بعد أكثر من خمس سنوات من الاستقلال، تعانى جنوب السودان من حرب أهلية أسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 50 ألفا و 1.6 مليون نازح. واندلعت الحرب في ديسمبر 2013 بعد توجيه الرئيس سلفا كير اتهامات ضدّ زعيم المتمردين ونائبه السابق رياك مشار بتخطيط انقلاب.
غير أن هناك من يرى أن هذه الحرب لم يكن في الأصل نزاعا عرقيا، أو كما يقول الباحث في القضايا الأفريقية, أليكس دي وال. “السبب في أن الأمور تحولت من أزمة سياسية إلى حرب لم تكن بسبب الانقسامات العرقية في حد ذاتها، ولكن لأن الجيش لم يكن جيشا مؤسسيا مهنيا”، يقول دي وال. وللتحرك نحو السلام في جنوب السودان، “ينبغي أن تتخذ المبادرة على المستوى الأفريقي، ولا سيما من قبل الاتحاد الأفريقي”، يضيف دي وال.
في 26 أغسطس 2015, وبعد تهديد العقوبات الدولية وعدة جولات من المفاوضات بدعم من الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد)، وقع الرئيس سلفا كير اتفاق سلام مع زعيم المتمردين ونائب الرئيس السابق رياك مشار, مما أدى إلى عودة الأخير إلى جوبا في أبريل 2016 – كخطوة أولية نحو انتهاء الحرب الأهلية، وأدّى اليمين كنائب للرئيس، بعد قضاء أكثر من عامين خارج البلاد.
عقب عودة رياك مشار، سرعان ما اندلع العنف مرة أخرى بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة. ونتيجة لذلك, تم تشريد عشرات الآلاف من الجنوب أفريقيين مرة أخرى, وفرّ مشار من البلاد، ليُحلّ الرئيس سلفاكير محله الجنرال تابان دنغ جاي كنائب الرئيس.
في ظل استمرار القتال وتدهور الأوضاع, أعلنت وكالات الأمم المتحدة مؤخرا, المجاعة فى حوالي 40 في المئة من أجزاء جنوب السودان, موضِّحة أن الحرب وانهيار الاقتصاد قد خلفا حوالي 100 ألف شخص يواجهون المجاعة.
ولكن.. هناك تقرير حديث يتهم حكومة جنوب السودان بإنفاق عائداتها النفطية على الأسلحة بدلا من الأغذية والاحتياجات الأساسية التي تهمّ المواطنين، في الوقت الذي يعاني فيه البلد مجاعة سببتها العمليات العسكرية والحرب الأهلية المتواصلة, مما يثير تساؤلات منها: من أين تأتي الأسلحة المستخدمة في جنوب السودان؟ وهل هناك شيء مخفي عن تلك الأسلحة – حتى استعصى على الأمم المتحدة فرض حظر لها مرارا وتكرارا ؟
الصين:
أفاد تقرير من مجموعة أرمامينت للبحوث’ بأن هناك أسلحة صنعتها الصين وباعتها للسودان, لكن هذه الأسلحة وجدت طريقها إلى المتمردين فى جنوب السودان.
ذكرت المجموعة البحثية التى تتخذ من لندن مقرا لها, أنها قامت فى مايو 2016 بتوثيق 1300 صندوق من الذخائر التى استولى عليها جيش جنوب السودان – المعروف سابقا باسم “جيش التحرير الشعبى السودانى”. وسيطرت القوات الحكومية على هذه الذخائر من فصيلة متمردة داخل الجيش الشعبي لتحرير السودان, وهذه الفصيلة المتمردة تعرف بـ” الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة”.
وقالت جوستين فلايشنر الباحثة في المجموعة الخاصة بجنوب السودان, إن هذه الذخائر تم اكتشافها في ولاية الوحدة الشمالية التي تقع على الحدود مع السودان, وقد تم دهن صناديقها لتفادي معلومات الشحن التي أوضحت أن مصدرها الصين.
وأضافت أنه “على الرغم من هذه الجهود، اكتشفنا ان العتاد العسكري كان جزءا من شحنة عام 2014 إلى جهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني”.
