مريم عبد الحي علي فراج
باحثة متخصصة في الشأن الإفريقي
تقديم:
تُعتبر سيادة القانون إحدى الدعائم الجوهرية لتحقيق العدالة وإرساء المساواة القضائية؛ حيث تعكس صدق ونزاهة النظام القانوني في تطبيق أحكامه على الجميع دون استثناء أو تحيُّز. وفي هذا الصدد يُمثّل مؤشر سيادة القانون أداةً حيويةً لرصد مدى انتشار الفساد ضمن المؤسسات القضائية والتنفيذية والتشريعية؛ إذ يضمن من زاوية معينة حماية سيادة القانون من التدخلات الحكومية غير الملائمة، التي قد تُفْضِي إلى هيمنة المحسوبية والفساد، ما يدفع الأفراد أحيانًا إلى استخدام العنف لنيل حقوقهم.
ومن هنا، فإن ترسيخ سيادة القانون في أيّ دولة يُحقِّق نوعًا من التوازن والاستقرار المجتمعي؛ حيث يسود مناخ من المساواة في الوصول إلى العدالة والخضوع لأحكام القانون، مما يُعدّ أساسًا للديمقراطية والحكم الرشيد.
وبالنظر إلى القارة الإفريقية، نجد أن تقديرات سيادة القانون تختلف من دولة إلى أخرى؛ نظرًا لتباين العوامل المؤثرة على هذا المفهوم، سواء كان ذلك في مجالات الأمن والنظام أو العدالة المدنية والجنائية، بالإضافة إلى تأثيرها على الاستقرار المجتمعي وقدرة الدولة على فَرْض هيبتها القانونية.
لذا تُركِّز هذه الدراسة على تقييم موقع منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر سيادة القانون، عَبْر تحليل أوضاع الدول المتقدّمة والمتأخرة في المؤشر وأبعاده الفرعية؛ وذلك للوصول إلى تصوُّر واضح لحالة سيادة القانون في تلك المنطقة، وأداء نُظُمها القضائية. وذلك على النحو التالي: أولاً، تقديم تعريف شامل للمؤشر مع توضيح منهجيته ومصادره، وثانيًا، استعراض موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر سيادة القانون لعام 2024م، مع تناول هذه النتائج بدقة وتفصيل.
أولًا: مؤشر سيادة القانون: التعريف، المنهجية، والمصادر:
يُعدّ مؤشر سيادة القانون الصادر عن مشروع العدالة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية أحد أهم الأدوات الدولية التي تُقيِّم مدى التزام الدول بتطبيق مبادئ القانون في كل أنحاء العالم. يجمع المؤشر رؤًى وتحليلات من نخبة من الباحثين والخبراء القانونيين البارزين، ومنهم: شيخة عبد الله المسند، كامل عيادي، آدم بودنار، مايكل تشو، ويليام سي هوبارد، حسن بوبكر جالو، شحم فيرنلي، موندلي مخانية، مارجريت ماكيون، جون نيري، وليام هـ. إلين جرايسي، وغيرهم من المساهمين في إثراء هذا المؤشر السنوي.
ويستند مؤشر سيادة القانون إلى ثمانية عناصر فرعية رئيسية، تمثل معًا الصورة الكاملة لسيادة القانون في الدول، وهي كالتالي:
- القيود المفروضة على سلطات الحكومة: تقييم مدى قدرة المؤسسات على مراقبة السلطة.
- غياب الفساد: قياس درجة نزاهة المؤسسات الحكومية.
- الحكومة المفتوحة: يعكس مدى الشفافية في عمل الحكومة ووضوح المعلومات.
- الحقوق الأساسية: يختص بتقييم مدى احترام الحقوق والحريات العامة.
- سيادة النظام والأمن: يقيس قدرة الدولة على حماية الأفراد والممتلكات.
- تحقيق العدالة الجنائية: يقيم فاعلية النظام القضائي في تحقيق العدالة الجنائية.
- مؤشر العدالة المدنية: يُعنَى بتقييم كفاءة النظام المدني.
- إنفاذ القانون ومدى فاعلية تطبيقه: يدرس مدى التزام السلطات بتطبيق القانون.
ويستند المؤشر إلى آراء ووجهات نظر أكثر من 154 ألف شخص من الخبراء القانونيين، إضافة إلى 3500 ممارس للقانون من نحو 142 دولة، مما يجعله مرجعًا موثوقًا في تقييم مدى تحقق سيادة القانون على المستوى الدولي.
