متوكل دقاش
في وقتٍ متأخرٍ من ليلة الاثنين 29 يونيو 2020م تفجَّرت احتجاجات كبيرة في إثيوبيا؛ إثر مقتل المغني الشابّ وكاتب الأغاني الشهير “هاشالو هونديسا” رميًا بالرصاص. وشهدت مدن عدة تظاهراتٍ وأعمالَ شغبٍ وعنفٍ تسبّبت في وقوع مئات الإصابات، في وقتٍ تحدثت تقارير غير رسمية عن سقوط 80 ضحية.
وقامت السلطات الإثيوبية بقطع خدمات شبكات الإنترنت والاتصالات، وقامت باعتقال عددٍ من الناشطين الذين ينتمون إلى كيان عرقية الأورومو.
وتسبَّب مقتل هاشالو في صدمة كبيرة وسط قومية الأورومو؛ التي ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي نعاه ووصفه بأنه كان بمثابة المُلْهِم للشباب، مطالبًا شعبَه بضبط النفس، والشرطةَ بالإسراع في القبض على الجناة.
وقد عُرِفَ الراحل بغنائه الثوري المُعبّر عن آمال وغضب شعب الأورومو؛ من خلال الكلمات الثورية لتحدّي القمع وكسر الخوف. لم يكن الشاب الأورومي هاشالو (هونديسا) مجرد فنان، بل كان ناشطًا سياسيًّا يمزج المظالم بالغناء باللغة الأورومية التي كان الحديث بها من المُحرَّمات زمن هيلاسيلاسي(1).
وبالتالي ربما نستطيع القول: إن الاضطرابات التي صاحبت مقتل هونديسا؛ ليست مجرد غضب لاغتيال مُغَنٍّ، ولكنّها تعبيرٌ عن الإحباط والغضب المتراكم لدى قومية الأرومو أكبر قوميات إثيوبيا عددًا؛ فهم حوالي 40 مليونًا، وإقليمهم هو الأكبر مساحة.
وهو ما يُحيلنا إلى إشكال تجربة الدولة القُطْرية، وصعوبة بناء الأمة في إثيوبيا، وربما في جُلّ إفريقيا؛ في ظلّ المظالم والتهميش السياسي والاقتصادي والثقافي، التي تلبَّس لبوس الهويات، وتأخذ أشكال الصراعات القبلية والدينية، وتجعل من نقمة بعض الكيانات الإثنية على مؤسسة الدولة شيئًا طبيعيًّا ومفهومًا، في سياق النضالات والتمردات الحقوقية والنضالية، وحتى الوجودية؛ إذ يبدو جليًّا أن حادثة مقتل هونديسا قد أعادت تحريك جدلية العلاقة بين الدولة الإثيوبية والقبيلة وصراعات كيان الأورومو التاريخية مع السلطة المركزية ودينامياتها التي ظلت ذات ملمح أمهري مسيحي-أرثوذكسي، وهو تاريخ طويل ومليء بالعنف والقمع وممهور بالدماء.
ديناميات الدولة والقبيلة:
لقد أعادت مشاهد التفاف وانتفاض كيان إثنية الأورومو بعد مقتل هونديسا ضرورة وضع أفضل وسيلة لفهم “ديناميات” الدولة والقبيلة، والتي تتلخص في اعتبارهما نموذجين مختلفين في البنية الفكرية أو اعتبار كلّ منهما كيانًا منفصلاً بذاته، فبينما تقوم القبيلة بالأساس على علاقات القرابة، ويكون ولاؤهم السياسي وهويتهم وانتماؤهم لقبيلتهم لا للدول، تُشدِّد الدولة على أهمية أن يتَّجه الأفراد بولائهم إليها.
وبينما تشدد القبيلة على القِيَم الشخصيَّة والأخلاقيَّة، تُعْلِي الدولة من قيمة الصفقات والسياسات ولا تعبأ كثيرًا بالعلاقات بين الأفراد.
وتُعرف القَبَليَّة عمومًا على أنها ولاء الفرد لمجموعته الإثنيَّة بوصف ذلك رمزًا لهويَّته، ولها مستوياتٌ متدرِّجة قد تصلُ إلى التَّعصُّب المفرط؛ إذ إنَّ الأفراد بداخل القبيلة قد لا يعترفون بدولتهم ولا باللغة الرسمية لها كما، هو الحال بالنسبة لقبيلة أورومو؛ إذ ترفض الهوية الإثيوبية، وترفض التحدث باللغة الأمهرية؛ رغم كونها اللغة الرسمية في إثيوبيا، وتحافظ على هويتها بشكل كبير، وتدعم التماسك الاجتماعي فيما أفرادها.
