شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2016 دعوات ومطالب بتنحى رئيسها, جوزيف كابيلا, بعد انتهاء ولايته الثانية، ولكن هذا الرئيس الذي له أسلوبه الخاص في قراءة وفهم الدستور، لا يزال في منصبه اليوم.
كما أن كل المحاولات للتغلب على الأزمة السياسية التي تشهدها الكونغو باءت بالفشل, وخصوصا بعدما أعلن الرئيس “كابيلا” مؤخرا (حوالي شهرين ماضيين تقريبا) أن انتخابات عام 2017 غير ممكنة، مما يتناقض مع صفقة وقعها في العام الماضي.
وأعلن كورنيل نانغا, رئيس اللجنة الانتخابية أنه بسبب التعقيدات اللوجستية والمتعلقة بالميزانية والتي نتجت عن سجلات التسجيل المحدثة بشكل سيء، ووجود 7 ملايين ناخب شاب غير موجودين في التسجيل، فإنه لا يمكن إجراء الانتخابات في هذا العام.
ومع ذلك، يرى خصوم كابيلا أن هذا التحرك هو استمرار لما يُعرف في البلاد بـ”الانزلاق”، حيث الرئيس يجد دائما أعذارا على تمسكه بالسلطة، في الوقت الذي يحشد ويرسخ قاعدته وهياكله الوطنية.
أما عن مصطلح “الكابيلية” (Kabilaism) نسبة إلى الرئيس “جوزيف كابيلا”, فهو مصطلح لم يجد بعدُ طريقه إلى الكتابات السياسية ومعاجم المصطلحات الحديثة, غير أن الكاتب يعني به؛ سلسلة من الأساليب والاستراتيجيات التي يتبعها كابيلا في إدارة الكونفو ومواجهة خصومة السياسيين, مع الإلمام التام بمصالحه ورجاله، والتعويل على تجربة والده في الميدان السياسي.
كيف بدأت؟
بينما يرى كابيلا نفسه صاحب النفوذ, فإن أخوف ما يخيفه المراقبين ما قد يؤول إليه الأمر في حال انهيار دولة كالكونغو الديمقراطية – دولة بحجم أوروبا الغربية تقريبا، وما قد تكون النتائج وخاصة على الدول التسعة التي تحدها وتشترك معها. إذ امتدت العواقب الوخيمة لحرب الكونغو الثانية – المعروفة بـ”حرب أفريقيا العظيمة” – في أواخر التسعينات، إلى البلدان المجاورة، مما أسفرت عن سقوط ملايين من الضحايا.
ومن الشخصيات الرئيسية في ذلك الصراع, لوران ديزيريه كابيلا، والد جوزيف كابيلا الذي استولى على السلطة في عام 1997, وأصبح كابيلا الابن في عام 2001 أصغر رئيس دولة في العالم بعد اغتيال والده. وشكل حكومة انتقالية في عام 2003. وفاز بالرئاسة في ما كان يعتبر انتخابات حرة ونزيهة بشكل معقول في عام 2006.
لقد حدّد دستور الكونغو الذى تم صياغته فى عام 2005، عدد فترات الرئاسة في ولايتين. وبالتالي كانت انتخابات كابيلا الثانية والنهائية في عام 2011. وخلافا للانتخابات الأولى، يختلف المراقبون حول من فاز في تلك الانتخابات، وأُعلن كابيلا رئيسا للبلاد، حتى وإن اتفقوا – أي المراقبون- على أن تلك الانتخابات ليست حرة ونزيهة.
وفى العامين الماضيين، لم تأخذ حكومة جوزيف كابيلا, الاستعدادات لإجراء انتخابات جديدة على محمل الجد. ونتجتْ عن استراتيجية حكومته لتفادي إجراء الانتخابات كلمةٌ فرنسية يتداول بين أوساط الكونغوليين: ” Glissement“، وهي كلمة مستخدمة في البلاد لتوضيح هذه المشكلة الوطنية.
وبالنسبة للكلمة الفرنسية, فهي تشير إلى “الانزلاق” الذي صار استراتيجية لكابيلا ومؤيديه: الانزلاق في المواعيد المقررة عندما يحين وقت إجراء الأحداث الرئيسية – كالانتخابات – من أجل الحفاظ على السلطة.
