شهدت أديس أبابا – عاصمة إثيوبيا – اجتماعات القادة الأفارقة للقمة العادية التاسعة والعشرين للاتحاد الإفريقي والتي انطلقت الاثنين، وتميزت – من بين أمور أخرى – بمناقشة إصلاح المنظمة, قضايا الشباب، الحاجة إلى إنهاء الصراع والحروب, وبحث تمويل ميزانية الاتحاد ذاتيا ليستغني عن المانحين الأجانب.
وبحثت الجلسة المغلقة, يوم الاثنين, أيضا عقد القمة مرة واحدة في السنة بدلا من قمتين في العام – أي إلغاء قمة يوليو, واعتماد قمة يناير من كل عام، وأن تكون القمة بالتناوب لكل الدول الإفريقية، على أن تعقد قمة استثنائية حسب الظروف.
وبينما شهدت القمة حضورا كثيفا من القادة الأفارقة ورؤساء الدول, إلا أنها اتّسمت بغياب قادة كينيا, السودان, جنوب السودان, جنوب أفريقيا, مصر, وملاوي – التي ألغى رئيسها حضور القمة نتيجة لخفض الحكومة للسفرات الداخلية والخارجية لرئيس الدولة ووزراء الحكومة.
وفيما يلي أهم المحطات في القمة:
مواجهة بين المغرب والبوليساريو:
فى يوم السبت الماضي وقعت مواجهة مباشرة سابقة أثناء الدورة الـ31 للمجلس التنفيذي داخل مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، بين المغرب وجبهة البوليساريو، بسبب فقرتين واردتين في تقرير اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACHPR) ، حيث جاء فيهما وصف “الصحراء الغربية” بـ “الأراضي المحتلة”.
وكانت الفقرتان من التقرير الذي قُدم أمام المجلس التنفيذي، المكوّن من وزراء خارجية الدول الأعضاء، تتحدثان عن توصية بإرسال لجنة من الاتحاد لتقييم حقوق الإنسان في منطقة الصحراء الغربية، بناءً على قرارات سابقة للمجلس التنفيذي.
رفض الوفد المغربي المادتين وطالب بحذفهما أو تعديلهما، ودعم الموقف المغربي عدد من الدول المؤيدة لها، بينما تمسكت البوليساريو وداعميها بالإبقاء على الفقرتين، ليهدد المغرب بعرقلة عمل المجلس التنفيذي بسبب ما اعتبره “استفزازات” يضمها التقرير.
وبحسب الصحف النيجيرية, قام وزير الخارجية النيجيري، جوفري أنياما، بالتدخل لحل النزاع القائم حول الفقرتين، وذلك بلقاء ممثلين عن المغرب والبوليساريو، ليوافق الطرفان في النهاية على نص جديد قُدم إليهما.
وعلى الرغم من أن الوزير النيجيري لم يكشف عن نص التعديل, إلا أن مجلة مغربية نقلت عن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن النص الجديد يتضمن الصيغة التالية: “اقترحت بعض البعثات إرسال لجنة إلى الأراضي المعروفة لدى الأمم المتحدة باسم الصحراء الغربية، والمعروفة لدى الاتحاد الإفريقي باسم (RASD).”
وجاء ضمن الفقرة نفسها، “تشير بعثات أخرى إلى رفضها إرسال هذه اللجنة”، ممّا لا يجعل المجلس التنفيذي يتبنى هذه التوصية، إذ يسجل وجود نقاش بين بلدان تساند ذلك وأخرى تعارض، يقول الوزير المغربي، مضيفا أن التعديل يعني أن معارضة المغرب جرى أخذها بعين الاعتبار، وأن المجلس وضع صيغة أخرى في التقرير تسحب عبارة “المنطقة المحتلة.”
أما جبهة البولساريو، فهي تقول عبر وكالتها للأنباء, إن “الوفد المغربي هُزم في الاجتماع بعد تبني المجلس التنفيذي للوثيقة المقترحة من قبل نيجيريا، تؤكد الإبقاء على الفقرتين، وتتمسك بتنفيذ المقرّر السابق حول استكمال زيارة اللجنة الإفريقية لحقوق الانسان والشعوب إلى المنطقة، إضافة إلى اقتراح إجراء الترتيبات العملية بين الاتحاد الافريقي والمملكة المغربية”.
تبرّع “موغابي” وتمويل الاتحاد:
فى خطابه خلال الافتتاح الرسمى للقمة يوم الاثنين, تبرع رئيس زيمبابوى “روبرت موعابى” بمبلغ مليون دولار للاتحاد الأفريقى فى محاولة لتشجيع الدول الأفريقية الأخرى على تمويل برامج المنظمة. إذ يتم تمويل حوالى 60 فى المائة من نفقات الاتحاد من قبل جهات مانحة خارجية – بما فيها الاتحاد الأوربى, البنك الدولى وحكومات الدول غير الأفريقية, مما يقلّل من استقلال المنظمة القارية في اتخاذ القرار.