ويسعى مشروع العدالة العالمية إلى تعزيز سيادة القانون من خلال الشراكة مع الحكومات، وصُنّاع السياسات، ووسائل الإعلام، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والجهات المانحة. وتهدف هذه الجهود إلى بناء بيئة قانونية تضمن الوعي العام وتشجِّع على الالتزام بمبادئ العدالة وسيادة القانون، بما يسهم في ترسيخ أُسُس السلام، وتطوير بنية ديمقراطية، وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف أرجاء العالم.
مصادر مؤشر سيادة القانون وآلية جمع البيانات
يعتمد مؤشر سيادة القانون على مصدرين رئيسيين لجمع بياناته، وهما:
- A General Population Poll “GPP”: يتم تنفيذ هذا الاستطلاع بواسطة شركات استطلاع محلية رائدة، ويعتمد على عينة عشوائية تتكون من 1.000 مستجيب في كل بلد وسلطة قضائية، لقياس آراء وتجارب الجمهور حول سيادة القانون.
- Qualified Respondents’ Questionnaires “QRQs”: تتضمن هذه الاستبيانات أسئلة مغلقة موجهة إلى مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين في مجالات متعددة، بما في ذلك القانون المدني والجنائي، القانون الدستوري، الحريات المدنية، بالإضافة إلى قوانين العمل والصحة العامة.
تُشكّل هذه المصادر الأساس الذي يتم من خلاله جمع البيانات واستخلاص النتائج؛ حيث تعكس المعلومات تجارب الجمهور والممارسين القانونيين، مما يُوفِّر رؤية دقيقة لتطبيق سيادة القانون على أرض الواقع. وقد طوَّر مشروع العدالة العالمية هذا المؤشر كأداة كمية لقياس ممارسات القانون بشكل عملي، متناولًا قدرة الأفراد على الوصول إلى المحاكم ومدى فعالية السيطرة على الجريمة.
يتَّسم مؤشر سيادة القانون بعددٍ من الخصائص التي يمكن تلخيصها كما يلي:
-شمولية وتعدُّد الأبعاد: يتميز المؤشر بكونه شاملاً وذا أبعاد متعددة؛ حيث يختلف عن المؤشرات الأخرى التي تُركّز فقط على جوانب معينة مثل الحقوق الأساسية أو غياب الفساد. ويشمل مؤشر سيادة القانون دراسة شاملة لأبعاد سيادة القانون عبر المؤشرات الفرعية الثمانية، مما يُتيح تغطية جميع الجوانب.
-إمكانية الوصول للبيانات عبر الإنترنت: يتيح الموقع التفاعلي لمؤشر سيادة القانون مشاركة البيانات المتعلقة بالدول، بالإضافة إلى توفر نسخة مطبوعة من التقرير، مما يسهل الوصول إلى المعلومات.
-ملاءمته لمختلف الأنظمة: يتميز المؤشر بملاءمته للتطبيق في أنظمة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية متنوعة؛ حيث تعتمد منهجيته بشكل رئيسي على البيانات الأولية التي تم جمعها من المصادر المذكورة، مما يعكس واقعية ومصداقية النتائج، ويُعبِّر عن تجارب الأفراد في المجتمعات المتحضرة والبدائية على حد سواء.
–تركيزه على تجارب الأفراد: يُولي المؤشر اهتمامًا خاصًّا بتجارب الأفراد العاديين القانونية والقضائية؛ حيث يسعى لقياس سيادة القانون في الدول من خلال التجارب العملية والممارسات اليومية في الشؤون القانونية.
المبادئ العامة لمؤشر سيادة القانون:
يَعتبر مشروع العدالة العالمية أن سيادة القانون تُمثّل نظامًا مستدامًا يتضمن مجموعة من القوانين والمؤسسات والمعايير التي تُسهم في تحقيق الانضباط الاجتماعي. وقد تم تحديد أربعة مبادئ عالمية تمثل الأسس الأساسية لهذه السيادة، وهي كالتالي:
المبدأ الأول: المسؤولية؛ يعكس هذا المبدأ أهمية وجود آليات تحاسب الحكومات والجهات الفاعلة على أفعالها وفقًا للقانون. فالمسؤولية تعني أن لا أحد فوق القانون، مما يُعزّز الشفافية ويُؤسِّس لثقافة مساءلة فعَّالة في المجتمع.
