في مفاجأة سياسية يوم الأربعاء (8 فبراير), أعلن البرلمان الصومالي, فوز “محمد عبد الله محمد فرماجو” رئيسا جديدا للبلاد, بهزيمته للرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود بعد جولتين من التصويت من قبل النواب في المطار في العاصمة المحصّنة بقوات أمنية – مقديشو.
واندلعت الاحتفالات في جميع أنحاء البلاد بعد إعلان البرلمان، مع ترديد الحشود الأغاني الشعبية في الشوارع, وإطلاق القوات الصومالية أعيرة النيران في سماء الليل ترحيبا بالإعلان, يضاف إلى ما سبق تجمهر الحشود في حي إيسلي في العاصمة الكينية نيروبي حيث يوجد الصوماليون بكثرة.
وقبل الانتخابات أو “الاختيار” – كما يفضل البعض تسمية العملية -, كان فرماجو خيارا شعبيا بين الصوماليين في جميع أنحاء العالم. ولأن البلاد ليس بإمكانه إجراء اقتراع عام, فقد قام حوالي 329 مشرعين في البلاد باختيار الرئيس نيابة عن الصوماليين. وهذا يؤدّي إلى طرح السؤال: لماذا تضاءلت شعبية الرئيس السابق حسن شيخ محمود؟
انتقادات موجهة للحكومة السابقة:
عندما أصبح الأكاديمي السابق حسن شيخ محمود رئيسا للصومال في أواخر عام 2012، قوبل انتخابه بآمال باعتباره إشارة للتقدم في بلد يحاول النهوض من دمار سنوات من الحرب وهجمات الحركة المسلحة “الشباب”. وكانت إدارته هي الأولى من نوعها في الصومال التي يتم الاعترف بها دوليا بعد أكثر من عقدين من الزمن, لتجذب فيما بعد التزامات المساعدات بقيمة أكثر من 2 مليار دولار.
غير أن هذا الأمل سرعان ما اختفى بسبب اتهامات الفساد والسياسة العشائرية والصراع على الموارد – بما فيها التنقيب عن النفط.
تفيد التقارير الدولية بأن الأموال العامة كثيرا ما يتم تحويلها واختلاسها, إذ وجدت في إحدى الحالات أن حوالي 80٪ من تحويلات المبالغ المدفوعة من قبل البنك المركزي الصومالي كانت لأشخاص من القطاع الخاص لأغراض غير التجارية. كما أن مسؤولي الحكومة الذين لهم علاقات وثيقة مع الرئيس استخدموا البنك المركزي للتحكم في الأصول المستردّة من الخارج بما فيها النقد والذهب في البنوك الخارجية خلال الحرب الأهلية الصومالية وكذلك الممتلكات الحكومية في الخارج. وقد استقال محافظ البنك بعد أن تم الكشف عن تفاصيل القضية في عام 2013. كما أن سلفه المعين من قبل الرئيس، قدّم استقالته أيضا بعد أسابيع بسبب التدخل السياسي الثقيل والفساد. مما أدى إلى زيادة توتر العلاقات بين حكومة الرئيس حسن شيخ مع الجهات المانحة, لكن الرئيس والمقربين له دائما ما ينفون ارتكاب أي مخالفات.
في عام 2014، وصف جيمس كلابر، مدير المخابرات القومية الأمريكية قيادة الرئيس محمود بـ”الضعيفة” منتقدًا “الصراع السياسي المستمر” في حكومته التي لم تبلغ من العمر حينها سوى 16 شهرا. ليكون أول تصريح دولي ضدّ حكومة حسن شيخ, ودليلا واضحا على الإحباط المتزايد لمؤيديها من الغرب.
واتهم النقاد المحليون الرئيس بالسعي نحو مركزية مفرطة للسلطة في البلاد التي بحاجة ماسة للفيدرالية اللامركزية لتجنب إخفاقات الديكتاتورية الماضية.
قدّم نواب صوماليون في أوغسطس عام 2015 مذكرة للبرلمان لإقالة الرئيس حسن شيخ محمود، بتهمة إساءة استخدام السلطة, وهي خطوة أيدها منتدى الوحدة والديمقراطية – وهو تحالف من الأحزاب السياسية في الصومال.
“نحن نريد أن نقدم مذكرة ضد الرئيس الصومالي لخيانة الأمة والفساد وأسباب أخرى كثيرة،” يقول حينها محمد عبد الله فادحايي لوكالة رويترز دون الخوض في تفاصيل.
“لقد تصرّف الرئيس … بشكل غير دستوري، وقد قوّض نزاهة واستقلالية مؤسساتنا الوطنية,”، يقول بيان للتحالف عقب تقديم المذكرة.
وشكت الجهات المانحة مرارا أن حكومة حسن شيخ محمود لا تقوم بما يكفى لمحاربة ضياع الأموال ومكافحة الكسب غير المشروع، مشيرين إلى أن سرقة الموارد الحكومية الشحيحة تحبط الجهود لبناء دولة فاعلة.
