تمهيد:
كثيرًا ما تؤدي قرارات أسعار الفائدة التي يتّخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (سواء في ذلك الزيادات أو التخفيضات) إلى سلسلة من ردود الفعل في أسواق مختلفة على مستوى العالم، بما في ذلك الأسواق الإفريقية. فهيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، وسياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي، لها تأثيرات عميقة على الاقتصادات الإفريقية.
وتتجلى هذه التأثيرات في تكاليف خدمة الديون، والتضخم، وتدفقات رأس المال.
وغالبًا ما تؤدي أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة إلى انخفاض تدفقات رأس المال إلى إفريقيا؛ حيث يسعى المستثمرون إلى تحقيق عوائد أعلى في الأسواق الأمريكية. ويمكن أن يؤدي هذا إلى توسيع الفوارق في السندات السيادية الإفريقية، مما يزيد من تكاليف الاقتراض، ويُفاقم الضغوط المالية.
كما يمكن أن يؤدي انخفاض تدفقات الاستثمار إلى إعاقة النمو الاقتصادي، مما يجعل من الصعب تمويل مشاريع البنية الأساسية، وغيرها من مبادرات التنمية الحاسمة، والعكس صحيح في حالة الخفض.
وقد لا يكون لقرار خفض أسعار الفائدة تأثير فوريّ على إفريقيا، إلا أن ردود الأفعال بدت متفائلة بالقرار. ومنه تحاول الدراسة رصد هذه الردود حتى تاريخ كتابتها؛ وذلك من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: أسعار الفائدة الأمريكية والاستعمار النقدي.
- المحور الثاني: تفاعل الأسواق الإفريقية مع قرار خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
- المحور الثالث: خاتمة وتوصيات.
المحور الأول
أسعار الفائدة الأمريكية والاستعمار النقدي
الدولار الأمريكي عملة احتياطية أساسية للاقتصاد العالمي؛ حيث يقدم مزايا مالية كبيرة للولايات المتحدة، بما في ذلك الاقتراض الأسهل، والقدرة على فرض عقوبات مالية صارمة.
والعملة الاحتياطية هي عملة أجنبية تحتفظ بها البنوك المركزية والخزانة كجزء من احتياطاتها الرسمية من النقد الأجنبي. تساعد هذه الاحتياطيات البلدان على تحمل الصدمات الاقتصادية، ودفع ثمن الواردات، وخدمة الديون، واستقرار عملاتها الخاصة.
وتحتاج العديد من الدول إلى عملات احتياطية للمشاركة في التجارة الدولية، ولضمان قدرة الدائنين على سداد الديون المقومة بالعملات الأجنبية. ومن خلال شراء وبيع العملات في السوق المفتوحة يمكن للبنوك المركزية التأثير على قيمة عملاتها الخاصة، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وثقة المستثمرين. وإن قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي لها تداعيات كبيرة على الاقتصادات الإفريقية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الدور المهيمن للدولار في التجارة والتمويل الدوليين.([1])
ومن ثمَّ فإن قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لها أثر كبير على اقتصادات البلدان الأخرى. وينطبق هذا بالأخص على الأسواق الناشئة والبلدان النامية، التي تعتمد في الغالب على الدولار في الاقتراض الدولي. ففي حين أن الفيدرالي يرفع من أسعار الفائدة للحد من التضخم داخل الولايات المتحدة، فإن الاقتراض الخارجي بالدولار يصبح ذا كُلفة أكبر. كما يمكن أن تؤدي الزيادات في الفائدة إلى زيادة التضخم أيضًا في البلاد الأخرى؛ فلمَّا كانت الأصول الأمريكية ذات عوائد أعلى، فإنها تصير أكثر جاذبية للمستثمرين مقارنةً بالأصول من العملات الأخرى؛ الأمر الذي يُعلي من قيمة الدولار. ولذا، يزيد هذا من تكلفة الواردات التي تُسعَّر أغلب الوقت بالدولار الأمريكي. ومحصِّلة كُلّ ذلك يمكن أن تكون اللجوء إلى إجراءات تقشُّفية محلية، مما يُفضي إلى إبطاء عجلة النمو الاقتصادي. (والحال أن هذه الآثار أخف وطأةً في الاقتصادات المتقدمة؛ نظرًا لأنها تقترض بالأساس بعُملتها المحلية، وليس من الراجح أن ترتفع الأسعار فيها حينما تنخفض قيمة العملة الخاصة بها)([2]).
