منطقة الساحل، التي تمتدّ عبر موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، هي منطقة شاسعة تبلغ مساحتها ما يقرب من ثلاثة ملايين كيلو متر مربع [1.16 مليون ميل مربع]، وتشهد هذه المنطقة امتداد الهجمات المسلحة وحتى نيجيريا المجاورة.
هذه المنطقة قليلة السكان، وتواجه فقرًا شديدًا، وضعفًا في الأمن، وحدودًا غير مُحكَمة يستغلها مُهرّبو المخدرات والبشر والجماعات المسلحة العابرة للحدود.
وتشير منظمة الصحة العالمية (WHO) -وهي وكالة الأمم المتحدة التي تعمل لتعزيز الصحة وحماية العالم وخدمة الفئات الضعيفة-، إلى أن منطقة الساحل في إفريقيا تُواجه احتياجات إنسانية غير مسبوقة؛ بسبب النزاعات المسلحة، والفقر، وتغيُّر المناخ، وانعدام الأمن الغذائي، وعدم الاستقرار السياسي.
هذا، ويحتاج حوالي 33 مليون امرأة وطفل ورجل في بوركينا فاسو، وشمال الكاميرون، ومالي، والنيجر، وشمال شرق نيجيريا، وتشاد إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني سكان الساحل من انعدام كبير في الأمن الغذائي ومستويات مقلقة من سوء التغذية نتيجة العنف، والصدمات المناخية مثل الفيضانات الشديدة، وارتفاع أسعار المنتجات الأساسية المحلية والمستوردة. واعتبارًا من 30 سبتمبر 2024م، كان هناك 5.7 مليون شخص نازح داخليًّا في المنطقة، و2.0 مليون لاجئ، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(OCHA) .
إن النمو المتزايد لتجارة الأسلحة غير المشروعة يُغذّي النزاعات، ويُسهم في زيادة كبيرة في الأنشطة الإجرامية في العديد من أنحاء العالم. خذ مثالًا على التهريب غير المشروع عبر الساحل، الذي يشمل بضائع تتراوح بين السجائر والسيارات المسروقة، إلى المخدرات والأسلحة والأشخاص. وقد تطوَّر هذا الأمر ليصبح “اقتصادًا مترابطًا بسبب غياب الأمن”.
يُعتبر تدخُّل الناتو في ليبيا عام 2011م أحد الأسباب التي أدَّت إلى ارتفاع معدلات التهريب في منطقة الساحل؛ فقد قام مقاتلون من غرب ووسط إفريقيا -الذين خدموا ضمن قوات العقيد معمر القذافي المختلفة-، بنَهْب مخزون الأسلحة من مختلف العيارات. وبالتالي، عزَّزوا الحركات المتمردة، وخصوصًا في مالي. وسهَّلوا أيضًا حصول تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (AQIM)، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO)، وتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (EIGS)، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM)، وبوكو حرام، وغيرها، على الأسلحة المتنوعة.
وفي غضون سنوات قليلة فقط؛ أصبحت إفريقيا “المركز العالمي للإرهاب”؛ حيث تستغل مجموعات مثل داعش والقاعدة وفروعها الصراعات والهشاشة المحلية لتحقيق أهدافها، وفقًا لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، داعيًا إلى استئصال التطرف العنيف.
وبينما تطغى الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط والسودان على عناوين الأخبار العالمية، نادرًا ما تحظى الصراعات في منطقة الساحل بالاهتمام الكافي، على الرغم من أنها تُسهم في ارتفاعٍ حادّ في الهجرة من المنطقة نحو أوروبا في وقتٍ تتزايد فيه شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة، وتشدُّد بعض دول الاتحاد الأوروبي في حماية حدودها.
وأظهرت الإحصائيات المتوفرة لعام 2020م أنه بين يناير وأكتوبر من العام نفسه، سجَّلت منطقة غرب إفريقيا 570 حادثًا إرهابيًّا، أسفرت مباشرة عن مقتل 2201 شخص. وأشار التقرير أيضًا إلى أن السكان المدنيين في هذه المنطقة تكبَّدوا خسائر أكبر من القوات العسكرية والإرهابيين مجتمعين في الحرب المستمرة ضد انعدام الأمن.