المبدأ الثاني: قانون عادل؛ يؤكد هذا المبدأ على ضرورة تطبيق القانون بوضوح وفعالية على جميع الأفراد، دون تمييز. إن تحقيق العدالة يتطلب أن يشمل القانون حماية حقوق الإنسان وضمان سلامة الملكية والعقود، مما يسهم في بناء الثقة بين المواطنين والدولة.
المبدأ الثالث: الحكومة المفتوحة؛ ينطوي هذا المبدأ على مفهوم أن الوصول إلى المعلومات المتعلقة باستخدام القانون وإدارته يجب أن يكون متاحًا بشكل عادل وفعَّال. إن الحكومة المفتوحة تُعزّز من الشفافية وتساعد المواطنين على فهم حقوقهم وواجباتهم، مما يُسهم في تعزيز ثقافة المشاركة والمساءلة.
المبدأ الرابع: العدالة القابلة للوصول والنزاهة؛ يسلط هذا المبدأ الضوء على أهمية تحقيق العدالة بواسطة أفراد يتمتعون بالنزاهة والاستقلالية. وإن تيسير الوصول إلى العدالة يتطلب وجود قضاة وممارسين قانونيين يتسمون بالحيادية والقدرة على معالجة القضايا بشكل عادل، ممَّا يُعزّز من فعالية النظام القانوني، ويعطي الأفراد الثقة في أن حقوقهم ستُحْتَرم.
تتداخل هذه المبادئ لتشكل إطارًا متكاملاً يُسهم في تعزيز سيادة القانون، مما يعكس أهمية تطبيقها في بناء مجتمعات عادلة ومستدامة.
منهجية مؤشر سيادة القانون:
يعتمد مؤشر سيادة القانون على ثماني مؤشرات فرعية تحتوي على 44 عنصرًا فرعيًّا؛ حيث يتم جمع البيانات من مصادر متنوعة لضمان تغطية شاملة لهذه المؤشرات. ويمكن توزيع هذه العناصر على المؤشرات الفرعية كما يلي:
أولًا: القيود على السلطات الحكومية؛ يشمل هذا المؤشر تقييد السلطات الحكومية من خلال الآليات التشريعية والقضائية، وتعزيز القيود الفعَّالة من خلال عمليات المحاسبة والمراجعة المستقلة. كما يتضمن هذا العنصر محاسبة المسؤولين الحكوميين على أيّ سوء سلوك، ويشمل أيضًا وجود ضوابط غير حكومية تكفل نقل السلطة للقانون.
ثانيًا: غياب الفساد؛ يتناول هذا العنصر مجموعة من العوامل المهمة، منها عدم استغلال المسؤولين الحكوميين في السلطة التنفيذية للمناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية، وهذا ينطبق أيضًا على المسؤولين في السلطة القضائية وعناصر الشرطة والسلطة التشريعية.
ثالثًا: الحكومة المفتوحة؛ يتضمَّن هذا العنصر الالتزام بالقوانين المُعلَنة، وتوفير البيانات الحكومية، إضافةً إلى الحق في الحصول على المعلومات، وتعزيز المشاركة المدنية، وتأسيس آليَّات فعَّالة لتقديم الشكاوى.
رابعًا: الحقوق الأساسية؛ يتضمَّن هذا المؤشر المساواة في المعاملة وعدم التمييز، وضمان الحق في الحياة والأمن، والإجراءات القانونية الواجبة لحماية حقوق المتهمين. كما تشمل ضمان حرية الرأي والتعبير، وحرية المعتقد والدين، وحق الخصوصية، وحرية التجمع وتكوين التجمعات.
خامسًا: النظام والأمن؛ يشمل هذا المؤشر عنصر التحكُّم الفعّال في الجريمة المنظَّمة، والحدّ من الصراعات المدنية، وضمان عدم اللجوء إلى العنف لحل المظالم الشخصية.
سادسًا: التنظيم الإجباري؛ يتعلق هذا العنصر بتطبيق اللوائح القانونية بشكل فعّال، دون تأثيرات غير ملائمة، إضافةً إلى ضرورة تطبيق الإجراءات الإدارية بلا تأخير، واحترام التدابير القانونية في العمليات الإدارية، وضمان عدم مصادرة الملكية دون إجراءات قانونية.