ويرى ابن خلدون أن العصبية هي الأساس في فكرة ضرورة التنظيم السياسي، وأن الدولة نشأت نتيجة العصبية؛ كما يرى في القبيلة أنها الخلية البشرية الوحيدة التي نجت وظلت مُحافظة على نقائها وتلاحمها وتماسكها وسط الجو التاريخي العاصف(2).
وهي فرضية تؤكدها طبائع الصراع في إثيوبيا وميكانيزمات الحشد الإثني والقبلي والحشد الإثني والقبلي المضاد. وتكمن إشكالية إثيوبيا الحديثة، وبعيدًا عن بنية سردياتها العائدة إلى الوراء “كالراستفارية” الميسيانية، في تاريخ تشكلها على الأسطورة السليمانية، وهو تاريخ بُنِيَ على اضطهاد وتهميش عددٍ من المكونات الأخرى التي صوّرت على أنها ليست بذات مستوى النقاء العرقي، وضُيِّقَ عليها في أحايين كثيرة بسبب اختلاف الدِّين والثقافة، وقد كان الأورومو هم الأكثر معاناةً مع بنية خطاب الأسطورة السليمانية.
الدولة الوطنية ومفهوم الأمة:
يرى أريغارى بهرا أن تركيبة إثيوبيا الراهنة إثنية؛ لذلك بقيت السياسات الإثنية والتحشيد الإثني هما الطريق الوحيد إلى السلطة، وإلى ضمان استقرارها واستدامتها. ويضيف أن هذا العصر يعود إلى عصور الأمراء (1769-1855م) حين قسمت إثيوبيا، وفقدت مركزيتها بطريقة غير منتظمة؛ لتصبح السلطات في يد الأمراء المحليين الذين وجدوا الدعم من لدى قواعدهم الإثنية الرئيسة والفرعية.
وإلى يومنا هذا بقيت القواعد الإثنية هي مرتكز القوة للنخب الإثيوبية تحت مختلف الوجهات والتشكلات(3). وهو ما يباعد تحقيق حلم بناء “الأمّة”، والتي تُعتبر هي جوهر الهوية الوطنية، أو ما يأمل الجميع تحقيقه بغية تفادي الصراعات الصفرية القائمة على إحساس الظلم؛ بسبب الغيرية والاختلاف.
وقد شغلت فكرة “الأمة”، وكيفيّة تشكلها وشروط ذلك التّشكُّل فكر العديد من الفلاسفة، وذلك منذ بروز مؤسسة الدّولة الوطنيّة في عام 1648م. فمن مونتيسكيو (1689ـــ 1775م) إلى كلٍّ من روسو (1712 ـــ 1778م)، وهيغل (1770 ــ 1831م)، اللذين تأثّرا بمونتيسكيو؛ حيث يتبنّيان نظريّة روح الأمة، وينطلقان منها فيطوّرانها.
يتفق هؤلاء جميعًا فيما يسمونه روح الأمّة؛ الذي ينبغي بالضّرورة في حال تشكله وتبلوره أن يُفضِي إلى حالة من التّوافقيَّة الوطنيَّة، أو قل “المصلحة الوطنيّة” التي تُشكِّل خطًّا أحمر لجميع الفئات المتصارعة، لا يجوز لأحدها أن يتخطّاه في صراعه ضدّ الآخرين، وإلاّ تهدّدت الدّولة وضاع الوطن(4).
ومفهوم الأمة الذي يُشار به إلى مجموعة مستقرة من الناس، هو تقرير ضمني يشير إلى مجتمع ما، يرتبط أفراده بروابط واضحة، مثل اللغة أو الجنس أو الدين من ناحية، أو روابط متخيَّلة مثل المصالح المشتركة والغايات الواحدة، أو حتى النّسب المشترك من ناحية أخرى، ويقطنون بقعة من الأرض، حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسيّ معين.