وتتراوح التحديات الأمنية بين النزاعات السياسية (مثل الحالات في كوت ديفوار، وليبيريا، وسيراليون)، والهجمات المسلحة والعنيفة (كما في نيجيريا، والنيجر، وتشاد، ومالي). وبالتالي أصبح انعدام الأمن لعنة على منطقةٍ كانت ذات يوم تعيش في سلام وأمان.
عدم الاستقرار في غرب إفريقيا الساحلية والتهديدات المتزايدة:
استغل المسلحون الفراغ الأمني الناتج عن تصعيد الهجمات في منطقة الساحل؛ حيث شهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2022م زيادةً كبيرةً في الهجمات، خصوصًا في منطقة ليبتاكو غورما، مع امتدادها إلى غرب إفريقيا الساحلية. خلال هذه الفترة، قُتِلَ أكثر من ألفي مدني، بزيادة تجاوزت 50% مقارنةً بعام 2021م. وفقًا لمشروع “بيانات الأحداث ومواقع النزاعات المسلحة” (ACLED)؛ فقد سُجلت 361 وفاة مرتبطة بالنزاعات في النيجر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024م، مقارنة بـ250 حالة وفاة خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وفي يوليو 2024م، أشار ليوناردو سيمواو، الممثل الخاص للأمم المتحدة لمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، إلى أن التركيز على مكافحة الإرهاب كان له تأثير محدود في وقف التهريب غير القانوني المستشري في الساحل، داعيًا إلى تعزيز جهود الشرطة. وقال سيمواو بعد إحاطته لمجلس الأمن: “المسألة تتعلق بالمخدرات، والأسلحة، والبشر، والموارد المعدنية، وحتى الطعام”.
في تقرير جديد للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أُشير إلى أن مئات الأشخاص قُتلوا في النصف الأول من عام 2024م وحده في هجمات إرهابية، والكثير منهم مدنيون.
علاوةً على ذلك، لا تزال الحالة الأمنية حرجة في أجزاء من الساحل، خصوصًا منطقة ليبتاكو غورما الحدودية الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وقادت الدول الثلاث، التي تحكمها مجالس عسكرية تولت السلطة عبر انقلابات، إنشاء تحالف دول الساحل (AES) في سبتمبر 2023م. وفي نوفمبر 2023م، انسحبت بوركينا فاسو والنيجر من مجموعة دول الساحل الخمس (FC-G5S)، التي كانت قد تشكلت في 2017م مع تشاد ومالي وموريتانيا لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة؛ بينما انسحبت مالي من المجموعة في يونيو 2022م. وفي 7 مارس، أعلنت دول التحالف إنشاء قوة مشتركة جديدة لمحاربة الجماعات الإرهابية. كما أعلنت في 28 يناير انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، في خطوةٍ عكست تدهور العلاقات بين الدول الثلاث والمنظمة الإقليمية التي سعت للضغط على السلطات العسكرية لاستعادة النظام الدستوري.
في قمة للمجموعة الاقتصادية في 24 فبراير، رفع قادة غرب إفريقيا العقوبات الاقتصادية التي فرضتها المجموعة على النيجر بعد انقلاب يوليو 2023م، وخفَّفوا العقوبات عن مالي، مشيرين إلى أنهم سيحاولون إقناع الدول الثلاث بالبقاء في المنظمة. في الوقت نفسه، زادت روسيا تعاونها العسكري مع دول التحالف. وفي 24 يناير، وصل حوالي 100 عنصر منAfrica Corps الكيان الذي خلف شركة الأمن الروسية الخاصة فاغنر إلى بوركينا فاسو.
وبعد طلب النيجر من القوات الأمريكية مغادرة البلاد في 16 مارس، وصلت قوات روسية إلى نيامي في 10 أبريل. تاريخيًّا، قام رؤساء دول وحكومات خمس عشرة دولة من غرب إفريقيا بتأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عندما وقَّعوا على معاهدة إيكواس في 28 مايو 1975م في مدينة لاغوس بنيجيريا. تتكون إيكواس من 15 دولة عضو تقع في منطقة غرب إفريقيا. وتشمل بنين، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، كوت ديفوار، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون، وتوغو.