ففى ديسمبر الماضى، توسطت هيئة مؤثرة من أساقفة الروم الكاثوليك، في المؤتمر الأسقفى الوطنى للكونغو، للتوصل إلى اتفاق لحكومة انتقالية تليه انتخابات فى نهاية هذا العام 2017. ومنذ ذلك الحين، لم يقم كابيلا بشئ سوى تعديل وزارته، واختيار شخصية معارضة رئيسية، برونو تشيبالا، رئيسا للوزراء.. إلى حين “انزلاق” الجدول الزمني لإجراء الانتخابات.
وكما لاحظ أنتوني غامبينو، المدير التنفيذي لمؤسسة بانزي الولايات المتحدة الأمريكية ومدير بعثة الولايات المتحدة الأمريكية السابق للكونغو, فإن جوزيف كابيلا ومؤيديه قد فسروا الدستور بشكل خاطئ. فهم يقولون: “إذا لم يتم إجراء انتخابات رئاسية، فإن الرئيس الحالي سيكون في السلطة إلى أجل غير مسمى.” وهو تفسير يخالفه معظم المراقبين والمواطنين علر حد سواء، بل ويؤكدون أن كابيلا كان رئيسا خارج السلطة الدستورية منذ ديسمبر الماضي.
“الرئيس بحاجة للرحيل,” قال فيستون نتومبا، البالغ 27 عاما، وهو سائق دراجة بخارية فى العاصمة كينشاسا, “لأن عدم رحيله، يعني أنه يسعى للحرب. لذلك قررنا أن نخوض الحرب أيضا.”
وفي مقابلة لصحيفة ألمانية مؤخرا، أعلن كابيلا أنه “لم يتعهد بشئ” في اتفاق ديسمبر. وزادت اللجنة الانتخابية في الشعور بعدم اليقين قائلة إنه من المستحيل إجراء الانتخابات في الوقت المحدد بسبب نقص الأموال – تقول اللجنة إن العملية ستكلف 1.8 مليار دولار – وبسبب الاضطرابات في منطقة كاساي الوسطى.
لكن الأطراف المشاركة في المفاوضات بين الرئيس والمعارضين يتخوفون من الأوضاع الراهنة, ويرون أن فرص التوسط في الرحيل السلمي للرئيس كابيلا تتضاءل يوما بعد يوم.
“نحن ننتظر,” قالت الاليزيه ينج (57 عاما) وهي صاحبة متجر في العاصمة, وأضافت “إننا نصلي إلى الله أن يحدث شيء ما، لأن الله لن يدع هذه المعاناة لتستمرّ”.
وفي التصريح الأخير لزعيم المعارضة, مويس كاتومبي, فإن الرئيس كابيلا يدير البلاد مثل طائرة بدون طيار و محلّ تجارِيّ عائلى.
“منذ تولى كابيلا منصبه، قتل أكثر من 3 ملايين شخص في شرق الكونغو، ولا يمكننا أن نستمر مع شخص، – كـطائرة 747 بدون طيار، فإنه سيقتل الجميع، لذلك اليوم في الكونغو، ليس هناك طيار”.
الحكومة والجماعات المتمردة
لقد فرّ أكثر من 5,000 شخص من السجن في الأشهر الماضية في تحرك ملحمي، بالرغم من أن كينشاسا لم تجد بعد حلا نهائيا للتمرد الذي طال أمده في منطقتي كاساي والكونغو السفلى (باس-كونغو).
وتسببت وفاة زعيم محلي شهير باسم “كوامينا نسابو” أو “النملة السوداء” على أيدي قوات الأمن في كاساي عام 2016, في اندلاع أعمال عنف من المتمردين – باسم كوامينا نسابو, ويضم ميليشيات تتألف من شعب لوبا من المنطقة – وأسفرت عن مقتل أكثر من 3,000 شخص وتشريد مئات الآلاف.
ووفقا للأمم المتحدة، ردت الحكومة على التمرّد بإنشاء ميليشياتها الخاصة باسم بانا مورا، وكانت النتيجة لنشاطات الجماعات؛ دمار واسع ومعاناة إنسانية هائلة في المنطقة. وهناك مزاعم بوجود عدد من مقابر جماعية, غير أن التحقيقات لا تزال جارية بشأنها.
