اتخذ رئيس نيجيريا محمد بخاري قرار البقاء في لندن لمدة أطول مما يتوقع, وسط شكوك في إجازته الطبية ونوع مرضه. ولا يملك الشعب النيجيري سوى الانتظار إلى حين رجوعه, أما مطالبة البعض بضرورة أن يحدّثهم الرئيس ليطمئنهم بشأن حالته وصحته؛ فهذه مما لا ينص عليه القانون اللهم إلا إذا قرّر الرئيس نفسه أن يتحدث معهم بشأن الأمر. هذا ما صرح به المتحدث باسم الرئاسة فيمي آديشينا عندما حلّ ضيفا في إحدى القنوات النيجيرية.
ويضيف أديشينا : لقد أبلغ الرئيس الجمعية الوطنية عن “نيته لتمديد إجازته كي يكمل ويستلم نتائج سلسة من الاختبارات التي أوصى بها أطباؤه,”.
غير أن غيابه وعدم الإفصاح عن طبيعة مرضه أدى إلى أن تسيطر الإشاعات والمخاوف عن وفاته و “خطورة مرضه” على الوضع السياسي في البلاد, وذلك خلال أسابيع منذ مغادرته البلاد.
الإجازة الطبية والمظاهرات:
في يناير الماضي أفاد المتحدث باسم الرئيس محمد بخاري أنه سيسافر إلى بريطانيا في يوم الخميس (الموافق 19 يناير 2017) لفحوصات علاجية وأنه يتوقع رجوعه إلى البلاد لاستئناف مهامه في 6 فبراير من الشهر الجاري.
وقال فيمي أديشينا في بيانه “أثناء غيابه, سيؤدي نائب الرئيس, ييمي أوسنبانجو, مهام مكتب الرئيس .. وخلال هذه الإجازة, سيخضع الرئيس أيضا لفحوصات طبية روتينية.”
فلم يعطِ بيان المتحدث أو رسالة الرئيس إلى الجمعية الوطنية أي تفصيلات عن الأسباب التي أدت إلى أن يطلب الرئيس إجازة طبية. لكن بخاري كان قد سافر إلى لندن في يونيو 2016 في إجازة مدتها 10 أيام, خضع أثناءها لعلاج عدوى في أذنه.
وبينما يستعدّ النيجيريون في نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري لاستقبال رئيسهم, إذ تفاجأ جمهور المواطنين برسالة خطية بُعثتْ إلى الجمعية الوطنية، أعرب فيها الرئيس محمد بخاري عن رغبته في تمديد إجازته في لندن لاستكمال علاجه وفحوصاته.
ووفقا لمتحدثه أديشينا، فإن الرئيس يعتزم العودة إلى أبوجا مساء يوم الأحد (الموافق 5 فبراير 2017) ولكنه أصغى لنصائح أطبائه الذين اقترحوا له الانتظار لاستكمال دورة اختباره قبل العودة. مشيرا إلى أنه تمّ إشعار رئيس مجلس الشيوخ “بوكولا ساراكي” ورئيس مجلس النواب “ياكوبو دوغارا” بالأمر. معبرا عن امتنان الرئيس بخاري للنيجيريين لدعواتهم ومتابعاتهم له.
بعد يوم من صدور بيان تمديد عودة بخاري, شهدت عدّة مدن في البلاد تظاهرات شارك فيها مئات النيجيريين, محتجين على الفقر والفساد, وعلل ذلك أوموييلي سُووُوْرَيْ – الناشط الشهير ومؤسس أكبر صحيفة تشاركية أفريقية – بأن النيجيريين “محبطون ومتعبون مع هذه الحكومة الغائبة”. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها: “العاطلون عن العمل يجوعون ويغضبون.”
يذكر أن أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع ارتفعت كما تواجه نيجيريا انخفاض الأسعار العالمية للنفط الذي تعتمد عليه الحكومة وتم تخفيض قيمة العملة نايرا بسبب نقص هائل من العملات الأجنبية.
ومما يلفت الانتباه في تلك المظاهرات التي وُصمت براية وهشتاق #IStandWithNigeria, ما صرّح به أحد المحتجين حيث أشار إلى أن نظام حكومة نيجيريا مكلفة وأن الديمقراطية تحولت إلى “الحكومة من قبل الأغنياء، للأغنياء، لصنع القوانين لكي يعاني الفقراء”.
وعلى الرغم من حملة بخاري لمحاربة الفساد إلا أن معظم النيجيريين يرون أنها لم تحقق بعدُ النجاح المطلوب رغم الملاحقات القضائية رفيعة المستوى واحتجاز عشرات المسؤولين السابقين والحاليين.
وبالنسبة للبعض, فإن الأمل الذي ولدته انتخابات بخاري في عام 2015 صار يتبدد شيئا فشيئا, حيث تراجعت أكبر اقتصاد في إفريقيا إلى الركود وما زال محللون اقتصاديون يقولون بأن الحكومة الحالية ليس لديها حتى الآن أي خطة بديلة لإنعاش النمو الاقتصادي.
تمديد الإجازة والشائعات:
ومنذ الوهلة الأولى من إعلان سفر بخاري إلى لندن وأمره بنقل السلطة الرئاسية مؤقتا إلى نائبه أوسينبانجو، بدأت التكهنات حول صحته وأشعل البيان الأخير عن تمديد إقامته في الخارج عدةمخاوف.