وأكد موغابى أن الاعتماد على التمويل الأجنبى يسمح بالتدخل فى عمل الاتحاد الأفريقى. وفي حد تعبيره: “تحتاج أفريقيا إلى تمويل برنامجها بنفسها, ولا يمكن لمؤسسات مثل الاتحاد الأفريقى الاعتماد على تمويل المانحين لأن هذا النموذج غير مستدام “.
وعن كيفية جمع المبلغ, قال الزعيم البالغ من العمر 93 عاما إنه باع 300 قطعة من الماشية من قطيعه الشخصى فى مايو للوفاء بوعد قطعه للمنظمة قبل عامين. وحظي تعهد موغابي بتأييد ساحق من المزارعين المحليين في زيمبابوي الذين ساهموا بمزيد من الماشية التي تم بيعها بالمزاد العلني لجلب مليون دولار.
وأضاف الزعيم الأفريقي قائلا: “هذه البادرة المتواضعة من جانب زيمبابوي ليس لها تطبيق عالمي لكنها توضّح أن الأمر ممكن عندما يُعمل الناس العقل في المهام المطروحة عليهم”.
تبلغ ميزانية الاتحاد الأفريقي لعام 2017 ما مقداره 782 مليون دولار، بزيادة قدرها 416.8 مليون دولار عن العام الماضي. وأكبر خمس دول أفريقية مساهمة في تمويل الاتحاد هي: الجزائر, مصر وليبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
من جانبه, دعا موغابي رؤساء الدول الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى إلى اتخاذ إجراءات لتمويل الاتحاد الأفريقى، مبيّنا أنه “ما لم نقمْ بدورنا فإن الاتحاد الأفريقى لن يكون حقيقيا”.
وقد أعرب الاتحاد الإفريقي مرارا عن مخاوفه من أن العجز المالي قد خلق فجوة كبيرة بين ميزانيته المقررة والتمويل الفعلي، مما يعيق التنفيذ الفعال لجدول أعماله. ووفقا للأرقام الصادرة عن الكتلة الافريقية، فإن 67 فى المائة فقط من تقييم الاتحاد الأفريقى للمساهمات المالية للدول الأعضاء يتم جمعها سنويا، مع تخلّف حوالى 30 دولة من الدول الأعضاء بالدفع بشكل جزئي أو كلى فى المتوسط سنويا.
وفى القمة الـ27 للاتحاد الأفريقى التى عقدت فى رواندا العام الماضى, تم تبني اقتراح تمويل لتوجيه جميع الدول الأعضاء إلى فرض ضريبة بنسبة 0.2 فى المائة على واردات السلع المؤهلة إلى القارة الأفريقية من دولة غير عضو في الاتحاد الأفريقى, وهي مبادرة تهدف أساسا إلى إيجاد مصدر منصف وواقعي لتمويل المنظمة وتقليل الاعتماد على أموال الشركاء الأجانب.
ويهدف اقتراح التمويل إلى تغطية 100% من الميزانية التشغيلية للاتحاد؛ 75 فى المائة من ميزانيته البرنامجية و25 فى المائة من صندوق السلام للاتحاد الأفريقى. غير أن تقريرا من الاتحاد يفيد بأن دولا مثل كينيا ورواندا وتشاد وإثيوبيا وجمهورية الكونغو وغانا كلها تحتل الصدارة فى تنفيذ الضريبة (نسبة 0.2 فى المائة).
ووفقا لما ذكره توماس كويسي كوارتي نائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، فإن الاقتراح التمويلي للاتحاد، بوصفه الهدف الرئيسي للإصلاح في الاتحاد الأفريقي، يهدف إلى المساعدة على التصدي بفعالية للتحديات التي لا تزال تعوق الاتحاد الأفريقي من تحقيق إمكاناته من خلال تجنب البحث عن المانحين.
“للتأكيد من جديد على نهضة أفريقيا وتقديرها للصعوبات التي نواجهها في الاعتماد المفرط على الشركاء في التنمية للأموال, الذين كانوا في تحيزهم وأولوياتهم يرفضون أحيانا روح وحدة الأفارقة، فإن جرّ الزخم نحو تنفيذ الضريبة البالغة 0.2 في المائة ما زال مستمرا,” يقول كوارتي.