وتعقد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الولايات المتحدة ثمانية اجتماعات (جدول 1) منتظمة خلال العام واجتماعات أخرى حسب الحاجة.([3]) وقد تردَّد صدى سلسلة الزيادات السريعة في أسعار الفائدة التي أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي طوال عامي 2022 و2023م؛ والتي بدأها في محاولة لخفض التضخم الشديد في الأسواق المالية والاقتصاد الأوسع نطاقًا.([4])
جدول (1) اجتماعات الفيدرالي الأمريكي خلال عام 2024م
Source:https://www.federalreserve.gov/monetarypolicy/fomccalendars.htm
وخلال الاجتماع الأخير للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الذي عُقد في 30 و31 يوليو 2024م، تم الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند 5.25% -5.50%. حيث ظل السعر في نطاق 5.25% -5.50%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2001م، لأكثر من عام. وخلال دورة التشديد 2022-2023م، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 11 مرة لإبطاء التضخم. وأبقى أسعار الفائدة ثابتة عند 5.25%-5.50% منذ يوليو 2023م مع انخفاض التضخم، وإن كان ببطء، نحو الهدف السنوي لبنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.([5])
وقد شهدت التدفقات الرأسمالية إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عدة دورات من الانتعاش والكساد في العقود الأخيرة، مدفوعة جزئيًّا في كثير من الأحيان بالتطورات الخارجية، مثل قرارات السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة الكبرى.
وخلال دورة التشديد النقدي العالمي الأخيرة، أثبتت التدفقات الوافدة إلى العديد من بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية صلابة نسبية، مستفيدة من أُطُر السياسات السليمة والاحتياطيات الدولية القوية. ومع ذلك، كانت بعض البلدان الأكثر ضعفًا أكثر تضررًا من ارتفاع تكاليف الاقتراض الخارجي، كما يتضح من التباطؤ الحاد في إصدار سندات اليوروبوند. وسندات اليوروبوند هي أدوات دَيْن دولية تصدرها البلدان بعملة أخرى بخلاف عملاتها، وعادةً ما تكون هذه العملة هي الدولار الأمريكي أو اليورو. وتُستخدم في المقام الأول عبر بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية الأعلى خطرًا؛ حيث تخلو من القيود المفروضة على أسواق رأس المال المحلية الأقل تطورًا غالبًا في هذه البلدان، مما يسمح للمقترضين بالوصول إلى رؤوس الأموال الأجنبية وتنويع مصادرهم التمويلية. ولكن على عكس السندات بالعملة المحلية، تنطوي سندات اليوروبوند على مخاطر سعر صرف بالنسبة للمقترض، فضلاً عن الحساسية البالغة لأسعار فائدتها تجاه أوضاع السياسة النقدية المنظمة لعملة الإصدار([6]).