وتشمل الأمة أموات الشعب والأجيال التي ستأتي في المستقبل. وعُرّفت الأمة بأنها «هي جماعة سياسية متخيلة، وقد تمّ تخيّلها على أساس أنها محدودة وذات سيادة بطبيعتها. وهي متخيلة لأن أعضاء الأمم، حتى أصغرها حجمًا، لن يتوصلوا قط إلى التعرف إلى بقية رفاقهم من الأعضاء، أو الالتقاء بهم أو حتى السماع عنهم، ومع ذلك فإن صورة جماعتهم تعيش في ذهن كلّ منهم. مع الإيمان التام بتشابه المصائر ووحدة الفرص والمهدِّدات.
ويتداخل مفهوم الأمة بتقسيمات مشابهة، فيتقاطع مع مفاهيم الشعب والقومية والعرق تارةً، ويتمايز عنها تارةً أخرى. كما تحكم قوانين الدول علاقة المصطلح والتداخل السابق مع مفاهيم المواطنة والجنسية.
وفي إثيوبيا تثبت معطيات واقعها المعيش على أن (قضية الجماعة المستقرة) تبدو ترسًا الآن أمام أيّ حلم ببناء أمة ذات وجدان مشترك. هذا على الرغم من توفر مشروطيات موضوعية، قادرة في حال (توظيفها جيدًا) على غرس نواتها. على أنه وفي ظل الشرخ الموجود في جدار الدولة ومؤسساتها، وحيث تعيش غيلان الإقصاء والتهميش والأحادية والنفي، لا يمكن أن نأمل في إيجاد مفاهيم مثل الانسجام والتوافق والوئام.
إذ تبدو هذه الميكانيزمات ليست فقط كما لو كانت تحديًا أيديولوجيًّا أو شرخًا ضخمًا في جدار الدولة ومؤسساتها، بل وكابوسًا مؤرقًا في تفاصيل حُلم بناء الأمة. ففي كل الأحوال كانت مغاضبة المجتمعات (سيما المهمشة) كالأورومو، وعدم حرصها على مشروع بناء الأمة في إثيوبيا، مسألة على علاقة بحجم المظالم، هو شيء يُنذر بأخطار أكبر كالانفصال عبر ممارسة حق تقرير المصير، وهو ما يتيحه الدستور الإثيوبي(5).
تقاطعات الصراع بين الديني والعرقي:
شكَّل مفهوم الدِّين حضورًا قويًّا في الفضاء التاريخي السوسيوبولتيكي الإثيوبي في كل تحولاتها، من إمبراطورية قامت على التوسع الي جمهورية مركزية ذات طابع اشتراكي، ومن ثَمَّ إلى دولة فيدرالية إثنية. وذلك من خلال الأسطورة السليمانية التي تقف عليها بِنْيَة التأسيس للدولة الحديثة. وهي أسطورة تُعيد أصل ملوك واباطرة إثيوبيا إلى إحدى سلالات الملك سليمان –عليه السلام-.
وتقول الرواية: إن الأميرة بلقيس قد سمعت بروعة الملك سليمان وحِكْمته، فاستقر عزمها على زيارته؛ وذهبت إلى القدس وهي تحمل إلى الملك أثمن الهدايا، فلما وصلت القدس استقبلها الملك سليمان استقبالاً رائعًا، وأسبغ عليها من عطفه وكرمه الشيء الكثير، وراحت بلقيس تستمع إلى أحاديثه عن الخالق وعبادته، وآمنت باليهودية.
ومكثت بلقيس في ضيافة سليمان ستة أشهر، فلما عزمت على الرحيل ناجى سليمان ربه قائلاً: “اللهم اغفر لعبدك، هذه امرأة ذات جمال أخَّاذ وفتنة طاغية، وقدد جاءت إليَّ من أقصى الأرض فهلا رزقتني منها ولدًا يستوي على العرش من بعدي”.
ويقال: إن بلقيس عادت إلى إثيوبيا ثم ولدت طفلاً سمته منليك، فلما اشتد عُوده أرسلت خطابًا إلى سليمان ترجو منه تتويج ابنه ملكًا على إثيوبيا، وأن يصدر قانونًا بأن يظل عرشُ إثيوبيا وقفًا على سلالة سليمان من الذكور دون الإناث.