القوى الغربية التي كانت تستثمر سابقًا في مواجهة الجماعات المسلحة بات لديها قدرات محدودة على الأرض، خصوصًا منذ أن أمرت النيجر العام الماضي الولايات المتحدة بمغادرة قاعدة طائرات بدون طيار واسعة في أغاديز. كانت القوات الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تستخدم الطائرات بدون طيار لتعقب الجماعات المسلحة وتشارك المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء، مثل الفرنسيين الذين شنوا غارات جوية ضد المسلحين، وكذا جيوش غرب إفريقيا.
لكنَّ الأمريكيين طُرِدُوا بعد أن أغضبوا قادة الانقلاب في النيجر برفضهم مشاركة المعلومات الاستخباراتية وتحذيرهم من العمل مع الروس. ولا تزال الولايات المتحدة تبحث عن مكان لإعادة تموضع أصولها.
من جهة أخرى، أدَّى العنف الأخير في مالي إلى امتداده إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. ففي 5 سبتمبر، قُتل 17 جنديًّا و36 مقاتلًا متطوعًا في اشتباكات مع مسلحين في شمال بوركينا فاسو. وبعد أقل من شهر، قُتل 29 جنديًّا في هجوم نفَّذته ولاية تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (ISGS) في غرب النيجر.
من ناحية أخرى، أدَّى تدهور الاستقرار إلى زيادة التراجع الديمقراطي؛ حيث تكافح الحكومات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لاستعادة السيطرة في ظل غياب الدعم الدولي.
تنظيم الدولة – ولاية منطقة الساحل في مالي(IS Sahel) :إستراتيجية الطُّعم
تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى(ISGS) ، والذي أصبح الآن يُعرَف بتنظيم الدولة في ولاية الساحل (ISS-P)، هو انشقاق عن جماعة “المرابطون”، وهي منظمة مرتبطة بالقاعدة بقيادة مختار بلمختار. كان تنظيم ISS-P مسؤولًا عن سلسلة من الهجمات الدموية ضد القوات العسكرية المحلية والأجنبية، مثل حادثة تونغو-تونغو في أكتوبر 2017م، التي أسفرت عن مقتل أربعة من القوات الخاصة الأمريكية.
تأسس تنظيم ISGS في مايو 2015م عندما بايع قائده عدنان أبو الوليد الصحراوي تنظيم الدولة (داعش) في العراق وسوريا مع العديد من المنشقين الآخرين. وعندما تنصل مختار بلمختار من هذه المبايعة، ظهر تنظيم جديد في الساحل.
اليوم، يواصل تنظيم ولاية الدولة في الساحل (IS Sahel) توسيع سيطرته في وقت تدهورت فيه الأوضاع الأمنية بعد أن تولت المجالس العسكرية الحكم في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وفقًا لتقارير متعددة. ومنذ العام الماضي، حاول التنظيم بناء دعم بين السكان المحليين، وفقًا لتقرير من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود(GITOC) ، ويُعتبر التنظيم نشطًا بشكل خاص في منطقة “مينكا” في مالي، التي يسيطر عليها تقريبًا بالكامل باستثناء مدينة مينكا.
ومع ذلك، يسيطر التنظيم الآن على جميع الطرق المؤدية من وإلى المدينة، مما يُتيح له تنظيم حركة الأشخاص والبضائع وتحقيق أرباح من الضرائب التي يجمعها من الأنشطة القانونية وغير القانونية. في أوائل عام 2023م، بدأ تنظيم ولاية الساحل في الانخراط في الأنشطة الاقتصادية التقليدية في المنطقة؛ حيث كان بحاجة إلى إحياء سلاسل التوريد والاقتصاد المحلي الذي دمَّره سابقًا من خلال هجماته.
