في يوم الجمعة الماضية, أعيد انتخاب رئيس كينيا “أوهورو كينياتا” للمرة الثانية بفوزه على منافسه وزعيم المعارضة المخضرم “رايلا أودينجا”. إذ النتيجة النهائية أظهرت أن الرئيس الحالي حاز على أكثر من 54.2٪ من الأصوات مقارنة مع “أودينجا” الحائز على 44.7٪ – بفارق 1.4 مليون صوت.
وفي خطابه بعد إعلان النتيجة الرسمية, أشار الرئيس الكيني إلى أنه هو وخصمه ليسا أعداء. “إننا جميعا مواطنون فى جمهورية واحدة”,” قال كينياتا. و”كما هو الحال في أي منافسة، سيكون هناك دائما فائزين وسيكون هناك خاسرين، ولكننا جميعا ننتمي إلى أمة واحدة كبيرة تسمى كينيا”.
وتابع كينياتا قائلا: “في ديمقراطية حقيقية، كل الكينيين فائزون. كلنا فائزون,” متعهدا أيضا بأنه “سيبذل قصارى جهدي لقيادة هذا البلد إلى مكان أفضل بكثير مما وجدتُه”.
ولم ينس كينياتا التطرق إلى استعداده للعمل مع التحالف الوطنى المعارض (ناسا), حيث قال: “إننى أمدّ يد الشراكة مدركا تماما أن هذا البلد يحتاج منا جميعا التعاون لكي ننجح”.
وهنّأ كل من الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى والرئيس الرواندى بول كاغامى, الذى أشاد بكينياتا على موقع تويتر “لإجراء انتخابات ناجحة والثقة التى وضعها الكينيون فيك!”
المعارضة ورفض النتائج
جاء الإعلان الصادر عن اللجنة المستقلة للانتخابات بعد أيام من التكهنات حول فرز النتائج التى وصفتها المعارضة فى مرحلة ما بـ”وهمية” و “مزيفة”.
فقد توجه أكثر من 15 مليون كينى في 8 أغسطس إلى مراكز الاقتراع لانتخاب رئيسهم الجديد، وممثلين فى المقاعد التشريعية وحكام المحافظين. وفى يوم 9 أغسطس، شككت المعارضة فى موثوقية الأصوات، قائلة إن المتسللين تدخلوا في نظام التصويت واخترقوا قواعد البيانات.
وبعد يوم واحد، وجّه حزب (ناسا) المعارض رسالة إلى اللجنة يطالب فيها بوقف بث نتائج “لم يتم التحقق منها” في موقعها على الانترنت والقيام بإعلان “أودينجا” رئيسا جديدا للبلاد. وقد أثارت دعوة المعارضة هذه احتفالاتٍ فى معاقلها فى نيروبى وكيسومو فى غرب كينيا.
أما لجنة الانتخابات, فقد نفت ادعاءات الاستيلاء على نظامها، كما أن المراقبين الدوليين قالوا إنهم واثقون من العمليات الانتخابية والنتيجة. غير أن “أودينجا” (البالغ 72 عاما) رد على المراقبين بأنهم “خلطوا” المسألة وأعطوا “الموافقة على عملية معيبة تماما”.
يشار إلى أن اللجنة الانتخابية قد أكدت في السابق أنها بحاجة إلى مزيد من التدقيق والتحقيق قبل إعلان النتائج الرسمية النهائية للانتخابات الرئاسية الكينية. وأضافت اللجنة أن رئيسها “وافولا شيبوكاتي” يعقد جلسات مع الشركاء الدوليين والشخصيات المهمة لإطلاعهم على مدى التقدم الذي أحرزته اللجنة، مؤكدة أنها لن تتسرع في إعلان النتيجة لمزيد من التدقيق قد يستغرق ساعات.
المراقبون ونفي الاختراق
انتشر أكثر من 400 من مراقبي الانتخابات الدوليين – بمن فيهم مسئولون من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربى والولايات المتحدة – فى جميع أنحاء البلاد لمراقبة عملية الاقتراع، وعملية فرز الأصوات، وجزء من فترة ما بعد الانتخابات.