“ويشير تاريخ الشحنة أيضا إلى أن العتاد قد تم تحويله بسرعة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة في ولاية الوحدة، ويفترض أن يكون التحويل من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني. الصين لا تزال تكافح من أجل تنسيق سياستها بين مختلف الجهات الفاعلة في السودان.”
ويبرز هذا التقرير العلاقة الصينية المعقدة مع كل من السودان وجنوب السودان، باعتبارها حليفا تاريخيا للسودان، إضافة إلى تأييدها لجنوب السودان المستقلة حديثا، حيث كانت للصين استثمارات هائلة في نفط البلاد.
الأمم المتحدة:
في تقرير “سمال ارمز سوفي” – وهي مجموعة بحث مقرها جنيف, والذي صدر في ديسمبر 2016, أعطت بعثة الأمم المتحدة فى جنوب السودان أسلحة لجنرال كبير من المتمردين بعد أسابيع من بدء الحرب الأهلية، وواصلت قوات هذا الجنرال تنفيذ إحدى “أسوأ الفظائع” فى الحرب, بحسب هذا التقرير.
ووجدت مجموعة البحث، أنه في ديسمبر 2013 سلّم مسؤولو الأمم المتحدة فى بلدة بانتيو بولاية الوحدة الشمالية, العشرات من الأسلحة والذخيرة إلى الجنرال جيمس كوانغ. وبعد أربعة أشهر, قتلت قواته مئات المدنيين الذين كانوا يقيمون في مسجد ومستشفى في بانتيو – وفقا للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان.
لكن الجنوال كوانغ يقول فى مقابلات أن القتلى ليسوا مدنيين بل هم أعضاء فى ميليشيات موالية للحكومة. والتقرير أيضا لم يذكر ما إذا كانت الأسلحة التى قدمتها الأمم المتحدة هي التي استخدمت فى المذبحة.
وردا على سؤال حول هذه المزاعم, قال مكتب حفظ السلام التابع للأمم المتحدة فى نيويورك فى بيان أن بعثة الأمم المتحدة سلمت الأسلحة للجنرال كوانغ قبل وقت قصير من انشقاقه من الحكومة, “ردا على تهديدات مباشرة” من القائد.
جدير بالذكر أن الأمم المتحدة أسست بعثة لحفظ السلام في جنوب السودان في عام 2011 والتي زاد عدد أفرادها إلى ما يزيد على 13,000 جندي وشرطي.
منذ بداية الصراع في جنوب السوان, وجدت بعثة الأمم المتحدة نفسها متورطة فى وسط الاتهامات, حيث يتهمها كل جانبي الصراع بدعم الآخر مما يسفر عن تعرض قواعد الأمم المتحدة للهجوم فى بعض الأحيان. كما أن التحقيقات والمجموعات الإنسانية ومجموعات البحث التابعة للأمم المتحدة, اتهمت بعثة الأمم المتحدة بعدم توفير الحماية الكافية للمدنيين، بمن فيهم المحتمون بقواعدها.
وذكر التقرير أن مسئولى الأمم المتحدة فى جنوب السودان قالوا إنهم قدموا حوالى 80 بندقية هجومية وخمسة مدافع رشاشة وقنابل يدوية وذخائر إلى الجنرال القائد كوانغ. وفى الوقت نفسه قام مسؤولو الأمم المتحدة فى بانتيو بإبلاغ مقر قيادة البعثة فى جوبا أنه تم نقل 40 بنادق. ونقل التقرير عن متمرد مجهول قوله إنهم تلقوا 500 بندقية من الأمم المتحدة.
أما القائد الجنرال جيمس كوانغ الذي ينتمي إلى قبائل النوير, كان المسؤول العسكري الأعلى في بانتيو عقب بدء الحرب, وانشق من الحكومة مسيطرا على بانتيو, وطلب من الأمم المتحدة أن تقدم له البنادق – وفقا لما جاء فى التقرير. وقد استجاب مسئولو الأمم المتحدة لطلبه لأنهم اعتبروا الجنرال “صديقا” – كما جاء التقرير.