ولكن لم تكن بنية سردية السليمانية دينية بحتة بل تداخل فيها عامل السلالة والعرق. وهو شيء أثَّر في علاقات السلطة والتراتبية الاجتماعية والحقوق المدنية والسياسية، وأعطت لديانات وأعراق معينة امتيازات على حساب أخرى. وعلى العموم كانت السليمانية أقرب إلى الثقافة الأمهرية أو هي معادلها الموضوعي أو أيديولوجيتها بلا خطل؛ وهو ما يفسّر العداء التاريخي بين إثنية الأورمو والتي بقيت تحارب الحكومات الإثيوبية منذ عهد الإمبراطورهيلا سيلاسي، وإثتية الأمهرا، التي كانت الإثنية المسيطرة طوال حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي؛ فهي أكثر الإثنيات تعليمًا، ثم إن الحكم في أيدي نخبها.
وكان حكم إثيوبيا قد انتقل من التيغراي إلى الأمهرا عقب موت يوحنا في الحرب ضد المهدويين السودانيين في عام 1889م؛ إذ آل الحكم إلى الإمبراطور منليك الذي مكَّن قبضة الأمهرا على الحكم، واستمر الحكم في يد الأمهرا في عهد هيلا سيلاسي، وعرف عنهم -كما سبق أن ذكرنا- أنهم يتعاملون مع باقي الإثنيات على أنهم أقل منهم درجة، خصوصًا إثنية الأورومو ذات الغالبية المسلمة الشيء الذي جعل الأورومو في حالة عداء شديد تجاه هذه السردية وغير مستعدة لتقبله كهوية جامعة؛ إذ إنها ثقافة أغيار أو أمهرا، في تداخل معقد بين العِرْق والدِّين، يعكس تمأسس العلاقة بين الأورومو والأمهرا، وربما معظم الكيانات الإثنية في إثيوبيا، على الشك المتبادل الذي خلَّفته سنوات طويلة من الظلم والقهر(6).
ويُعتَبر المَثَل الأورومي القائل: “أنا وأنت مثل المسلم والأمهرة”، والمَثَل الذي يُقابله باللغة الأمهرية، من الأمثلة الواضحة والقوية التي تُعبِّر عن مشاعر الريبة العميقة السائدة في إثيوبيا بين الأعراق. ومع أن المَثَل يُشير إلى الاختلاف الديني، فإنه لا يُعبِّر بالضرورة عن الدين فحسب، وإنما يُحيل كذلك إلى العِرق بمعناه الأوسع. واللافت للانتباه في هذا المَثَل هو أن الدين يُوظَّف كاستعارة تُعبِّر عن الخلافات التي تبدو مستعصية على الرأب، بما يؤكد أهمية الاختلاف الديني في إثيوبيا(7).
الأمر الآخر المثير للاهتمام في هذا المَثَل هو استخدام مصطلح يحمل دلالات دينية كمصطلح “إسلام” جنبًا إلى جنب مع مصطلح “الأمهرة”؛ الذي يُفهم عادةً على أنه مصطلح عِرقيّ، كما يشير في الوقت نفسه إلى التعقيدات التي ينطوي عليها مفهوما الدِّين والعِرق، والعلاقة الوثيقة القائمة بينهما.
ومصطلح “الأمهرة” هو الآخر مصطلح ذو طبيعة مرنة، وقد تبدّلت دلالاته تدريجيًّا خلال السنوات الماضية من مصطلح جامع للهوية الإثيوبية إلى مصطلح يحمل دلالات عِرقية صريحة. ومع أن الناس في مناطق الأمهرة الرئيسية يُعرّفون أنفسهم بحسب المناطق التي ينحدرون منها مثل “قوندار” و”غوجام” أو “وللو”، فإن مصطلح الأمهرة -بوصفه مصطلحًا جامعًا يُعبِّر عن الهوية الجماعية- ظل دائمًا مرتبطًا بالمسيحية، ويتضمّن بُعدًا دينيًّا واضحًا يقوم على تمثيل المسيحيين.
الشيء نفسه بالنسبة إلى المسيحية الأرثوذكسية، فهي لم تكن جزءًا أساسيًّا من الحياة اليومية للناس فحسب، بل كانت أيضًا العامل المسيطر في تشكيل الهوية الوطنية التي قامت بالأساس على الإيمان المشترك في الأسطورة السليمانية، وفي الملك الذي اختاره الرب، والاعتقاد في أنفسهم كأمة مباركة.