سابعًا: العدالة المدنية؛ يُركّز هذا المؤشر على ضمان الوصول إلى العدالة المدنية، وخلوّها من التمييز والفساد، ووجود تنفيذ فعّال، فضلاً عن توفر وسائل تسوية المنازعات بشكل فعّال، وعدم تأخير إجراءات تطبيق العدالة.
ثامنًا: العدالة الجنائية؛ يتضمن هذا المؤشر نظامًا فعالًا للتحقيق الجنائي، مع ضمان حماية حقوق المتهمين.
تاسعًا: العدالة غير الرسمية؛ يتناول هذا المؤشر حيادية نظام العدالة غير الرسمية، مع التركيز على احترام الحقوق الأساسية وحمايتها.
تستند منهجية مؤشر سيادة القانون إلى تحليل شامل يضم 500 متغير، ويتم بناء النتائج والتوصيات العامة بناءً على تقييمات عينة عشوائية تضم 154.000 أسرة وقرابة 3.600 ممارس قانوني وخبراء قضائيين في حوالي 140 دولة. وتُسهم هذه المنهجية في تقديم صورة دقيقة حول مدى الالتزام بسيادة القانون، وتحديد نقاط القوة والضعف في الأنظمة القانونية.
وتُجمَع درجات المؤشر من خلال استبانات مُوجَّهة للسكان والممارسين القانونيين، مع التركيز على موضوعات تتعلق بالقانون المدني، والقانون التجاري، والقانون الدستوري، والحريات المدنية، والقانون الجنائي. وتشمل الاستبانات 127 سؤالًا مرتبطًا بالإدراك و213 سؤالًا قائمًا على الخبرات، إلى جانب المعلومات الاجتماعية والديمغرافية.
وتمت ترجمة الاستبانات إلى اللغات المحلية وإدارتها عبر شركات متخصصة، لضمان توافقها مع الظروف السائدة في المجتمعات المعنية. بالإضافة إلى ذلك، قام مشروع العدالة العالمية بتحديث منهجيته لتشمل استطلاعات رأي تمثيلية في 81 ولاية قضائية؛ حيث تُجرَى الاستطلاعات وفق منهجيات متعددة: وجهًا لوجه، عبر الهاتف، وعبر الإنترنت، مع جدول زمني محدد يبدأ من خريف العام السابق حتى صيف العام الذي يليه.
وتخضع البيانات المستخلَصة من الاستبانات لعملية “تنظيف وحساب النتيجة”، لضمان دقتها وموثوقيتها، ويتم مراجعة النتائج من خلال مصادر بيانات أخرى لتعزيز صحة البيانات المجموعة.
تم تصميم مؤشر سيادة القانون مِن قِبل مشروع العدالة العالمية ليكون مرجعًا موثوقًا لصناع السياسات، والشركات، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، وذلك لتقييم مدى التزام الدول بسيادة القانون، وتحديد مواقعها ضمن المؤشر، وكشف نقاط القوة والضعف في بيئاتها القانونية. وتُسهم هذه المعلومات في توجيه السياسات واتخاذ القرارات اللازمة لتعزيز سيادة القانون في تلك الدول.
ثانيًا: موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر سيادة القانون 2024م:
الجدول رقم (1)
يوضح موقع دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر سيادة القانون 2024م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر سيادة القانون 2024م
يُظهر الجدول أعلاه أن تقييم سيادة القانون وفقًا لمؤشر مشروع العدالة العالمي يبدأ من “0.00” ليمثل الدول الأضعف في هذا المجال، ويصل إلى “1” للدلالة على الدول الأكثر التزامًا بمعايير سيادة القانون عالميًّا. وتتوزع الدرجات بين هذين الحدَّيْن لتشمل مستويات مختلفة من الأداء، تتراوح بين المرتفع والمتوسط والمنخفض. وبالنظر إلى الدول المتقدمة في مؤشر سيادة القانون ضمن إفريقيا جنوب الصحراء، يتضح وجود تفاوت ملحوظ في مستويات الدخل بينها، ما بين مرتفع إلى متوسط ومنخفض.
