اختتمت قمة الاتحاد الأفريقي الثلاثاء, التي انطلقت في الاثنين الموافق 30/1/2017 في أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا, وذلك في دورتها العادية الـ 28 على مستوى القادة والزعماء, حيث سجلت حضور 37 من الزعماء الأفارقة.
وقد جرت هذه القمة في وقت كان الاتحاد بحاجة ملحة إلى إعادة دراسة مقترحات لإصلاح مفوضية الاتحاد الأفريقي (AUC). إذ هناك الكثير من الانتقادات للطابع الهيكلي لمفوضية الاتحاد في أديس أبابا، سواء من الخارج أو الداخل. ويرى كثيرون أن هذه العيوب هي المسؤولة عن الجمود البيروقراطي الذي يحد من فعالية وتأثير المنظمة.
يقودُ الدعواتِ الأخيرة لمحاولة الإصلاح – التي تعود جذورها إلى حوالي 10 سنوات ماضية – الرئيسُ الرواندي بول كاغامي, حيث أعدّ هو وفريق من الخبراء خطة مقترحا بخصوص القضية.
غير أن الحقيقة أنه لا توجد ضمانات أن الخطة التي أعدوها قابلة للتطبيق. وذلك لأن هناك خطرا يتمثل في أن رؤساء الدول يحاولون تسريع عملية معقدة ويستخدمون نهج “من أعلى إلى أسفل” والذي بدوره قد يقوض العملية من أساسها.
تشمل التحديات والعقبات داخل الاتحاد القاري، على سبيل المثال، حقيقة أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ليس باستطاعته تحديد مفوضيه ولا يمكنه تخصيص الحقائب الوزارية. وتشمل مجالات التحديات الأخرى؛ اتساق السياسات, والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة. وهناك من يقول أيضا أنه ينبغي خفض الأقسام الثمانية التابعة لمفوضية الاتحاد الأفريقي لتجنب التداخل مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية والدول الأعضاء.
القمة الـ28 وأهم ما جاء فيها
تركزت نقاشات قمة الاتحاد الأفريقي الـ28 التي اختتمت اليوم الثلاثاء على كيفية وطرق “تسخير العائد الديموجرافي من خلال الاستثمار في الشباب”. وانتخاب رئيسين جديدين لكل من الدورة الحالية ومفوضية الاتحاد.
ومن المحطات المهمة في القمة هي الجلسة الافتتاحية، وكلمات الرئيس التشادي – رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، إدريس ديبي, والجنوب أفريقية رئيسة مفوضية الاتحاد، نكوسازانا دلاميني زوما، وخطاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس, والمصادقة على عودة المغرب لعضوية الاتحاد الأفريقي.
1- دعم فلسطين وتوقيع مذكرة تفاهم:
جرى بين الاتحاد الأفريقي وحكومة فلسطين، توقيع مذكرة تفاهم بهدف التعاون بين الجانبين وتبادل الخبرات في مجالات التعليم والتكنولوجيا والطاقة, وذلك على هامش القمة قبل انطلاقها الاثنين.
وأثنى رياض المالكي, وزير الخارجية الفلسطيني, دور المنظمة الإفريقية في دعم القضية الفلسطينية. فـ”فلسطين تقدر عاليا هذا الدعم وتحرص على المشاركة في جميع القمم الافريقية لتعزيز العلاقات التاريخية بيننا,” يقول الوزير.
وأكد ارستاس موانشا, نائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي (السابق بعد انتخاب نائب جديد), على أن هذا التعاون من شأنه أن يعزز العلاقات والروابط التاريخية بين فلسطين والاتحاد الافريقي. مضيفا إن “إفريقيا تقف الى جانب خيار حل الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”، مشيرا إلى “وجود إرث ومصير مشترك بين الاتحاد الافريقي وفلسطين”.
من جانبه, أشاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن دور الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء في تبني قضية شعبه في المحافل الدولية، وتمنى أن يستمّر هذا الدعم حتى الخلاص من الآثار المدمرة للاحتلال الإسرائيلي وصولا إلى تأسيس الدولة الفلسطينية التي تكون عاصمتها القدس الشرقية، لتحقيق سلام شامل وعادل بمنطقة الشرق الأوسط.
وشدد في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للقمة الإفريقية، على أن إسرائيل تعرقل كل جهود التنمية من خلال استمرار احتلال أراضي ما بعد 1967، وبناء المستوطنات ونظام عنصري، ما يقوض فرص تحقيق السلام وإرساء قواعد الاستقرار، مؤكدا أن إسرائيل ما زالت تُمارس نفس الاحتلال الذي رفضه القادة الأفارقة العظام.