وأعرب كوارتى أيضا عن أمله فى أن “تتولى جميع الدول الأعضاء الـ55 بالاتحاد الأفريقى تنفيذ هذا القرار بالكامل وفى الوقت المناسب بحلول عام 2018.”
وفي حين يلتزم الزعماء الأفارقة بالاعتماد الذاتي للاتحاد الأفريقى فى سعيها “نحو افريقيا المزدهرة”, فإن الأمم المتحدة، الشريك الرئيسى للاتحاد الأفريقى فى مختلف الأنشطة المتعلقة بالقارة، تجدد دعمها المستمر للمنظمة.
وفى كلمتها فى افتتاح القمة الـ 29 للاتحاد يوم الاثنين, أكدت الوزيرة النيجيرية السابقة ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد, أن الأمم المتحدة “تثني على القادة الأفارقة لالتزامهم بالاعتماد الذاتي كما يتجلى فى قرارهم بتمويل 25 فى المائة من السلام ودعم عمليات الاتحاد الافريقى بحلول عام 2020 “.
النزاع الحدودي بين جيبوتي وإريتريا
وطالب وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف, الاتحاد الأفريقي بنشر مراقبين على طول الحدود المتنازع عليها مع إريتريا منذ انسحاب القوات القطرية لحفظ السلام منذ أسبوعين. إذ أُرسلت هذه القوات إلى المنطقة بعد اندلاع اشتباكات بين إريتريا وجيبوتى فى عام 2008 وتمّ سحبها دون سابق إنذار فى 14 يونيو.
لم تقدّم قطر سببا لسحب قواتها لكنه جاء بعد أيام من انضمام كل من جيبوتي وإريتريا إلى الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع قطر.
وفي هذا الصدد قال الوزير لوكالة رويترز’ إن “القوات القطرية غادرت في غضون مهلة قصيرة دون أي تمهيد، فترك الوضع الراهن لم يكن في مصلحة البلدين … لقد اقترحنا على الاتحاد الأفريقى أن يتولى الجانب المتنازع عليه وسد الفجوة، ونحتاج من الاتحاد الأفريقي العمل بسرعة”.
وكان الاتحاد الافريقى قد حث الدولتين فى وقت سابق على ضبط النفس، وقال إنه سينشر بعثة تقصى الحقائق إلى المنطقة المتنازع عليها, لكن دبلوماسيبن يقولون إن إريتريا لم ترد على هذا الطلب.
وقال يوسف إن الانتشار المحتمل للاتحاد الافريقي يمكن ان يشمل خبراء في مجال منع نشوب النزاعات أو أعضاء في “قوة احتياطية” إقليمية ينشئها الاتحاد.
وقد كشف رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي, موسى فكي محمد, في مؤتمر صحفي عقب الجلسة الختامية للقمة, عن أن “الاتحاد بصدد إرسال وفد إلى إريتريا للمساعدة في حل النزاع الحدودي بينها وبين جيبوتي”.
اختتام القمة:
وافق القادة الأفارقة في اختتام القمة الثلاثاء، على إصلاح منظمة الاتحاد الإفريقي، والعمل على إنهاء النزاعات في أفريقيا. فـ “الإصلاحات التي اعتمدتها القمة لا تروق للكثيرين، إلا أنها مهمة لتحقيق المشروعات التنموية وآمال الشعوب الإفريقية,” يقول رئيس الاتحاد، ورئيس غينيا، ألفا كوندي، خلال الجلسة الختامية للقمة بمقر الاتحاد.
وأضاف أن “هناك من اعتادوا التحكم في مصالح إفريقيا، لذا نريد قارة موحدة تعرف احتياجاتها.
لقد اتفق القادة الأفارقة “على العمل المشترك في كافة القضايا العالمية، وتوحيد صوتهم في القضايا الإفريقية، إضافة إلى العمل من أجل تمكين الشباب والنساء في القارة”.
وأضاف كوندي, “مهمتنا هي أن نؤًمن التقدم لقارتنا على مستوى الاقتصاد لتكون قارة المستقبل في العالم، وهذا لن يحدث إلا من خلال احترام التزاماتنا في استثمار طاقة وموارد إفريقيا عبر العمل المستمر”.
وأكّد الرئيس الغيني على أن “القادة الأفارقة اتفقوا على مواصلة جهودهم لإنهاء النزاعات والصراعات التي تشهدها بعض مناطق القارة، خاصة جنوب السودان ومنطقة الساحل وحوض تشاد.”
كما اتفق القادة، على “الإسراع بتنفيذ القرارات الرامية إلى إسكات البنادق بحلول عام 2020، وتمويل مشروعات الشباب في كل الدول الافريقية، والتأكيد على ضرورة استقلال إفريقيا عن التأثيرات الخارجية”.