لوكراوا: الإرهاب الجديد في شمال نيجيريا
تُواجه نيجيريا أزمة أمنية مستمرة أصبحت تحديًا لا ينتهي؛ حيث تتحدَّى الإجراءات الأمنية وتسخر من جهود وكالات إنفاذ القانون والملايين من النيرة التي تُخصَّص سنويًّا كميزانية أمنية مِن قِبَل الحكومة. وأكَّدت قيادة الدفاع ظهور مجموعة إرهابية جديدة تُعرَف باسم “لوكراوا” في الجزء الشمالي الغربي من البلاد. ووفقًا للواء إدوارد بوبا، مدير عمليات الإعلام الدفاعي، الذي أطلع الصحفيين مؤخرًا في أبوجا، فإن هذه الجماعة الإرهابية نشأت في جمهورية النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي أدَّى إلى انهيار التعاون العسكري بين الحكومة النيجيرية والقادة العسكريين الجدد في النيجر.
وتشير دراسة أُجريت في عام 2021م إلى أن جماعة “لوكراوا” تمَّ دعوتها لأول مرة من مالي مِن قِبَل قادة محليين في حكومتي جودو وتانغازا المحليتين بولاية سوكوتو في عام 2017م؛ للتصدي لتوغل العصابات المسلحة المتزايد من ولاية زامفارا.
واستأنف الجيش النيجيري دورياته المشتركة مع النيجر، متعهدًا بشنّ هجوم على الجماعة المسلحة. ولأهمية التهديد الذي تُشكِّله “لوكراوا”، قام القائم بأعمال رئيس أركان الجيش النيجيري، الفريق أول أولوفيمي أولوييدي، بزيارة سوكوتو لحشد القوات، داعيًا السكان المحليين لدعم جهود مكافحة المتمردين.
انعدام الأمن: هل غرب إفريقيا مستعدّ لفرص التغيير؟
عودة الانقلابات إلى منطقة الساحل وأجزاء أخرى من إفريقيا -بعد أن ظن الجميع أنها أصبحت من الماضي- تُعدّ دليلًا على مركزية إفريقيا في الصراع الدولي المحتدم بين معسكر غربي قديم (فرنسا) يقدم نفسه على أنه الأفضل من بين الجميع، ومعسكر جديد (الصين- روسيا)؛ يقدم نفسه كبديل قابل للحياة، مع ما يَعِد به من شراكات وتنمية وازدهار.
قبل الآن، كانت الردود على انعدام الأمن في المنطقة متنوعة، حسبما ذكر الخبراء، مشيرين إلى الترتيبات الثنائية ومتعددة الأطراف ومتعددة الجنسيات، مثل “بارخان”، “تاكوبا”، “مجموعة الخمسة للساحل”، “مبادرة أكرا”، “القوة المشتركة متعددة الجنسيات”، “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)”، وخطة العمل الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرف التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). ومع ذلك، فإن تعدُّد هذه المبادرات يُشكِّل تحديًا في التنسيق والتملك والشمولية، مشيرًا إلى اقتراح إيكواس لدمجها في خطة العمل الإقليمية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد تسارع العنف بسرعة في أعقاب الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مما زعزع استقرار منطقة الساحل. في الوقت نفسه، تضرَّرت الشراكات الأمنية الإقليمية بسبب حلّ المجالس العسكرية للمبادرات الأمنية الإقليمية مثل مجموعة الخمسة للساحل و”بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)”.
وقد تفاقم التعاون الإقليمي بسبب التصريحات الواضحة للمجالس العسكرية بشأن انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وإنشاء إطار أمني ثلاثي خاص بها، يعرف باسم “تحالف دول الساحل”. وقد أدَّى التقدم الكبير الذي تم إحرازه عبر غرب إفريقيا في العقود الأخيرة، من حيث تكريس آليات حل النزاعات وتعزيز الديمقراطية، إلى تكهنات بين المتخصصين بأن المنطقة ستتطور في النهاية إلى مجتمع أمني مستقل -أي مجموعة من الدول التي تتبنَّى معايير وقِيمًا معينة تُشكِّل معًا إطارًا لحل النزاعات سلميًّا-. وقد تبنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) أيضًا مجموعة واسعة من المبادرات لإدارة التعاون عبر الحدود.