كما يكشف تحليل مؤشر سيادة القانون في دول إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2024م تفاوتًا واضحًا بين الدول من حيث التزامها بمعايير سيادة القانون ومستوى الدخل، إضافةً إلى تغييرات ملحوظة في تقييمها مقارنة بالعام الماضي. وفيما يلي أبرز النقاط المستخلصة من هذا التحليل:
1- الدول ذات الأداء العالي نسبيًّا:
- رواندا تتصدر الدول الإفريقية بترتيب 40 عالميًّا وتقييم 0.63، بارتفاع طفيف عن العام الماضي (1∆)، مما يضعها في صدارة المؤشر رغم تصنيفها كدولة ذات دخل منخفض. ويُظهر هذا تحسنًا طفيفًا واستقرارًا نسبيًّا في أداء رواندا في سيادة القانون.
- ناميبيا تأتي في المرتبة 44 عالميًّا بتقييم 0.61، دون تغيير عن العام الماضي، وهي مصنَّفة كدولة ذات دخل مرتفع نسبيًّا. وعدم تحسن تقييم ناميبيا رغم موقعها المتقدم يوضح تحدياتها المستمرة في تعزيز سيادة القانون.
- موريشيوس في المرتبة 46 عالميًّا بتقييم 0.60، لم تشهد تغييرًا في ترتيبها أو تقييمها، مما يعكس استقرارًا في الالتزام بمعايير سيادة القانون.
2- الدول ذات الأداء المتوسط:
- بوتسوانا وجنوب إفريقيا حققتا تقييمات مرتفعة نسبيًّا (0.59 و0.56 على التوالي)، مع استقرار في تقييم بوتسوانا وانخفاض طفيف (-0.01) لجنوب إفريقيا، مما يعكس ثباتًا في الأداء مع تحديات في الحفاظ على نفس المستوى من سيادة القانون.
- السنغال وغانا بتقييم 0.55، لم تشهدا تغيرًا في التقييمات مقارنة بالعام السابق، مما يعكس أداءً مستقرًّا في بيئات منخفضة الدخل نسبيًّا.
3- الدول ذات الأداء المنخفض:
- مالي وبوركينا فاسو تراجعتا بشكل ملحوظ؛ حيث جاءت مالي في المرتبة 124 عالميًّا بتقييم 0.39، بانخفاض -0.01 مقارنة بالعام الماضي. وتتعرض الدولتان لتحديات كبيرة في بيئات غير مستقرة تعيق التزامها بمعايير سيادة القانون.
- مدغشقر والنيجر في مستويات منخفضة بتقييمات 0.43 و0.43 على التوالي، مع تراجع طفيف للنيجر (-0.01) مقارنة بالعام الماضي، مما يعكس تحديات اقتصادية وسياسية صعبة.
4- الدول التي شهدت تحسنًا طفيفًا في الترتيب:
- جمهورية الكونغو والجابون حققتا تقدمًا طفيفًا بواقع مرتبتين ومرتبة واحدة على التوالي، مما يشير إلى تحسن طفيف في الترتيب دون تغيير يُذكر في التقييم العام، مما يدل على جهود مستمرة لتحسين سيادة القانون، وإن كانت بطيئة.
- موريتانيا، بتقييم 0.36، حققت تحسنًا بواقع مرتبة واحدة في الترتيب، مما يعكس جهودًا محدودة لتحسين الالتزام بسيادة القانون رغم محدودية الموارد.
5- الدول التي شهدت تراجعًا كبيرًا:
- السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية شهدتا تراجعًا ملحوظًا في الترتيب؛ إذ جاءت السودان في المرتبة 134 عالميًّا، بتقييم منخفض (0.35) وانخفاض قدره -0.01. يعكس هذا التراجع تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار القانوني.
- أوغنداو إثيوبيا تراجعتا أيضًا بتقييمات منخفضة (0.39 و0.37 على التوالي)، مما يعكس بيئات عمل مضطربة تؤثر على التزام هذه الدول بمعايير سيادة القانون.
وتظهر النتائج تفاوتًا كبيرًا بين دول إفريقيا جنوب الصحراء في سيادة القانون، مع تحسن طفيف في بعض الدول المستقرة نسبيًّا وتراجع مستمر في أخرى ذات بيئات غير مستقرة.
