أعلنت لجنة الانتخابات في أنغولا فوز الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية التي جرت الأسبوع الماضي، بالرغم من أن المعارضة تشكو من حدوث “خطأ” وتعارض النتائج. وفي كلتا الحالتين، فقد أدى هذا التصويت إلى فتح فصل جديد في أنغولا حيث تخلّى الرئيس “خوسيه ادواردو دوس سانتوس”، وهو من الرؤساء الأفريقيين الذي مكثوا طويلا في سدة الحكم – 38 عاما في السلطة الأنغولية.
وبحسب النتائج المعلنة من قبل لجنة الانتخابات في أنغولا يوم الجمعة الماضي, حصل الحزب الحاكم على أكثر من 64 في المائة من الأصوات في انتخابات يوم الأربعاء الماضي.
ولكن, من الملاحظ أن الحركة الشعبية لتحرير أنغولا (الحزب الحاكم) فقدَتْ السيطرة في عدد من الأماكن بالبلاد لصالح المعارضة، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى؛ (1) الأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد و (2) حقيقة أن الحزب الحاكم رشّح وجها جديدا للرئاسة هذا العام: جواو لورينسو, عضو الحزب منذ فترة طويلة، وهو جنرال سابق ووزير الدفاع للحكومة منتهية الولاية.
استقالة “دوس سانتوس” :
كان من القرار المشكوك فيه أن أعلن الرئيس “خوسيه إدواردو دوس سانتوس”، زعيم أنغولا منذ قرابة 4 عقود، أنه لن يسعى لإعادة انتخابه، وبدلا من ذلك، قام الحزب الحاكم باختيار “جواو لورينسو”، كمرشح للرئاسة في انتخابات 23 اغسطس (انتخابات الأسبوع الماضي).
أما عن دواعي الاستقالة, فإن عددا من المصادر تؤكد أن “دوس سانتوس” البالغ 74 عاما يعاني مشاكل صحية. وفي مايو بعد غياب طويل، أكدت الحكومة أن “دوس سانتوس” في إسبانيا للخضوع لإحدى “فحوصاته الصحية المنتظمة”، واضطرت ابنته في وقت لاحق إلى نفي تقارير وفاته.
وبالنظر الى هيمنة حزب “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” على السياسة الأنغولية – يحكم الحزب أنغولا منذ استقلالها عن البرتغال في عام 1975 – فإن توقعات ما قبل الاقتراع تشير إلى احتمال فوز مرشح الحزب “لورينسو” بالانتخابات البرلمانية.. وهو ما حدث بالفعل!
ولكن.. بالرغم من استقالة “خوسيه إدواردو دوس سانتوس” وفوز “لورينسو” بالرئاسة، فإن عائلة الزعيم الأنغولي “دوس سانتوس” ستواصل الاحتفاظ بقوتها ونفوذها الكبيرتين في أوساط البلاد.
ففي الشهر الماضي – مثلا، سنّت الحكومة قوانين جديدة تمنع الرئيس القادم من إقالة قادة الجيش والشرطة وقادة المخابرات. وسيستمر “دوس سانتوس” في زعامة الحركة الشعبية لتحرير أنغولا بينما ستبقى ابنته “إيزابيل” مسؤولة عن شركة “سونانغول” النفطية الحكومية بعد تعيينها في يونيو 2016، وسيبقى “خوسيه فيلومينو”، ابن دوس سانتوس، مسؤولا عن صندوق الثروة السيادية لأنغولا البالغة 5 مليارات دولار. وفي يونيو، مُنح “دوس سانتوس” مقعدا في مجلس الجمهورية، وهو هيئة استشارية رئاسية يتمتع أعضاؤها بالحصانة من الملاحقة القضائية.
“لورينسو”.. رئيس جديد لنظام قديم ؟
منذ خروجها من الحرب الأهلية التي دامت 27 عاما في عام 2002، أجرت أنغولا ثلاث انتخابات؛ وفي كل هذه الانتخابات، فازت الحركة الشعبية لتحرير أنغولا على خصومها الرئيسي السابق – الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا (يونيتا) – بقيادة “خوسيه إدواردو دوس سانتوس” في كل تلك المرات. غير أنه في نهاية انتخابات عام 2017، كان للجبهة الشعبية لتحرير أنغولا اسم جديد على لافتاتها.. وهو “جواو لورينسو”.