هذا البُعد الديني -المذكور أعلاه- لعب دورًا محوريًّا في تشكيل العلاقات بين الطوائف الدينية في إثيوبيا، وهو ما جعل الناس، في “بيل” وفي المناطق الجنوبية الأخرى في إثيوبيا، يربطون كلمة “الأمهرة” عادة بصورة الشخص الدخيل والغريب، وبالأخص المسيحي.
ولهذا، فحملات “منيليك” وعمليات الدمج القسري التي تعرّض لها الجنوب لم تُعتَبر مجرد خضوع لهيمنة نظام دخيل فحسب، وإنما اعتُبرت أيضًا خضوعًا لمملكة مسيحية. في الجانب الآخر، فإن القوى الشمالية الغازية [المتمثِّلة في الأمهرة] كانت هي الأخرى تُبدي في سلوكها توجُّهًا تحقيريًّا واضحًا تجاه “الأغيار” من غير المسيحين، وتنعتهم بالتخلُّف والبدائية والوثنية؛ نتيجةً لهذا ظلّت العلاقة بين المسلمين في جنوب شرق إثيوبيا، من جهة، وبين الدولة والمستوطنين الأمهرة المحليين، من الجهة الثانية، علاقة توتر طوال القرن العشرين.
والحال كذلك، فإنَّ الدين مَثَّلَ جانبًا قويًّا في هذه العداوة، وقد تم تفسير المعاملة السلبية التي يفترض أنها وقعت على المسلمين على اعتبارها معاملة حصلت بسبب معتقدهم الديني. حتى اليوم، لا تزال عبارة “الأمهرة” تعني المسيحي؛ فعلى سبيل المثال، تُطلِق مجموعة “الآرسي أورومو” على اللحم المذبوح على الطريقة الأمهرية لحم الأمهرا(8).
الخلاصة:
على الرغم من أن الجبهة الديمقراطية الشعبية اتبعت منذ وصولها إلى الحكم عام 1991م -حتى صعود الازدهار مكانها على سُدَّة السلطة- سياسات مبنية على الاعتراف بالتنوع الإثني والديني والثقافي في إثيوبيا، فإن ذلك بقي يتردد على سبيل الدعاية الحكومية أكثر من كونه حقيقة ملموسة في الواقع السياسي للجماعات المختلفة خاصة الأورومو.
والذين يشكون مظلمةً وتمييزًا تاريخيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، خلف تداعيات اقتصادية، وانعكس على وضعيتهم الاجتماعية. وعليه ليست حيادية الدولة هي السبيل للتعامل مع التنوع الثقافي أو صرخة الأورومو تاريخيًّا، ومعاناتهم مع بنية خطاب الدولة التي تشكلت على أفضلية أعراق على أخرى، وإنما هناك سبُل أخرى مهمة، ولعل من أبرزها: الاعتراف بحجم وتداعيات الممارسات التاريخية. وهي تعني إعادة توزيع الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية.
ومن ثَم تغدو سياسات الاعتراف إقرارًا من لدن الدولة بوجود الاختلافات والتباينات الثقافية والعرقية والدينية، وعلى نحو رسمي. وتتَّخذ هذه السياسات في الأدبيات المعاصرة تسميات عدة؛ مثل “سياسة التباين” و”سياسة الهوية”(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- كمال حامد، غضب الأورومو: إنه ليس مجرد غناي.
2- عبد الوهاب الطيب البشير، أوضاع اللغة العربية في القرن الافريقي: تقاطعات الدين والهوية والإثنية.
3- محمود الشرقاوي، إثيوبيا- الكتاب رقم 113 كتب سياسية- مجموعة عربية.
4- محمد جلال أحمد هاشم، مفكرات حول منهج التحليل الثقافي.
5- متوكل دقاش، صعوبة بناء الأمة- مقال.
6- سهير محمود الشربيني، قومية الأورومو الإسلامية، والصراع من أجل الانفصال عن إثيوبيا: جدلية الدولة والقبيلة، مركز الدراسات الإفريقية.
7- منصور سليمان نقلاً عن أديس ستاندرد، هل يلعب الدين دورًا بارزًا في نزاعات إثيوبيا الأخيرة؟ موقع ميدان.
8- حسام الدين علي مجيد، انبعاثات ظاهرة الهوية: قراءة في منظور المفكر الكندي تشارلز تايلور.