثاني (بعد ويا) فى معظم المقاطعات الأخرى, على الرغم من أن معظم الأصوات لم تحسب بعد (12).
واتهم أعضاء الحزب الحاكم سيرليف بدعم مرشح حزب الحرية المحامي تشارلز برومسكين, وبضخ مبالغ كبيرة من الأموال فى حملاته السياسية. وقد دعمت هذه الادعاءات عمليات إعادة التنظيم السياسي لبعض كبار السياسيين في حزب الوحدة الحاكم الذين لهم علاقات وثيقة مع سيرليف.
ويعدّ برومسكين زعيم حزب الحرية الذى يبلغ من العمر 66 عاما، من أكثر السياسيين المعارضين شعبية فى البلاد. وقد تحدى سيرليف في مسيرتها الثانية في عام 2011 لكنه فشل في الوصول إلى المراكز الثلاثة الأولى. “أعتقد أن فرصنا أفضل,” قال كلا-ادوارد تومى المتحدث باسم حزب الحرية, مضيفا أن “هذه الانتخابات مقسمة بين أيديولوجيين أساسين: هما التغيير مقابل الاستمرار، وبحسب كل الدلائل فإن النسبة الكبرى من السكان يتّوقون إلى التغيير ويتطلعون إلى المعارضة (للحصول عليه)”.
ومن بين المرشحين أيضا, قائد الحرب السابق برنس جونسون (الذي اختطف وعذب الرئيس الليبيري الأسبق سامويل كانيون دو حتى الوفاة، وسجل كل العملية على الكاميرا (13), وهو من احتل المركز الثالث (بعد الدبلوماسي السابق ونستون توبمان الذي احتل المركز الثاني) في انتخابات عام 2011 التي فازت فيها سيرليف رغم مزاعم الفساد والمحسوبية.
وفى الوقت نفسه، قررت عارضة الأزياء السابقة والسياسية الجديدة البالغة من العمر 40 عاما, ماكديلا كوبر, انتهاز الفرصة لتشكيل رسالة حملتها الخاصة والانضمام إلى المرشحين, وذلك بعد تصريح الرئيسة سيرليف أن ليبيريا تحتاج إلى شخص أصغر سنا كرئيسها القادم.
يضاف إلى قائمة المرشحين السابقين, ألكسندر كومينغز, التنفيذى السابق في شركة كوكا كولا، ومؤسس وحامل لواء حزب المؤتمر الوطنى البديل, الذي لم يكن لديه أي انتماء حزبي أو سياسي معروف قبل إعلان ترشحه. وكانت النتائج الجزئية تظهر أنه يبلى بلاء حسنا وأن حملته الانتخابية تجاوزت التوقعات.
كما يتنافس بينوني أوري – رجل الأعمال الذي يقدر أن يكون أغنى رجل في ليبيريا، بالإضافة إلى 13 مرشحا آخر للحصول على أعلى منصب في البلاد، وبذلك تصل قائمة المرشحين للرئاسة إلى عشرين عضوا.
وفي الحقيقة, فإنه من غير المرجح أن أي مرشح سيصل إلى عتبة 50% المطلوبة لتحقيق انتصار صريح، ولذلك يتوقع أن تجرى جولة ثانية بين جورج ويا – الذي خسر الانتخابات السابقة – وبين جوزيف بواكاي أو ألكسندر كومينغز. وليس من المستبعد أيضا أن يصعد تشارلز برومسكين – حليف آخر لكل من الرئيس السابق تشارلز تايلور والرئيسة منتهية الولاية إلين جونسون – إلى الدور الثاني. مما قد يعني أن ليبيريا عائدة إلى أيامها القديمة – رغم أن شعار جميع المتسابقين هو التغيير!.
الإحالات والهوامش:
(1) – ROBTEL NEAJAI PAILEY & THOMAS JAYEJULY (published on: JULY 13, 2016), The UN had to go, but is Liberia ready to keep its own peace? , African Arguments. Retrieved from: https://goo.gl/9PHNbo
(2) – BBC: Liberia election: Ex-football star George Weah takes early lead, published on: 13 October 2017. Retrieved from URL: http://www.bbc.com/news/world-africa-41604740
(3) – Nobel Media AB 2014 : Ellen Johnson Sirleaf – Facts. Nobelprize.org. Web. 13 Oct 2017. Retrieved from URL: http://www.nobelprize.org/nobel_prizes/peace/laureates/2011/johnson_sirleaf-facts.html
(4) – BBC: Ebola: Mapping the outbreak. Published on: 14 January 2016. Retrieved from URL: http://www.bbc.com/news/world-africa-28755033
(5) – AFDB: Liberia Economic Outlook, Web. 12 Oct 2017. Retrieved from URL: https://www.afdb.org/en/countries/west-africa/liberia/liberia-economic-outlook/
(6) – انظر:
McPherson, J. H. T. (1891). History of Liberia (No. 10). Baltimore, Md.: Johns Hopkins Press. P. 14.
(7) – Reuters: Liberia’s Johnson Sirleaf saddened, concerned after Trump win. Visited on: 10-14-2017, Retrieved from URL: https://goo.gl/vz6XBF
(8) – IOL: Liberian Nobel laureate quits, visited on: 10-14-2017. Retrieved from URL: https://goo.gl/2zKntz
(9) – BBC: Liberia laureate Gbowee chides Sirleaf on corruption, visited on: 10-14-2017. Retrieved from URL: https://goo.gl/qwdp9A
(10) – Clarissa Sosin (Published on: 08 Sep 2017), A stable Liberia tallies up Johnson Sirleaf’s presidential score. Mail & Guardian, Retrieved from URL: https://goo.gl/bwa6rv
(11) – اللجنة الوطنية للانتخابات في ليبيريا: قائمة أسماء المرشحين للرئاسة ونائبيهم (ملف بي دي اف). رابط الملف:
http://www.necliberia.org/pg_img/Consolidated_report_2017_1.pdf
(12) – BBC: Liberia election: Ex-football star George Weah takes early lead. مصدر سابق ذكره
(13) – فيديو على موقع يوتيوب, بعنوان:
The Execution of former Liberian President Samuel K Doe YouTube
تاريخ الرفع: 14 يناير 2015. رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=c5xJpj7EmQM