الجدول رقم (2)
الدول الإفريقية المتقدمة في مؤشر سيادة الدول 2024م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر سيادة القانون 2024م
الجدول رقم (3)
الدول الإفريقية المتأخرة في مؤشر سيادة الدول 2024م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر سيادة القانون 2024م
الجدول رقم (4)
يوضّح تقييمات دول إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر سيادة القانون 2024م
يوضّح الجدول السابق، تقييم دول إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية الثمانية التي يَبْني مشروع العدالة العالمية عليها نتائج وتقييمات مؤشر سيادة القانون، ويمكن قراءة درجات دول المنطقة في كل مؤشر على حِدة، ويمكن تناول أبرز تلك المؤشرات على النحو الآتي بيانه:
1- مؤشر القيود على سلطات الحكومة:
تقييمات الدول في هذا المؤشر تُظهر تفاوتًا كبيرًا بين الدول الأعلى ترتيبًا والدول المتأخرة. على سبيل المثال، جاءت ناميبيا في المرتبة الأولى من بين دول إفريقيا جنوب الصحراء بتقييم “0.65” مع تقييمات قوية في أغلب العناصر مثل “0.73” في قيود السلطة التشريعية و”0.71″ في قيود القضاء. بالمقابل، كانت جمهورية الكونغو هي الأقل في هذا المؤشر بتقييم “0.36”؛ حيث شهدت انخفاضًا ملحوظًا في العناصر المرتبطة بالقيود على الحكومة مثل “0.33” في حدود القضاء و”0.39″ في الرقابة القانونية.
أما رواندا فقد حقَّقت تقييمًا جيدًا “0.61”، مع تحقيق درجات جيدة في قيود السلطة التشريعية (0.52) وإجراءات القضاء (0.68)، مما يشير إلى جهودها في تقليص التضارب بين السلطات المختلفة. بالمقابل، سجَّل السودان تقييمًا ضعيفًا قدره “0.27”، مما يعكس الضعف في فرض القيود على سلطات الحكومة في البلاد.
2- مؤشر غياب الفساد:
أظهرت رواندا مرة أخرى تفوقًا في هذا المؤشر بتقييم “0.68”، مشيرة إلى تقدُّمها في مكافحة الفساد، بينما كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية في ذيل القائمة بتقييم “0.17”، مما يعكس ضعفًا كبيرًا في مكافحة الفساد. في نفس السياق، غانا حققت تقييم “0.39”، وهو تقييم متواضع مقارنة بالدول الأخرى التي تظهر أداءً أفضل في هذا المجال.
3- مؤشر الحكومة المفتوحة:
في هذا المؤشر، تفوقت جنوب إفريقيا بتقييم “0.61”، مشيرة إلى خطوات إيجابية في تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية. بينما سجلت الكاميرون تقييم “0.34”، مما يوضّح ضعف الحكومة المفتوحة فيها، وخاصة في مجال المشاركة الشعبية والشفافية.
4- مؤشر الحقوق الأساسية:
حظيت موريشيوس بتقييم قوي في هذا المؤشر “0.64”، مما يعكس ضمان الحقوق الأساسية لمواطنيها. بينما موريتانيا سجلت أداءً ضعيفًا في هذا المجال، مع تقييم قدره “0.38”، مما يشير إلى وجود تحديات في مجال حقوق الإنسان في البلاد.
5- مؤشر النظام والأمن:
تصدرت رواندا هذا المؤشر بتقييم “0.85”، وهو أعلى تقييم في جميع الدول التي تم تقييمها، مما يشير إلى استقرار النظام والأمن في البلاد. أما مالي، فقد سجَّلت أدنى تقييم في هذا المؤشر “0.37”، مشيرة إلى ضعف الاستقرار الأمني في ظل الأزمات التي تعاني منها.
6- مؤشر الإنفاذ القانوني وقوته:
موريشيوس وبوتسوانا سجَّلتا تقييمات قوية في هذا المؤشر، بتقييمات “0.62” و”0.59″ على التوالي، مما يعكس فعالية قوة تنفيذ القوانين في هذين البلدين. بالمقابل، سجلت الكاميرون ** تقييمًا منخفضًا قدره “0.41”، مما يشير إلى تحديات في تنفيذ القوانين بفعالية.
7- مؤشر العدالة المدنية:
في هذا المؤشر، تصدرت رواندا مع تقييم “0.66”، مشيرة إلى قوة العدالة المدنية في البلاد. أما الكاميرون فقد سجلت أدنى تقييم “0.23”، مما يعكس ضعف النظام القضائي في تحقيق العدالة المدنية.