وأعرب عن شكره وتقديره لجميع أعضاء مجلس للأمن، وخاصة الدول الإفريقية لتصويتهم على قرار إدانة الاستيطان، مؤكدا أن فلسطين تمد يدها بالسلام لجيرانها في إسرائيل، مبديا تفهمه للمصالح الإفريقية ومحاولات إسرائيل بناء علاقات مع دول القارة، ولكنه يأمل ألا يأتي ذلك على حساب الدعم والتضامن الإفريقي التاريخي لفلسطين.
2- الأمم المتحدة والإشادة بالدول الأفريقية:
ومما استقطب ثناء زعماء المنظمات الدولية؛ دور الدول الإفريقية في فتحها الحدود أمام اللاجئين والنازحين الفارين من العنف، في حين أن أجزاء أخرى من العالم – بما في ذلك الغرب – تغلق حدودها وتبني جدرانا.
وقد أشاد بهذا الدور, الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في تصريحاته الاثنين في أديس أبابا، حيث شارك لأول مرة في قمة الاتحاد الإفريقي, قائلا: “الدول الإفريقية من بين مضيفي اللاجئين الأكبر والأكثر سخاء في العالم (…) لا تزال الحدود الإفريقية مفتوحة لأولئك الذين يحتاجون إلى الحماية، بينما يتم إغلاق الكثير من الحدود، حتى في البلدان الأكثر تطورا في العالم “.
وقوبل تعليقه بتصفيق حار من قبل مئات من القادة والمسؤولين وكبار الشخصيات الأفارقة الذين حضروا افتتاح القمة, بالرغم من أن الأمين العام غوتيريس لم يقم بالتطرق مباشرة إلى الأوامر التنفيذية التي وقعها الرئيس الأميركي ترامب مؤخرا لبناء جدار على طول الحدود المكسيكية، وكذلك حظر دخول مواطني 7 دول إسلامية، بينهم 3 في إفريقيا، للولايات المتحدة.
3- انتخاب رئيس جديد للاتحاد:
قام الاتحاد الإفريقي – بموافقة مجموعة دول غرب إفريقيا – بانتخاب الرئيس الغيني ألفا كوندي، رئيساً له لدورة جديدة في العام 2017, ليخلف سلفه في المنصب الرئيس التشادي إدريس دبي.
في كلمته لقبول المنصب, قال كوندي إنه ينبغي للدول الأعضاء العمل معا للنجاح في تحقيق التكامل بين الشعوب الأفريقية، مشيرا إلى أنه “يرحب طوعا وبكل تواضع رئاسة الاتحاد في عام 2017.” مضيفا إلى أن انتخابه بالإجماع يمثل شرفا له ولبلاده.
وسيشغل الرئيس كوندي هذا المنصب الشرفي, لمدة سنة واحدة، حيث يمنحه هذا المنصب الرئاسي القدرة على تمثيل القارة في العديد من الاحتفالات والمحافل الدولية مثل مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا (تيكاد)، ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، وقمة مجموعة الثمانية ومجموعة الـ20.
4- رئاسة جديدة لمفوضية الاتحاد
وبخصوص منصب رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي – والذي ترشح له خمسة مرشحين لخلافة دلاميني زوما، الوزيرة الجنوب أفريقية السابقة وأول امرأة تترأس الاتحاد الافريقي؛ فقد كان من نصيب وزير خارجية تشاد موسى فك (أو فقيه) محمد، كما ذهب منصب نائب رئيس المفوضية للغاني توماس كويسي كوارتي – والذي تغلب على منافسيه وهم؛ ياسين علمي بوه – من جيبوتي، عبدالحكيم ألوير رجب – من ليبيا، تيكر تيكر كلاوري – من الكونغو.
وجاء فوز موسى فكي يوم الاثنين في الجولة السابعة من التصويت، على هامش القمة الإفريقية بالعصمة الإثيوبية بأديس أبابا، حيث حصل على 38 صوتا من أصل 54 صوتا، ليخلف بذلك دلاميني زوما.
وكان هذا الفوز مفاجئا لجل المتابعين, حيث يتوقعون أن يصبّ ذلك في نصيب وزراء خارجية كينيا أمينة محمد، أو بوتسوانا بيلونومي فينسون مواتوا، أو السنغال عبد الله باتيلي، أو غينيا الاستوائية أجابيتو أمبا موكي.
كما أن فوز نائبه الغاني “كوراتي” كان بفارق أصوات كبير، حيث حصل على 44 صوتاً، وحلّ المرشح الجيبوتي في المركز الثاني بـ 9 أصوات، وليبيا بصوت واحد فقط.