بل ذهبت التكهنات إلى أبعد مما يتوقع – لتنتج عنها شائعات عن وفاة بخاري في الشهر الماضي, والتي تلقى رواجا هائلا في المواقع الاجتماعية, الأمر الذي أدى إلى انتقادات واسعة من قبل مسؤولي الحكومة ونيجيريين في الداخل والخارج مع إلقاء اللوم في انتشار تلك الإشاعة على الذين يتمنون رؤية تداعي نيجيريا والذين يعارضون سياسة بخاري في البلاد.
أما المتحدثان باسم الرئيس النيجيري والمساعدان, “فيمي أديسينا” و “غاربا شيخو”, فقد وصفا الشائعات بأنها “شريرة”, نافيان تلك التقارير عن حالته الخطرة, وخصوصا في صفحاتهما الاجتماعية.
وقال أديشينا: “أطيب التمنيات لجميع الذين يتمنون للرئيس محمد بخاري صحة جيدة.
“أما بالنسبة لأولئك الذين يروجون للشائعات الشريرة، آمل أن يحصلوا على فرصة للتوبة.”
وردّ غاربا شيخو على الإشاعة عن وفاة الرئيس وعدم صحة ما يُنشر بأنه نُقل جَوًّا إلى ألمانيا, قائلا: “إنه على قيد الحياة وبصحة جيدة! الرئيس بخاري ليس ساحرا. إذ لا يمكن له أن يقضي عطلته في المملكة المتحدة، ويكون في الوقت نفسه في ألمانيا، سواء كان حيا أو ميتا.”
وأضاف “إنه على عكس الرئيس السابق (يقصد غودلاك جوناثان) الذي كان مع الرئيس أوباسانجو في أوتا (مقر الأخير) وهو يحضر في الوقت نفسه حفلة تنصيب ترامب في واشنطن العاصمة، ليكون موجودا في مكانين في الوقت نفسه!”, وهو يعني بردّه ما يتداوله أنصار الرئيس السابق جوناثان بأنه مدعوّ من قبل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لحضور حفلة رئاسته بدل دعوة الرئيس الحالي محمد بخاري, بينما الحقيقة تفيد أن الرئيس السابق جوناثان موجود في أوتا مع الزعيم أوباسانجو.
مخاوف وآراء:
أثار الإعلان المفاجئ عن إجازة الرئيس محمد بخاري مخاوف عديدة، بالرغم من أن مساعديه نفيا عدة مرات وجود أي مشاكل صحية ، لكن صمتهما عن تحديد تاريخ محدد لعودة بخاري، يغذي الشائعات والتوقعات في ظل نظام سياسي هش .
وكما تفيد الصحيفة التشاركية “صحراء ريبوترز” في تحقيقاتها, فإن الرئيس – البالغ من العمر 74 عاما – قد يحتاج إلى البقاء في لندن لحوالي أربعة أشهر حتى يتمكن من حلّ عدد من مشاكله الطبية.
وتابعت الصحيفة أن مصادرها في الرئاسة كشفت لها أن صحة بخاري تتطلب عملية جراحية كبيرة من شأنها أن تجبره لترك منصبه الرئاسي لمدة أربعة أشهر على الأقل، ولكن أعضاء مجلس الوزراء رفضوا السماح له بالبقاء لمثل هذه الفترة الطويلة خوفا من خسارته لنفوذه وقوته.
وعاش المواطنون في نيجيريا مثل هذه الأحداث من قبل، فخلال عام 2010، توفي رئيس البلاد وقتذاك, موسى يارادوا, أثناء رئاسته، وهو في سن 58 من عمره، بعد أشهر من اعتلال الصحة على الرغم من التأكيدات المتكررة من قبل رئاسة الجمهورية على أنه بخير.
وقبل وفاته، لم يصدر يارادوا أي أوامر بنقل السلطة إلى نائبه غودلاك جوناثان، مما ترك أوقاتا متوترة، وفترة من عدم اليقين وحدوث فراغ في السلطة.
بالنسبة لكثير من النيجيريين بعد وفاة يارادوا, فإن الذنب الأكبر يكمن في سرية أوضاعه الصحية وكتمانها عن الشعب. وبعد أقل من عقد من الزمن، يبدو أن رئيسا آخر يحاول تكرار نفس الخطأ. غير أن تصفح تاريخ أفريقيا يفيد بأنه دائما ما تتكرر قصة الرؤساء المرضى الذين يُعدّون في عداد المفقودين إبان طلبهم للعلاج في الخارج.
ومن جانب آخر, ليس هناك أي انتهاك دستوري في أن يلتمس الرئيس محمد بخاري عطلة علاجية وخاصة لكبر سنّه, لكنّ قراره في أن يحصل عليها في الخارج يعاكس خطاب حكومته وندائها لإعطاء الأولويات لرعاية الأعمال التجارية المحلية والصناعات النيجيرية. مما يشير إلى تحوّل محتمل في توجه الحكومة التي أعلنت سابقا في العام الماضي أن مخصصات الرحلات الطبية للمسؤولين الحكوميين إلى الخارج لم تعد متوفرة وأنها ملغاة.
إن قرار الرئيس بخاري لتلقي العلاج في الخارج يكشف عن انعدام الثقة في مرافق الرعاية الصحية المحلية في نيجيريا بينما الملايين من النيجيريين لا يستطيعون تحمّل رحلات علاجية مكلفة في الخارج. وعلى الرغم من أن عيادة مبنى رئيس الدولة ممولة تمويلا جيدا وكافيا، إلا أن رحلة بخاري الطبية تعتبر الثانية من نوعها في أقل من عام.