وكما قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين, سيسيل بويلى, إن موظفي الوكالة شاهدوا قرى محترقة بأكملها ومدنيين فى حالة سيئة مع انعدام القانون.
“لقد دمرت أو نهبت الجماعات المسلحة المحلية بشكل منهجي المراكز الصحية والمدارس والمباني العامة. وقد انفصل مئات الأطفال عن آبائهم أو شهدوا جرائم قتلهم. ويتعرض المسنون والمعوقون والمرضى أيضا لخطر شديد”.
وتقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نزوح نحو 1.4 مليون شخص جراء النزاع, مع لجوء حوالي 33,000 شخص في أنغولا المجاورة.
“ليس لدينا أي حساب تام لما يحدث. ولكن وفقا لمن تمكنّا من التحدث معهم والذين وصلوا حديثا، نفهم أن الطرق الرئيسية إلى الحدود محظورة إلى حد كبير، وبالتالي فإن الذين يريدون الفرار يضطرون إلى استخدام نقاط الدخول الحدودية غير الرسمية”.
وفي منطقة باس-كونغو، يقود نواندا نسيمي، حركة انفصالية تدعى “بوندو ديا كونغو”. وكان هدفها الأيديولوجي هو العودة إلى المملكة الأفريقية القديمة: مملكة كونغو.
و منذ عام 2008 اشتد العنف بين مؤيدي تلك الجماعة الانفصالية والشرطة فى, ماتاجادى, عاصمة باس-كونغو, كما أن “نواندا نسيمى” – زعيم الجماعة – نجا من سجن كينشاسا فى وقت سابق من هذا العام.
ماذا بعد؟
تعدّ الكونغو الديمقراطية من أكثر الدول الغنية للغاية بالموارد الطبيعية. وهي أكبر منتج للنحاس في أفريقيا ومصدر حيوي للكوبالت المستخدمة في البطاريات القابلة للشحن والهواتف الذكية. ولديها كميات كبيرة من الماس والذهب والنفط والأخشاب واليورانيوم. لكن اقتصادها رغم كل ذلك آخذ في الانخفاض.
وقد انخفضت قيمة عملة البلاد إلى النصف خلال 12 شهرا, وغلاء الأسعار تضر بمستويات معيشة المواطنين. فضلا عن تأخر دفع رواتب الجنود والمدرسين والأطباء وموظفي الخدمة المدنية لعدة أشهر, الأمر الذي أدى إلى الإضرابات في بعض القطاعات.
ومن حيث انتقال السلطة، فإن هناك ثلاث خطوات أمام الرئيس جوزيف كابيلا.
– الأول: عدم تسليم السلطة على الإطلاق، وبناء على تراجعه الأخير فيما يتعلق باتفاق ديسمبر، فقد يلجأ كابيلا إلى هذا. حيث تغيير المادة 220 من الدستور الكونغولي سيغير من مدة ولاية الرئاسة ويسمح لـ”كابيلا” بالترشح لولاية ثالثة كغيره من زعماء الدول المجاورة بشرق أفريقيا: بول كاجامي في رواندا، يويري موسيفيني في أوغندا وبيير نكورونزيزا في بوروندي.
– والخيار الثاني هو أن يسعي كابيلا إلى مواصلة إدارته، من خلال منح السلطة لأحد أفراد الأسرة وإجراء انتخابات.
– أما الاحتمال الأخير فهو تسمية خليفة من داخل الحزب الحاكم، وإجراء انتخابات. وقد يلقى هذا قبول المراقبين الدوليين والمعارضة المحلية – إلى حد ما، ولكنه يجب الحرص على عدم خلق فراغ في السلطة.
ومع ذلك – كما يقول توم كولنز لمجلة “نيو أفريكان – يبدو أنه من غير المحتمل تسمية خليفة، لأن جوزيف كابيلا لم يوجه أي إيماءات عامة لذلك، وقد ظل دائما هادئا حول هذا الموضوع، مما دفع الكثيرين إلى التشكيك في التزامه بإجراء أي انتخابات على الإطلاق.