لقد أصبح “جواو لورينسو” الآن الرئيس الثالث لأنغولا، بعد أن حصلت الحركة الشعبية لتحرير أنغولا على 64.5٪ من الأصوات والأغلبية البرلمانية اللازمة لاختيار الرئيس. وكان سلفاه في الرئاسة هما: “أوغوستينيو نيتو”, وثاني أطول رئيس أفريقي في الحكم، “دوس سانتوس”.
أما الرئيس “نيتو”, فهو شاعر وطبيب والرئيس المؤسس للبلاد، في حين قاد “دوس سانتوس” البلاد لمدة 38 عاما، من خلال حرب أهلية دامية أفسحت المجال لازدهار النفط وتزايد الاتهامات بالاستبداد والمحسوبية.
ولأن الكثيرين يعتقدون أن “دوس سانتوس” سيحاول نقل الشعلة إلى أحد أفراد أسرته القوية, فقد كان اختيار “لورينسو” للترشيح للرئاسة خطوة مفاجئة لدى العديد من المتابعين.
يقول ديدييه بيكلارد، كبير المحاضرين في جامعة جنيف، متخصص في شؤون أنغولا: “لا نعرف ما حدث في قاعات اجتماعات الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، ولكن تخميني هو أن لورينسو كان ينظر إليه على أنه حل توفيقي.”
ووفقا لـ”بيكلارد”, فإن سجلّ لورينسو كان على الأرجح عاملا رئيسيا.
“على عكس الأعضاء البارزين في النظام، لم يتهم لورينسو بعد بالاختلاس والفساد أو أي شيء من هذا القبيل,” يقول بيكلارد مضيفا أنه “يمكن أن يظهر كالسيد نظيف داخل النظام”.
وفي الواقع، أجرى “لورينسو” حملته على وعد بأنه سيقود البلاد في اتجاه جديد. وخطته هي فتح اقتصاد البلاد للعالم وتقليل اعتماده على أسعار النفط المتقلبة. كما أنه يريد التأكد من وصول تطوير البنية التحتية التي تتمحور حول العاصمة لواندا فقط إلى بقية البلاد.
ولإنقاذ أنغولا من سمعتها التي توصف بالفساد، فقد وعد الرئيس الجديد بحلفاء دوليين جدد محتملين أكثر شفافية من سلفه. وفي مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” اثناء زيارته للولايات المتحدة في مايو, قال “لورينسو” إنه يعتزم الحد من مشروعات البنية التحتية للقطاع العام – ربما لتخفيف قبضة الدولة على اقتصاد البلاد. وفي محاولة لجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، يعتزم نظامه إدخال المزيد من الشراكات في القطاعين العام والخاص لتنويع الاقتصاد.
جدير بالذكر أن “لورينسو” قد أبدى في الفترات السابقة استعداده للخدمة الرئاسية. ففي التسعينات، ألمح “دوس سانتوس” إلى أنه سيتقاعد من الرئاسة، لكن ذلك في الواقع لم يكن سوى فخّ لإبعاد الطموح المفرط داخل حزبه. ووقع “لورنسو” في الفخ ليقضي سنوات في “المَطْهَر السياسي” – وفقا لملف من وكالة فرانس برس. وقد وجد طريقه للصعود بعد ذلك، وهو الآن نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير أنغولا.
ومن الناحية التفاؤلية، فإن الموافقة على رئاسة “لورينسو” لأنغولا قد تكون فجرا جديدا للبلاد. لأن المراقبين من الخارج، يرون أن ازدهار أنغولا بعد الحرب لم تستفد منه إلا سلالة “دوس سانتوس” والنخبة السياسية المحيطة به.
ولكن من وجهة نظر أفريقية، فقد يكون “لورينسو” نفسه نسخة جديدة من سلفه. لأنه ابن الثورة الأنغولية ومن إنتاجات حزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا. وتعلّم في الاتحاد السوفياتي مثل سيده “دوس سانتوس”، وهذا الرئيس الجديد البالغ من العمر 62 عاما لم يعش حياته بعد البلوغ خارج الحزب. وكجزء من فئة الجنرالات الأنغوليين، يتمتع بفرص غير مشروعة للثروة المعدنية في البلاد بالرغم من أن اسمه لم يُذكر بعد في فضائح كبرى.