بشكل عام، على مدار العقدين الماضيين، أظهرت منطقة الساحل بعض الاتجاهات السياسية الرئيسية التي تُميِّز تطوُّر مكافحة الإرهاب في المناطق ذات الاستقرار الهشّ والمُعرَّضة للنزاعات. ويمكن أن يُوفّر التنافس الدولي الجديد المحيط بمنطقة الساحل، أو إعادة تشكيل الهياكل الأمنية التي استمرت لعقودٍ من الزمن والاتفاقيات الثنائية، بعض الرؤى حول كيفية تطوُّر أنظمة الحوكمة الأمنية متعددة المستويات في أجزاء أخرى من العالم. بعيدًا عن كونه مسألة تقنية تعتمد على الكفاءة والفعالية، تُذكّرنا منطقة الساحل بأنَّ مكافحة الإرهاب هو مجال عمل حسَّاس وسياسي بالأساس.
وعلى الرغم من أن الحكومات الأوروبية منقسمة حول كيفية الاستجابة للنزاع؛ فإن الدول الأوروبية الجنوبية التي تستقبل معظم المهاجرين تُفضِّل إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع المجالس العسكرية، بينما يعترض آخرون بسبب القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية؛ هذا وفقًا لتصريحات تسعة دبلوماسيين في المنطقة لوكالة رويترز.
وقال أحد الدبلوماسيين الأفارقة: إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى البقاء منخرطًا في المنطقة؛ لأن قضية الهجرة لن تختفي. حتى إذا توصلت أوروبا إلى اتفاق بشأن منهج مشترك، فإنها تفتقر إلى القدرة العسكرية والعلاقات السياسية للمساعدة؛ لأن دول الساحل لا ترغب في التدخل الغربي، وفقًا لما ذكره الدبلوماسيون.
باختصار، هناك حاجة مستمرة وعاجلة للبحث والعمل في مجال الجريمة المنظمة لتعزيز التفكير والاستجابات الجديدة لفهم الأنماط الإجرامية، والفاعلين، والأنظمة البيئية التي تُمكّنها، ولتعزيز مرونة المجتمعات والتعاون عبر الحدود. هذه ليست قضية هامشية؛ إنها تتعلق بجوهر تعزيز السلام والأمن الدوليين، وتعزيز التنمية المستدامة، وتحسين الحوكمة في المشاعات العالمية، وتقليل تأثير التدهور البيئي، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز التعاون الإقليمي ووضع أُطُر وسياسات لتعزيز الحوكمة والإدارة المتكاملة للحدود سيكون أمرًا ضروريًّا للحفاظ على استقرار الحدود. وتشير الدراسات أيضًا إلى أن الجهات الوطنية والإقليمية والدولية تحتاج إلى مواصلة اليقظة في الحدّ من انتشار التطرف والعنف في جميع أنحاء غرب إفريقيا ومنع تفاقمه، مع الحفاظ على قنوات الانفتاح الاقتصادي (مثل التجارة، والاستثمار، والمعاملات المالية) بين دول الساحل مفتوحة وآمنة وميسرة، لا سيما في المناطق الأقل استقرارًا.
وأشار الدكتور دانيال إيزينغا، الباحث في مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية، والدكتورة أماندين نانغوينون، الزميلة البارزة ورئيسة برنامج الجيوسياسة في معهد أبحاث السياسات الإفريقية، إلى أنه إذا تدهور الوضع الأمني بشكل أكبر، وتطلَّب تدخلًا شاملًا، فإن خبرة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) من المبادرات الأمنية الإقليمية الأخرى ستُشكّل أساسًا لنشر قوة الاحتياط التابعة لها. كما يمكن لمشاركةECOWAS أن تُسهِّل تنسيق السياسات بدعم إضافي يتمثل في الاتحاد الإفريقي. وإلى جانب الاعتراف السياسي المُهِمّ لهذه الجهود، يمكن للدول الساحلية في غرب إفريقيا الاستفادة من المبادئ التوجيهية الراسخة للاتحاد الإفريقي بشأن حماية المدنيين وتقليل الأضرار.