وعلى الرغم من مزاعم المعارضة, إلا أن المراقبين قالوا إنهم لم يسجلوا خروقا، وإن الانتخابات جرت وفق المعايير المطلوبة.
وكما جاء في تقرير صدر عن رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي إلى كينيا “ثابو مبيكي”، بشأن الانتخابات الرئاسية الكينية, فإن العملية الانتخابية “تمت بطريقة سلمية وشفافة، وقدمت فرصة للمواطنين للتعبير بحرية عن حقهم الديمقراطي في التصويت”.
وقال رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات ثابو مبيكي “يمكننا القول إن العملية الانتخابية وفق مراقبتنا مراحلها بدءا من التصويت ومراقبة فرز الأصوات في مراكز الاقتراع ونقلها إلى اللجنة المستقلة للانتخابات وغيرها من المراحل، يمكننا القول إنها جرت وفق معايير الاتحاد الأفريقي للانتخابات الديمقراطية”.
وأضاف “مبيكي” أن عملية فرز الأصوات في مراكز الاقتراع تمت “بطريقة شفافة”، بمشاركة المراقبين وممثلي الأحزاب السياسية بجميع المراكز, موضحا أن “98% من مراكز الاقتراع التي زارتها البعثة كانت تتوافر فيها المواد الأساسية اللازمة لإجراء الانتخابات على مدار اليوم, كما أن “88% من تلك المراكز كانت متاحة لجميع الناخبين بمن فيهم الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة”.
هذا, وقد دعا المراقبون – في وقت سابق يوم الجمعة – كل المرشحين إلى احترام النتيجة النهائية وحل أى نزاعات عن الانتخابات بطريقة قانونية.
وقال وزير الخارجية الأميركي السابق “جون كيري” الذي شغل منصب مراقب انتخابات من مركز كارتر, يوم الخميس, إنه في حين كانت هناك “انحرافات قليلة هنا وهناك”، إلا أنه لم يتم تزوير الانتخابات.
وأوضح كيري أنه “إذا كان هناك شيء مغشوش فيه الكترونيّا، فإن هناك طريقة للعودة والتأكد تماما مما حدث فى مركز الاقتراع”، مضيفا “أنه من خلال الاقتراعات الورقية هناك حماية لكل صوت فى كينيا”.
عنف ما بعد الانتخابات
لقد شهدت بعض شوارع العاصمة نيروبي أعمال عنف، احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية. وأعلنت المعارضة أيضا أنها لن تكون طرفا في الإعلان عن النتائج النهائية، لأنه لم يتم التعامل مع بواعث قلقها وشكاواها, واستبعدت تقديم التماس للمحكمة العليا للطعن في النتيجة.
ووفقا لمصادر بالشرطة الكينية, فإن شخصين لقيا مصرعهما خلال احتجاجات فى أعقاب إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته “أوهورو كينياتا”. كما أن أربعة أشخاص أصيبوا بعد أن نظم مؤيدو المعارضة احتجاجات ضد النتيجة.
ولاحتواء الوضع الأمني, تم نشر قوات أمنية إضافية في شوارع العاصمة الكينية نيروبي, بحسب ما أفاد به المتحدث باسم وزارة الداخلية, مويندا نجوكا. إضافة إلى تثبيت شرطة إضافية فى المطار بمدينة كيسومو كإجراء وقائى.
ومع أن “أودينغا” قد دعا أنصاره إلى الهدوء، غير أنه حذر من أنه لا يستطيع التحكم في كيفية رد أنصاره على “نتيجة مزورة”.
“هذه كارثة. لا يمكنك إجراء انتخابات لكونها انتخابات فقط,” يقول جيمس أورنجو، كبير وكلاء الحزب المعارض فى الانتخابات الرئاسية. مضيفا أن “هذه اللجنة أظهرت أنها ذراع للسلطة التنفيذية”.
يذكر أن الاضطرابات التي أعقبت التصويت المتنازع عليه في عام 2007 أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 1100 شخص, مع إجبار حوالي 350،000 شخص على الفرار من ديارهم. كما أن الاقتصاد شهد انخفاضا ملحوظا مع تراجع معدل النمو إلى 1،7٪ في عام 2008 مقابل 7،1٪ في العام الذي قبله.