المعارضة الأنغولية ونتائج الانتخابات:
وعلى الرغم من إعلان فوز الحزب الحاكم في الانتخابات, فإن المعارضة الأنغولية قد أظهرت استياءها من الطريقة التي جرت عليها الانتخابات. إذ يرى حزب المعارضة الرئيسي في أنغولا, الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا (يونيتا), أن هناك خطأ في الأرقام المعلنة, وبالتالي هم يعارضون نتائج اللجنة الانتخابية.
“لا نفهم من أين تأتي هذه الأرقام,” يقول الناطق باسم حزب “يونيتا”, ألْسِيديس ساكالا, مضيفا أن “ممثلينا في اللجنة الانتخابية لم يتم إدراجهم في تحقيق هذه النتائج المؤقتة”.
ويقول ممثلو حزب المعارضة أنهم سيعلنون نتائجهم الخاصة قريبا.
“في أنغولا، كانت حركة التحرير الشعبية حزبا سياسيا، وهي الدولة والحكومة”، يقول المحلل السياسي بيكلارد. و”بالتالي دخلت الحركة الشعبية لتحرير أنغولا الحملة الانتخابية بمزيد من المال، والمزيد من البث على وسائل الإعلام العامة، ومزيد من الإمكانيات والموارد بشكل عام. وليس من المستغرب أن يكون هناك شعور بأن الانتخابات قد تكون مزورة. وعليه ليس من المفاجأة الكبيرة أن تأتي المعارضة بأرقامها الخاصة “.
وقد شككت أيضا مجموعات من المجتمع المدني في النتائج الرسمية. بيد أن المراقبين الدوليين – بمن فيهم أعضاء الاتحاد الأفريقى – قالوا إن الانتخابات كانت حرة ونزيهة.
أما “باولا كريستينا روكي”، المحلل المستقل للسياسة الأنغولية, يرى في تصريحه لإذاعة فرنسا الدولية أن المراقبين ربما قالوا بنزاهة الانتخابات لأنهم يريدون تجنب النزاع والحفاظ على السلام.
“إن العنف ما بعد الانتخابات كان مصدر قلق في العديد من الدول في أفريقيا، ونحن نريد تجنب ذلك مهما كان الثمن,” يقول روكى. “ولكن مجرد التشكيك في شفافية الانتخابات لا يعني أنها ستؤدي إلى العنف الانتخابي، بل هذا يعني فقط أن الحكومة ستضطر إلى الرد على المراقبين الدوليين. وأعتقد أن السؤال القائم هو: لماذا تصرف المراقبون بسرعة لكي يعتبروا هذه النتائج ذات مصداقية بينما لا تزال النتائج قيد الإعداد ؟”
وحتى لو كانت هناك أدلة على أن الأرقام غير صحيحة, فإنه – في حد تعبير روكي – ليس للمعارضة الكثير من الخيارات في دولة تسيطر عليها إلى حد كبير الحركة الشعبية لتحرير أنغولا. لأنّ حزب “يونيتا” قد سبق أن اعترض على نتائج الانتخابات في عام 2012، غير أن النظر في طعنه قوبل بالرمي خلف الباب من قبل المحكمة العليا في البلاد.
“أعتقد أن المعارضة ستحاول تقديم استئناف الى محكمة الاتحاد الأفريقي. وأعتقد أنهم سيتجهون إلى الصحافة. ولكن خياراتهم محدودة جدا “، يقول روكي. وأضاف “أن الخيارات المتاحة لهم في هذه المرحلة تم تقليصها لأنهم لا يستطيعون تنظيم احتجاجات سلمية من دون خطر القمع الأمني”.
وهذا الزعم نفسه من قبل المعارضة، قد يشكل تحديا صعبا للرئيس الأنغولي الجديد. إضافة إلى أن البلاد في خضم أزمة اقتصادية، نتيجة لانخفاض أسعار النفط العالمية. وبلغ معدل التضخم 40 في المائة في عام 2016، مما كان له آثار كارثية على ملايين الأنغوليين. وهناك أيضا غضب واسع في الشوارع نتيجة الفساد الحكومي. وكل ذلك يعزز فرص المعارضة في زيادة رصيدها في الانتخابات المقبلة.