وفي يوم الأربعاء (18 سبتمبر 2024م)، خفَّض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 4.875 %، -وهو ما يقع ضمن نطاق هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 4.75 – 5%. وكان خفض سعر الفائدة، وهو الأول من نوعه منذ أربع سنوات، استجابةً لأشهر من تخفيف التضخم، وكان الهدف منه درء تباطؤ سوق العمل. وفقًا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، بلغ معدل البطالة 4.2% في أغسطس 2024م، مع وجود 7.1 مليون أمريكي بدون عمل. وكان هذا زيادة من 3.8%، مع وجود 6.3 مليون أمريكي بدون عمل في عام 2023م. ([7])
يُعدّ هذا القرار تحولًا سياسيًّا من المؤكد أنه سيكون له آثار بعيدة المدى. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول: “… من خلال إعادة معايرة مناسبة لموقفنا السياسي، يمكن الحفاظ على قوة سوق العمل في سياق من النمو المعتدل والتضخم الذي يتحرك بشكل مستدام إلى 2٪”. كما أشار صُنّاع السياسات في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية -بأغلبية 17 إلى 2- إلى أنهم يتوقعون خفضًا آخر بمقدار ربع نقطة على الأقل في عام 2024م. وكما توقع اثنان من خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي في مدونة أنه “قد يدعم بدء دورة تخفيف بنك الاحتياطي الفيدرالي… إحياء أوسع لتدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية”. هذا الارتياح سيكون أكثر وضوحًا بالنسبة للاقتصادات الناشئة والنامية الأخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ حيث أدت التكاليف المرتفعة لخدمة القروض الخارجية إلى إضعاف قدرة تلك البلدان على الاستثمار في البنية الأساسية والخدمات العامة الحيوية([8]).
وإثر قرار بدء التيسير النقدي (خفض الفائدة) كان أبرز الرابحين هم المقترضين من أفراد وشركات وحتى حكومات؛ لأن الفائدة على هذه القروض ستتراجع، وكذلك أسواق الأسهم العالمية التي قد تكون هدفًا للمستثمرين بالصناديق المقوَّمة بالدولار، والذين سينقلون أموالهم إلى استثمارات أخرى تُحقّق لهم عوائد مرتفعة. والذهب من بين الرابحين من هبوط أسعار الفائدة على العملات في العالم، فالعلاقة الطبيعية بينهما عكسية. وسيكون قطاع الصادرات رابحًا من خفض الفائدة؛ لأن الصادرات تصبح ذات تنافسية عالية مع أسواق الصادرات الأخرى في العالم بسبب هبوط قيمة العملة من الرابحين وكذلك الاقتصادات المحلية في العالم التي ستستقبل سيولة نقدية على شكل استثمارات.
أما أبرز الخاسرين فستكون هي البنوك؛ لأن المودعين سيلجؤون إلى سحب أموالهم أو جزء منها واستثمارها بعيدًا عن القطاع المصرفي. وأصحاب الودائع أيضًا خاسرون، خاصةً أولئك الذين لا يملكون روح المخاطرة ولم يجدوا أدوات استثمار ذات مخاطر متدنية لوضع أموالهم فيها، مما يدفعهم إلى إبقاء الودائع داخل البنوك وتلقي عوائد أقل من السابق. ومن أبرز الخاسرين كذلك الصين، فبالعودة إلى تاريخ العلاقة بين الدولار واليوان فإن الأخير يرتفع مع تراجع الأول.
وثمة مسألة أخرى مهمة؛ وهي أن خفض الفائدة يعني زيادة الاستثمار، وهو أمر إيجابي، لكن زيادة الاستثمار تعني زيادة الإنتاج الذي يحتاج إلى الأيدي العاملة، وبالتالي زيادة التوظيف. لكنّ زيادة التوظيف تعني زيادة السيولة المالية بين الأفراد، وهنا تحدث زيادة الاستهلاك، والتي تدفع في مرحلةٍ ما إلى زيادة الطلب على السلع، وبالتالي ارتفاع التضخم مرة أخرى.([9])
أما بخصوص الذهب فثمة ارتفاعات قياسية مدفوعة بخفض أسعار الفائدة؛ وصلت الأسعار إلى مستوى قياسي جديد الأسبوع الماضي بعد أن خفَّض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة للمرة الثانية. والرابط بين توقعات أسعار الفائدة وسوق الذهب مزدوج، عبر سوق العقود الآجلة وعبر السوق المادية. إن المشاعر في سوق العقود الآجلة صعودية بالفعل؛ حيث وجد المتداولون المضاربون قصيرو الأجل أنفسهم أمام أسعار فائدة أقل. وفي غضون ذلك، انتعش النشاط في السوق المادية مع دفع احتمال المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة الباحثين عن ملاذ آمن إلى تخزينها. إلا أن النظر إلى دورات خفض أسعار الفائدة الأمريكية السابقة يكشف أن انخفاض أسعار الفائدة وحدها لا يكفي لدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع. وبدلاً من ذلك، يجب أن تحدث هذه التخفيضات في بيئة ركود: عندما يتبع أول خفض لأسعار الفائدة في دورة ركود، ترتفع أسعار الذهب بمعدل 15.5٪ بعد 12 شهرًا. إذا لم يتبع ذلك ركود، فإنها تنخفض بمعدل 7٪.([10])
وبخصوص أسواق الأسهم؛ فتاريخيًّا، أظهرت أسواق الأسهم الأمريكية أداءً قويًّا خلال دورات خفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وخاصةً في غياب الركود. منذ ثمانينيات القرن العشرين، حقق مؤشر (ستاندرد آند بورز 500) عائدًا متوسطًا بلغ 14.2٪ على مدار 12 شهرًا بعد الخفض الأولي لأسعار الفائدة، متفوقًا على متوسط العائد على مدار 12 شهرًا، والذي بلغ 10.4٪ طوال الفترة بأكملها. ويشير هذا إلى أن تخفيضات أسعار الفائدة التي يفرضها بنك الاحتياطي الفيدرالي، عندما لا تكون مصحوبة بتباطؤ اقتصادي، تخلق عمومًا بيئة “مخاطرة”، مما يدفع مكاسب الأسهم.
وفي حين تظل البيئة الاقتصادية الكلية مواتية بشكل عام، فإننا نتوقع أن تظل التقلبات في أسواق الأسهم مرتفعة نظرًا لعدم اليقين بشأن الانتخابات الأمريكية المقبلة، والمخاوف المستمرة من تباطؤ الاقتصاد، فضلاً عن العوامل الموسمية. وبخصوص الأسواق الناشئة؛ تاريخيًّا، كانت دورات تخفيف أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي داعمة بشكل خاص لأسهم الأسواق الناشئة عندما لم تتبعها ركود. تاريخيًّا، منذ عام 1989م، تفوقت أسهم الأسواق الناشئة على الأسواق المتقدمة خلال دورات التخفيف، وخاصة في البيئات غير الركودية. وليس هناك حاجة للتسرع في زيادة التعرض لأسهم الأسواق الناشئة في هذه المرحلة. ومع ذلك، فقد حققت سندات الأسواق الناشئة عوائد أعلى، في المتوسط، عبر جميع السيناريوهات الاقتصادية خلال دورات تخفيف بنك الاحتياطي الفيدرالي. ([11])
المحور الثاني
تفاعل الأسواق الإفريقية مع قرار خفض أسعار الفائدة الأمريكية
إن أسعار الفائدة الأمريكية تؤثر على تدفقات رأس المال العالمية، مما يؤثر على الاقتصادات الإفريقية. فعندما يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فإن ارتفاع تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة يمكن أن يدفع المستثمرين إلى سحب رؤوس الأموال من الأسواق الإفريقية؛ بحثًا عن استثمارات أكثر أمانًا، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة، وارتفاع تكاليف الاستيراد؛ أي أن هذا الانخفاض يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التضخم؛ حيث تعتمد الدول الإفريقية غالبًا على الواردات للسلع الأساسية. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تعمل أسعار الفائدة المنخفضة على تقليل الضغوط التضخمية من خلال جعل الاقتراض أرخص، وبالتالي تحفيز النمو الاقتصادي. وبصرف النظر عن التضخم، تلعب أسعار الفائدة الأمريكية دورًا في ديناميكيات تدفقات رأس المال إلى إفريقيا. وعندما تم رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، كما كان الحال مؤخرًا، أدى إلى انخفاض تدفقات رأس المال إلى القارة. ومع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، كما شهدنا في السنوات الأربع الماضية، كانت تدفقات رأس المال إلى إفريقيا منخفضة؛ حيث يتطلع المستثمرون إلى جاذبية الأسواق الأمريكية. كذلك أن مجال الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري يتأثر أيضًا؛ حيث ينشر المستثمرون رأس مال أقل في الاستثمار، ويصبحون أكثر انتقائية ([12]).
الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تشهد انخفاضًا في معدل التضخم. وفي مكان أقرب، شهدت دول منطقة شرق إفريقيا أيضًا انخفاضًا في التضخم؛ حيث استجابت البنوك المركزية في المنطقة بخفض أسعار الفائدة. حيث خفّض البنك الوطني الرواندي سعر إعادة الشراء الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 6.5% في أغسطس 2024م. وبالمثل، خفّضت البنوك المركزية في كينيا وأوغندا أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أغسطس على خلفية اتجاه انكماش التضخم.
وخفض أسعار الفائدة الأخير مِن قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي ينبئ ببعض الأخبار الجيدة لدول شرق إفريقيا؛ حيث إن القرار يمكن أن يؤدي إلى انخفاض تكاليف الاقتراض لدول شرق إفريقيا، وتشجيع المزيد من الاستثمارات والاستهلاك. وعادةً ما يؤدي انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية إلى ضعف الدولار، مما قد يُعزّز العملات المحلية، مما يجعل الواردات أرخص. كما أن هذه الخطوة قد تُعزّز أيضًا أسواق الأسهم؛ حيث يسعى المستثمرون إلى عوائد أعلى في الأصول الأكثر خطورة.([13])
وقد أرسل القرار الأخير الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي موجات صدمة عبر الأسواق العالمية، مما أدى إلى إطلاق دورة تخفيف يراقبها السياديون الأفارقة عن كثب. ومن المتوقع أن تستفيد الاقتصادات الإفريقية من الاتجاه العالمي نحو تخفيف السياسات النقدية. وقد اتخذت بلدان في شرق إفريقيا، مثل رواندا وكينيا وأوغندا، بالفعل خطوات لخفض أسعار الفائدة استجابة لاتجاهات الانكماش. وقد خلق هذا التحول نحو أسعار الفائدة المنخفضة فرصًا للدول الإفريقية للاستفادة من الأسواق الدولية بأسعار أكثر ملاءمة. وقد أصدرت عدة بلدان، بما في ذلك ساحل العاج وبنين وكينيا والسنغال والكاميرون، سندات اليورو في وقت سابق من هذا العام. ومن المرجح أن يشجع نجاح هذه الإصدارات، إلى جانب خفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، دولًا أخرى مثل نيجيريا وأنجولا على أن تحذو حذوها. وقد حظيت نيجيريا مؤخرًا باهتمام كبير في طرح سندات محلية، وهو ما يشير إلى إصدار محتمل لسندات اليورو في طور الإعداد. كما يمكن أن تستفيد أنجولا، التي تواجه تحديات في خدمة الديون، من الظروف السوقية المواتية لجمع الأموال من خلال سندات اليورو. وبشكلٍ عام، يمثل التحول العالمي نحو أسعار الفائدة المنخفضة فرصة سانحة للاقتصادات الإفريقية للوصول إلى التمويل الخارجي ودعم إستراتيجياتها المالية في ظل تحديات الإيرادات. ومع استمرار الأسواق في الاستجابة لهذه التطورات، يظل احتمال زيادة نشاط سندات اليورو في المنطقة نقطة محورية للمراقبين، مما يشير إلى فصل جديد في المشهد المالي في إفريقيا ([14]).
وعلى حسب صحيفة وول ستريت جورنال كانت جنوب إفريقيا أول دولة تخفّض أسعار الفائدة بعد قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ حيث خفّض بنك جنوب إفريقيا سعر إعادة الشراء الرئيسي -وهو سعر الفائدة الذي يقرض به البنك المركزي للبلاد الأموال للبنوك التجارية- إلى 8% من أعلى مستوى له في 15 عامًا عند 8.25%، مع تراجع التضخم وسط عملة الراند الأقوى وانخفاض أسعار النفط واستقرار إمدادات الكهرباء الوطنية.([15])
وعلى حسب وكالة رويترز احتفظ الراند الجنوب إفريقي بمكاسبه المبكرة يوم الخميس عقب قرار بنك الاحتياطي في جنوب إفريقيا خفض أسعار الفائدة. وفي الساعة 1600 بتوقيت جرينتش جرى تداول الراند عند 17.4775 مقابل الدولار بارتفاع بنحو 0.4% عن إغلاقه السابق. وانخفضت العملة الأمريكية 0.3% مقابل سلة من العملات. وأظهرت بيانات يوم الأربعاء أن معدل التضخم السنوي في جنوب إفريقيا انخفض إلى 4.4% الشهر الماضي، وهو أدنى مستوى منذ أبريل 2021م وأقل قليلاً من نقطة المنتصف لنطاق هدف البنك المركزي الذي يتراوح بين 3% و6%. وتم تداول الراند بقوة لليوم السابع على التوالي؛ حيث انخفض إلى 17.39 في وقت ما، وكان مستوى الراند عند 17.39 مقابل الدولار يوم الخميس هو الأقوى منذ فبراير 2023م. وفي بورصة جوهانسبرج، أغلق مؤشر (JTOPI) مرتفعًا بنحو 1.3%. وكان سند الحكومة القياسي لجنوب إفريقيا لعام 2030م مرتفعًا بشكل طفيف، مع انخفاض العائد بمقدار نقطة أساس واحدة عند 8.84%.([16])
ومن المتوقع في كينيا خفض تكاليف الاقتراض المصرفي، وتحقيق مكاسب في بورصة نيروبي للأوراق المالية، وارتفاع قيمة الشلن مقابل الدولار؛ بعد أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة يوم الأربعاء، مما أدى إلى تدفق الدولار إلى الدول الناشئة. ([17])
المحور الثالث
خاتمة وتوصيات
رغم أن خفض أسعار الفائدة الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يكون له تأثير فوري على تدفقات رأس المال إلى القارة الإفريقية، إلا أن هناك تفاؤل بأن المكاسب قد تتحقق في الأمد القريب. وأن صُناع السياسات الأفارقة يجب عليهم:
- أن يفكروا في تعزيز أُطُر سياستهم النقدية من خلال تبنّي سياسات نقدية أكثر مرونة واستجابة لإدارة التضخم وأسعار الصرف بشكل فعَّال.
- كما أن تحسين مناخ التجارة والاستثمار من شأنه أن يجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ويُعوّض عن أيّ هروب لرأس المال.
- تعميق أسواق رأس المال في البلدان الإفريقية، فضلاً عن تطوير وتعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها، من شأنه أن يساعد في الحدّ من التقلبات التي تأتي مع تغييرات السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
ونظرًا لمكانة الدولار الراسخة في النظام المالي العالمي؛ فإن الدول الإفريقية لديها خيارات محدودة للتخفيف من هذه التأثيرات. ومع ذلك، يمكنها اتخاذ عدة خطوات لمعالجة هذه التحديات:
- التعاون مع بنك الاحتياطي الفيدرالي: يمكن للبنوك المركزية الإفريقية التواصل مع بنك الاحتياطي الفيدرالي وإعلامه بمدى تأثيرات سياساته وقراراته على إفريقيا، ومن خلال تعزيز الحوار، يمكن الدعوة إلى مزيد من الاهتمام بالتأثيرات العالمية في قراراته، مما قد يؤثر على نهج أكثر توازنًا في المستقبل.