“عندما تولى [جيمس] كوانغ السلطة، كنا جميعا نعرفه”. نقل التقرير عن مسؤول لم يتم التعرف عليه من بعثة الأمم المتحدة فى جنوب السودان. “كانت غالبية زعماء المعارضة في بانتيو محاورينا المعتادين. بل قمنا بتدريبهم”.
وذكر هذا التقرير الذي أعده “سمال ارمز سوفي”, أيضا أن مسئولى الأمم المتحدة فى بانتيو طلبوا من رؤسائهم فى العاصمة جوبا تقديم توجيهاتهم تجاه طلب الجنرال كوانغ للأسلحة, ولكن لم يجب أحد من هؤلاء الرؤساء، ولذلك اتخذوا قرارهم الخاص. وأضاف التقرير أنه تم رفض طلب لاحق من كوانغ للحصول على مزيد من الأسلحة.
ثم فرضت الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية عقوبات على الجنرال كوانغ, حيث قالت وزارة الخزانة الأمريكية أن المتمردين “استهدفوا المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، بالقتل والعنف الجنسى والاعتداءات على المدارس والمستشفيات والمواقع الدينية والمواقع التى يلتمس فيها المدنيون اللجوء”.
وفى الوقت نفسه, حاولت هيلدا جونسون, رئيسة بعثة الأمم المتحدة فى جنوب السودان فى بداية الحرب, إعطاء حكومة جنوب السودان, الأسلحة التى تم جمعها من النوير الذين فروا إلى قاعدة تابعة للأمم المتحدة هناك بعد أن قام الجنود الحكوميون بـ”إعدام” المواطنين المنتمين للنوير، وفقا للتقرير.
رفضت إدارة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام فى نيويورك, قرار رئيسة البعثة جونسون بتقديم الأسحلة للحكومة، حسبما ذكر التقرير نقلا عن برقية أُرسلت إليها من المكتب الرئيسي. وبعد تنازل جونسون في يوليو 2014، دمر خليفتها الأسلحة، وفقا للتقرير.
إسرائيل ودول أوربية:
ذكر تقرير سريّ للجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة وأُرسل إلى مجلس الأمن الدولى في أوكتوبر 2016, أن الأسلحة الأوربية والاسرائيلية تؤجج الحرب الأهلية فى جنوب السودان. وأوضح التقرير كبف كانت شبكات الأسلحة تنقل بسهولة إلى هذه الدولة الأفريقية.
إن الدليل “يوضح الشبكات الراسخة التى يتم من خلالها تنسيق عمليات شراء الأسلحة من الإمدادات فى شرق أوربا والشرق الأوسط ومن ثم نقلها عبر وسطاء فى شرق إفريقيا الى جنوب السودان,” يضيف التقرير.
وقام الخبراء أيضا بالتحقيق في شبكة للاتجار بالأسلحة مقرها في أوربا, وتعمل هذه الشبكة من خلال وسيط سنغالي تلقى قائمة من الأسلحة والذخائر من المتمردين في عام 2014. كما قدم التقرير تفاصيل عن بيع 4000 بندقية هجومية من قبل شركة بلغارية إلى وسيط في أوغندا. وتم نقل الأسلحة لاحقا إلى جنوب السودان.
إن استمرار وجود وفرة من الأسلحة للمدنيين والجنود على حد سواء، وقلة الرقابة عليها أو السيطرة عليها، سيؤدي لا محالة إلى تأجيج الحرب وتعميق الحالات الإنسانية المتفاقمة بالفعل، مما يهدد بإطالة أمد الصراع إلى أجل غير مسمى.
المصادر:
– A State of Disunity: Conflict Dynamics in Unity State, South Sudan, 2013–15. Small Arms Survey, Graduate Institute of International and Development Studies, Geneva.
– Human Rights Watch: South Sudan’s New War, Abuses by Government and Opposition Forces
https://goo.gl/fgP1Bq
– UN Report: China Sold $20 Million in Arms and Ammunition to South Sudan, The Diplomat.
https://goo.gl/azOTOV
– The Times Of Israel: Israeli arms ‘helping to fuel South Sudan war,’ says UN
https://goo.gl/ltQsOK