“إننا لا نريد أن نرى أى عنف فى كينيا، لأننا نعرف عواقب ما حدث فى عام 2008، ولا نريد أن يتكرر ذلك,” قال أودينغا لـ “سى ان ان”.
“لا أتحكم في أي شخص، ما يحدث هو أن الناس يريدون فقط رؤية العدالة، ونأمل أيضا ألا تستخدم قوات الأمن القوة المفرطة”.
التحديات المقبلة:
كانت حملة الرئيس “أوهورو كينياتا” البالغ من العمر 55 عاما قائمة على وعودٍ بتحقيق تحسن فى الأمن والاستقرار الاقتصادى. وعلى الرغم من بعض النجاحات التي حققها في ولايته الأولى، فإن حكومته ملطخة بالإضرابات الصناعية، وانعدام الأمن والفساد المستشري.
ولجأت حكومته أيضا إلى ما يسمبه بعض الكُتاب “الإسراف في الاقتراض” لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة، إضافة إلى عبء الديون المتصاعد في البلاد. وخلال السنوات الخمس القادمة, قال كينياتا إن حكومته ستخلق 6.5 مليون فرصة عمل؛ ستوسع الرعاية الصحية بأسعار معقولة؛ ستوصل تيار الكهرباء إلى المزيد من البيوت؛ ستعزز الإنتاج الغذائى والزراعى؛ وستستثمر فى العلوم والتكنولوجيا.
إن رفض المعارضة بالاعتراف بنتائج هذه الانتجابات، يعني أن المستثمرين سيراقبون عن كثب كيف سيتعامل كينياتا مع سد ثغرات الانقسامات التي اتسعت بسبب الحملة المنكوبة.
وفي الأيام الأخيرة، ظل الشلن الكيني (عملة البلاد) مستقرا وارتفعت سندات اليوروبوند المقومة بالدولار، حيث توقع المستثمرون أن يواصل الرئيس كينياتا الإنفاق على البنية التحتية وتعزيز التكامل الإقليمي.
“حزب كينياتا سيحظى بأغلبية في كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، الأمر الذي من المرجح أن يؤدي إلى ترويج الحكومة لجدول أعمالها من خلال البرلمان بشكل أسرع,” يقول أحمد سليم, المحلل البارز في شركة “تينيو انتيليجنس” لوكالة “فرانس برس”.
وسجّل اقتصاد كينيا معدل نمو بلغ 5.3٪ على مدى السنوات الخمس الماضية، مقارنة مع 3.6٪ في أفريقيا جنوب الصحراء، مما عزز مكانتها كمركز استثماري رائد في القارة. وقامت شركات الدولة الصينية والشركات الغربية بصبّ مليارات الدولارات إلى قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية والخدمات. وأنجزت شركة البناء الصينية خط سكة حديد بقيمة 3.2 مليار دولار يربط بين نيروبي وميناء مومباسا بتمويل من بنك تنمية صيني.
كل تلك النفقات والخطوات السابقة, جعلت الديون الحكومية مرتفعة إلى 55٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى إلى دعوة من صندوق النقد الدولي للحد من الإنفاق الجديد والتركيز على تسديد الديون: وهي مهمة لا تتناسب مع توقعات مزيد من التحسينات في البنية التحتية والخدمات العامة التي تعهّد بها كينياتا خلال حملته الانتخابية.
كما أن الحملة الغالية للانتخابات ومزاعم الغش الانتخابي ستتركان كينياتا مع مجموعة من ناخبي المعارضة الذين سيكون شعورهم أنهم مستثنون من حكم البلاد مرة أخرى. وذلك لأن السياسة الكينية لا تزال تتسم بالقبلية، مما يعطي قبيلة “كيكويو” وحلفائها ميزة انتخابية. بينما يقول أودينغا إن قبيلته “لوو” وغيرهم من الموالين لها يواجهون الإهمال من الحكومة.
فلا شك إذًا أنه يتعين على كينياتا أن يبني جسرا مع هؤلاء الناخبين وقادة المعارضة إذا كان بالفعل يريد الاستفادة من شعاره الانتخابي ” Tuko Pamoja” الذي يعني “نحن معا” في اللغة السواحيلية.