وفي أول تصريحه عقب فوزه بالمنصب، قال موسى فكي، إنه “سيكون سفيرا لكل إفريقي، وسيعمل من أجل النهوض بالقارة والدفاع عن مصالحها”.متعهدا بالعمل مع جميع القادة الأفارقة لتنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقي وتحقيق التكامل الاقتصادي، بالإضافة إلى القضايا التي بحاجة إليها إفريقيا خاصة تحديات السلم والأمن والإرهاب، وتعزيز العمل الإفريقي الموحد.”
فمن هو “موسى فكي محمد” ؟
ولد في 21 يونيو عام 1960, في بلدة “بيلتين” بشرق تشاد, وينتمي إلى المجموعة العرقية نفسها التي ينتمي إليها الرئيس التشادي إدريس ديبي – عرقية الزغاوة. وكان مدير الحملة الانتخابية لإدريس ديبي خلال الانتخابات الرئاسية عام 2001.
حتى وقت انتخابه في رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي, كان موسى فكي محمد وزير خارجية تشاد، وهو المنصب الذي يشغله منذ أبريل 2008. وشغل أيضا منصب رئيس الوزراء بين يونيو 2003 وفبراير 2004، واستقال من منصبه وسط إضراب الخدمة المدنية. بالإضافة إلى توليه منصب وزير الأشغال العامة والنقل (2002).
حصل على تعاليمه الجامعية بالكونغو برازافيل حيث درس القانون العام. وغادر إلى المنفى بعد تولي حسين حبري سلطة تشاد في عام 1982. وعاد من المنفى عندما تولى إدريس ديبي إتنو السلطة في عام 1991.
يجيد موسى فكي ثلاث لغات عالمية، وهي الإنجليزية والفرنسية والعربية. وأصبح الرئيس الخامس لمفوضية الاتحاد الأفريقي, والمرشح الثاني للمنصب من منطقة وسط أفريقيا. كان أول من شغل المنصب من وسط أفريقيا هو جان بينغ من الجابون بين عامي 2008 و 2012.
5- عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي:
اتخذت القمة الأفريقية الـ28 قرار الموافقة على طلب المملكة المغربية للعودة لعضوية الاتحاد, بعد تأييد أغلبية الأصوات بين الدول الأفريقية خلال جلسة مغلقة خصصتها القمة لبحث الطلب المغربي.
واستمعت القمة لمداخلات من 32 رئيسا أفريقيا رحبوا بالعودة، حيث المغرب استوفى الشروط القانونية لنيل العضوية، وهي المصادقة على القانون التأسيسي والانتماء جغرافيا إلى القارة، فضلا عن موافقة أغلبية الدول الأعضاء على طلب العودة.
وفي سياق متصل, ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن 12 دولة عضوا بالاتحاد الأفريقي – منها الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا وأنغولا- طلبت رأيا رسميا من هيئته القانونية لمعرفة هل بإمكان الاتحاد قبول بلد “يحتل جزءا من أرض دولة عضو”، في إشارة إلى سيطرة المغرب على الصحراء الغربية التي تطالب بها جبهة البوليساريو العضو بالاتحاد.
6- الجلسة الختامية للقمة الإفريقية
من الجدير بالذكر أن الملك محمد السادس وجّه رسالة إلى القادة الأفارقة، خلال قمة الاتحاد الإفريقي الـ27 العام الماضي، والتي استضافتها العاصمة الرواندية كيغالي, يعبر فيها الملك عن رغبة بلاده في استعادة عضويتها بالاتحاد القاري, ورحبت 28 دولة إفريقية شاركت في القمة بهذا الطلب. وحظي ذلك الطلب بالمصادقة من قبل القمة الإفريقية الـ28 في يوم الاثنين.
وانطلقت الثلاثاء في قاعة “نيلسون مانديلا” بمقر الاتحاد الإفريقي في أديس ابابا, أعمال الجلسة الختامية للقمة على مستوى رؤساء الدول والحكومات المشاركين، بحضور العاهل المغربي محمد السادس الذي لقي ترحيبا كبيرا لدى وصوله, مع أن حضوره هذا يُعدّ الأول منذ انسحاب بلاده من الاتحاد قبل 33 عاما.
وشهد مقر الاتحاد الافريقي، استعدادا رسميا لبدء مراسم توقيع المغرب لميثاق الاتحاد الإفريقي، الذي بموجبه تعود العضوية المغربية في الاتحاد.
يذكر أن ميثاق الاتحاد الإفريقي يشترط أن تحصل الدولة الطالبة للعضوية في الاتحاد الإفريقي على تأييد ثلثي الأعضاء بالاتحاد، البالغ عددهم 54 دولة – وقد حصل المغرب على ذلك بالفعل.
وانسحب المغرب في 1984، من منظمة الوحدة الإفريقية (التي يعرف اليوم بالاتحاد الإفريقي), احتجاجا على قبول الأخير لعضوية جبهة “البوليساريو”، التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب.