بسام المسلماني (*)
تختتم اليوم بطولة كأس الأمم الأفريقية في نسختها رقم الـ (31) ، ولم تعد ملاعب كرة القدم في إفريقيا على مدار السنوات الماضية ميادين معارك رياضية وحسب بل تحولت ميادين لمعارك حقوقية وسياسية ، فضلاً عن قضايا الهوية الوطنية والإيديولوجية والعرقية ، وقد استغل الكثير من الزعماء الأفارقة الشعبية الكبيرة التي تحظى بها كرة القدم في القارة لتوظيفها في حال فوز فرقهم لتحقيق مصالحهم أو الترويج لسياساتهم أو لإلهاء الشعوب عن تردي الأوضاع الاقتصادية وقمع الحريات بالانغماس في تشجيع فرقهم الوطنية .
الاستعمار وكرة القدم في إفريقيا:
البداية كانت سنة 1880 وتحت سيطرة الاستعمار الأوربي، لمست أرجل إفريقيا الكرة. ولأن المستعمر كان دائما مفعما بالأحكام المسبقة السلبية عن الأهالي، وبرغبة وميول جارف نحو النفي، تمكن من محو آثار كل الألعاب المحلية القديمة وكانت البديل الذي قدمه هي كرة القدم ، ومع تشعب خطوط السكك الحديدة، بث الفرنسيون والبريطانيون والبرتغاليون والإسبان لعبة كرة القدم، التي كان بحارة السفن (الأوربية) الراسية في سواحل إفريقيا أمهر لاعبيها في ذلك الزمن.
كانت اللعبة تمارس إما في المدارس والماريستانات التابعة للكنائس وبإشراف من الإكليروس، وإما داخل الثكنات العسكرية بإشراف عسكري مباشر. ولأنه مشبع بذاته ، سمح المستعمر بتلقين الأهالي الإفريقية مبادئ اللعبة الرياضية. ومن الطبيعي أن تكون المستعمرات البريطانية أولى المستعمرات التي تنتشر فيها الكرة الجلدية… ومصر كانت أولى هذه المستعمرات. لكن بدلا من أن تكون الكرة وسيلة إلهاء ، دعمت الحركات الوطنية اللعبة و أصبح لكرة القدم بإفريقيا دور ريادي في المعارك الوطنية من أجل الاستقلال.
ومع الحرب العالمية الثانية كان حب كرة القدم المستديرة قد ترسخ في كل بقاع إفريقيا. وانتشرت ممارسة كرة القدم وبالتالي لم تعد كرة القدم محصورة على فئة السكان البيض بل تحولت إلى سكان الأفارقة وحتى الزعماء الوطنيون كانوا يجدون داخل الملاعب الآهلة بالجماهير وحشود المتفرجين أماكن مناسبة للاختباء والتعبئة والاستقطاب.
منذ تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم والسياسة مرتبطة بكأس الأمم الإفريقية:
منذ اليوم الأول لتأسس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في الثامن من يونيه عام 1956 م، ارتبطت السياسة بكرة القدم ، فالبطولة الأولى لكأس الأمم الإفريقية استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم عام 1957 م بمناسبة استقلال السودان. وشاركت فيها ثلاثة منتخبات فقط هي مصر والسودان وإثيوبيا. بعد أن استبعدت جنوب أفريقيا لأنها رفضت أن ترسل فريقا مختلطا من البيض والسود إلى السودان.
كرة القدم والوحدة الإفريقية
كانت كرة القدم أحد وسائل التي استخدمها الرؤساء الأفارقة لتحقيق حلم الوحدة الإفريقية ، ففي عام 1959 عمد الزعيم الغاني كوامى نكروما لتسمية المنتخب الغانى سنة 1959 “النجوم السوداء” تأكيدا لهوية البلاد ومن أجل تطوير الوحدة الإفريقية عبر الرياضة وبالمثل اتخذ الجنرال موبوتو سيسى سيكو الذى تولى السلطة فى نوفمبر 1965 إجراءات جذرية لتطوير كرة القدم في زائير سابقا (الكونغو الديمقراطية حاليا) الزم بموجبها جميع اللاعبين الكونغوليين الذين يلعبون في بلجيكا باللعب في الفريق الوطني و أعيدت تسمية الأسود الكونغوليين “بالنمور” وبسبب هذه الإجراءات حصل المنتخب الوطني على بطولة الأمم الإفريقية سنة 1970 .
واتبع سيكوتورى وهو من المؤيدين المخلصين للوحدة الإفريقية الخطى التي الهبها نكروما وازدهرت الرياضة خلال عهد أول رئيس لغانا وتأهل المنتخب الوطنى الغانى لكرة القدم لدورة الألعاب الأولمبية سنة 1968 التي أقيمت في مكسيكو وخسر بفارق ضئيل نهائى بطولة الأمم الإفريقية التي أقيمت في أثيوبيا سنة 1976.
وكان سيكوتورى أكثر احتفاء بنادى هيفيا كوناكرى الذى أنشأه الحزب الديمقراطي الغينى السابق سنة 1967 وأوضح سيكوتورى أن هيفيا “يلعب من أجل الثورة الديمقراطية في إفريقيا” بين الأندية الكبيرة في القارة.
لذلك فلم يكن من قبيل الصدفة أن يحمل الكأسين الأولين الافريقيين للأندية البطلة اسمي كوامي نكروما و أحمد سيكو توري.
وفى سنة 1972 أعلن رئيس الكونغو برازافيل لاعبى المنتخب الوطني لكرة القدم أبطالا متطوعين عند فوزهم بكأس الأمم الإفريقية التي نظمتها الكاميرون المجاورة.
وكان الرئيس الأول لزامبيا بعد الاستقلال كينيث كاوندا لاعب كرة قدم وحكم سابق. وعادة ما كان يأخذ وزراء حكومته لأداء مباراة كرة قدم ويتولى هو مهمة التحكيم، وقد استثمرت حكومته بشكل كبير في كرة القدم حيث أنشأت المدارس الرياضية والأندية المحلية والمنتخب الوطني. وكان كاوندا يحاول استخدام الرياضة في خلق هوية وطنية واحدة ودعم أيديولوجيته الانسانية.
كرة القدم والخلافات السياسية:
انتقلت الخلافات السياسية بين الدول إلى ملاعب كرة القدم ، فقد غابت نيجيريا عن كأس الأمم الإفريقية عام 1996 م التي نظمت في جنوب افريقيا و قالت نيجيريا حينها أنها لم تشارك لأسباب أمنية إلا ان السياسة كانت في الواقع هي المسيطرة حيث قام النظام العسكري النيجيري في ظل حكم الجنرال ساني أباتشا قام بإعدام النشطاء المطالبين باحترام حقوق الانسان وعلى رأسهم كين سارا ويوا وقد أدان نيلسون مانديلا هذا العمل البربري. كان رد فعل ساني أباتشا أن قرر انسحاب المنتخب النيجيري لكرة القدم من منافسات كأس الأمم الأفريقية عام 1996 والذي نظمته جنوب أفريقيا وفاز بها فريقها الوطني.
كما أن الرئيس الأوغندي عيدي أمين شجع كرة القدم حيث ساند منتخبه الوطني الذي وصل لنهائيات كاس الأمم الأفريقية. وكان يرى بأن هزيمة فريق تنزانيا على يد منتخب بلاده الوطني يعادل هزيمة تنزانيا في ساحة القتال. ولعل من غرائب أطوار أمين أنه أمر بسجن لاعب كرة أحرز هدف الفوز علي فريق الجيش سمبا الذي يشجعه عايدي أمين.
ملاعب كرة القدم والتعبير عن الموقف السياسي
وتستغل ساحات الملاعب للتعبير عن المواقف السياسية ، ومن أشهر هذه المواقف ما قام به اللاعب المصري محمد أبو تريكة في كأس الأمم الإفريقية عام 2008م عندما عبر عن رفضه للانتهاكات الإسرائيلية ضد أهالي غزة فقام كتابة عبارة تعاطفا مع غزة أسفل التي شيرت الذي يرتديه وعقب إحرازه لهدف في مرمى السودان اتجه للكاميرات ورفع التي شيرت لتظهر عبارة “تعاطفا مع غزة” .
في المقابل فقد قام اللاعب الغاني جن بنستيل خلال مباراة منتخب بلاده أمام التشيك في كأس العالم 2006 برفع علم إسرائيل خلال هذه المباراة التي فازت فيها غانا، وقد أثار ذلك السلوك استفزاز العالم العربي والإسلامي والدولي أيضا حيث أنه رفع علم دولة لا يلعب باسمها مع احتلالها للأراضي الفلسطينية.
كما رفعت المعارضة المصرية في الخارج خلال مباريات الفرق المصرية مع فرق جنوب إفريقيا إشارات وأعلام تعبر عن معارضتها للنظام المصري وتندد بالقمع الذي تتعرض له، وتكرر الأمر أكثر من مرة منذ مباراة مصر و غانا 2013م ، ونتيجة لذلك قررت السلطات المصرية إقامة مباريات كرة القدم في الملاعب المصرية بدون جمهور .
كما استخدم زعيم المعارضة في الجابون إقامة بطولة الأمم الإفريقية الأخيرة في بلاده ودعا الجماهير لمقاطعة مباريات كأس الأمم الذي تنظمها بلاده احتجاجا على تزوير الانتخابات التي فاز بها الرئيس على بونغو.
القمة الأفريقية .. من السياسة إلى «كرة القدم »
لم تقتصر مشاورات ومداخلات القادة الفارقة، في قمتهم الـ 28 التي اختتمت يوم الاثنين الموافق 30/1/2017 في أديس أبابا ، على القضايا السياسية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية .. ولكنها امتدت إلى “كرة القدم” حيث ندد رؤساء دول و حكومات بلدان الاتحاد الافريقي، بالحقوق غير “المدروسة” للبث التلفزيوني لكأس أفريقيا للأمم لكرة القدم التي تجري حاليا بالجابون.
و سجل القادة الأفارقة، في لائحة تمت المصادقة عليها خلال القمة “التنديد بشدة و صرامة بالإجحاف و الظلم الممارسين في حق الشباب الأفريقي، في الوقت الذي تحتفل فيه القارة السمراء بأحد أهم الأحداث الرياضية، والأكثر استقطابا و صيتا، وهي كأس أفريقيا للأمم لكرة القدم”.
وأعرب زعماء وقادة الدول الأفريقية، في قمتهم الـ 28 عن بالغ الأسف كون “شعوبنا في أفريقيا جمعاء يجدون أنفسهم محبطين، لأنهم منعوا من متابعة هذه اللحظات الرياضية الأفريقية المليئة بالفرح و الغبطة بسبب الموقف الاحتكاري و التجاري المحض الذي تفرضه اللوبيات و قوى المال الدولية على التحكم المباشر في حقوق البث التلفزيوني”.
المصادر:
– كرة القدم والسياسة :استمرار تزاوج المصالح ، وكالة بانا برس ، 23 يونيو 2002م:
– كرة القدم و السياسة في افريقيا : زواج المصالح لا يزال قائما ، وكالة بانا برس ، 29 مايو 2002م.
– كيف عبأت كرة القدم إفريقيا للاستقلال ، موقع مغرس ، 26 يونيه 2010م.
– القمة الأفريقية .. من السياسة إلى «كرة القدم » .. نددت باحتكار البث التلفزيوني ، موقع الغد 1فبراير 2017م.
– كرة القدم والسياسة في أفريقيا ، د. حمدي عبد الرحمن ، 27 يناير 2017، على صفحته على الفيس بوك.
(*) مدير تحرير موقع قراءات إفريقية