8- مؤشر العدالة الجنائية:
تصدرت رواندا مجددًا بتقييم “0.56”، فيما كانت موريتانيا في أسفل التقييمات مع “0.27”، مما يبرز الصعوبات التي تواجهها في تحقيق العدالة الجنائية.
تقييم المؤشر:
يُعدّ مؤشر سيادة القانون أداة إستراتيجية مهمة يمكن أن تُسْهم بشكل كبير في تعزيز التعاون بين حكومات دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك من خلال الاستفادة من المعايير التي يقيسها لتحسين الأداء في المجالات المرتبطة بسيادة القانون. وهذا المؤشر يُتيح للدول تحديد مكامن القوة والضعف في أنظمتها القانونية، ما يُسهم في استنباط سُبل التعاون مع الدول الإفريقية التي نجحت في تحسين سيادة القانون مثل رواندا وموريشيوس.
ومن خلال الاتحاد الإفريقي، يمكن تعميم هذه التجارب الناجحة على الدول الساعية لإصلاح أنظمتها القانونية، مما يُعزّز من قدرتها على الحد من الفساد والاستبداد والعنف، ويضمن تحقيق العدالة المدنية والجنائية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاتحاد الإفريقي المساهمة في وضع إطار إستراتيجي مُوحَّد للنهوض بالنظام القضائي والقانوني على مستوى القارة، مع التركيز على حلّ الملفات العالقة التي تُعطِّل سيادة القانون والامتثال القضائي.
ومع ذلك، ورغم الفوائد الكبيرة التي يُمكن أن تُحقِّقها الدول الإفريقية من مؤشر سيادة القانون؛ فإن هناك بعض النقاط التي تثير تساؤلات بشأن مدى عدالة التقييم وفقًا لهذا المؤشر:
أولاً: يُعتمد في التقييم على معيار الدخل، وهو تصنيف قد يتسبّب في ظلم الدول الإفريقية التي تُعاني من أزمات اقتصادية عميقة نتيجة للتحديات الجغرافية والتاريخية والصراعات المسلحة التي خلَّفت تداعيات سلبية على أدائها الاقتصادي. وهذا التقييم، بناءً على الدخل، قد يضع العديد من الدول في مراتب متدنية بشكل غير مُنْصِف. لذلك، من الأنسب أن يتم تقييم سيادة القانون بشكل مستقل عن معيار الدخل، بما يُتيح توفير تصنيف أكثر عدلاً للدول الإفريقية.
ثانيًا: يتَّسم التقييم الحالي بمحدودية النظر إلى الأسباب الكامنة وراء النتائج المحققة؛ حيث يقتصر على تقديم نتائج رقمية دون تحليل دقيق لمسببات هذه النتائج. لذا، من الضروري أن يتضمَّن التقييم تحليلاً معمقًا لمؤشرات التقييم، مع مراعاة خصوصيات كل منطقة ووضع نِسَب معيارية تُساعد على فهم أعمق للواقع الإفريقي، بما يساهم في تطوير إستراتيجيات أكثر فعالية لتطبيق سيادة القانون.
وختامًا، يتضح من تحليل مؤشر سيادة القانون 2024م أن إفريقيا جنوب الصحراء تشهد تفاوتًا كبيرًا في مستوى الالتزام بسيادة القانون؛ حيث تتمتع بعض الدول بأداء مقبول يعكس احترامًا نسبيًّا للمعايير القانونية مثل رواندا، موريشيوس، وبوتسوانا، بينما تواجه دول أخرى تحديات كبيرة في تطبيق سيادة القانون، بسبب الفساد المستشري، وضعف النظام القضائي، وانتشار التمييز.
علاوة على ذلك؛ تسهم التوترات السياسية والعنف المستمر في عرقلة الجهود الرامية إلى تعزيز العدالة الجنائية والمدنية، وهو ما يزيد من تفاقم أزمة سيادة القانون في المنطقة. وتجسّد هذه الفجوات في النظام القانوني صعوبات وتحديات تحول دون تحقيق التوازن بين الحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان؛ حيث تظل العديد من الدول في مواجهة تحديات كبيرة تتطلب إصلاحات عميقة لضمان الشفافية والنزاهة في تطبيق العدالة.