أما التكنوقراط الصوماليون بما فيهم الشتات المتحمسون للعودة إلى بلادهم للمساعدة في إعادة بنائه, تذمروا مرارا على أن بإمكان مسؤولين مانحين ولو برتبة دنيا أن يمروا فوق رؤوسهم رافضين التعامل مع أي شخص سوى الرئيس، وهم يقوضون بذلك الجهود الرامية إلى بناء المؤسسات ذاتها التي تدعي الجهات المانحة أنها تريد إيجادها.
“لا توجد مؤسسات تم إنشاؤها في الصومال,” يقول الرئيس محمود في مقابلته مع فاينانشيال تايمز عام 2014, “قد انهار كل شيء، ونحن نبدأ ببنائها من الصفر”.
بدأت عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد منذ أشهر مضت، بقيام حوالي 14,000 شيوخ وشخصيات إقليمية بارزة باختيار 275 نائبا و 54 من أعضاء مجلس الشيوخ. ثم يقرر هؤلاء المختارون ما بين دعم حسن شيخ محمود – الذي انتخب في عام 2012 – لولاية ثانية، أو اختيار شخص آخر من عدد 21 منافسا.
عزز الرئيس الجديد محمد عبدالله محمد فرماجو، أوراق اعتماده كزعيم قومي صومالي وذلك بحملة انتقاداته للدول المجاورة التي يتهمها بمحاولات التأثير في الانتخابات مُعْطيًا الصوماليين وعدَه بمحاربة المتشددين المسلحين.
وساهم سجله القوي خلال عهده القصير كرئيس وزراء الصومال بين عامي 2010 و 2011 في دعم صورته نسبيا كتكنوقراطي تدريجي. وانتقل بعد استقالته من المنصب إلى بافالو في شمال ولاية نيويورك، حيث كان يعمل كمسؤول الولاية في وزارة النقل.
تحديات تنتظر الرئيس الجديد:
يرى منتقدو الرئيس الجديد محمد فرماجو، أنه عديم الخبرة في المجال السياسي, ويشعرون بالقلق من آرائه الاستقلالية التي يمكن أن يثير غضب دول الجوار مثل إثيوبيا وكينيا – فكلا الدولتين من المساهمين الأساسيين في قوة حفظ السلام الإقليمية بالصومال. ويتوقع أيضا أن يختيار الرئيس الجديد وزراءَه – سيتم اختيارهم من عشيرة مختلفة – من ذوي الرؤية والأفكار التي تتوافق مع رؤية الرئيس.
لقد أجبر التهديد من حركة الشباب المسلحة, الحكومة ومؤيديها الغربيين لإلغاء خطة تصويت كل البالغين. وقرر المسؤولون أن التحدي المتمثل في تأمين مراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد لايمكن التغلب عليها. غير أن التحدي الأكبر قد يكمن في مزاعم الفساد المنظم. إذ يتهم مرشحو الرئاسة المتنافسون بعضهم البعض بشراء ولاء النواب، ويقول نشطاء مكافحة الفساد المحليون أنه تم توزيع عشرات الآلاف من الدولارات للأفراد لتأمين الدعم في التصويت.
“هذه ربما هي أغلى الانتخابات – في التاريخ – من حيث التصويت،” تقول مجموعة مرقاة لمكافحة الفساد ومقرها مقديشو في تقرير صدر يوم الثلاثاء.
ويعترف المانحون الغربيون أيضا أن هذه الانتخابات ناقصة جدا، ولكنها بالرغم من ذلك تمثل خطوة متواضعة إلى الأمام, وهي أفضل من انتخابات عام 2012 عندما تم اختيار المشرعين من قبل 135 شيوخ فقط، والذين اختاروا – أي المشرعين – بدورهم رئيس البلاد. كما أنها تعطي مؤشرا إيجابيا بإمكانية حدوث انتخابات أكثر شمولا للمواطنين البالغين في عام 2020.
أن الرئيس فرماجو, فهو يتسلم دولة يوصف بـ”الهشاشة”, مشوهة بعمق الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وما زالت الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة – حركة الشباب – تشكل تهديدا أمنيا كبيرا، مع هجومها على المكاتب الحكومية والشركات الخاصة. إضافة إلى تحذيرات الأمم المتحدة مؤخرا من مجاعة وشيكة في البلاد – على غرار تلك التي أدت إلى وفاة ما يقرب من 260 ألف من المواطنين بين عامي 2010 و 2012.
ويبدو أن فرماجو نفسه على دراية كافية عن طبيعة مهامه الجديدة وتطلعات الشعب الصومالي, إذ قال بعد تأديته لليمين الدستورية أن فوزه يمثل مصالح الشعب الصومالي. “هذا الانتصار يعود إلى الشعب الصومالي، وهذا هو بداية عهد الوحدة، والديمقراطية الصومالية وبداية المعركة ضد الفساد”.