- الدعوة إلى معايير دولية: يمكن للدول الإفريقية أن تدفع نحو إنشاء مكتب مستقل تحت إشراف بنك التسويات الدولية لدراسة دور البنوك المركزية في الحوكمة المالية العالمية. ويمكن لهذا المكتب أن يُصْدِر تقارير منتظمة، وأن يُطوّر معايير دولية لتوجيه البنوك المركزية في تحقيق التوازن بين التفويضات المحلية والمسؤوليات العالمية. ومن الممكن أن تساعد مثل هذه المعايير في التخفيف من الآثار السلبية للسياسات النقدية التي تنتهجها الاقتصادات الكبرى على الدول الأصغر حجمًا والأكثر ضعفًا.
- تنويع الاحتياطيات: ورغم التحديات التي تواجهها البلدان الإفريقية، فإنها تستطيع أن تستكشف سبل تنويع احتياطاتها من النقد الأجنبي للحد من الاعتماد على الدولار.
……………………………………….
[1] ) AfricaTeam, The United States Federal Reserve Held Interest Rates At Their Current Range of 5.25% to 5.5%.6/23/2024.at: https://www.africaupdates.com/News/News.aspx?NewsId=16699
[2] ) Gian Maria Milesi-Ferretti, Will Fighting Inflation in America Cause a Debt Crisis Abroad? April 8, 2022.at: https://www.foreignaffairs.com/articles/world/2022-04-08/will-fighting-inflation-america-cause-debt-crisis-abroad
[3] ) https://www.federalreserve.gov/monetarypolicy/fomccalendars.htm
[4] ) https://fa.wellsfargoadvisors.com/brian-whatley/The-Federal-Reserves-Key-Meeting-Dates-in-2024.c10197.htm
[5] ) ADAM HAYES, Next Fed Meeting: When It Is In September and What To Expect.at: https://www.investopedia.com/next-fed-meeting-7551561
[6] ) Paula Arias, Robin Koepke, Fed Rate Cuts May Help Revive Bond Flows to Emerging, Developing Economies, September 5, 2024.at:
https://www.imf.org/en/Blogs/Articles/2024/09/05/fed-rate-cuts-may-help-revive-bond-flows-to-emerging-developing-economies
[7] ) Tesi Kaven, Rwanda: What Federal Reserve’s Rate Cut Means for African Markets, 24 SEPTEMBER 2024.at: https://allafrica.com/stories/202409240492.html
[8] ) thehindu, Pivot to watch: On the U.S. Fed’s rate reduction, its impact, September 21, 2024.at: https://www.thehindu.com/opinion/editorial/pivot-to-watch-on-the-us-feds-rate-reduction-its-impact/article68664453.ece
[9] ) https://www.ajnet.me/ebusiness/2024/9/18/%D8%A3%D9%86%D8%B8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%AA%D8%B1%D9%82%D8%A8-%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9
[10] ) juliusbaer, US Fed rate cuts: What does this mean for gold, equities, and emerging markets?.at: https://www.juliusbaer.com/en/insights/market-outlook/us-fed-cuts-rates-what-does-this-mean-for-gold-equities-and-emerging-markets/
[11] ) juliusbaer, Op.cit.
[12] ) cnbcafrica, African markets react to latest U.S Fed rate cut, 19 Sep 2024.at: https://www.cnbcafrica.com/media/6362161045112/african-markets-react-to-latest-us-fed-rate-cut/
[13] ) Tesi Kaven, OP.cit.
[14] ) cnbcafrica, Op.cit.
[15] ) Alexandra Wexler, South Africa Is First Country to Lower Rates After Fed Cut, Sept. 19, 2024.at: https://www.wsj.com/articles/south-africa-is-first-country-to-lower-rates-after-fed-cut-3a324e0d
[16] ) Tannur Anders and Bhargav Acharya, South African rand holds firm after first rate cut in four years, September 19, 2024.at: https://www.reuters.com/world/africa/south-african-rand-front-foot-post-fed-sarb-decision-up-next-2024-09-19/
[17] ) Charles Mwaniki, US rate cut brings cheer to Kenyan investors. SEPTEMBER 19, 2024.at: https://www.businessdailyafrica.com/bd/markets/capital-markets/us-rate-cut-brings-cheer-to-kenyan-investors-4768584